السنيورة بحث وأبو جمرا في آلية حل: الدستور أولا وصلاحيات نائب الرئيس موضع تفكير

عقدا اجتماعاً ثانياً في أقل من 24 ساعة بحضور «الوسيط» شمس الدين

السنيورة وأبو جمرا وشمس الدين في لقائهم أمس (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

واصل رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ونائبه اللواء عصام أبو جمرا، في اجتماع ثان عقداه أمس بحضور «الوسيط» وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية ابراهيم شمس الدين، البحث في الخلاف الذي نتج عن مطالبة أبو جمرا بتحديد صلاحياته، الأمر الذي جعله ينسحب من جلسة مجلس الوزراء مساء الثلاثاء الماضي.

وقد أكد السنيورة عقب الاجتماع ان نائب رئيس الحكومة «يستطيع أن يؤدي عملاً مفيداً جداً بالتعاون معي (...) كترؤس بعض اللجان». وإذ أشار الى ان هذا الموضوع هو «موضع تفكيري»، أكد أنه «شديد الحرص على التمسك بالدستور والسير عليه كالسير على الصراط».

أما أبو جمرا، الذي بدا مرتاحاً عقب الاجتماع أمس، فأشار الى اتفاق على آلية الحل «ليصدر قريباً في اجتماع مجلس الوزراء». وأعلن ان «المجلس يقرر. وأنا أقبل بقراره». ومن جهته، قال الوزير شمس الدين ان الاجتماع «كان ودياً جداً ولطيفاً وإيجابياً» وأن «دولة الرئيس مرتاح ونائبه يبتسم وأنا راضٍ». ويشار الى ان السنيورة وأبو جمرا وشمس الدين كانوا عقدوا اجتماعاً مساء أول من أمس الخميس.

وبعد صلاة الجمعة أمس قال الرئيس السنيورة في دردشة مع الصحافيين: «ما قمنا به هو التالي. طرحي ما زال كما كان، وهو التعاون في ما بيننا في أمور عديدة. ونائب رئيس الحكومة يستطيع أن يؤدي عملا مفيداً جدا بالتعاون معي. وهذا الأمر يندرج ضمنه ترؤس بعض اللجان التي يمكن أن تتألف وتكون برئاسته. وهذا الطرح ما زال قائما. وهو يرغب أيضا في أن يعرض هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء. وأنا قلت ان هذا الموضوع هو موضع تفكير لدي لأننا نريد أن نضعه في الميزان بكل تداعياته». وقيل له: لكنه (أبو جمرا) لمح إلى أن هذا الموضوع سيعرض على مجلس الوزراء، لكن التوقيت فقط متروك لدولتكم؟ فأجاب: «أنا قلت حرفيا ان هذا الموضوع هو موضع تفكير». وسئل: ما خطورة عرضه على مجلس الوزراء؟ فقال: «كل شيء يجب بحثه بكل تداعياته وبما قد يحمله من أمور على صعيد كل لبنان. أنا لا أريد الدخول في التفاصيل، لكن الامر يجب أن يبحث بكل تداعياته ولا سيما في الوضع الذي نحن فيه بحيث اننا في أشد الحاجة الى الابتعاد عن أي توتر أو تشنج في البلد. وأنا أترك لكل اللبنانيين أن يتبصروا في الموضوع». وسئل: أبو جمرا طالب بإيجاد مكتب له داخل السرايا وأن يمارس صلاحيات رئيس الحكومة في حال غيابه، فما كان ردكم؟ فأجاب: «لا مجال للبحث في هذا الموضوع بهذه الطريقة. وكلامي كان دقيقا في هذا الشأن».

وقيل للسنيورة: لكن الرأي العام يرى أن هذا الرجل لم يأخذ حقوقه في مجلس الوزراء، فقال: «لنعد الى الدستور ونقرأ على ماذا ينص. علينا ألا ندخل لا باجتهادات ولا يإيجاد أعراف جديدة، الدستور كتاب وعلينا أن نلتزم ما يعنيه. وأنا شديد الحرص والتمسك به. وأريد أن أسير على الكتاب كالسير على الصراط».

من جهته، قال أبو جمرا عقب الاجتماع الثاني في السرايا الحكومية أمس: «اتفقنا مع دولة الرئيس على آلية الحل. وان شاء الله يصدر قريبا في اجتماع مجلس الوزراء الذي يقرر. وأنا أقبل بقراره. في الدولة اللبنانية القرارات الهامة يتخذها مجلس الوزراء مجتمعا. وأنا لا أريد الدخول في التفاصيل». أما الوزير شمس الدين فقال: «اللقاء الثاني (بين الرئيس السنيورة وأبو جمرا) كان وديا جدا ولطيفا وإيجابيا. وأعتقد أن كلام دولة نائب الرئيس صدر وهو مبتسم. ونحن نبحث عن أشخاص كثيري الابتسامة. وابتسامة دولة نائب الرئيس كانت في موقعها وتوقيتها. وعن حق حصل كلام عن آليات جيدة للعمل ولنمط العلاقة. وأكرر ليست العلاقة الشخصية. وأعتقد أن هذه العلاقة ستكون جيدة وعملية. وآلية العمل وضعت أسسها بشكل مرض. وأنا شخصيا راض ودولة الرئيس مرتاح ونائبه مبتسم».

