الحرب الداخلية في إدارة بوش حول الورطة العراقية

قائد القوات الأميركية في العراق غضب عندما سمع رايس تتحدث عن أهداف للعمليات العسكرية لم يسمع بها ولم يستشره أحد حولها

وزيرة الخارجية الأميركية رايس تقف في المكتب البيضاوي في البيت الابيض وبجوارها وزير الدفاع رامسفيلد في صورة أرشيفية من أكتوبر 2006 (أ.ب)
TT

«الحرب الداخلية»، هكذا اختار الصحافي المخضرم الاميركي بوب وودورد وصف السنتين الاخيرتين من ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش في كتابه الجديد «الحرب الداخلية: التاريخ السري للبيت الابيض 2006ـ2008». ويكشف وودورد في كتابه الصراع الداخلي للادارة الاميركية في ما يخص معالجة الازمة في العراق، بين وزارتي الدفاع والخارجية ومجلس الامن القومي. وقد اجرى وودورد 150 مقابلة مع مسؤولين في الادارة الاميركية بالاضافة الى لاعبين اساسيين في العمليات الامنية والدبلوماسية والعسكرية في العراق من اجل رصد التطورات في الاستراتيجية الاميركية للحرب في العراق. وبالاضافة الى ذلك، اجرى وودورد مقابلتين مع الرئيس بوش في مايو (ايار) 2008 على مدار 3 ساعات، غذت الكتاب بوجهة نظر الرئيس الاميركي للتطورات في العراق. ويشمل الكتاب مصادر اضافية مثل وثائق سرية سمح البيت الابيض لوودورد للاطلاع عليها ونشر اجزاء منها. أثناء صيف عام 2006، أرسلت مساعدة مستشار الأمن القومي ميغان أوسوليفان من مكتبها الملاصق للبيت الأبيض، تقريرا يوميا سريا للغاية إلى الرئيس الاميركي جورج بوش حول تصاعد أحداث العنف والفوضى في العراق. وكتبت في 20 يوليو (تموز) نقلا عن تقرير استخباراتي: «لقد ازدادت حدة العنف، وهو الآن قائم بذاته».

تعارض تقديرها المنذر بكارثة للاوضاع مع التأكيدات المتفائلة التي كان يسمعها الرئيس بوش من الجنرال جورج دبليو كيسي جونيور، القائد الأميركي في العراق. كان كيسي ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد يضغطان من أجل خفض عدد القوات الأميركية والإسراع بنقل المسؤولية إلى العراقيين. وعلى الرغم من شهور من العنف المتزايد، أصر كيسي على أنه في غضون عام، سيكون العراق مستقرا على نحو كبير، وستعود غالبية قوات القتال الأميركية إلى البلاد. وادعى الرئيس علانية أن الولايات المتحدة تفوز في الحرب، وأعرب عن ثقة كبيرة في كيسي قائلا: «إنني اعتمد على حكمه». ولكن سرا، كان يفقد الثقة في استراتيجية تخفيض القوات. وسأل أوسوليفان ذلك الصيف بإلحاح متزايد: «ماذا تسمعون من الناس في بغداد؟ كيف يعيش الناس حياتهم اليومية؟».

وأجابته: «إنها كالجحيم، سيدي الرئيس»، مصرة على ألا تضلله أو تكذب عليه.

كان عمر أوسوليفان حينها 36 عاما، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد ولديها عام من الخبرة في العراق. ومع تصاعد أعمال العنف، بدأت تشعر أن إستراتيجية سحب القوات لا يمكن الدفاع عنها. وعلى مدى شهور، حثت رئيسها، مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، على البدء في مراجعة كاملة للإستراتيجية.

