صورة بوش ترسمها حروبه.. وانتقال أهدافه من «النصر» إلى «النجاح»

يسلم مسؤولية حرب العراق لخلفه مع نصيحة واحدة: «لا تدعه يفشل»

صورة أرشيفية للرئيس الاميركي جورج بوش في الانبار في 3 سبتمبر (ايلول) 2007. حيث يحيي بوش قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس وخلفه قائد القيادة الوسطى الاميركي الادميرال وليام فالون (أ ب)
TT

من خلال 6 مقابلات على مدار 7 سنوات، يرسم الصحافي والكاتب الاميركي بوب وودورد، صورة للرئيس الاميركي جورج بوش، تدور حول خوضه الحربين في العراق وافغانستان. ويركز وودورد في الحلقة الرابعة من كتاب «الحرب الداخلية: التاريخ السري للبيت الأبيض 2006 ـ 2008» على تأثير حرب العراق على بوش، لتجعله اكثر واقعية في طموحاته التي لم يحقق ابرزها. فبينما كان بوش يتحدث عام 2001 عن «اجتثاث الارهاب من جذوره اينما وجد» وتحقيق «السلام العالمي» و«توحيد الامة»، يستعد بوش لترك البيث الابيض مع استمرار حربي العراق وافغانستان، وانقسام بلاده وتردي شعبيته.

ورغم عدم استقرار العراق بعد، يؤكد بوش على ثقته بصحة قرار الحرب، وتؤيده في هذا الرأي وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس التي تقول: «لا يوجد ما يمكن أن أفخر به أكثر من تحرير العراق». وفي مقابلة قبل 8 اشهر من انتهاء ولايته، يدافع بوش عن عمله، متهماً طبقة «نخبوية» في أميركا بأنها ترى أنه لا يستطيع القيام بشيء بالصورة الصحيحة. وشدد بوش على اهمية مواصلة المهمة في العراق من اجل «النجاح» حتى بعد رحيله عن موقع القرار في واشنطن. وخلص نصيحته لن يخلفه قائداً عاماً في خوض الحرب في العراق بجملة واحدة «لا تدعه يفشل». قبل احتفالات أعياد الميلاد لعام 2001 بخمسة أيام، وبعد ما يزيد قليلاً على ثلاثة أشهر من وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، التي أعادت صياغة رئاسته، جلس جورج دبليو. بوش في مكتبه البيضاوي للمرة الأولى في إطار ما أصبح فيما بعد سلسلة من ستة لقاءات بشأن كيفية اختياره لأسلوب ممارسة أهم سلطاته على الإطلاق، وهي تلك التي يتمتع بها باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. آنذاك، كان بوش في الخامسة والخمسين من عمره، وبدا رئيساً شاباً مفعما بالثقة. وبدا أن الحرب في أفغانستان تسير بصورة جيدة، حيث تمكنت القوات الأميركية من الإطاحة بنظام طالبان، وشرعت في استهداف الملاذات الآمنة الخاصة بتنظيم «القاعدة». ومن جهته، احتفظ بوش بصور لزعماء «القاعدة» داخل غرفة مكتبه، وأشار إلى أنه وضع علامة x كبيرة على صورة كل إرهابي مشتبه به يتم قتله أو إلقاء القبض عليه. وقال: «في إحدى المرات في بداية الأمر، قلت: أنا من هواة البايسبول، وأرغب في تسجيل الأهداف». وبثقة، حدد بوش أهدافا كبرى بثقة. قال: «سنجتث الإرهاب من جذوره أينما وُجد». كما تحدث عن تحقيق «السلام العالمي» وتوحيد الصفوف على الصعيد الداخلي. وأكد بوش أن: «مهمة الرئيس توحيد الأمة». بعد سبع سنوات، وأثناء مشاركته في اللقاء الصحافي الأخير، بقيت الثقة واضحة في ملامح الرئيس بوش، وما زال يتخذ قراراته بالاعتماد على حدسه وعلى قناعة تامة بصحة النهج الذي اتبعه حيال أفغانستان والعراق. إلا أنه من ناحية أخرى مهمة، بدا رجلا مختلفا كلية عن سابق عهده. والتغير كان مرتبطاً بما هو أبعد من مجرد التقدم الحتمي في العمر وما يصاحبه من مظاهر الشيب، وازدياد التجاعيد وحجم البطن وترهل الجسد قليلاً، أثناء الجلوس. خلال السنوات الأولى من حرب العراق، تحدث الرئيس عن «الفوز» أو «النصر»، لكن بحلول مايو (أيار) 2008، خفت قوة خطاباته، ذلك أنه في مرتين خلال آخر لقاء معه ذكر كلمة «فوز»، ثم سارع بتصليح التعبير واستبداله بكلمة «نجاح»، ما يشكل تراجعاً غير معلن وإن كان واضحاً عن المستوى السابق للأهداف، الأمر الذي يعكس الحقائق السلبية على أرض الواقع في حرب تبدو بلا نهاية على امتداد المستقبل المنظور. ومنذ خريف 2001، خدم ما يعادل نصف الرجال والنساء من أبناء المؤسسة العسكرية الأميركية تقريباً في العراق. ولقي منهم 4100 حتفهم، بينما تعرض 30 الفا آخرون لإصابات خطيرة. في المقابل، قُتل عشرات الآلاف من العراقيين. ومع استعداد بوش لخوض الشهور الأربعة الأخيرة من فترة رئاسته، ما يزال حوالي 140 الف جندي أميركي في العراق، وهو نفس العدد تقريباً للقوات التي نفذت عملية الغزو البري. ومن المؤكد أن الرئيس المقبل لن يرث هذه الحرب فحسب، وإنما كذلك تلك الأخرى باهظة التكاليف الدائرة في أفغانستان. والواضح أن أي تسجيل للاهداف لفترة رئاسة بوش سيعتمد على أدائه كقائد عام للقوات المسلحة: هل أقر نظاما لعملية صنع القرار جديرا بالتضحيات التي طلب من الآخرين تقديمها، خاصة رجال ونساء المؤسسة العسكرية الأميركية؟ هل أبدى استعداده للنقاش ودراسة المسارات البديلة؟ هل اتسم بالبطء في العمل عندما كانت الاستراتيجيات المتبعة تفشل؟ هل أقر الاستراتيجيات في الوقت المناسب؟ وهل جرت محاسبة المسؤولين داخل الإدارة؟ كثيراً ما طرحت هذه التساؤلات نفسها خلال الأعوام السبعة التي عملت خلالها في الإسهام في أربعة كتب عن بوش والحروب التي خاضها. وكان من شأن اللقاءات التي أجريتها مع العشرات من مسؤولي الإدارة الأميركية والمسؤولين العسكريين، رغم تركيزها على الأحداث التي هيمنت خلال فترتي رئاسة بوش، رسم صورة للرئيس وكيف مارس الحكم والموروث الذي يخلفه وراءه. وتكشف هذه اللقاءات أن الرئيس بوش غالباً ما أبدى نفاد الصبر والشجاعة والثقة الشخصية المطلقة حيال قراراته. وربما شعر بعض أعضاء إدارته بقلق بالغ إزاء مسألة أن هذه الصفات أسفرت في بعض الأحيان عن التأخر في رد الفعل تجاه الحقائق القائمة على أرض الواقع والتصرف بناء على نصيحة لا تتوافق مع وجهة نظر الرئيس. ومثلما تصوغ الحروب صورة الأمم، فإن طريقة قيادة رئيس ما للحرب ترسم صورته.

