جان قهوجي.. رجل بلا انتماء سياسي أمضى حياته في الميدان

نحو 50 ضابطا يسبقونه في الأقدمية سبقهم «بالخبرة السياسية»

الرئيس سليمان يستقبل القائد الجديد للجيش العماد جان قهوجي (دالاتي ونهرا)
TT

لم تجر العادة في لبنان أن يكون قائد الجيش هو الاكثر كفاءة «على الورق»، فلمنصب قائد الجيش في لبنان الكثير الكثير من «التفاصيل» غير التقنية التي لا تقل أهمية وتأثيرا عن الآلية المتبعة في اختيار قائد الجيش... والعماد جان قهوجي لم يشذ عن هذه القاعدة.

ليس العماد قهوجي الاول على لائحة التراتبية العسكرية المؤهلة للوصول الى المنصب الاول في المؤسسة العسكرية، لكنه من دون شك الافضل من الناحية «العملية»، فقيادة الجيش في بلد حافل بالتقلبات السياسية والامنية كلبنان تحتاج الى «خبير» في قيادة الازمات، بالاضافة الى خبير سياسي «لأن قيادة الجيش ليست منصبا اداريا فحسب» ولهذا يجب أن يكون لدى قائد الجيش ـ اضافة الى خبرته العسكرية ـ ادراك للتجاذبات السياسية وحكمة في القرار. ولعل التجربة التي خاضها الجيش منذ العام 2005 وحتى اليوم خير دليل. فبالارقام هناك ما لا يقل عن 40 ضابطا ولا يزيد عن 50 يسبقون العماد قهوجي بالتراتبية العسكرية، لكنه اليوم قائدهم. ففي الجيش اللبناني هناك عماد واحد للجيش والباقون عليهم أن يلقوا التحية أو يستقيلوا.

ويقول أحد المتابعين عن كثب للمؤسسة العسكرية إن ضباط الجيش يتفهمون اجمالا أن اختيار قائد الجيش له مواصفات غير تقنية، فلا يوجد ضابط غير كفء لقيادة الجيش، خصوصا أن بين هؤلاء من أمضى أكثر من 45 سنة في هذه المؤسسة، انما ـ يتابع ـ هناك خيار لا بد أن يتخذ وشخص تجمع عليه القيادات السياسية وفقا لتاريخه العسكري والوضع السياسي. وهو خيار يوائم بين مصلحة المؤسسة ومصلحة الوطن، فكان العماد قهوجي.

وهذا لا يعني أن هؤلاء الضباط سيرحلون جميعا عن المؤسسة «لأنهم يرفضون أداء التحية العسكرية وتقديم فروض الولاء لضابط يقل عنهم اقدمية في المؤسسة»، وكانت جرت العادة في محطات تاريخية اعطاء حوافز للضباط الذين «أجحف بحقهم» هي عبارة عن درجات اضافية وزيادة رواتب كتعويض، لكن حتى الان لا يوجد اتجاه في المؤسسة العسكرية للقيام بشيء مماثل مع هؤلاء الضباط الا اذا استفادوا من مشروع مشابه موضوع قيد البحث الان ويتعلق بقوى الامن الداخلي.

35 سنة أمضاها قهوجي في الجيش منذ أن انتسب الى المدرسة الحربية في الاول من اكتوبر (تشرين الاول) 1973، أمضاها كلها في الميدان، فلم يكن يوما في منصب اداري داخل الجيش، مما يعطيه أفضلية ميدانية كما يقول رفيق سلاح للقهوجي الذي «تشبع بمشاكل الجنود ومتطلباتهم، كما يعرف بالعمق احتياجات الجيش والصعاب». ويؤكد رفيقه انه «رجل بلا انتماء سياسي وفقا لمفاهيم التجاذبات السياسية اللبنانية، بل ينتمي الى لبنان وصيغة العيش المشترك والارادة الوطنية الجامعة».

شخصيته «واثقة» وطبعه «هادئ» كما يصفه رفاق السلاح من الرؤساء والمرؤوسين السابقين. «يدرس المتطلبات ويأخذ القرار الصحيح» و«يشارك رجاله اعمالهم ومهماتهم ويعيشها عن قرب»، كما أنه مقاتل شرس، كما يقول عنه رفاقه، نال وساما خلال حرب الشحار الغربي في الشوف اللبناني ما أعطاه ستة اشهر اقدمية في الترقية عن رفاقه في الجيش، بقي يستفيد منها حتى تعيينه عميد ركن في الاول من يوليو (تموز) 2002. وقد أصيب أكثر من مرة خلال المعارك فنال وسام الجرحى ووسام الحرب 3 مرات.

وتقول «التقديرات» إن العماد قهوجي كان مرشحا للاغتيال قبل نحو شهرين عندما ضبطت عبوة ناسفة على الطريق التي كانت تربط منزله بمركز عمله في محلة العبدة في شمال لبنان، اذ ضبط الجيش عبوة ناسفة غير مجهزة بعد في أحد حقول القصب على الطريق التي يسلكها قهوجي، والذي كان اتى لتوه من خارج لبنان.

والعماد قهوجي هو اساسا من بلدة بعدران في الشوف اللبناني، غير أن ظروف عمل والده حملته الى بلدة عين ابل الحدودية في جنوب لبنان حيث ولد قهوجي في 23 سبتمبر (ايلول) 1953، قبل أن تنتقل العائلة الى كسروان. فتزوج من السيدة مارلين صفير وهي من كسروان، ونقل قيوده ومحل اقامته الى صربا في كسروان حيث لايزال يقيم حتى اليوم.

أما الجيش اللبناني الذي قدر له أن يدفع ثمن ملء الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية فراغا في منصب قيادته، فستعود أموره الى طبيعتها في الثانية عشرة من ظهر يوم غد الاثنين عندما يتسلم العماد قهوجي منصبه رسميا بعد اصدار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أمس مرسوم تعيينه قائدا للجيش.