وفي ذلك الصيف، حين فاق أعداد الضحايا الأميركيين 2500 قتيل وحوالي 20 الف جريح، اعترف بوش لنفسه بما لم يقله علانية: الحرب اتخذت منحنى خطيرا إلى الأسوأ، مع وقوع ألف هجمة كل أسبوع، أي ست هجمات في الساعة. وتذكر بوش تفاصيل تلك الاشهر في حوار أجري في مايو (أيار) عام 2008: «خلف الأمل الذي كنت أشعر به كان شعور بالقلق». وكانت الإستراتيجية بمثابة خطة «يأمل الجميع في نجاحها. ولكنها لم تفلح. ولذلك السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: عندما تكون في مكاني: إذا لم تنجح (الاستراتيجية)، ماذا ستفعل؟».

هذه هي القصة غير المروية عن كيفية تعامل إدارة بوش مع هذا السؤال. توضح هذه القصة، التي تم تجميعها من أوراق سرية وحوارات مع أكثر من 150 مشاركا، أن جهود الإدارة في تطوير إستراتيجية جديدة للعراق عطلها خلاف بين مستشاري الرئيس، وأخرتها الحسابات السياسية، وأعاقها الشقاق المتزايد والمرير في العلاقات المدنية ـ العسكرية.

لا توجد إدارة تبرز خلافاتها طواعية، ولكن ما حدث في واشنطن أثناء عام 2006 ذهب إلى أبعد من كونه معاملات حكومية معتادة. لقد وصلت مستويات عدم الثقة إلى حد خطير لدرجة أن يستخدم بوش طريقا خلفيا ليصل إلى بديل كيسي في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، ملتفا حول تسلسل القيادة القائم. وبينما ازدادت حدة العنف في العراق إلى درجة تثير المخاوف، كانت جبهة ثانية في الحرب المشتعلة في الداخل على أعلى مستويات البيت الأبيض والبنتاغون وهيئة رؤساء الأركان المشتركة ووزارة الخارجية.

بحلول منتصف عام 2006، كان كيسي، الجنرال ذو أربع نجمات، قد أمضى عامين كقائد للقوات الأميركية في العراق. وبينما كانت الوحدات الأميركية ترسل الى العراق وتنقل منه، ظل هو في موقعه.

انتهى كيسي إلى أن أكبر مشكلة في الحرب هي الرئيس ذاته. منذ بداية الحرب، شعر كيسي أن الرئيس يرى الحرب بمنظور تقليدي، حيث يسأل باستمرار عن أعداد الأسرى أو القتلى بين صفوف الأعداء. وقد أفضى كيسي إلى زميل له فيما بعد أنه سرى لديه انطباع أن بوش يعكس «الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري الذي ينادي دوما: «اقتلوا الأنذال! اقتلوا الأنذال كي تنجحوا».

وشعر كيسي بالانزعاج من فكرة عدم استيعاب الرئيس طبيعة الحرب التي يخوضونها. وكان يعتقد أن القوات الغربية المسلحة الضخمة لن تستمر طويلا. وكان الرئيس أحيانا يطلق تصريحات حول ضرورة كسب تأييد الشعب العراقي، ولكنه كان يميل بعدها باهتمام اكبر ليسأل عن الغارات والعمليات العسكرية، مستجوبا كيسي حول عمليات القتل والقبض على المشتبهين.

وقبل عدة أشهر، أثناء اجتماع عبر الفيديو في حضور كبار القادة العسكريين والمدنيين، أخبر بوش كيسي أنه يبدو أن الجنرال لا يقوم بالدور الكافي. وقال بوش: «جورج، نحن لا نلعب من أجل التعادل. أريد أن أتأكد من أننا جميعا نعرف هذا، أليس كذلك؟» وأكد عليها بوش مرة أخرى في الاجتماع ذاته: «أريد أن يعرف الجميع أننا لا نلعب من أجل التعادل، هل هذا صحيح؟».

في بغداد، كان حتى طرح المسألة بهذه الطريقة إهانة لكرامة كيسي سيظل يذكرها لفترة طويلة. وأجاب كيسي في جواب شديد اللهجة: «سيدي الرئيس، نحن لا نلعب من أجل التعادل».