*** ومن ناحيته، عمد دافيد ساترفيلد، وهو دبلوماسي بارز يُعرف باسم «نقطة الحديث الإنساني»، على مراقبة الرئيس عن قرب على مدار سنوات عدة من موقعه المتميز باعتباره المنسق المعاون لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لشؤون العراق. وقد خلص ساترفيلد إلى عدة نتائج تنطوي على انتقاد بالغ لبوش لا تتفق معه بشأنها رايس. على رأس هذه النتائج أنه عندما يعتقد بوش أن أمراً ما صواب، يتولد لديه اعتقاد بأنه سينجح بالضرورة، ذلك أنه يرى في صواب هذا الأمر ضامناً كافياً للنجاح. وبما أن الديمقراطية والحرية صواب، فانهما بالتالي ستفوزان حتماً في نهاية الأمر. ولاحظ ساترفيلد أن بوش لا يبدي أدنى تردد، وأن كلماته وتصرفاته عمدت باستمرار إلى تذكير من حوله بأنه المسؤول الأول وصاحب القرار. وعليه، فإنه غالباً ما كان يلقي بنكات وتعليقات جانبية للزملاء كان يجدها ساترفيلد مؤلمة للغاية. أيضاً، لا يبد بوش صبراً إزاء الاستماع على التقارير الموجزة، وكثيراً ما كان يطلب ممن يلقونها عليه الإسراع. وكان من العسير إلقاء تقرير موجز عليه لأنه كثيراً ما كان يعترض المتحدث بتعليقاته وتساؤلاته ونكاته. ونادراً ما كانت تسير النقاشات معه على نحو منطقي مكتمل. وعليه، أثار أسلوب ممارسة بوش للحكم نقاشاً داخل صفوف الإدارة، خاصة بين مسؤولي الوكالات العسكرية والاستخباراتية. في صيف وخريف 2006، عندما بلغت أعمال العنف في العراق ذروتها، استمر بوش في التأكيد على ان استراتيجية الحرب المتبعة ناجحة، ما دفع عدداً من المحللين العسكريين، أمثال ديريك هارفي، عقيد الجيش المتقاعد الذي عمل مستشاراً للجنرال دافيد إتش. بيترايوس عندما كان الأخير قائداً للقوات الأميركية بالعراق، للتساؤل حول عواقب طمأنة الرأي العام طيلة شهور عديدة إزاء أن الاستراتيجية ناجحة، ثم تغييرها فجأة نحو أخرى تقوم على زيادة أعداد القوات في العراق. يذكر أن هارفي كان من أوائل الأصوات التي أبدت تشاؤمها حيال نتائج الحرب، وبحلول مايو (أيار) 2008 أبدى تفاؤلاً حذراً. ورجع هذا التحول إلى أنه رأى أن الأسوأ ربما يكون قد انتهى، حيث تخلصت حكومة نوري المالكي من 1400 من الشيعة من وزارة الداخلية بسبب أفعالهم ذات الطابع الطائفي، وتراجع عدد التفجيرات باستخدام سيارات مفخخة من 130 شهرياً، في مارس (آذار) 2003، ما شكل ذروة هذه التفجيرات، إلى 30 شهرياً، في مايو (أيار) 2008. ورغم أن هذا الرقم ما يزال كبيراً، فإن معظم السيارات المفخخة بات يجري تفجيرها بنقاط تفتيش وتترتب على سقوطها أعداد أقل من الضحايا. من وقت لآخر فقط تنجح سيارة مفخخة في اختراق سوق ضخمة لتسقط أعداد ضخمة من الضحايا شبيهة بمعدلات الضحايا عام 2006 ـ 2007. وحتى إذا تحسنت الأوضاع بالعراق، يعتقد هارفي أن ذلك لن ينقذ إدارة بوش من الانتقادات، حيث يرى أنه على مدار سنوات كثيرة ـ من 2003 حتى نهاية 2006 ـ افتقر الرئيس إلى الصراحة بشأن تكاليف حرب العراق وفترة استمرارها والتحديات المرتبطة بها. ومع تنقل هارفي ذهاباً وإياباً بين واشنطن وبغداد تساءل في نفسه بشأن الرئيس : «ماذا يرى؟ ولماذا تأخر كل هذا الوقت كي يتفهم حقيقة الوضع؟»

