بوصاسو.. مدينة صومالية تعج بالقراصنة في غياب القانون

كل ما تحتاجه 3 رجال وقارب صغير لكي تصير في اليوم التالي مليونيرا

TT

تعد مدينة بوصاسو الصومالية واحدة من أخطر المدن في الصومال، فيمكن أن تخطف في أقل من غمضة عين، و مع ذلك فهي واحدة من أكثر المناطق غنى في الصومال.

يجوب الصرّافون في المدينة حاملين الدولارات، وترى الكثير من المباني الفخمة الجديدة تظهر إلى جوار أكواخ الصفيح في المدينة.

تلك هي قصة ازدهار الصومال، فعمليات القرصنة لا تجري سرا. فالبلاد في حالة فوضى، مع عدد لا يحصى من الأطفال يتضورون جوعا، ويقتل الأشقاء بعضهم بعضا في العاصمة مقديشو من أجل حفنة من الحبوب.

لكن هناك عملا واحدا قائما، وهو القرصنة، وهو الأكثر استفادة من تلك الفوضى وحالة اليأس المستشرية. وهذا العام، أعلن المسؤولون الصوماليون أن أرباح القراصنة يتوقع أن تصل إلى رقم قياسي قيمته 50 مليون دولار، وكل هذه غير خاضعة للضرائب.

ويقول محمد موسى حيرسي، المسؤول الرفيع في بوصاسو والذي يشتبه في تعاونه مع القراصنة رغم نفيه الشديد لذلك: «يكسب هؤلاء (القراصنة) الكثير في وقت قليل وبدون جهد يذكر».

ويستخدم القراصنة في عملياتهم زوارق صغيرة يضعونها إلى جانب فرائسهم من السفن، ثم يتسلقون إلى ظهر السفينة باستخدام السلالم أو الخطاطيف الصدئة في بعض الأحيان. وما أن يصعدوا إلى ظهر السفينة حتى يحتجزون الطاقم تحت قوة السلاح إلى أن يتم دفعة الفدية التي غالبا ما تتراوح بين مليون ومليوني دولار.

يبدو أن الجريمة في الصومال مربحة، فهي بالفعل إحدى الصناعات التي تدر دخلا كبيرا هناك. ويقول عبد الله عمر قاودن، الكابتن السابق في البحرية الصومالية التي تفكيكها منذ زمن بعيد: «كل ما تحتاجه ثلاثة رجال وقارب صغير لكي تصير في اليوم التالي مليونيرا».

ويصف الصوماليون في مدينة جاروي الواقعة جنوب مدينة بوصاسو بعض أولئك القراصنة بأنهم متخمون بالمال ويقودون أفخم السيارات ويديرون الكثير من الأعمال الرئيسة في المدينة كالفنادق ويقيمون أفخم الحفلات، فتقول فاطمة عبد القادر أنها حضرت حفل زفاف أحد القراصنة في يوليو (حزيران) استمر ليومين لم يتوقف فيه الرقص وتقديم لحم الضأن وحضرت فرقة مخصوصة من جيبوتي، وتقول فاطمة «لقد كان رائعا، أعيش فترة حب مع أحد القراصنة في الفترة الحالية».

تلك الأرباح المهولة تضعف أمامها نفوس الكثيرين من الصوماليين وتجعلهم غير قادرين على مقاومة إغرائا، ويتوافد المجرمون من جميع أنحاء الصومال على بوصاسو ومعاقل للقراصنة السيئة السمعة الأخرى على الساحل الصومالي، حيث حولوا تلك المياه إلى واحدة من أخطر الممرات الملاحية في العالم.

ومع خروج الوضع عن السيطرة تتجه سفن أميركية وروسية وسفن تابعة للناتو والاتحاد الأوروبي والهند إلى الشواطئ الصومالية كجزء من جهود المجتمع الدولي لسحق القراصنة.

ولكن الأمر لن يكون بتلك السهولة المتوقعة، فالقراصنة عارفون بالبحر ولا يخشون شيئا، وهم أثرياء ويزدادون ثراء، ومزودون بأحدث الآلات التكنولوجية، مثل وحدات تحديد المواقع المحمولة، وهو متحدون والانتماءات العشائرية التي ألبت الصوماليين ضد بعضهم بعضا لا تمثل مشكلة بينهم، فالكثير من القراصنة الموجودين في سجن بوصاسو الذين التقيناهم قالوا إنهم تجاوزوا مؤخرا الخلافات العشائرية لكي يبدأوا أنشطة جديدة ومربحة ومتعددة العشائر. ويقول جمعة عبد الله أحد القراصنة المحتجزين «نحن نعمل معا، وهو أمر أفضل بالنسبة لعملنا، أوليس كذلك؟».

