«القاعدة» في العراق .. الحلقة السورية (3)

3 مصادر لتمويل التنظيم أهمها الأموال التي أحضرها المفجرون الانتحاريون معهم..

TT

زادت الحرب على العراق من تشدد الجهاديين في العالم الإسلامي وزاد عدد الأفراد الذين تجندهم «القاعدة». وحاز المقاتلون الأجانب على عدد من المهارات المفيدة التي يمكن أن يقوموا باستخدامها في العمليات الإرهابية بما في ذلك الاستخدام المكثف للهجمات الانتحارية ومهارات التنظيم والحملات الإعلامية وإخفاء الاتصالات واستخدام أجهزة تفجير متطورة. وقد قام مقاتلو «القاعدة» في العراق والذين خرجوا منه بالفعل، ببعض عمليات العنف في السعودية ولبنان. ومن المحتمل أن تستمر هذه الظاهرة. وقد تتبع المسؤولون الفرنسيون 24 مقاتلا من فرنسا سافروا إلى العراق من أجل الانضمام إلى الجماعات الجهادية في مناطق لا تخضع تماما للسيطرة الحكومية في بلدان مثل أفغانستان وباكستان والصومال واليمن ولبنان.

ولا يبقى مقاتلو «القاعدة» الذين يتركون العراق مقاتلين. وتطلب «القاعدة» في العراق من بعض مقاتليها الذين يتركونها توقيع عقود بعدم الانضمام إلى جماعات جهادية أخرى. وليس من الواضح ما إذا كانت شروط هذه العقود تهدف إلى حماية المنظمات الجهادية في حالة وقوع هؤلاء المقاتلين في الأسر أو تهدف إلى التأكد من عدم التحاق هؤلاء بجماعات جهادية منافسة أخرى.