وبسؤاله عن رؤية كيسي، أصر بوش أنه يفهم طبيعة الحرب، بغض النظر عما كان يظنه كيسي. وقال «أعني، من بين كل الناس، انه أنا (من يفهم طبيعة الحرب)». ولكن تؤكد تعليقات مسجلة عدة من بوش على مخاوف كيسي من أن الرئيس ركز على نحو مبالغ فيه على عدد القتلى بين صفوف العدو.

وقال بوش في الحوار الذي أجري معه في شهر مايو (أيار): «سألت عن ذلك (عدد القتلى) لكي أعرف ما إذا كنا ندافع عن أنفسنا. لأن الفكرة هي أن رجالنا يموتون ورجالهم لا. ولأننا لا نسجل الأرقام، ليس لدينا سجل». وقال إن سؤاله العام لقادته العسكريين كان: «هل نحرز تقدما في التغلب عليهم؟». وقال لاحقاً: «الأمر الذي أحبطني، من وجهة نظري، أننا بدونا وكأننا نفقد جنودنا بدون أن ندافع لأن القادة يكرهون الحديث عن انتصاراتنا في ميدان المعركة».

وجد كيسي نفسه على خلاف مع آخرين في الإدارة الأميركية. إحدى المرات، عندما قال إن عدد الأفراد المدنيين الذي تطوعوا من أجل الانضمام إلى الجيش في العراق «تافه»، ووبخته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وقالت له انه ليس على حق.

في موقف آخر، في أواخر عام 2005، تناطح مع رايس بعد أن أدلت بشهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، التي قدمت فيها وصفا موجزا لإستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية في العراق: «التخليص والحفاظ والبناء: أي تخليص المناطق من سيطرة المتمردين، والحفاظ عليها آمنة، ثم بناء مؤسسات عراقية قوية».

وسأل كيسي رئيسه في القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جون أبي زيد حينها: «ما هذا الذي يقال؟» قال أبي زيد: «لا أدري».

* «هل وافقت على هذا؟» ـ «لا، لم أوافق على هذا.» عندما جاءت رايس إلى العراق بعد ذلك، طلب كيسي عقد اجتماع خاص معها ومع السفير الأميركي زلماي خليل زاد.

قال كيسي: «عذرا سيدتي، ولكن ما هي استراتيجية «التخليص والحفاظ والبناء؟».

بدت رايس مندهشة قليلا وقالت: «جورج، ما هي استراتيجيتك».

ـ «سيدتي، إذا كانت هذه هي إستراتيجيتي، ألا تظنين أنه كان من الواجب أن يتحلى أحدهم بالكياسة ليخبرني بأمرها قبل أن تعلنيها على الملأ؟».

قالت «آه، حسنا، لقد أخبرنا الجنرال رايموند أوديرنو»، الذي كان يعمل حلقة الوصل بين الجيش ووزارة الخارجية. قال كيسي: «انظري، سيدتي، على الرغم من عملي لمساندة وزارة الخارجية في هذا الأمر، فإن التقدم فيه بدون إطلاعي عليه يعتبر مخالفة لقواعد اللعبة».

وقدمت رايس اعتذارا لكيسي بعد ذلك. حاول كل من أوسوليفان وهادلي على مدى شهور في صيف عام 2006 أن تكون هناك إعادة نظر في إستراتيجية العراق. ولكنهما واجها مقاومة، بالإضافة إلى كثرة الالتزامات الرئاسية اليومية.

لقد وجدا أن إعادة النظر في الإستراتيجية محفوف بالمخاطر، حتى لو كان في أقصى درجات السرية. فإن تسرب خبر تشكيك البيت الأبيض في إستراتيجيته قد يكون مدمرا. وكانت الانتخابات النصفية في الكونغرس بعد أربعة أشهر. وكان من المرجح أن يكون العراق القضية الأساسية (في الانتخابات)، وكانت نسبة الجمهوريين الضئيلة في مجلسي الشيوخ والنواب في وضع خطير.

