جوزيف ناي لـ«الشرق الأوسط»: أميركا تعيد تعريف نفسها في هذه الانتخابات

أبو الـ«نيو ليبراليزم» و«القوة الناعمة» قال إن القرن الـ21 ليس قرن أحد .. وواشنطن خسرت باستخدام قوتها الخشنة لكن العالم لا يحتمل انكفاءها داخل حدودها

هذه الانتخابات ستعيد تعريف القوة الاميركية في العالم («الشرق الأوسط») وفي الاطار جوزيف ناي
TT

هل تعيد هذه الانتخابات تعريف دور أميركا في العالم؟ الغالبية من المفكرين والسياسيين في أميركا ترد بـ«نعم»، فمنذ خرجت أميركا للعالم خلال الحرب العالمية الثانية، بمشاركتها في الحرب والتي مكنت دول الحلفاء (بريطانيا وروسيا وفرنسا وأميركا) من الانتصار على دول المحور (ألمانيا واليابان) وهي اللاعب الرئيسي على المسرح الدولي، ليس فقط بسبب استخدامها الحد الأقصى من القوة العسكرية، بإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونغازاكي باليابان في أغسطس (آب) 1945، بل أساسا لان أميركا عندما خرجت للمسرح الدولي لم تخرج بالمدافع والدبابات والأساطيل الحربية فحسب، كما فعلت كل الامبراطوريات قبلها، من اسبانيا والبرتغال خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، الى بريطانيا العظمي وفرنسا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل خرجت ايضا بأدوات كانت جديدة تماما على مسرح العلاقات الدولية في ذلك الوقت، ومن بينها المساعدات الاقتصادية والقروض المالية والمؤسسات الدولية التي روجت لفكرة الاعتماد المتبادل عبر التجارة. كما خرجت اميركا للمسرح الدولي بالترويج للأفكار الليبرالية، سياسيا واقتصاديا، عبر مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وشركات النفط، والأفلام والكوكا كولا وسيارات فورد وسجائر مارلبورو. ولهذا يعتقد الكثيرون داخل اميركا وخارجها أنه بالرغم من أن الإسكندر المقدوني كان يسيطر على 90 في المائة من العالم، الا أن الامبراطورية المقدونية تخسر أمام الامبراطورية الاميركية في سباق: من هي أقوى قوى عظمي ظهرت في العالم؟ ففي رأي الكثيرين.. أميركا هي أكبر قوة عظمى، فهي تمددت سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وتجاريا. لكن انتشار القوة الاميركية ادى الى ترهلات، وكانت السنوات الاخيرة هي الاصعب ربما على قيادة اميركا للعالم منذ الحرب العالمية الثانية، فحتى في غمرة الحرب الباردة لم تظهر اميركا ضعيفة أو منتقدة من قبل حلفائها وأعدائها كما هي الآن. فقد تمادت في استخدام قوتها الخشنة على حساب قوتها الناعمة. واليوم تتعالى أصوات داخل اميركا من أنه لا بد من عودة اميركا الى مصادر جاذبيتها، وأهمها القوة الناعمة، وأبرز هؤلاء جوزيف ناي، المفكر السياسي الاميركي البارز والأستاذ في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، والقريب سياسيا وفكريا من الديمقراطيين في اميركا. ناي هو من صك نظرية ومفهوم «نيو ليبرالزم» مع المفكر السياسي روبرت كوهين، كما صك مصطلح «القوة الناعمة» أحد أهم نظريات ومصطلحات القرن العشرين في تفسير العلاقات الدولية. ويقول ناي إنه ما من دولة في التاريخ تمتعت بالقوة التي تمتعت بها اميركا، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لكن في نفس الوقت ما من قوة عظمى في العالم اعتمدت في قوتها على باقي دول العالم، بقدر ما تعتمد قوة اميركا على باقي دول العالم، من دعم الاتحاد الأوروبي لها سياسيا، الى فتح الصين لأسواقها امام السلع الاميركية، الى اعتمادها على نفط الشرق الاوسط وروسيا، فهذا هو جوهر الاعتماد المتبادل وقلب العولمة. ويشدد ناي على أن قوة اميركا تكمن في قوتها الناعمة، فيما ضعفها يكمن في أفراطها في استخدام القوة الخشنة. فأميركا تغزو الصين بمقاهي ستارباكس وماكدونالدز وافلام هوليوود، وهذه اسلحة اقوى في تغيير السلوك الصيني من التهديد بعقوبات اقتصادية مثلا بسبب ملف حقوق الانسان. ويقول ناي في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الفترة الماضية كانت فترة الأخطاء الجسيمة في السياسة الأميركية، موضحا ان حرب العراق مثلا كانت خطأ، لكنه في الوقت ذاته يرد على المنتقدين لأميركا، موضحا ان العالم لا يحتمل انكفاء اميركا داخل حدودها. كما يوضح ان القرن الحادي والعشرين لن يكون قرن دولة واحدة، بل سيكون قرن قوى عديدة وذلك بسبب طبيعة التحديات الدولية التي لا يمكن لأي دولة حلها منفردة، ومثال على ذلك الاحتباس الحراري. كما يؤكد ان اميركا أمام مفترق طرق تاريخي في هذه الانتخابات، فهذه الانتخابات ستعيد تقديم اميركا للعالم بحسب ما يرى ناي. وهنا نص الحوار:

* هل نحن أمام مرحلة انتهاء الحلم الأميركي وكون أميركا القوة الأولي عالميا؟ ـ أعتقد أن هذه فترة «الأخطاء الجسيمة» في أميركا. أخطاء فادحة ارتكبها الأميركيون، لكنني أعتقد أن لديهم القدرة على تجاوز هذه المرحلة والتعافي، كما تعافوا في الماضي.

