مستشارون غربيون للمحكمة العليا العراقية: المالكي تدخل في سير محاكمة صدام

أحدهم: رئيس الوزراء أجبر قاضيا على الاستقالة خشية أن يستبدل السجن المؤبد بالاعدام

TT

بعد مرور قرابة عامين على حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة الجنايات العليا العراقية بحق الرئيس السابق صدام حسين، عززت تصريحات لمحامين غربيين شاركوا في المحاكمة وجهة نظر بعض المنتقدين، الذين يرون أن مسؤولين موتورين في الحكومة العراقية الجديدة كانوا قد عجَّلوا بإعدام صدام. ويقول هؤلاء المحامون إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أجبر قاضيا من ضمن خمسة قضاة على الاستقالة خلال المحاكمة، وذلك قبل أيام من الحكم. ويضيف المحامون أن الهدف من ذلك كان تفادي الحكم من قبل القضاة، الذين كانوا يشعرون بالتردد، على صدام بالسجن مدى الحياة بدلا من إعدامه. أعدم صدام في الثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) عام 2006، وكان يحيط به مؤيديون للحكومة العراقية الجديدة، التي يتزعمها الشيعة وكانوا يسخرون منه، في الوقت الذي كان يوضع فيه حبل المشنقة حول رقبته. وجاء تنفيذ الحكم بعد تدخلات من قبل مسؤولين عراقيين بارزين، اذ عزل رئيس المحكمة الأول بضغط من الحكومة العراقية لأنه كان يعطي صدام فرصة كبيرة للتعبير عن عواطفه داخل قاعة المحكمة، ثم فصل القاضي المرافق الذي سمي خلفا له بعد تهديدات من الحكومة قبل أن يتولى مهامه. ولكن حتى الآن لم يعلم سوى المسؤولين الذين شاركوا في الأمور الداخلية للمحكمة، أن هناك قاضيا ثالثا، هو منذر هادي، أجبر على الاستقالة قبل أقل من أسبوع من نطق المحكمة بحكمها في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، ليحل محله القاضي علي الكحجي، الذي لم يكن قد سمع أيا من الأدلة خلال المحاكمة التي استمرت تسعة أشهر. ويقول المحامون الغربيون إن هذا الإجراء كان يحظى بالقبول لأن القاضي البديل كانت له علاقة بحزب الدعوة التابع للمالكي، كما أنه كان مستعدا للموافقة على إعدام صدام. الا ان متحدثا باسم المالكي نفى اول من امس إي تدخل من قبل الحكومة العراقية في الإجراءات القضائية. وقال ياسين مجيد، وهو مستشار للحكومة العراقية: «تلك قضية قضائية، متروكة للقضاء». ويضيف: «أرفض التعليق على ذلك، لأن الحكومة لا علاقة لها به، ومن يتهم النظام القضائي، فعليه أن يتحدث إليهم، الحكومة لم تتدخل، ونرفض التعليق على ذلك. يعلم الأميركيون إن هذه ليست مهمتنا، ولكن مهمة النظام القضائي».

وكان وليام ويلي، وهو أحد المحامين الغربيين الذين أدلوا بتلك التصريحات، يعمل في «مكتب ارتباط جرائم الأنظمة» وهو الهيئة الأميركية التي أسست وقدمت التمويل والاستشارات، للمحكمة العليا العراقية التي أوكل لها سماع القضايا المرفوعة ضد مسؤولين سابقين في فترة صدام. ويقول ويلي، وهو كندي يبلغ من العمر 44 عاما كان يقدم الاستشارات لمحامي الدفاع خلال المحاكمة، إن حكومة المالكي وليس «مكتب الارتباط» هي التي ارتكبت بعض الأخطاء وانتهكت بعض الإجراءات القانونية المستحقة في قضية صدام. ويضيف ويلي، في مقابلة أجريت معه تليفونيا من بروكسل، حيث يترأس شركة استشارات قانونية: «كان مكتب رئيس الوزراء يطرق دائما الباب، حتى سيطروا على العملية برمتها».

