مصر: استمرار تضارب الروايات حول تحرير الرهائن ومصادر تتحدث عن استدراج زعيمهم

أحد الأدلاء يروي أول محاولة للاختطاف بالعوينات: الخاطفون يتصلون عبر الأقمار الصناعية ومسلحون بمدافع

TT

في وقت استمر فيه تناقض الروايات حول الطريقة التي تم بها تحرير السياح الرهائن الـ19 من أيدي خاطفيهم في جنوب غربي مصر، حصلت «الشرق الأوسط» على صورة نادرة لعملية اختطاف وقعت نهاية العام الماضي، على أيدي مسلحين أفارقة يستقلون سيارات شبه عسكرية داخل الحدود المصرية. وبينما قال سفير السودان لدى مصر عبد المنعم محمد مبروك، إن حادث الاختطاف الأخير يدعو إلى الحاجة لمزيد من التنسيق والتعاون لتحقيق الاستقرار في دارفور، أرجأ مسؤول مصري في مجلس الوزراء، إلى وقت لاحق لم يحدده، إعطاء إيضاحات لـ«الشرق الأوسط» أمس حول عملية الاختطاف التي حدثت يوم 19 الشهر الماضي، ومحاولات الاختطاف السابقة داخل الأراضي المصرية، فيما أشارت مصادر قريبة من ملف عملية تحرير الرهائن التي جرت يوم أمس الأول الى أن القوات المصرية والسودانية نجحت في تحريك قائد الخاطفين (قبل قتله، ويدعى بخيت، ويعتقد أنه من سكان المناطق الحدودية القريبة من غرب السودان وشرق تشاد دون تحديد لجنسيته)، و5 من مرافقيه إلى داخل الحدود السودانية، والتحكم، من خلال السيطرة عليه وعلى مساعديه، في الرسائل التي أُمروا بإرسالها عبر الهاتف لباقي الخاطفين لإخلاء سبيل الرهائن. وقدَّم أدلاء رحلات سفاري مصريون لـ«الشرق الأوسط» صورة قالوا إن سائحا إنجليزيا يدعى إلك كول التقطها لمحاولة اختطاف تعرض لها مع مجموعة من السياح الغربيين ومرافقهم المصري قرب منطقة كركور الطلح بالعوينات جنوب غربي الأراضي المصرية، وهي نفس المنطقة التي وقعت بها حادثة اختطاف 11 سائحا و8 من مرافقيهم المحليين منذ 12 يوماً، قبل أن يخلي الخاطفون سبيلهم يوم أول من أمس. ووقعت محاولة الاختطاف الأولى في يوم 29 من شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، وفقاً لتصاريح الرحلة الصادرة من واحة الداخلة يوم 26 من ذلك الشهر، وقال حمادة حمداتي الذي كان يرافق بسيارته التويوتا لاندكروزر، قبل 9 أشهر، ثلاث سيارات لثلاثة سياح إنجليز وسائح واحد ألماني، إن عملية الاختطاف الأخيرة التي وقعت يوم الجمعة قبل الماضي، لها علاقة قوية بمحاولة الاختطاف التي تعرض لها والسياح الأجانب في السابق، وأن ما سمعه أخيراً عن تصرف الخاطفين للرهائن الـ19 وهيئتهم، واللغة الغريبة التي يتحدثون بها، وسلوكهم مع الرهائن، والسيارات المسلحة التي كانوا يستقلونها، يجعله يعتقد بنسبة 90% أنهم من نفس نوع الأفراد المسلحين الذين حاولوا خطفه وخطف السياح الذين كانوا برفقته في منطقة تسمى الـ«8 أجراس» الواقعة داخل الأراضي المصرية من ناحية الجنوب الغربي، وتبعد عن الحدود السودانية من الجنوب حوالي 230 كم.

وأضاف حمداتي قائلاً: «توجهت أنا والسياح الأجانب الأربعة إلى منطقة الثمانية أجراس.. كان معي سيارتي التويوتا صالون، وكان معهم ثلاث سيارات صالون أيضاً، واحدة من ماركة تويوتا كروزر، واثنتان، من ماركة لاندروفر صالون أيضاً، وتحمل كل منها لوحة معدنية بأرقام جمرك السلوم، حيث إن السياح كانوا قادمين لمصر من ميناء السلوم البري على حدود ليبيا».

