سعود الفيصل: الوساطة في أفغانستان جاءت بطلب من كرزاي.. ولا حل للأفغان إلا بترك السلاح

قال إن الرياض لا تحتاج وساطة مع سورية.. واعتبر تصريحات باراك عن المبادرة العربية إيجابية

الأمير سعود الفيصل
TT

سيطرت الأزمة الأفغانية على المباحثات التي جرت أمس بين خافيير سولانا المنسق العام للسياسات في الاتحاد الأوروبي، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي كشف النقاب في مؤتمر صحافي مشترك، عن تلقي الرياض طلبا رسميا من الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، حينما أعلن عن رغبة كابل في أن تلعب الرياض دور الوسيط لإنهاء الاقتتال في ذلك البلد.

وأوضح الأمير سعود الفيصل، في رده على سؤال عن محاولة الرياض الوساطة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، أن محاولة المملكة العربية السعودية جاءت بناء على طلب رسمي من الرئيس الأفغاني حيث أعلن أنه يود أن تقوم المملكة بهذه الوساطة والهدف هو أن يعيد هذا البلد بناءه. ولكن الفيصل حمّل الأفغان في الوقت نفسه مسؤولية إنجاح إنهاء الاقتتال. وقال «نحن لا نملك سوى المحاولة، والمحاولة لا يمكن أن نرفض القيام بها، لأننا مهتمون بالأمن والسلم لهذا البلد الذي طال عناؤه. ولكن الأمر يعود للأفغان أنفسهم، فإذا لمسنا أن هناك رغبة من الأفغان لحل المشاكل بالطرق السياسية لنبذ العنف وترك السلاح والانخراط في العمل السياسي وفق المؤسسات الدستورية فإن هذا ما نأمله وسوف تكون هناك محاولات، ولكن إذا لم يتم هذا الأمر فيصعب أن يكون هناك وسيلة للتدخل».

وأشار إلى أن الهدف من وراء ما ستقوم به السعودية لصالح أفغانستان، هو وضع حد للاقتتال وترك الفرصة لهذا البلد أن يعيد بناء نفسه. وبحث وزير الخارجية السعودي والمسؤول الأوروبي الرفيع، طبقا لبيان مشترك صدر في نهاية الاجتماعات، الأزمة الأفغانية ومسار مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي.

وأيّد خافيير سولانا الاتفاق على موضوع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين الخليجي والأوروبي، قبل نهاية عام 2008. وذكر أن الأزمة العالمية تدفع الجانبين للتشريع نحو إقرار هذه الاتفاقية، في الوقت الذي أمل فيه وزير الخارجية السعودي أن تتم إزالة ما تبقى من قضايا عالقة تحول دون إبرامها في أسرع وقت ممكن.

وفي موضوع دارفور، قال إن الاتحاد الأوروبي يشارك في إيجاد حل لهذه الأزمة، ولكن ليست هناك مبادرة غير ما هو مطروح على الأرض، مؤكدا أن المشكلة هي أن حكومة السودان لا تساعد في نشر قوات الأمم المتحدة على أراضيها.

ووصف سعود الفيصل المباحثات التي عقدها مع سولانا بـ«المطولة والمعمقة»، حيث جرى فيها بحث المستجدات في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، إضافة إلى بحث الأزمة الأفغانية ومسار مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي، فيما أشار إلى أن خادم الحرمين الشريفين سيستقبل سولانا لبحث الأوضاع الإقليمية والدولية.

ونفى سعود الفيصل وجود وساطة لبنانية لإزالة الخلافات القائمة بين السعودية وسورية. وقال «الوساطة تتم بين الدول التي لا تعرف بعضها، ولكن نحن وسورية لنا علاقات تاريخية ولا أعتقد أن العلاقات تحتاج إلى وساطة.. أعتقد أننا سنستمر على رعاية مصالح بعضنا. الخلافات تحدث بين الأسرة الواحدة، ومآلها للانتهاء وإن شاء الله تنتهي قريبا».

وذكر الفيصل في مستهل المؤتمر الصحافي أن زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان للسعودية «شكلت فرصة لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، وعكست الزيارة عمق الصلات الأخوية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين.. والمملكة ترحب بالاتفاق السوري ـ اللبناني لإقامة علاقات دبلوماسية فيما بينهما، كخطوة على طريق تحقيق الاستقرار والتكافؤ في العلاقة بين البلدين الجارين».

ورد وزير الخارجية السعودي، حول كيفية النظر للحشود العسكرية السورية بين سورية ولبنان، أن الرئيس سليمان لم يتحدث مع القيادة السعودية حول هذا الأمر. وقال «أملنا قائم على ما تم الاتفاق عليه بين البلدين من تمثيل دبلوماسي، وهو خطوة إلى الأمام ستؤدي لاستقرار الأوضاع بين البلدين الجارين، فنأمل أن تكون هذه الأخبار (الحشود العسكرية) غير صحيحة، وأن يسود الاستقرار محل الشكوك في النوايا».

