وول ستريت والكساد الكبير

عامل في البورصة الأميركية بنيويورك (أ.ف.ب)
TT

ليست المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يهتز فيها حزب سياسي مع اهتزاز وول ستريت والاسواق المالية، وليس المرة الاولى التي يصبح فيها وول ستريت المحطة الاهم في الانتخابات الرئاسية. فالمسؤولية التي تُحمل اليوم للحزب الجمهوري بسبب الازمة الاقتصادية التي ضربت الاسواق بدءا من منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، حملها الرئيس الجمهوري هربرت هوفر في العام 1929، عندما وقعت الولايات المتحدة، والعالم، في الكساد الكبير، بعد انهيار الاسهم في وول ستريت. فهوفر دخل البيت الابيض في العام 1929 في فترة ازهادر اقتصادي ورخاء، وخرج بعد أربعة أعوام حاملا مسؤولية ادخال البلاد في فترة كساد تاريخي لن تخرج منها الولايات المتحدة الا في نهاية الثلاثينات.

حاول هوفر اعادة تقويم الاقتصاد الذي بدأ بالانهيار في سنة حكمه الاولى، الا انه لم ينجح. ويقول المؤرخون ان السببب الاول الذي أدى بهوفر الى خسارة معركته للفوز في ولاية ثانية، كان الكساد الكبير. وتعرض هوفر خلال حملته الثانية الى احدى أعنف التظاهرات التي واجهها رئيس أميركي. وكان متظاهرون يرمون على موكبه وسياراته البيض والفاكهة الفاسدة، وكان دائما ما يتعرض لصيحات استهجان وهو يتحدث. وأوقف رجال المخابرات أكثر من مرة أشخاصا كانوا يريدون قتل هوفر، وألقي القبض في إحدى المرات على رجل كان يتقرب من الرئيس وهو يحمل أصابع من الديناميت.

وخسر هوفر أمام المرشح الديمقراطي فرانكلين روزفيلت الذي أدخل مجموعة من المشاريع عرفت بـ«الصفقة الجديدة» للنهوض بالاقتصاد. وروزفيلت كان الرئيس الوحيد الذي خدم لأكثر من ولايتين، وبقي في الحكم من العام 1933 حتى العام 1945.

والازمة الاقتصادية التي بدأت في العام 1929، جاءت في أعقاب فترة شهدت فيها الولايات المتحدة فترة ازدهار غير مسبوق، وغمرت الأموال البنوك والشركات الأميركية الكبيرة. وجرى توظيف جزء كبير من هذه الأموال في سوق الأسهم، ما جلب المزيد من والازدهار والانتعاش الى السوق. وبفضل أنظمة تسليف سهلة قدمت لذوي الدخول المتدنية، تمكن الكثيرون من شراء تأمينات مالية لا تتجاوز قيمتها 10 بالمائة، ودفع هذا بالبورصة إلى التحليق إلى أعلى مستوياتها.

وتهافت الجميع على شراء الأسهم واللعب في البورصة، وبحلول عام 1929، كانت أسعار الأسهم قد تضاعفت أربع مرات خلال خمسة اعوام. ففي ديسمبر (كانون الاول) 1920 مثلا، كان متوسط قيمة مؤشر داو جونز في الأسهم الرئيسية ببورصة نيويورك 66.75 نقطة، وفي سبتمبر (أيلول) 1929، ارتفعت قيمته الى 381.7 نقطة. وعلى الرغم من ان الكثير من الخبراء الاقتصاديين حذروا من انفجار «الفقاعة المالية»، الا ان نداءاتهم لم تلق آذانا صاغية.

وفي 18 اكتوبر (تشرين الاول) هبطت السوق بشكل كبير ومفاجئ، وبعد خمسة أيام انتشرت شائعات مفادها ان فيضاناً في صفقات تحويل الموجودات الى سيولة نقدية في طريقه الى وول ستريت، وبدأ المستثمرون الذين شهدوا ارتفاع قيم اسهمهم طيلة شهور، ببيعها. فبيع في يوم واحد ستة ملايين سهم، وانخفض مؤشر داوجونر 21 نقطة. وتلت هذا اليوم أيام سوداء أخرى... وهكذا، بين 29 اكتوبر (تشرين الاول) و13 نوفمبر (تشرين الثاني)، تبخر 30 مليار دولار من سوق بورصة نيويورك. واستغرقت الأسواق المالية 25 عاماً للتعافي من هذه الكارثة واستعادة أسهمها لقيمتها الأصلية.