وينتشر القراصنة على مدى آلاف الكيلومترات المربعة من المياه بداية من خليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر وحتى الحدود الكينية على المحيط الهندي. وحتى إن تمكنت السفن البحرية من الإمساك ببعض القراصنة متورطين، فإنهم لن يتمكنوا من محاكمتهم، ففي سبتمبر (أيلول) أسرت سفينة حربية دنماركية 10 رجال يشتبه في ممارستهم لأعمال القرصنة يبحرون في خليج عدن وبحوزتهم قاذفة قنابل وسلم طويل، لكنهم بعد الإمساك بالمشتبه فيهم لمدة أسبوع تقريبا تبين للدنماركيين أنه لا سلطة قضائية كي يحاكموهم، لذا أنزلوهم إلى الشاطئ بدون أسلحتهم.

ويبدو أنه لا يوجد لدى أحد خطة واضحة لكيفية ترويض بحار الصومال المضطربة، فقد تحدث العديد من الصيادين في خليج عدن عن رؤيتهم لبراميل النفايات السامة تطفو في وسط المحيط، وتحدثوا عن أعداد هائلة من الأسماك النافقة تطفو بالقرب من تلك البراميل، وشباك الصيد الجائر لا تصطاد الأسماك والسرطانات البحرية فقط وإنما الشعاب المرجانية والنباتات التي تغذيها أيضا. وقال العديد من الأشخاص إن مثل تلك الانتهاكات هي التي حولتهم من صيادين إلى قراصنة. كما أنه من غير الواضح أيضا ما إذا كانت السلطات الصومالية ترغب في وقف أعمال القرصنة تلك. فعلى الرغم من اعتقال العديد من القراصنة تحدث العديد من الصيادين والباحثون الغربيون وعدد من القراصنة في السجن عن العلاقات الشائنة بين شركات الصيد والشركات الأمنية الخاصة ومسؤولين في الحكومة الصومالية، خاصة أولئك الذين يعملون لدى حكومة إقليم بونت لاند، التي تحظى بشبه استقلال ذاتي.

ويقول فرح إسماعيل عيد، وهو قرصان ألقي القبض عليه في بالقرب من بربرة وحكم عليه بالسجن 15 عاما: «صدقني، الكثير من الأموال التي نحصل عليها تصل إلى جيب الحكومة». ويضيف أن فريقه يتقاسم الغنائم بالصورة التالية: 20% تذهب لرؤسائه، و20% للمهمات التالية (لتغطية مستلزمات مثل البنادق والوقود والسجائر) و30% للمسلحين على ظهر السفينة و30% للمسؤولين الحكوميين. ويعترف عبد الواحد جوهر، المدير العام لوزارة المصايد والموانئ في بونت لاند صراحة في مقابلة أجريت معه في ربيع هذا العام «بوجود مسؤولين حكوميين يعملون مع القراصنة»، وأضاف «لكننا هنا لا نقوم بذلك». وقال رودجر ميدلتون، الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن: «يستفيد المسؤولون في بونت لاند من القرصنة»، وأضاف: «يحتمل أن تكون كل الشخصيات السياسية البارزة في الصومال مستفيدة من تلك القرصنة». ولكن موسى، رئيس بونت لاند، أشار إلى أنه لا يعلم أي شيء عن ذلك وقال: «نحن قادة الدولة، وكل من نشتبه في تورطه مع القراصنة نقوم بفصله من عمله».

وأضاف أن بونت لاند تقوم بهجمات ضد القراصنة وأن سجن بوساسو الرئيس أصدق دليل على ذلك، وتلك هي البداية فقط.

ويوضح سيد فرح، صاحب محل في جروفي، أن القراصنة لديهم الكثير من الأموال. ويقول «إذا رأوا سيارة كبيرة يقودها أحد الأشخاص، قالوا: كم ثمنها؟ إن كان 30 ألف دولار قالوا: خذ 40 ألف دولار واعطنا المفتاح».

*خدمة «نيويورك تايمز»