وأبدى سعود الفيصل ثقته بلعب تركيا دور الوسيط في المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية غير المباشرة، وقال «تركيا دولة مهمة في المنطقة وهناك ثقة كبيرة بتركيا من قبل العالم العربي، فإذا كانت هناك وساطة بين سورية وإسرائيل أعتقد أن وساطة تركيا أمر مشجع ولا يخلق عندنا أي شكوك».

واستحوذت عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، طبقا للفيصل، حيزا كبيرا من النقاش بينه وبين سولانا، وقال إن «تعثر العملية السلمية مصدر قلق لنا، رغم كل الجهود القائمة لتحريكها».

وبحسب وزير الخارجية السعودي، فإن المملكة ترى أن أهم العقبات التي تعترض علمية السلام، هو استمرار إسرائيل في سياسة المناورة والمماطلة وعدم الجدية، ومضيها قدما في بناء المستوطنات وتوسيع القائم منها، خاصة ما يحدث في القدس الشريف من محاولات تهويد والمحاولات المتوالية للمتطرفين الإسرائيليين لاقتحام المسجد الأقصى الشريف وانتهاك حرمته.

وأضاف «نحن نشهد اليوم إحدى النتائج الخطيرة لهذه السياسة، المتمثلة في تصاعد اعتداءات المستوطنين وشراستها على الفلسطينيين في مدنهم وقراهم ومزارعهم في الضفة الغربية، علاوة على ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من قمع وتنكيل للشعب الفلسطيني في كافة الأراضي المحتلة».

واعتبر سعود الفيصل أن «كل ذلك يشكل عقبة كأداء أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة الأطراف والقابلة للحياة. كما انه بطبيعة الحال مخالف لكل التأكيدات والتعهدات الصادرة عن مؤتمر انابوليس»، مؤكدا أهمية التعامل الجاد مع هذه القضايا المحورية في إطار السعي نحو السلام في الشرق الأوسط.

ولفت الفيصل إلى أنه فيما يتعلق بالملف النووي «نحن نقدر دور الاتحاد الأوروبي وما يبذله السيد سولانا من جهود لحل الأزمة بالوسائل السلمية وما زلنا نرى أن الحل الأمثل لهذا الملف هو إخلاء منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي من كافة أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، بما في ذلك إسرائيل، مع ضمان حق دول المنطقة في الطاقة النووية للأغراض السلمية».

وتابع قائلا «نأمل أن تتوفر لهذه الجهود والمساعي المواقف الكفيلة بإنجاحها واستجابة إيران لجهود السيد سولانا وحل الأزمة بعيدا عن لغة التوتر والتصعيد، ومنطق المواجهة».

وعراقيا، أبدى الفيصل استنكار بلاده الشديد للهجمات التي حدثت في الموصل ضد المدنيين هناك وأماكن العبادة. وقال «إن ما تشهده الموصل من عمليات قتل وتهجير وتدمير واعتداء على أماكن العبادة يدعو للاستياء الشديد. ونحن انطلاقا من مبادئنا وديننا الحنيف الذي ينبذ العنف والغلو والتطرف ويدعو إلى المحبة والسلام بين البشر، نستنكر بشدة هذه الأعمال».

وأرجع وزير الخارجية السعودي سبب عدم افتتاح السفارة السعودية في بغداد حتى هذه اللحظة، لأسباب أمنية وليس لأسباب سياسية. وقال «تأخير افتتاح السفارة في بغداد ليس له مسبب سياسي بل أمني، الوجود الدبلوماسي غير موفر له الحد الأدنى من إمكانية التحرك والاتصال بالمسؤولين والالتقاء بالشعب. فهذا الدور يجب أن يمارس، أما أن يذهب السفير ويبقى في قلعة محصنة لا يتصل ولا يُتصل به، ولا يستطيع أن يقوم بدور مؤثر فما الفائدة من المخاطرة بإرساله».

وعلق على تصريحات إيهود باراك حول مبادرة السلام العربية، بأن «مثل هذا الكلام ولو كان متأخرا، فإنه أفضل من أن لا يأتي». وقال «نتمنى أن تحذو رئيسة الحكومة المقبلة على نحو هذه التصريحات الإيجابية».

وفي موضوع محاكمة الإرهابيين، قال الفيصل إن منظمات الداخل المهتمة بحقوق الإنسان ستتمكن من مراقبتها، وأن أي طلب لمنظمة خارجية حول هذا الموضوع يتم بالتنسيق مع المنظمات الداخلية، وذلك في إطار تعليقه على رغبة «هيومن رايتس ووتش» مراقبة محاكمة الإرهابيين في السعودية.