وربما لا ينهي الانسحاب الأميركي من العراق تدفق المقاتلين الأجانب إلى داخله. ومن شأن الانسحاب الذي يترك مناطق غير محكومة في العراق أن يعمل على المساعدة في إعادة تجميع العناصر المسلحة لأعضائها الأجانب الذين يسافرون إلى هناك. وإذا اعتقد الجهاديون أن العراق سوف يبقى ميدانا مهما للجهاد، أو إذا شعروا بالفرصة لإذلال الولايات المتحدة، فإنهم سوف يسافرون إلى العراق حتى إذا انسحبت القوات الأميركية من هناك، مثلما سافر جيل المقاتلين إلى أفغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي منها. وتعتمد «القاعدة» في العراق على شبكات التهريب القبلية الكثيفة عبر الحدود السورية العراقية والتي تتلقى الدعم الصريح أو الضمني من المسؤولين السوريين والعراقيين. ويأخذ التهريب أشكالا عدة، يتطلب كل منها خبرات فريدة. ومن أشهر أنواع التهريب، تهريب الماشية وعادة ما يتخذ مسارات بعيدة عن نقاط عبور الحدود. ويتم تهريب السجائر وغيرها من المواد الأخرى من خلال شاحنات تعبر الحدود ويتم دفع الرشاوى لحراس الحدود. وتتطلب المواد ذات القيمة العالية والتي يتم تهريبها مثل الأجهزة الإلكترونية مبالغ أكبر من الرشاوى والتحري بشكل أفضل عن المسؤولين الموجودين على الحدود. وغالبا ما يأخذ التهريب الذي يقوم به الأفراد بأنفسهم تلك المسارات نفسها التي يتم من خلالها التهريب عن طريق الماشية. وهناك أدلة كثيرة على أن «القاعدة» في العراق تستخدم مهربين من المجرمين والذين لا يثقون فيهم كثيرا، من أجل عبور الحدود. وتحاول «القاعدة» في العراق احتكار شبكات التهريب والتي حرمت قادة القبائل السنية من الكثير من وسائل الكسب التقليدية. وقد كان ذلك من بين العوامل المهمة التي أقنعت القبائل العراقية بالتعاون مع قوات الولايات المتحدة. وتوضح التقارير المالية أن قطاع الحدود 1 التابع لتنظيم «القاعدة» في العراق يعتمد على ثلاثة مصادر للتمويل: التحويلات من قادة تنظيم «القاعدة» في العراق، والتبرعات من العراقيين المحليين والمال الذي يحضره المفجرون الانتحاريون معهم. وفي هذا القطاع الذي يوجد بالقرب من سينجار، بحسب الوثائق التي نشرتها مواقع الكترونية قريبة من وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يسهم المقاتلون الأجانب بأكثر من 70 بالمائة من ميزانية القطاع. وفي هذا القطاع، تم استخدام 38 بالمائة من ميزانية تنظيم «القاعدة» في العراق لشراء الأسلحة، كما تم استخدام 38 بالمائة أيضا من أجل جلب الأفراد ومعيشتهم. ويسهم الجهاديون بالمزيد من المال في تنظيم «القاعدة» في العراق أكثر من الجهاديين الذين ينتمون إلى الدول الأخرى. والمقاتلون الذين ينتمون إلى العديد من الدول قد أسهموا بالمال في مساعدة تنظيم القاعدة في العراق، والبعض أسهم بمبالغ كبيرة تصل إلى 46 بالمائة من إجمالي المبالغ التي يتم تسلمها من المقاتلين الأجانب. ومن بين المقاتلين الذين يبلغ عددهم 23 من أسهم بأكثر من 1000 دولار. ويتميز تنظيم القاعدة في العراق بالبيروقراطية الشديدة، والتي ربما تكون علامة على الفشل العملياتي وعدم الثقة الداخلية داخل التنظيم. ومن شأن هذه البيروقراطية أن تجبر العملاء على تقديم تقارير مفصلة حول مصروفات وحداتها المختلفة. كما يتم إجبار المفجرين الانتحاريين القادمين والمقاتلين الذين يتركون العراق على توقيع عقود ومراجعة الوحدات الفرعية المختلفة. ويشبه تنظيم القاعدة في العراق تنظيم القاعدة الأصلي بصورة عامة، وهو مليء بالعملاء والوسطاء الذين يستقون مفاهيمهم من مبادئ الجهاد. ويتم توظيف الجهاديين الذين يتوجهون إلى العراق من خلال شبكات محلية بدلا من أن يكون ذلك عن طريق الإنترنت. وقد قدم تنظيم القاعدة في العراق عددا أقل من المقاتلين، لكنهم أكثر مهارة من مقاتلي تنظيم «العرب الأفغان» في الثمانينات. ويشترك المقاتلون الأجانب في العديد من الجوانب المهمة مثل بلدهم الأصلي وتفكيرهم، مع «الأفغان العرب» الذين سافروا إلى أفغانستان لمحاربة السوفيات والقوات الأفغانية الشيوعية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي. ولكن هناك بعض الاختلافات المهمة كذلك. فالمقاتلون الأجانب في العراق قد خاضوا معارك أكثر من سابقيهم في أفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم قد أظهروا قدرة أكبر على إبداع تكتيكات جديدة تتطلب مهارات خاصة. وعلى الرغم من أن التأثير العسكري العام للمقاتلين الأجانب على الجهاد في أفغانستان كان محدودا، إلا أن وجود الأفغان العرب كانت له نتائج مهمة. والأهم من ذلك، أن خبرة الأفغان قد ساعدت على تجنيد الآلاف من الجهاديين من جميع أنحاء العالم. وقد جذبت شبكات التجنيد المتطوعين وعملت معسكرات التدريب على توجيه أفكار المقاتلين الأجانب. لكن خبرة الأفغان كانت لها نتائج سلبية أيضا على «القاعدة» والتي يمكن أن تنطبق أيضا على «الجهاد» الحالي في العراق. فالمقاتلون الأجانب في أفغانستان قد تركوا الأفغان المحليين بسبب أفكارهم المتشددة التي ينشرونها من خلال الخطب. وفي بعض الأوقات، كانت هذه الخصومات تتحول إلى أشكال عنيفة، لاسيما بعدما أصبحت هذه الجماعات العربية المتشددة تعمل بصورة مستقلة وبقيادة خاصة بها. ولم تكن الصلات المتزايدة بين تنظيم القاعدة في العراق وقادة «القاعدة» الكبار موجودة قبل الغزو الأميركي لكن التنظيم بدأ ينمو ويتكامل مع مركز «القاعدة» لاسيما بعد موت أبو مصعب الزرقاوي. وهناك توصيات سياسية ناجحة أوردتها مواقع البنتاغون للحد من تأثير المقاتلين الاجانب، منها تشجيع الحكومات على مهاجمة شبكات عمل الجهاد المحلية. كما يعتبر وقف الجهاديين قبل دخول العراق عاملا مهما. ويمكن إحباط الخطط مبكرا من خلال وضع محفزات وتقديم الدعم للدول من أجل حرمان المقاتلين من الدخول إلى العراق. ومن التوصيات، إنشاء ومشاركة قاعدة بيانات عالمية لتتبع المقاتلين الأجانب والعناصر المسلحة والإرهابيين. فمازالت الولايات المتحدة لا تمتلك قاعدة بيانات متكاملة عن الجهاديين والتي تشمل (المقاتلين الأجانب والعناصر المسلحة والإرهابيين). وأدت وثائق الجيش الأميركي في العراق الى إعادة تقييم بعض افتراضاته السابقة حول جماعات المتمردين وأولئك الذين ينفذون معظم العمليات الانتحارية. وأثارت الهجمات الانتحارية من جانب الجماعة السنية ضد أهداف شيعية العنف الطائفي الذي اجتاح العراق عام 2006 والنصف الأول من العام الماضي. ونفذت «القاعدة» في العراق ما يزيد على 4500 هجوم ضد مدنيين في عام 2007، مما أدى الى مقتل 3870 وجرح ما يقرب من 18 ألف شخص.