مصر: إنفلونزا الطيور أصبحت متوطنة.. ومخاوف من تزايد انتشارها في الشتاء

فوزية تصر على تربية الدواجن في منزلها

TT

تربي «فوزية» التي تعيش في الطابق الأخير من بناية بشارع محمود عساف في ضاحية دار السلام بالعاصمة المصرية نحو 25 دجاجة. وقبل أسبوعين منعها جيرانها من ترك دجاجاتها«تقوق» في حارة ضيقة يلهو فيها الأطفال وتطل على نخلة في نهاية الشارع لكن، مع استمرار حملات التحذير الحكومية من خطر الإصابة بمرض أنفلونزا الطيور القاتل عند مخالطة الدجاج، خاصة في فصل الشتاء، أصبح جيران «فوزية» يشعرون بالرعب حين يسمعون واحدا من ديوكها وهو يصيح مساء أو فجراً.

فوزية تعتبر واحدة من بين عشرات آلاف المصريين الذين يعيشون في المدن ويقومون مع ذلك بتربية الطيور في بيوتهم، بالمخالفة لقرارات مشددة اتخذتها الحكومة بداية هذا العام تحظر التربية والتداول والذبح للطيور خارج الأماكن المخصصة لذلك. وقال خبير منظمة الفاو سابقاً، الدكتور فريد حسني، إن تربية الطيور تعتبر مصدر دخل مالي لحوالي ربع الأسر المصرية، وأن 15% من مربيي الدواجن يتواجدون بالمدن. وبحسب مصدر في الحكومة المصرية أمس فإن بلاده أبلغت منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» بأن مرض أنفلونزا الطيور، الذي بدأ يتراجع في العديد من بلدان العالم، أصبح «مرضاً متوطناً في مصر». ويتخوف معنيون بهذا المرض الذي حصد أرواح العشرات وأصاب المئات في مناطق مختلفة من المعمورة، من تزايد خطره بمصر خلال فصل الشتاء، باعتبار أن الفيروس ينشط في ظل برودة الجو على عكس حر الصيف. وجدد كل من منظمة الصحة العالمية ونقيب الأطباء المصريين، أمس وأمس الأول، تحذيرهما المواطنين من شراء الطيور الحية أو التعامل مع مخلفاتها، قائلين إن مؤتمرا سينعقد اليوم (السبت) بشرم الشيخ، آملين في أن يسهم في المساعدة على تحجيم خطر الفيروس القاتل، ليس بمصر فقط، بل دول بالمنطقة. وشهدت القاهرة العديد من الفعاليات الرامية لإيجاد حل لمشكلة أنفلونزا الطيور، ومحاولة القضاء عليها بشكل نهائي، لكن اتضح من خلال ما دار من مناقشات في محافل عدة أن هذا أمر يبدو بعيد المنال، رغم التراجع في حالات الإصابة أخيراً، بحسب المتحدث بمنظمة الصحة العالمية، الدكتور إبراهيم الكرداني، الذي أوضح أن العام الجاري شهد انخفاضا في الإصابة بالمرض داخل مصر مقارنة بنحو 50 حالة إصابة و22 حالة وفاة عام 2006. لكن خبراء آخرين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» قالوا إن هذا التراجع لا يمنع من القول بأن أنفلونزا الطيور من الأمراض المتوطنة بمصر «لكن يمكن أن نقول إنها لم تصل لحد الكارثة بعد».

وتموّل أميركا ودول أوربية ومنظمات دولية مشروعات لمكافحة المرض بمصر بعدة ملايين من الدولارات (منها نحو 14 مليون دولار من أميركا)، لكن مصادر بالقاهرة تتخوف من أن تتسبب الأزمة المالية العالمية في تقليص التمويل. وبينما قال استشاري الطوارئ بوزارة الزراعة الأميركية جوزيف آنلي، إن حوالي سبعين في المائة من الإنتاج اليومي للدواجن بمصر يتم ذبحه خارج المجازر، وإن «هذه مشكلة رئيسية تطيل عمر مرض إنفلونزا الطيور بمصر»، أوضحت وزارة الصحة المصرية على لسان المتحدث باسمها، الدكتور عبد الرحمن شاهين، أن نسبة الوفيات في بلاده (نحو 50، شفي منهم 22) لم تزد حتى الآن عن 44 في المائة ممن أصيبوا، مقارنة بوفاة 63 في المائة ممن أصيبوا بالفيروس في باقي دول العالم، قائلا إن آخر إصابة بشرية بالفيروس كانت في منتصف أبريل (نيسان) الماضي. لكن مسؤولين بمستشفى أطسا بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة يعتقدون أن مواطناً يدعى صالح عبد الحميد (60 سنة) توفي بعد تحويلهم إياه إلى مستشفى حميات الفيوم، للاشتباه في إصابته بالفيروس اللعين. وتستضيف مدينة شرم الشيخ اعتبارا من اليوم (السبت)، وعلى مدى يومين، المؤتمر الدولي السادس لإنفلونزا الطيور، بمشاركة نحو 116 دولة و33 وزير صحة و25 وزير زراعة وممثلون عن 24 منظمة وهيئة دولية و500 شخصية من بلدان العالم المختلفة، بغرض التعرف على احتياجات البلدان الفقيرة لعام 2009 باعتبارها أكثر عرضة وتأثرا عند حدوث وباء عالمي بسبب إنفلونزا الطيور. وقال وزير الصحة المصري، الدكتور حاتم الجبلي، أمس إن مؤتمر شرم الشيخ سيبحث أيضاً أفضل الإجراءات التي تمت لمكافحة المرض والاستعداد الخاصة لمعالجة حدوث الوباء البشرى، في حال حدوثه، مشيراً إلى أن احتمال تحور الفيروس أو غيره من سلالات إنفلونزا الطيور وانتقاله بين البشر ما زال واردا.

وحول ما قيل عن «توطن فيروس إنفلونزا الطيور في البلاد»، أوضح الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء المصريين رئيس لجنة الصحة والسكان بالبرلمان المصري، لـ«الشرق الأوسط» أن مرض إنفلونزا الطيور «متوطن بالفعل في مصر»، وأنه «لم يتم القضاء عليه بعد»، وأن «تطعيم الطيور أصبح جزءا من مكونات التطعيم في مصر». وأرجع الدكتور السيد السبب في توطن المرض إلى عدة أسباب منها «أن مصر.. مع الأسف تقع في مسار هجرة الطيور»، وأضاف حول استمرار مواطنين مصريين مثل «فوزية»، في تربية الدواجن والطيور في بيوتهم بالمدن، رغم التحذير الحكومي من خطورة هذا الأمر، بقوله إن المشكلة تكمن في أن 60 في المائة من الثروة الداجنة تربيها الأسر المصرية الفقيرة في بيوتها كمصدر للطعام والرزق، وأضاف: «نحن دولة بها 80 مليون نسمة، ومن الصعب أن تطرق باب كل مواطن وتلزمه بألا يربي الطيور في بيته، لكن من الممكن تشجيعهم على الدخول في برنامج التطعيم المجاني الذي توفره الحكومة، وإدراك أهمية إرشادات الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا (القاتلة)».