*** خلال واحد من أول اللقاءات التي أجريناها معه، علق الرئيس بوش على النهج الذي اتبعه بقوله: «أعلم أنه من الصعب عليكم أن تصدقوا ذلك، لكن لم يراودني أي شك حيال ما كنا نفعله. لم أشك.. وليس هناك شك بداخلي حول أن ما نفعله هو الصواب. ليس هناك أدنى شك لدي في ذلك».

لكن ذلك لم يكن من الصعب تصديقه، فخلال اللقاءات التي أجريت معه، أعلن بوش مراراً أن ثقته تعد واحدة من الأصول التي يحظى بها. وشدد على أنه: «على الرئيس أن يعمل بمثابة الكالسيوم في العمود الفقري. إذا لحق بي الضعف، يضعف كل فريق العمل. وإذا ساورني الشك، أؤكد لكم أنه ستظهر الكثير من الشكوك حينها. وإذا ما تضاءل مستوى ثقتي بقدراتنا، سيترك ذلك صداه بمختلف أنحاء الهيكل التنظيمي. أقصد أنه من الضروري أن نتميز بالثقة والعزيمة ووحدة الصف». وأضاف: «لا أحتاج إلى وجود أشخاص حولي يفتقرون إلى الثبات... ولا أحب توتر الأعصاب خلال أوقات الشدة». وتحدث بوش عشرات المرات عن اعتقاده «الغريزي» أو «ردود أفعاله الغريزية»، ملخصاً الأمر بالتأكيد على أنه لا يتمسك بالقواعد في تصرفاته وإنما بإحساسه.

