«الصوت الخفي» في المعركة الإنتخابية

7 % من الناخبين بالولايات المتأرجحة ما زالوا مترددين

ناخبون ينتظرون دورهم للادلاء بأصواتهم في سان دييغو بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

على الرغم من أن المرشحين للانتخابات الرئاسية أمضيا كثيراً من الوقت بحملاتهما الانتخابية، يعرّفان الاميركيين بهما وببرامجهما، لا يزال هناك 7 في المائة من الناخبين مترددين في الولايات المتأرجحة، بحسب استطلاع أجرته شبكة «سي ان ان» قبل يوم واحد من الاقتراع. وأعطى الاستطلاع تقدما للمرشح الديمقراطي باراك اوباما بـ47 في المائة وللمرشح الجمهوري جون ماكين 43 في المائة في الولايات المتأرجحة، و3 في المائة سيصوتون لمرشحين آخرين. إلا ان الناخبين المترددين قد يقلبون النتائج اذا صبت اصواتهم كتلة واحد لصالح ماكين..

وفي الاسبوع الماضي، أثارت تصريحات أدلى بها أوباما وكذلك تصريحات كان قد أدلى بها جوزيف بايدن، المرشح لمنصب نائب الرئيس، قلقاً وسط الديمقراطيين وأنصارهم، إذ حذر أوباما أنصاره في أوهايو من التكاسل ودعاهم للإقبال على التصويت بكثافة، وألا يقعوا في مطب الظن أن السباق حُسم وانتهى أمره. وقال بايدن إن على الديمقراطيين ألا ينخدعوا بأرقام استطلاعات الرأي التي تمنح حالياً تقدماً كبيراً للمرشح الديمقراطي. وقال بايدن مخاطباً تجمعاً لجمع التبرعات في كاليفورنيا: «لا تبتهجوا كثيراً.. ربما نكون نحن في المقدمة في استطلاعات الرأي لكن عليكم ان تتذكروا ماذا حدث عامي 2000 و2004، كنا في المقدمة في اكتوبر (تشرين الأول) ثم خسرنا في نوفمبر(تشرين الثاني)». ويقصد بايدن ان استطلاعات الرأي كانت منحت التفوق مرتين للمرشحين الديمقراطيين، في المرة الاولى مع آل غور في مواجهة جورج بوش وكان ذلك عام 2000، وفي المرة الثانية مع جون كيري في مواجهة بوش ايضاً، وكان ذلك عام 2004. هذا التصريح رددته كثيراً اذاعة «ناشونال ببليك راديو» (إن بي آر)، لكن على أي اساس استند بايدن في تخوفاته؟ تقول ماري كلاير جونسون، وهي باحثة في مركز «امباكت ميديا» في نيويورك، إن بايدن ربما يعبر عن تخوف الديمقراطيين من شيء آخر وليس فقط خطأ تقديرات الاستطلاعات، وقالت جونسون لـ«الشرق الاوسط»: «أظن انه يخشى من تغليب الناخبين لعنصر العرق». واوضحت قائلة: «نتذكر ان أوباما فاز في ايوا خلال الانتخابات التمهيدية، لكنه خسر امام هيلاري كلينتون في نيوهامشير على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت لصالحه، واظن ان السبب هو العرق». يذكر ان هيلاري فازت بجولة نيوهامشير في انتخابات الديمقراطيين خلال المرحلة التمهيدية، وذلك بنسبة 39 في المائة لصالحها و37 في المائة لأوباما.