وكان ويلي قد أشار إلى الإطاحة بالقاضي هادي، من دون أن يسميه، في مقابلة في إطار فيلم وثائقي تلفزيوني، حمل اسم «محاكمة صدام حسين»، يبث على محطات «بي بي إس» في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو من إنتاج إليز ستينبرغ، وقد أعطى نسخة إلى صحيفة «نيويورك تايمز». وكان هذا المراسل، الذي أجريت معه مقابلة في إطار الفيلم الوثائقي، قد غطى محاكمة صدام، ولم يكن مهتما بأن القاضي هادي أجبر على الاستقالة حتى تقديم الفيلم الوثائقي إلى الصحيفة. وقد ربط ويلي التلاعب الذي قامت به الحكومة العراقية في محاكمة صدام بأشياء أخرى حدثت خلال الحرب، فقد كان استبدال القاضي في اللحظة الأخيرة، وعملية الاستئناف التي عجِّل بها خلال شهر من حكم المحكمة، وقرار المالكي في الساعات الأولى من ديسمبر (كانون الأول) بالتوقيع على قرار إعدام صدام، على الرغم من الاعتراضات الأميركية لأن المسوغات القانونية للإعدام شنقا لم تكن كاملة، كان ذلك كله في وقت كانت فيه الجهود الأميركية خلال الحرب تعاني من أسوأ فتراتها. وكان الكثير من القادة الأميركيين في العراق مقتنعين بأنهم يخسرون الحرب. ويقول ويلي إنه في تلك الفترة كان الكثيرون في «مكتب الارتباط»، ومعظمهم أميركيون، قد خلصوا إلى أنه لم يتم الالتزام بالإجراءات المستحقة خلال محاكمات المسؤولين خلال فترة صدام حسين بسبب مسؤولين عراقيين من ذوي السلطة كانوا يتعطشون للانتقام وكانوا يتدخلون مرة بعد أخرى. وهناك تقارير مشابهة عن استبدال القاضي هادي أدلى بها محام أميركي، كان مشاركا في المحاكمة، وخبير قانون غربي كان على إطلاع بما حدث، ولكن تحدث الاثنان شريطة عدم ذكر اسميهما بسبب الحساسيات السياسية. ويقول ويلي في الفيلم الوثائقي الذي ستبثه محطات بي بي إس، إن «أعضاء آخرين في الغرفة»، أي قاضيا آخر، قال لمكتب المالكي إن القاضي هادي كان «ليِّنا بصورة نسبية» خلال المداولات حول الحكم والأحكام التي أصدرت بحق ثمانية متهمين في قضية الدجيل، وكان يميل لمعارضة حكم الإعدام بحق صدام. وفي ذلك الوقت، أرجع مسؤول بالمحكمة رحيل القاضي هادي الى أسباب صحية، ولكن نفى أحد المحامين ذلك ووصفه بأنه «سحابة من الدخان». وأضاف أن المسؤولين في مكتب المالكي هددوا القاضي هادي بأنه قد يخسر وظيفته ومعاشه، ويرحل مع أسرته من سكنه في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، الذي يعد بمثابة حكم بالإعدام ضد إي شخص شارك في مقاضاة صدام حسين. ويقول ويلي: «تمت الإطاحة به لصالح قاض آخر متشدد».

وقد بدأ محامون آخرون من «مكتب الارتباط» الكشف عن وجهات نظر مشابهة لتلك التي أبداها ويلي في مقالات لصالح صحف قانونية ومنتديات أخرى. ورفض إريك بليندرمان، وهو محام من نيويورك شارك في قضية الدجيل، مناقشة استبدال القاضي هادي بآخر، ولكن أشار إلى مقالة أخرى في «كتاب العام عن القانون الإنساني الدولي»، الذي تصدره كامبريدج يونيفرستي برس كتب فيها أن «الحكومة العراقية تعاملت بقسوة مع الكثير من المحاذير الدستورية والقانونية في استعجالها بإعدام صدام حسين». ويستمر قائلا: «لم تكن مأساوية دكتاتور وحشي أعدم دون ضوابط قانون مناسبة، ولكن كانت مأساوية لأنها أثبتت مرة أخرى أن القضاء العادل والمحايد وحكم القانون في العراق الجديد ليس مختلفا عما كان الوضع عليه في العراق القديم».

* خدمة: «نيويورك تايمز»