*** ويرى أقرب مستشاري بوش أنه يمكن الحكم على الرئيس من خلال النتائج التي حققها أو سوف يحققها في نهاية المطاف. وقالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس خلال اجتماع عُقد في وزارة الخارجية في مايو (أيار) 2008: «اعتقدت منذ اليوم الأول أن العراق سيغير من شكل منطقة الشرق الأوسط، ولم اتوقف عن اعتقاد ذلك» ومع ذلك، قالت رايس: «كنت في بعض الأحيان خلال عام 2006 أتساءل ما إذا كان العراق سوف يغير الشرق الأوسط للأحسن أم لا».

وتعارض رايس فكرة أن الشرق الأوسط كان ينعم بالاستقرار، وأن إدارة بوش أتت وكدّرت صفوه بغزو العراق. من يتحدثون بتلك الطريقة لا يعرفون عما يتحدثون. «أي استقرار؟ كان صدام حسين يطلق النار على طائراتنا، وكان يهاجم جيرانه ويسعى وراء امتلاك أسلحة الدمار الشامل ويبدأ حربا كل أعوام قليلة؟ وكانت القوات السورية في لبنان لمدة 30 عاما؟ وكان ياسر عرفات يسرق الشعب الفلسطيني وكان يرفض إحلال السلام؟».

وتنظر رايس للحرب على أنها «مجرد إعادة ترتيب للأوضاع في الشرق الأوسط». في أحد الجانبين، تجد السعودية ومصر والأردن ودول الخليج تدعم غير المتطرفين. وفي الجانب الآخر، هناك الإيرانيون وحزب الله وحماس، وتقوم سورية بتغيير وضعها. وتقول رايس إنها تشعر بأنه لم يكن هناك تساوق بين حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط أفضل من 2008، حتى لو كانت تلك الدول لا تريد أن تكون في المقدمة ولا تريد أن تدعم الولايات المتحدة علنا. وتضيف رايس بدون تردد: «لا يوجد ما يمكن أن أفخر به أكثر من تحرير العراق.. هل أفسدنا أجزاء منه؟ بالتأكيد. إنها مرحلة كبيرة وتاريخية، والكثير منها لم يتم تناوله على النحو الأمثل. سأكون أنا أول من يقول ذلك».

وقالت إن أي رئيس مقبل، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، لن يقول إن إدارة بوش وضعت الشرق الأوسط في ورطة. وأكدت أنه بمرور الوقت سوف يظهر عراق ديمقراطي وسوف تتحول إيران أو سوف تذوق مرارة الهزيمة، وسيتحرر لبنان من القوات السورية، وستكون هناك دولة فلسطينية.

«نحن لم نأت إلى هنا كي نحافظ على الوضع الراهن، الذي كان يتكسر في الشرق الأوسط. كانت المنطقة تعاني من الإهمال. وكانت الامور ستكون قبيحة بطريقة أو بأخرى.. ومع ظهور العراق كما هو، سوف تكون هناك عقبات، سيكون صعبا ولكنه أكبر. وهذه هي التغيرات التاريخية. هناك الكثير من الأشياء، إذا ما كنت استطيع العودة إلى الوراء وأداءها بصورة مختلفة، سأفعل. ولكن ما لن أغيره هو أنه كان يجب علينا تحرير العراق. سأقوم بذلك آلاف المرات مجددا، سأقوم به آلاف المرات مجددا».

*** وبحلول صيف 2008، كان نائب الرئيس ديك تشيني يستعد لاستئناف مسيرته. وبعد أربعة عقود في العمل الحكومي، كان يرى أنه مر بمجموعة من الأحداث المتشابهة.

كانت الإدارة الأميركية قد قامت ببناء حكومة منتخبة ديمقراطيا في مركز الشرق الأوسط، كما يؤكد تشيني، وتمكنت من إدارة هزيمة كبرى لتنظيم «القاعدة». ويرى تشيني أن سياسات الرئيس بوش لمحاربة الإرهاب تتسم بالقوامة. وعلى الرغم من الجدل والمزاعم بشأن التعذيب، فإنه يعتقد أن الإدارة تمكنت من إقامة برنامج استجواب فعال للمعتقلين البارزين، على الرغم من استخدام بعض الأساليب القاسية مثل الحرمان من النوم والإيهام بالغرق ضد الكثير من المعتقلين. في البداية، عمل تشيني على تصوير فترته في منصب نائب الرئيس على أنها مترابطة ترابطا منطقيا. كان تشيني في بؤرة الحدث، وكان يصوغ السياسات ويعمل على تعزيز السلطات الرئاسية. ولكن كل شيء له ثمنه: فإذا كان الطريق الذي اختاره يهدف ترك المنصب كرمز للكفاح، فعليه أن يدفع الثمن.