في منتصف يوليو (تموز)، أخبر هادلي الرئيس أنه يريد أن يضع بذرة لمراجعة شاملة للاستراتيجية بسؤال رامسفيلد وكيسي وخليل زاد مجموعة من الأسئلة الصارمة التفصيلية. كان من المقرر أن يعقد كيسي وخليل زاد الجلسة عبر فيديو كونفرنس آمن، نظرا لوجودهم في بغداد. وتمنت أوسوليفان أن بإجابتهم على الأسئلة، سيستيقظ الرجال الثلاثة ويدركون: «لقد تغيرت الصورة».

بارك بوش هذا الأمر، وحدد هادلي موعداً للجلسة يوم السبت الموافق 22 يوليو (تموز)، الذي تزامن مع عيد ميلاد كيسي الثامن والخمسين.

وقد اندهش الجنرال، فقبل أسبوعين فقط أسرف الرئيس في الثناء على الجنرال كيسي خلال حديثه للصحافين في شيكاغو. والآن كان لدى كيسي 14 سؤالاً من هادلي كل منها به العديد من الأسئلة الفرعية، وقد أحصى كيسي 50 سؤالاً، ولم يستغرق الأمر منه وقتًَا طويلاً لكي يدرك أن القائمة كانت هجومًا مباشرًا على الاستراتيجية الحالية. كان أحد تلك الأسئلة «ما هي استراتيجية بغداد؟».

وعندما عقد المؤتمر عبر الدائرة الهاتفية كان يأمل كاسي وخليل زاد تجاهل كل الأسئلة عبر تقديم تقرير تقليدي حول آخر المستجدات على الساحة وهو ما دأبا عليه. ولكن لم يكن ذلك سيغير من عزيمة هادلي.

وقد سأل هادلي: «هل العنف الطائفي قائم بذاته الآن ويفوق مقدرة العملية السياسية في التأثير عليه بصورة ناجحة؟».

فكر كايسي، أنه إذا ما كانت الإجابة بنعم فإنه بذلك يعني انه حان الوقت للاستسلام، فأجاب بـ«لا».

وأوضح رامسفيلد لاحقاً عدم سعادته بتلك الجلسة لكن هادلي واوسوليفان كانا يعتقدان أنهما بدآ على الأقل مناقشة حول الاستراتيجية. ومع ذلك، مر شهر كامل قبل ان يشترك بوش بالكامل في استعراض الاستراتيجية مرة أخرى.

وقد أبقى هادلي رايس على اطلاع بجهوده في اطلاق مراجعة داخلة للاستراتيجية. وكانت أيضاً على علم بالأسئلة الخمسين التي وجهها هادلي إلى كل من خليلزاد وكايسي. وكانت رايس تحدوها الرغبة في إعادة تقييم الاستراتيجية لكنها لم تكن ترغب في القيام بأي شيء يمكن أن يؤلب عليها الرأي العام السياسي، كما كانت انتخابات نوفمبر وشيكة». والإدارة الأميركية لم تكن بحاجة إلى ما أسمته «قصة شديدة الحساسية» تشير إلى أن العراق يتجه إلى الأسوأ إلى الحد أنهم يفكرون في تغيير الاستراتيجية بواحدة أخرى وهو ما كان سيستغله منتقدو الإدارة ومعارضو الحرب.

الخميس 17 أغسطس (آب) 2006: قام الرئيس الأميركي بجمع مجلس الحرب في قاعة روزفلت الخالية من النوافذ بالبيت الأبيض لمناقشة الوضع في العراق، وكانت الحرارة في خارج الغرفة عالية جدا والرطوبة مرتفعة.