وواصل حمداتي قائلاً: «بتنا ليلتنا في منطقة الثمانية أجراس، وفي الصباح ونحن نستعد للتوجه للتجول في الصحراء، فوجئنا بسيارة من ماركة تويوتا لاندكروزر صندوق، وفوقها مدفع مثل مدافع الجيش (من النوع نصف بوصة المضاد للطائرات المنخفضة).. كان عددهم 7 أو 8 أفراد مسلحين، لكنهم ليسوا عسكريين.. كانوا أفارقة سُمر حفاة الأقدام، ويرتدون ملابس عادية، مثل البنطلونات والتيشرتات والقمصان.. أمرونا بلغة غريبة بالانبطاح أرضاً، وبدأوا بجمع كل ما هو موجود في سياراتنا، ووضعه في سياراتهم، كما أخذوا الهواتف النقالة والهواتف المرتبطة بالأقمار الاصطناعية، وأجهزة الهوتي توكي التي نستخدمها في الاتصال ذي النطاق المحدود ببعضنا بعضا في الصحراء». وأضاف الدليل المصري حمادة حمداتي الذي يعمل كدليل في الصحراء هناك منذ عام 1994، في حديثه لـ «الشرق الأوسط» قائلاً إن المسلحين اتصلوا بعد ذلك عن طريق تليفونات مرتبطة بالأقمار الاصطناعية بزملاء لهم كانوا على ما يبدو في مكان قريب من المنطقة داخل الأراضي المصرية، لأنهم جاءوا في وقت قياسي في أقل من ساعة. وكانت المجموعة الجديدة من المسلحين تستقل أيضاً سيارة تويوتا لاندكروزر صندوق وعليها مدفع مماثل للمدفع السابق.. كان عددهم حوالي 8 أنفار مسلحين وحفاة الأقدام أيضاً.. ويتحدثون لغة لا هي عربية ولا إنجليزية ولا أي من اللغات المعروفة في العالم.. كانوا يصدرون لنا أوامرهم بإشارات وأصوات غير مفهومة، لكي نرضخ لهم ونستسلم».

وتابع حمداتي قائلاً: «لم يفتشونا تفتيشا ذاتيا وإنما طلبوا منا أن نخرج كل ما معنا، من نقود ومن هواتف وغيرها.. أخذوا سيارتين من سياراتنا الأربعة، واحدة تويوتا كروزر موديل 2007 والثانية لاندروفر موديل 2002 وتركوا لنا السيارتين الأخريين، وهما واحدة تخصني وتركوها لأنها كانت غارزة في الرمال وكنت وقت قدومهم أحاول إخراجها من الغرز، وتركوا السيارة الثانية التي تخص السياح الإنجليز، لأنها كانت من نوع لاندروفر القصيرة (ذات باب واحد)».

ويبدو في الصورة التي قال حمداتي إن السائح «كول» التقطها من كاميرا صغيرة كان يخفيها في جيب بنطلونه الخلفي، السيارتان المختطفتان في الوسط، وسيارتا الخاطفين في المقدمة والخف، وهي تنطلق من منطقة الـ8 أجراس، وتوغلان نحو أقصى الجنوب الغربي في نهاية المثلث الحدودي بين كل من مصر وليبيا والسودان، وهو نفس المثلث الحدودي القريب من الحدود التشادية مع كل من ليبيا والسودان.

وبينما يشير أدلاء مصريون في جنوب غربي مصر رافقتهم «الشرق الأوسط» في رحلة سفاري قبل يومين، إلى اعتقادهم بأن تحرك مسلحين بين الحين والآخر بسيارات شبه عسكرية في الأراضي المصرية المتاخمة للحدود السودانية من ناحية الجنوب الغربي، يرجع للتوتر السياسي والعرقي في منطقة غرب السودان (دارفور) وشرق تشاد، أكد سفير السودان لدى مصر عبد المنعم محمد مبروك، في تصريحات له بعد انتهاء أزمة اختطاف السياح الأجانب الـ11 ومرافقيهم المصريين، يوم أول من أمس، أن حادث الاختطاف يدعو إلى الحاجة لمزيد من التنسيق والتعاون لتحقيق الاستقرار وتأمين الأوضاع في المنطقة وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية لتحقيق الاستقرار في دارفور.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن «مبروك» قوله أمس: «بهذه المناسبة نؤكد ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بالضغط على الحركات المسلحة في دارفور للانضمام إلى ركب السلام وعدم ترك الأمور بهذا الشكل لأن ذلك سيؤدى إلى عدم تحقيق الأمن والاستقرار ومزيد من القلق».