وقبل اجتماع السرايا زار أبو جمرا القصر الجمهوري حيث عرض مع الرئيس ميشال سليمان مسألة صلاحيات نائب رئيس الحكومة والاشكالات المتعلقة بهذا الملف. وكان السنيورة زار الرئيس سليمان عقب اجتماعه بأبو جمرا مساء أول من أمس.

وقبل أن يفضي اجتماع السرايا أمس الى الاجواء الايجابية، كان عدد من الوزراء والنواب تناول هذا الموضوع. وفي هذا السياق، كشف نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري عن أنه شدد خلال اجتماعه أول من أمس بالرئيس السنيورة على «ضرورة إسناد أحد المناصب الامنية الرئيسية مجدداً الى الطائفة الارثوذكسية، وخصوصاً أن أحد هذه المناصب، وهو منصب المدير العام لامن الدولة، كان يتولاه، عرفاً، أرثوذكسي». وقال: «لا أتكلم بمنطق طائفي، بل بمنطق ضرورة الحفاظ على التوازنات الوطنية، أولاً، وبمنطق ضرورة اشراك طائفة الكفايات في عملية بناء الدولة. وأعتقد أن الرئيس السنيورة يتفهم ذلك».

ودعا وزير السياحة، ايلي ماروني، الى توحيد الموقف في موضوع الصلاحيات «بدل طرح العراضات الاعلامية». وقال أمس: «يهمنا كثيراً في المستقبل وفي ظل أوضاع مستقرة، أن يكون لدى نائب رئيس الحكومة مع نائب رئيس مجلس النواب صلاحيات مقرة في الدستور ولا يكون هناك نزاع عليها. لكن اليوم الموقف السياسي وتأزيم الوضع في هذه المرحلة بالذات ونحن على أبواب استحقاقات انتخابية نيابية، يثير المخاوف حول الهدف من هذا التوقيت وما الغاية منه».

وطالب النائب عاطف مجدلاني بـ«حل عقلاني تحت سقف الدستور لقضية صلاحيات ومقر نائب رئيس مجلس الوزراء». وقال: «بصرف النظر عن الخلفيات التي تدفع اللواء عصام ابو جمرا الى اثارة هذه المسألة في هذا التوقيت وبهذا الاسلوب، وسواء كان يهدف فعلا الى تحديد صلاحيات المنصب الذي يشغله، ام انه يبحث عن مادة انتخابية ساخنة للتيار العوني، فاننا لا يمكن الا ان نطالب بحسم هذه المسألة وتحديد صلاحيات نائب رئيس الحكومة بوضوح وبشكل نهائي من دون تجاوز الدستور او المنطق».

ووصف النائب محمد كبارة (التكتل الطرابلسي) الخلاف حول موضوع الصلاحيات بانه «زوبعة اثارها تيار العماد ميشال عون». وقال: «من اثار القضية يريد تظهيرها على انها صراع على النفوذ بين السنة والطائفة الارثوذكسية الكريمة، علما ان المسألة لا تحمل هذا الطابع على الاطلاق. وما نريد قوله في هذا الصدد، هو ان الهدف من هذه الحملة افتعال نزاع لن يحصل اطلاقا. ففي كل مرة يحتاج فيها العماد عون او غيره من القوى الى خوض معارك سياسية ضد خصومهم ومنافسيهم يسارع عون الى رفع وتيرة الخطاب السياسي التعبوي والطائفي والمذهبي. والعماد عون يعتمد منذ مدة استراتيجية لمعركته ضد منافسيه في الشارع المسيحي تقضي بان يظهر نفسه وتياره على انه حامي المسيحيين في لبنان والمدافع عن حقوقهم».

وخلص الى القول: «اننا اذ نرفض ادخال رئاسة الحكومة في البازار الانتخابي للعماد عون وغيره، ننبه الى ان الاستمرار في هذا النهج سيؤدي حكما الى تحول كل المواقع الرسمية الى هدف في الطموحات السياسية الباحثة عن اصوات انتخابية. ولن تكون هناك مواقع خارج دائرة هذا البازار، خصوصا ان مسألة نائب الرئيس وصلاحياته يمكن ان تكون مادى انتخابية مناسبة للجميع وليس لفريق واحد».

ودعا حزب «الوطنيين الأحرار» الى «الابتعاد عن السجالات التي تجافي أحكام الدستور وتنحو الى إثارة الخلافات الطائفية واستغلالها في شكل رخيص». وأيد «كل مبادرة ترمي الى تعزيز مشاركة جميع مكونات المجتمع في تحمل المسؤولية الوطنية على الصعد كافة، ومن بينها طبعاً من خلال نيابة رئاسة الحكومة ما دام نص عليها مرسوم تشكيل الحكومة. وعندنا أن ذلك يتم باعتماد لغة العقل والحق تحت سقف الدستور والميثاق وبتوخي الوحدة الوطنية وتحاشي كل ما من شأنه الاساءة اليها».