وقبل ذلك بأسبوعين، وخلال زيارتها إلى مزرعة الرئيس، حذرته رايس من أن النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي يتعرض لحالة من «التمزق» وتعليقاً على هذه النقطة قال الرئيس معترفًا لأقرب مستشاريه: «يبدو أن الموقف يتدهور» وهو الأمر الذي يناقض تفاؤله الذي يبديه أمام الجمهور. وأشار إلى أنه يبحث عن طريق للمضي قدماً بالقول: «أريد أن أقول إن لدي خطة لكي أستطيع الدفاع، نحن بحاجة إلى طريق واضح للسير إلى الأمام بحلول عيد العمال». ولكن لم يكن لديهم شيء واضح خلال ذلك اليوم، ليقدموه وقد تبقى أقل من ثلاثة أسابيع من عيد العمال. وقال الرئيس: «يجب أن نطرد الشعور بأن ذلك الأمر لا يمكن هزيمته». وفي اخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» حينها، قال 56 في المائة من الأميركيين إن الحرب في العراق كانت خطأ وكانت نسبة المؤيدين لبوش حوالي 37 في المئة.

وتساءل الرئيس في إحدى المرات القليلة التي بدا فيها أنه قد بدأت تراوده احتمالية عدم النجاح: «هل بمقدور أميركا النجاح؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف؟ وكيف يمكن لقادة الجيش الإجابة على هذا السؤال؟».

وقد انضم جون أبي زيد وكايسي إلى الاجتماع عبر اتصال فيديو مؤّمن، وقبل أن يتمكنا من الإجابة قام الرئيس بإعادة رواية حادثة له مع أحد أرامل الجنود الأميركيين. وقال الرئيس على لسان المرأة «إنني أثق بك، لكن هل بإمكانك الانتصار؟».

وعندئذ قام بوش بقول أهدافه والتي تمثلت في: مجتمع حر قادر على الدفاع عن نفسه وحكم نفسه، وفي ذات الوقت تكون حليفًا موثوقا به للولايات المتحدة في حربها العالمية على الإرهاب، وأردف بتقييمه المثير للفزع «يبدو أن العراق غير قادر على إنجاز ذلك».

وقد كانت استراتيجية كايسي تعتمد خلال عامين على فكرة أنه كان يعد العراقيين لتولي المهام الأمنية، وكان قد أخبر بوش في يونيو (حزيران) 2006 بقوله: «لكي نفوز يجب علينا أن نتراجع». وكان رامسفيلد شغوفًا باستخدام القياس بتدريب طفل على قيادة الدراجة في وصف هدفه: تدريب العراقيين على تولي مهام المسؤولية الأمنية، ثم «اسحب يدك من على مقعد الدراجة» ودعهم يتولون أمر القيادة بأنفسهم.

وكانت المشكلة خلال حرب فيتنام كما أخبرني بوش في 2002 «أن الحكومة الأميركية أدارت الحرب مركزة على التفاصيل الدقيقة» بالنسبة لكل من البيت الأبيض ووزير الدفاع حينها روبرت إس مكمنارا. أما التركيز على التفاصيل الدقيقة لحرب العراق فكان خطًا أحمر بالنسبة للرئيس بوش، وكانت كلمات الجنرالات لا تعدو دائماً سوى الوعود بالنصر.

وقال بوش: «يجب أن ننجح، وسنوفر الموارد لكي ننجح وإذا لم يستطع ـ العراقيون ـ تحقيق النصر فسنحققه نحن». وفي تحد واضح لرامسفيلد، أعلن بوش: «إذا تأرجحت الدراجة فسوف نعضدها بأيدينا مرة أخرى، يجب أن نتأكد بحق أنه لا يمكننا الفشل ويجب أن يكون لدينا القدرة البشرية اللازمة لصنع ذلك». وقال كايسي: «لقد فهمت، أنا أدرك نواياك».

