أبو حمزة المصري يتحدث إلى المجندين الجدد ويشبه لهم البيض المقلي بالجهاد

فتحت نافذة على الحياة اليومية للجهاديين في أفغانستان * أشرطة قندهار تعطي صورة أوضح عن بن لادن و«القاعدة»

TT

يوم الأربعاء الماضي تم الكشف عن أشرطة صوتية كان قد عُثر عليها في مخبأ كبير داخل مقر أسامة بن لادن بمدينة قندهار في أفغانستان عام 2001، وقد أعطت الأشرطة صورة عن تحول بن لادن تدريجيا من مسلح جهادي إلى رجل يمثل تهديدا عالميا، وفتحت نافذة على الحياة اليومية للرجال الذين يتم تجنيدهم للجهاد. ويقول فلاج ميلر، وهو أستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا قضى خمسة أعوام في ترجمة الأشرطة، «رغم أنه تم تناول تطور بن لادن من جهادي إلى تولى مسؤولية منظمة إرهابية دولية بالتفصيل من قبل، فإن تلك الأشرطة تعطي صورة طبيعية لتنظيم القاعدة، وهي أفضل من تلك التي تقدمها رسائل التنظيم». ويضيف: «تلك (الأشرطة) تتضمن محادثات سرية بين عملاء بارزين في القاعدة، بالإضافة إلى مجندين جدد أو محتملين، وهم يحاولون فهم الأشياء التي سوف تحدث ودورهم فيها».

في أحد الأشرطة تسمع جلبة غير واضحة تربك ميلر، وفي النهاية اكتشف أنها صوت فرن غاز يستخدمه المجندون الصغار في إعداد وجبة الإفطار، مع صوت رجل الدين الشهير أبو حمزة المصري، المسجون حاليا في بريطانيا، الذي يقاتل كي لا يرحل إلى الولايات المتحدة بسبب تهم ذات صلة بالإرهاب. كان أبو حمزة المصري يتحدث إلى المجندين ويشبه لهم البيض المقلي بالجهاد. ويضيف ميلر: «تخبرنا تلك الدقائق القليلة ما معنى أن تكون في جهاد، إنه شيء يبعث الملل، فبينما ينتظرون، يبتكرون من الوسائل ما يجعل الجهاد أمرا وشيك الحدوث، ولذلك تجدهم يلجأون إلى المقارنات الخيالية فيشبهون الإفطار بالمشاركة في غارة». نشر ميلر ما توصل إليه في مدينة دافيس بكاليفورنيا، مع شرح أكثر تفصيلا، من المقرر أن ينشر في عدد شهر أكتوبر (تشرين الأول) من «جورنال أوف لانجويدج آند كوميونيكاشن». ويقول خبراء إنه مع أن سيرة بن لادن الشخصية قد تم تناولها بالدراسة فإن تلك الأشرطة تعطي صورة أكثر تفصيلا لنجاح بن لادن في التعبئة لما يعتقده. ويقول مايكل سكيور، الذي ترك وكالة الاستخبارات المركزية في عام 2004، وكان يعمل هناك في الوحدة الخاصة التي تركز على بن لادن: «أحد الأسباب التي تجعلنا في الورطة التي نعاني منها في الوقت الحالي هو أننا لا نقدر الرجل حق قدره، حيث تنظر الحكومة الأميركية اليه على أنه لص إرهابي، ولذا فهي غير مهتمة باكتشاف المواهب التي يتمتع بها». ويقول سكيور إنه عندما كان في وكالة الاستخبارات المركزية كان يعلم عن تسجيل واحد فقط لابن لادن يعود للثمانينات من القرن الماضي. وتقول فرحانة علي، وهي خبيرة في شؤون الإرهاب في مؤسسة «راند» ظلت لأعوام تدرس تصريحات بن لادن، إن التسجيلات الدعائية لتنظيم القاعدة تم توثيقها بصورة جيدة منذ عام 2001. ويتضمن ذلك التدقيق في استخدام بن لادن للشعر القبلي والآيات القرآنية والإشارات الصوفية.

ويقول الخبراء إن عليهم النظر أولا الى العمل الذي قام به ميلر قبل أن يقولوا إلى أي مدى يمكن أن يحمل من إضافات. ولكنهم أشاروا إلى أن الترجمات السابقة كانت تعطي أولوية لتهديدات للأمن القومي، مثل ما إذا كانت الأشرطة تكشف عن أي شيء جديد بشأن الأماكن التي يختبئ فيها بن لادن. وكانت الأشرطة التي تحتوي على خطب ومحاضرات تصل إلى أكثر من 1500، اكتشفتها «سي إن إن» في عام 2001، وانتهى بها المطاف إلى كلية وليامز، وبعد ذلك إلى جامعة يال. وتحتوي على المئات من الخطب التي ألقاها رجال دين مسلمون، الكثير منهم راديكاليون، بالإضافة إلى تسجيلات للمناقشات التدريبية. وكان المخبأ يحتوي على 20 شريطا على الأقل لابن لادن، بيد أنه لم يتضح متى وأين كانت تلك الأشرطة. كان الأول منهم يعود لعام 1988 والأخير لعام 2000. عثر على تلك الأشرطة بعد أن غادرت قيادات «القاعدة» مقراتها في قندهار لمنطقة تورا بورا، وبعد ذلك إلى مناطق مجهولة. وتتناول إحدى المحاضرات المسجلة، وهي ليست لأسامة بن لادن، أصول فكرة بناء معاقل حدودية تتسم بالمرونة، مثل تورا بورا في الفلسفة الإسلامية. وتعرض الأشرطة التي تحتوي على كلام لابن لادن ثلاث مراحل واضحة. الأولى في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عندما كان بن لادن يحشد الأنصار للجهاد ضد السوفيات في أفغانستان.

والثانية، في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكان قد حدث تغيير فقد انسحب السوفيات من أفغانستان وتحول تركيز بن لادن إلى الوجود الأميركي في منطقة الخليج العربي، ونظر إليه على أنه إهانة للمسلمين. وذكر قصة يتناولها القرآن في سورة الفيل حول جيش مسيحي حبشي حاول الاستيلاء على الكعبة باستخدام أفضل وسائل الحرب في عصره. تمكن العرب من هزيمة الغزاة عن طريق تماسكهم وحدثت معجزة، فقد ألقت طيور تحلق في السماء الرعب في الأفيال عن طريق إلقاء حصى عليهم. وبالنسبة لابن لادن، فإن تلك المرحلة تضرب مثلا على توحد القبائل العربية ضد عدو مشترك. «كانت تلك فترة الفروسية والشرف والكرم والرجولة وقمة الوعي القبلي»، حسبما قاله ميلر، على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يكن قد ظهر بعد. والثالثة تبدأ بحلول عام 1999، حيث قلّ التأكيد على النصوص الدينية والشعر القبلي، وحلت محله نغمة متقدة للقتال ضد الولايات المتحدة. وفي تلك المرحلة كانت بعض المحاضرات تحمل عناوين مثل «وجود الاحتلال الصليبي اليهودي في قلب العالم الإسلامي». ويلاحظ أن بن لادن شديد التمسك بقواعد اللغة العربية والزخارف البلاغية. وهناك شريط لمتحدث باللغة العربية والواضح انها ليست لغته الأم، ولذا لا يبدو كلامه واضحا، وقال ميلر إنه وُصف بأنه «غير صالح».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»