وفيما استمر الغموض والتناقض في الروايات المصرية والسودانية والتشادية يكتنف الطريقة التي تم بها تحرير الرهائن الأجانب والمصريين، من داخل الأراضي التشادية بحوالي 300 كم، أرجأ مسؤول مصري في مجلس الوزراء إعطاء إيضاحات لـ «الشرق الأوسط» أمس حول ما إذا كان الخاطفون قد أخلوا سبيل الرهائن من تلقاء أنفسهم، أم أنهم أُجبروا على تركهم بالقوة. كما طلب المصدر نفسه مهلة جديدة من الوقت، لليوم الثاني على التوالي، للتعليق على رواية الرهينة المصري العائد من الاختطاف، عبد الرحيم رجب سعيد، الذي قال لـ «الشرق الأوسط» في عدد أمس إن الخاطفين تركوهم، وأنهم الرهائن، عادوا للحدود المصرية وحدهم، وأنه لم تقع أي اشتباكات مع الخاطفين. إلى ذلك قالت مصادر مصرية قريبة من ملف تحرير الرهائن التي جرت يوم أمس الأول إن خطة التحرير اعتمدت التي عليها القوات المصرية والسودانية إضافة إلى جهات تنسيق الأخرى (يعتقد أنها مخابرات ألمانية وإيطالية) كانت تقضي بجذب مجموعة من الخاطفين الذين كان يتم الاتصال بهم والتفاوض معهم لإخلاء سبيل الرهائن الأجانب والمصريين الـ19، وأن هذه الخطة نجحت في تحريك مجموعة التفاوض التي كان يترأسها رجل يدعى بخيت من سكان المناطق الحدودية القريبة من غرب السودان وشرق تشاد (دون تحديد لجنسيته).

وقالت المصادر إن بخيت و5 من مساعديه ورفاقه أمروا نحو 30 مسلحا من أتباعهم المسيطرين على الرهائن، بالتوغل غرباً إلى داخل الأراضي التشادية، وأن بخيت والخمسة الآخرين، توجهوا إلى مكان محدد داخل الحدود السودانية الشمالية الغربية بمنطقة العوينات، لتسلم أموال الفدية التي طلبوها. وأضافت المصادر أن رئيس الخاطفين (بخيت) ومساعديه ورفاقه الخمسة، شعروا بأن الأمر قد يكون به خدعة ما، وأن الأموال التي طلبوها قد لا تكون في انتظارهم. وقالت إن بخيت لهذا السبب، يبدو أنه اتصل بالخاطفين وأعطى أوامره لهم بالتوغل مزيداً من الكيلومترات داخل الأراضي التشادية، لكي يضمن «عدم التلاعب به وبمن معه». وأشارت المصادر إلى تسلم بخيت للأموال التي طلبها، وأن الجهة التي سلمته الأموال طلبت منه الاتصال بباقي الخاطفين وإخبارهم بأنه تسلم الأموال، من أجل أن يخفف الخاطفون من قبضتهم على الرهائن، وأن يتوقفوا عن السير بهم قدما داخل أراضي تشاد. وقالت المصادر: الوقت كان قد انتهى أمام بخيت ومرافقيه. تمت مباغتتهم بهجوم من قِبل قوات سودانية ليلة الأحد الماضي، فيما كانت قوات مصرية قد تمركزت على مشارف طريق عودتهم المحتمل، من جهة الغرب، من ناحية حدود تشاد قرب الحدود السودانية المصرية. وأضافت المصادر: الهجوم السوداني المباغت في تلك الليلة (الأحد الماضي) انتهى بمقتل بخيت و3 آخرين من مرافقيه، وأنه تم أسر اثنين من مساعديه، ومصادرة السيارة التي كانت معهم (وهي واحدة من سيارات الرهائن التي استولى عليها الخاطفون)، وكذلك مصادرة أجهز الاتصالات التي كانت معهم. وتابعت المصادر قائلة إن القوات المشتركة (والتي تضم قوات خاصة وعناصر استخبارات سودانية ومصرية وإيطالية وألمانية)، قامت بإجبار مساعديّ بخيت الأسيرين لدى تلك القوات، بالاتصال بباقي الخاطفين الذين يحتجزون الرهائن في داخل الأراضي التشادية، وإخبارهم بأن بخيت (الذي كان قد لقي مصرعه) يطلب منهم إطلاق الرهائن، ليعودوا باتجاه الأراضي السودانية المصرية.

ورفض مصدر أمني مصري رفيع التعليق على هذه الرواية، وقال إن الجهات المختصة سوف تصدر بيانا عن العملية.