لكن ما لم يفهمه هو أن عالمه كان على وشك التغير. وقد أخبرني بوش بعد ذلك أنه كان يرسل رسالة عن قصد إلى رامسفيلد وكايسي يقصد من ورائها «إذا لم تكن الاستراتيجية جيدة فدعونا نقوم بشيء آخر... وأعتقد أنهما أدركا أنها رسالة»، لكن نبرة التفاؤل لم تفارق حديث كايسي.

وأخبر هادلي رايس وآخرين أنه يزدري استعارة لفظة الدراجة التي يستخدمها رامسفيلد، لأنها أطلقت ذكرى سيئة. فكما يقول هادلي في حديثه، خلال فترة أوائل الخمسينيات فإنه كان في روضة الأطفال في مدينة توليدو بولاية أوهايو، وقرر والده أن يعلمه ركوب الدراجات، ومن ثم أمسك بمقعد الدراجة، ثم أخذه باتجاه شارع شديد الانحدار وترك الدراجة، ثم أخذ والده يصرخ «رائع» ووضع هادلي الصغير قدميه على دواسة الدراجة لكن صوت والده بدأ يبتعد وأدرك الصغير أنه بمفرده الآن، وحاول الاستدارة ليرى والده لكنه سقط في الحال وقد جرحت ركبتيه ومرفقاه. وقد ظلت تلك الحاثة تمنعه من ركوب الدراجات حتى بلغ 21 أو 22 عامًا. وفكر هادلي الآن حينما قال رامسفيلد لقد حان الوقت لنرفع أيدينا عن مقعد الدراجة: «بالطبع سيكون هناك ثمن وعواقب إذا ما رفعت يدك عن الدراجة وسقط الطفل».

بالرغم من الأسئلة الخمسين التي طرحها هادلي والتي انصبت حول مسألة الاستراتيجية، كانت الجلسة الشاقة مع الرئيس حول العنف المتصاعد على أرض العراق، كان كايسي لا يزال متشبثًا بفكرة «اترك لكي تفوز». وأردف أنه في خلال 12 إلى 18 شهراً يمكن للقوات العراقية تولي المسؤولية الأمنية للعراق مع دعم بسيط جداً من قوات التحالف.

ورأى كايسي مهمته الإسراع في نقل المسؤوليات إلى العراقيين لكن الرئيس الأميركي وعدد آخر من المسؤولين بدأوا في التوجه باتجاه آخر.

وقد أخبر هادلي رايس في اكتوبر (تشرين الاول) 2006: «يجب أن نوحد جهودنا الآن، وأن نقوم بذلك بصورة سرية لأن موسم الانتخابات ازدادت سخونته، لكن يجب أن نوحد جهودنا في هذا الأمر الآن وأن نقدم للرئيس بعض الخيارات». ووافقت رايس على مراجعة أكثر ترابطًا ومنطقية للاستراتيجية وأن يتم ذلك في إطار من السرية.

وبعد أشهر من التباطؤ، وبالتحديد في منتصف أكتوبر، قال هادلي للرئيس: «أود البدء في مراجعة داخلية غير رسمية».

وقامت مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس الأمن القومي ومعهم منسق رايس الخاص لشؤون العراق ديفيد ساترفيلد بالعمل في إطار من السرية. كان بامكانهم العمل لاحقاً على جعل المراجعة رسميا. وأمر بوش المجموعة بالمضي في ذلك بالقول: «قم بها».

وفي 17 أكتوبر اجتمع هادلي باوسوليفان في مكتبها وطلب منها الشروع في مراجعة الاستراتيجية بسرية تامة، وعدم إشراك رامسفيلد أو أبي زيد أو كايسي ـ الرجل الذي يثق فيه الرئيس بشأن الاستراتيجية ـ وفي غضون أيام قليلة كانت المراجعة ماضية في طريقها في مكتب اوسوليفان، ولم يتم إشراك أحد من وزارة الدفاع أو الجيش فيها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»