ومشكلة العرق ستكون حاضرة في اقتراع اليوم ويمكن ان تقلب جميع التكهنات رأساً على عقب. المجموعات الثلاث التي تتأثر بموضوع العرق سلباً أو ايجاباً هم البيض، ووصل عددهم حالياً 199 مليون نسمة، واللاتينو (هسبانيك) ويبلغ عددهم 39 مليون نسمة ثم السود ويبلغ عددهم حوالي 38 مليون نسمة. وكما يتردد في اميركا، وإنْ بصوت خافت، فإن البيض عندما يكونون خلف الستارة للإدلاء بصوتهم من الصعب جداً ان يصوتوا لصالح أسود، كما ان الهسبانيك (الذين يتحدرون من اصول لاتينية) مبعث حساسيتهم مع السود انهم معاً يعيشون في أوضاع مادية متدنية. بعبارة اخرى، فقراء وتعساء لا يحبون فقراء وتعساء مثلهم. وحتى بالنسبة للسود أنفسهم، وعندما كان اوباما يخوض معركته الشرسة ضد هيلاري اثناء الانتخابات التمهيدية، استطاعت سيناتور نيويورك استقطاب رموز مهمة من السود الاميركيين الذين كانوا يقولون علناً ان اوباما «ليس اسودَ بما فيه الكفاية» وذلك على اعتبار انه في الأصل ابن مهاجر كيني، وامه بيضاء من ولاية آركنساس، وأجداده لم يعرفوا العبودية التي عرفها السود الاميركيون. وهناك اعتقاد سائد لدى البيض، والى حد ما حتى لدى الهسبانيك، مفاده أن السود كسالى وينزعون الى الشر. ونقلت «إن بي آر»، وهي المحطة الأشهر في اميركا، قبل يومين عن مواطنة من اللاتينو في ولاية لويزيانا قولها: «السود كسالى لا يعملون، اللاتينو يعملون طوال اليوم ويتعرضون في آخر اليوم للسطو من طرف السود». ووصلت الى الاذاعة احتجاجات كثيرة على السماح ببث هذا التصريح الذي تبدو فيه النبرة العرقية طاغية. وثمة مزحة متداولة كثيراً في اميركا حول «كسل السود وسعيهم للبحث عن المال السهل» كما يقال، خاصة اموال الاعانات الاجتماعية. تقول المزحة على لسان اميركي اسود: «إذا كنا كسالى لماذا جاءوا بأجدادنا من افريقيا لبناء هذه البلاد. وعندما يقال اننا نتقاضى مالاً سهلاً دون ان نقدم خدمة، ألا يكفي ان أجدادنا عملوا قرنين دون أجر»، وذلك في إشارة لفترة العبودية. وفي محاولة لتخطي عنصر العرق، ركزت حملة اوباما على أصوات الشباب من مختلف الأعراق، وهؤلاء بالفعل هم من مؤيدي اوباما، وهو ما يتجلى في التجمعات الانتخابية التي فاقت في بعض الأحيان 100 الف شخص، لكن مشكلة هؤلاء أن ذهابهم الى صناديق الاقتراع غير مضمون، ومع ما يتردد الآن من أن الاقبال الكثيف على عمليات الاقتراع ربما يقود الى ان يبقى الناخبون ساعات طويلة حتى يدلوا باصواتهم. ويخشى ان يفتر حماس الكثير من الشباب إذا بقيت الصفوف تتلوى امام مراكز الاقتراع. يذكر ان عددا من الولايات الاميركية بدأت في ادخال اجهزة خاصة لتسهيل عملية التصويت، لكن في الوقت نفسه هناك مؤشرات ان صفوفاً طويلة من الناخبين ستقف اليوم أمام مراكز الاقتراع. ويقول باحثون من مجموعة «بيو» المستقلة إن توقعات بطول انتظار الناخب الاميركي للاقتراع بدأت تأخذ ملامحها بالفعل في ولايات مثل شمال كارولاينا وفلوريدا التي اضطرت لتمديد فترة التصويت المبكر لتفادي الازدحام. وإذا صدقت هذه التكهنات، فإن ذهاب الشباب الى مراكز الاقتراع سيصبح محفوفاً بالشكوك. وهناك من يعتقد ان اميركا ستتجاوز مشكلة العرق خلال هذه الانتخابات، خاصة ان عنصر العرق تلاشى في دول اميركا الجنوبية التي تولى فيها الحكم رؤساء من أصول عربية بل حتى من اليابان كما هو الشأن في حالة رئيس بيرو الأسبق ألبرتو فوجيموري. وفي هذا السياق، تقول ماري سيابورن من معهد البحث «بيو هيسبانيك سنتر» في واشنطن: «أعتقد ان اميركا على وشك ان تتجاوز مشكلة العرق عكس اوروبا، إذ لا أظن ان دولة مثل بريطانيا يمكن ان يصل فيها الى منصب رئيس الوزراء حتى ولو بعض مضي عقود شخص يتحدر من جامايكا، او ابن مهاجر من السيخ او بنغلاديش او حفيد مهاجر من سيراليون (كانت مستعمرة من قبل الانجليز في غرب افريقيا». وتستطرد سيابورن عندما طرحنا عليها السؤال الذي بات يلعبه العرق في التأثير سلباً او ايجاباً في الحياة السياسية، وتقول: «اميركا اللاتينية هي اول دول تغلبت على هذا العامل، ليس الآن بل منذ عقود». وأشارت سيابورن الى بعض الأمثلة، وقالت: «انظر كيف قبل الكوبيون بقيادة شي غيفارا اثناء الثورة وبعد وصول فيديل كاسترو الى الحكم اصبح وزيراً للصناعة ثم تحول الى بوليفيا ليحارب هناك، ونحن نعرف ان غيفارا ارجنتيني». واضافت: «في الارجنتين تولى الحكم رجل من منطقتكم وهو الرئيس كارلوس منعم، وهناك أمثلة كثيرة». ربما يكون حديث سيابورن صحيحاً، لكن لعلها أغفلت وهي تضرب مثلا ببريطانيا ان هناك دولة اخرى في اوروبا، وهي من الدول القيادية في القارة العجوزة، تجاوزت مسألة العرق، إذ يحكم فرنسا الآن نيكولا ساركوزي، وهو ابن مهاجر هنغاري (مجري) يدعى بال ساركوزي دو ناغي ووالدته فرنسية، لكنها من اصول يهودية يونانية. ووالد ساركوزي الذي ولد عام 1928 في بودابست من اسرة متواضعة، وعندما دخل الجيش الاحمر المجر عام 1944 هربت اسرة ساركوزي الى المانيا. وعلى الرغم من أن الأسرة عادت في العام التالي، فإن والد ساركوزي هرب من جديد الى فرنسا ليعمل ضمن القوات الفرنسية في الجزائر. وكان ساركوزي الاب قد التقى بزوجته اندي عام 1949، ولم ينل الاب الجنسية الفرنسية إلا في السبعينات، بيد ان العرق لم يكن له دور سلبي في وصول ابنه ساركوزي الى قصر الاليزي، على الرغم من وجود يمين متشدد يمثله جان ماري لوبن، زعيم الجبهة الوطنية، الذي ظل يخوض الانتخابات الرئاسية منذ عهد شارل ديغول. وسبق ان انتقد لوبن لاعبي المنتخب الفرنسي لكرة القدم ومعظمهم من القارة الافريقية، وقال إنهم لا يعرفون حتى ترديد «المارسييز»، اي النشيد الوطني الفرنسي، لكن لوبن كان يقصد بالطبع الجانب العرقي. إلا أن أمثلة اميركا اللاتينية واضحة وتؤكد ان العرق لم يعد يلعب بالفعل دوراً حاسماً كما هو الشأن في اميركا، مثل هو شأن هوغو شافيز رئيس فنزويلا وهو عبارة عن خليط ما بين الهنود الحمر وسود اميركا اللاتينية.