ويعكس المنحى الذي يتسم بالإصرار المميز لديك تشيني تجاه منصب نائب الرئيس رؤيته عن الرئاسة ذاتها. سألته في مقابلة عام 2005: «ما هو تعريف منصب الرئيس؟» وأضفت: «أرى أنه تحديد كيف تكون المرحلة القادمة مرحلة جيدة لصالح غالبية المواطنين.. وبعد ذلك، صياغة خطة لتنفيذ ذلك».

أجاب تشيني: «ليست هذه هي الطريقة التي أفكر بها عن المنصف، حيث أميل إلى النظر إليه من زاوية أن هناك أشياء محددة يجب على الوطن القيام بها، وفي بعض الأحيان تكون بغيضة جدا، وفي بعض الأحيان تتطلب إشراك القوات في قتال والدخول في حرب، ورئيس الولايات المتحدة هو المنوط به تولي تلك المسؤولية.. الموقف الذي تحتاج الرئيس من أجله هو الموقف الصعب، وليس كل ما يواجه يكون صعبا، يقوم الرئيس بالكثير من الأشياء الرمزية، ولكن السمات الرمزية للرئاسة مهمة، فيمكن أن تمثل مصدر إلهام، ويمكن أن تحدد الأهداف والغايات. وعندما يريد الرئيس الحصول على المقابل فعليه أن يجلس وأن يتخذ تلك القرارات الصعبة التي تكون في الواقع قرارات حياة أو موت ذات صلة بأمن وسلام الوطن، ولا سيما المواطنين الذين سوف يتم الإرسال بهم إلى أماكن محفوفة بالمخاطر لضمان أننا يمكننا هزيمة أعدائنا ودعم أصدقائنا وحماية الوطن. «تلك هي نظرتي حول ذلك».

*** وفي آخر مقابلة لنا في 21 مايو (أيار) 2008 تحدث الرئيس بانفعال حول كيف أنه يعتقد بوجود طبقة «نخبوية» في أميركا ترى أنه لا يستطيع القيام بشيء بالصورة الصحيحة. كان أكثر حذرا من أي وقت مضى، وكان غالبا ما يجيب بأنه لا يستطيع تذكر التفاصيل، وأكد في الكثير من المرات كيف أنه استشار ستيفين هادلي، مستشار الأمن القومي المخلص له والذي يثق به. كان هناك جو من الاستسلام حوله، كما لو كان قد أدرك قلة التغييرات التي يمكن أن يقوم بها خلال الأشهر الباقية في منصب الرئيس. كان من حين لآخر يصر على أنه قد اُستهلك بسبب الحرب، حيث يقوم «بالمراجعة كل يوم»، قبل أن يضيف: «ولكن كن على يقين بأن ذلك لا يعني أنني أجلس خلف المكتب وأكون مشغولا كلياً بالعراق، لأن على الرئيس القيام الكثير من الأمور الأخرى».

ولكنه بأهدافه الطموحة لعام 2001، كان دون المستوى. فلم يوحّد البلد، ولكنه زكى من انقسامها وأصبح أكثر شخصية تؤدي للانشقاق في البلاد. أقر لي بأنه عجز عن «تغيير النبرة في واشنطن» ولم يستأصل الإرهاب حيثما وجد، ولم يحقق السلام العالمي، ولم يحقق النصر في حربيه. نوه بوش نفسه إلى ذلك حيث أعلن في خطابه في الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) 2007 أن النجاح في العراق «سيتطلب التزامات سياسية واقتصادية وأمنية من جانب الولايات المتحدة تتجاوز فترة رئاستي». وفي الوقت الذي تتجه رئاسة بوش لتكون جزءا من التاريخ، فإن الحربين اللتين بدأهما ستصبحان جزءا من قصة رئيس جديد. قلت له في المقابلة: «سيكون هناك رئيس جديد منتخب، فماذا ستقول له بشأن العراق بوصفه رئيسا.. بعيدا عن كونه ديمقراطيا أو جمهوريا؟».. فكر بوش في ذلك للحظة، وبدت إجابته تعكس تطلعاته التي طرأت عليها تعديلات «ما سأقوله: لا تدعه يفشل».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»