وأخيراً، انشغلت شبكات التلفزيون الاميركية، بحكاية «جو السباك» وهو اميركي من اوهايو، وقف أمام المرشح الديمقراطي باراك اوباما وقال له امام كاميرات المصورين وعدساتهم: «خطتك لفرض ضرائب على الشركات التي يزيد دخلها عن 250 الف سنوياً لا تناسبني». استغل المرشح الجمهوري جون ماكين هذا النقاش ليستعمله في آخر مناظرة تلفزيونية بل ان «جو السباك» سيشارك لاحقاً في تجمعات انتخابية مع ماكين ونائبته سارة بالين، لكن وسط الجدل حول فكرة «جو السباك» بثت شبكة «24 ساعة» الفرنسية، والتي تذيع باللغة الانجليزية وهي موجهة نحو اميركا، استطلاعاً حول موقف الناخبين في اوهايو التي تعد من الولايات المتأرجحة. ووقف أحد الناخبين البيض ليقول امام الكاميرا إنه لن يصوت لصالح اوباما لانه «نيغرو» اي زنجي. بعض وسائل الاعلام خاصة المتعاطفة مع اوباما استغلت ذلك، لكن شبكات التلفزيون الاساسية لم تتوقف عند الأمر.

ولم تشهد الحملة الانتخابية التي انتهت تبادل عبارات واضحة ذات طبيعة عرقية. ولم يستعمل المرشحان لغة لها دلالات عنصرية، وحتى عبارات خارجة عن المألوف، رددها الجمهور، خاصة في تجمعات ماكين حين هتف مناصروه في إشارة الى اوباما قائلين: «عربي مسلم أشنقوه». لكن سارة بالين، نائبة ماكين، قالت أكثر من مرة ان اوباما «ارهابي واشتراكي». بيد ان الذي طرق موضوع العرق مباشرة وعلاقته بالحملة الانتخابية كان هو وزير الخارجية السابق كولن باول الذي عندما سئل عما إذا كان قرر التصويت لصالح أوباما لانه اسود، رد باول قائلاً: «إذا كان الامر كذلك كان يُفترضُ أن أحسمَ الامرَ منذ شهور وليس الآن». وعلى الرغم من ذلك، فهناك مَنْ يعتقد ان الجانب العرقي أدى دوراً عاطفياً لكي ينحاز باول في نهاية الامر لصالح اوباما، إذ ان موقفه استند بالاساس إلى توجيه انتقادات قاسية لحملة ماكين التي ربطت اوباما بالارهاب والإسلام. لا أحد استعمل العرق علناً في الحملة الانتخابية، لكن لا أحد بالمقابل يشكك في انه سيؤدي دوراً حاسماً بالانتخابات الأكثر إثارة في التاريخ الأميركي المليء بالثقوب والمرارات.