* لماذا تعتقد أن بإمكان أميركا التعافي. فهناك تحديات كثيرة تواجهها الآن، ليس أقلها الصين وروسيا والهند، ما يدفع البعض للقول إن القرن الحادي والعشرين قد لا يكون قرنا أميركيا، بل صينيا على سبيل المثال؟ ـ لا أظن أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن أي قوة، لن يكون قرن دولة ما. هذا القرن سيتطلب تقاسم القوى بين دول العالم المؤثرة لمواجهة مشاكل مثل التغييرات المناخية، والأوبئة المتوطنة. ولهذا أعتقد أن التحولات ستكون ما أسميته «انتشار القوة» الى المؤسسات غير الحكومية والمؤسسات العابرة للقارات، وليس صعود قوة واحدة مسيطرة تلعب دور القوة الأولي في العالم. لكن إذا سألت عن الدولة التي ستتمتع بأكبر مصادر للقوى في القرن الحادي والعشرين أعتقد أنها ستظل الولايات المتحدة الأميركية. لكن إذا سألت ما إذا كانت دولة واحدة بإمكانها أن تعالج وحدها مشاكل الاحتباس الحراري والأوبئة في العالم، سأقول: إنه لا توجد دولة تستطيع بمفردها اليوم أن تحل كل هذه المشاكل، بما في ذلك الولايات المتحدة.

* هل تعتقد أنه بسبب ما تقوله الآن، يحتاج العالم لنظريات جديدة كي نفهم ونفسر مسار العلاقات الدولية اليوم؟ ـ أعتقد أن النظريات التي لدينا والتي تقوم على الفكرة التقليدية لـ«توازن القوى»، لا يمكن أن تساعدنا الآن في معالجة القضايا والتحديات الجديدة. فعلى سبيل المثال إذا اخذنا التغيرات المناخية في العالم، فإن الصين تجاوزت الولايات المتحدة في انتاج غاز ثاني اكسيد الكربون، وهذا يؤذي الولايات المتحدة، ويؤذي الصين، ويؤذي باقي دول العالم. السؤال: كيف تحل هذه المشكلة؟ الاجابة: ليس بالطرق التقليدية والتهديد بالحرب أو العقوبات أو المقاطعة الاقتصادية. تحل هذه المشكلة عبر التعاون المتبادل. بهذا المعني، النظام العالمي الآن يحتاج الى مفاهيم جديدة.

* هل تستطيع أن تسمي تهديدا واحدا يشكل خطرا على أميركا في القرن الحادي والعشرين؟ ـ ممكن تصور خطر على اميركا إذا ما أصبحت الصين عدوانية حيال الولايات المتحدة. يمكن تصور صراع بين اميركا والصين في هذه الحالة، لكنني شخصيا لا أظن ان هذا وارد. أعتقد أن الصينيين لديهم مصلحة في التعاون مع اميركا، مثلما أن لأميركا مصلحة في التعاون مع الصين. أعتقد أن التهديد الحقيقي لأميركا لا يأتي من دول أخرى، بالمعنى التقليدي المعروف، بل الذي يأتي من تنظيمات ومنظمات غير حكومية. وفي هذا السياق أعتقد أن هناك تهديدا من المنظمات الإرهابية. كما أعتقد أن هناك تهديدا من انتشار الأوبئة التي يمكن أن تقتل أناسا أكثر مما يمكن أن تقتل حرب عالمية ثالثة. أعتقد أن هناك تهديد الاحتباس الحراري. كل هذه التهديدات حقيقية جدا، لكننا لا يمكن أن نفهم هذه التهديدات اذا ما استوعبناها على أساس أنها تهديدات تقليدية.

* أنت خرجت بمفهوم «القوة الناعمة» في تسعينات القرن الماضي. بعد نحو 15 عاما على صكه، هل ما زلت تعرف «القوة الناعمة» كما عرفتها آنذاك؟ وهل تعتقد أن اميركا تستعمل اليوم قوتها الناعمة أم قوتها الخشنة أكثر؟ ـ القوة الناعمة هي القدرة على أن تحصل على ما تريد بقوة الجذب وليس بالقوة المادية أو التهديد أو القوة الخشنة. ومفهوم القوة الناعمة بات اليوم أكثر أهمية مما كان عندما صككته عام 1990. فتحت ادارة جورج بوش الابن استخدمت الولايات المتحدة القوة الخشنة أكثر كثيرا مما استخدمت قوتها الناعمة، وقد آذى هذا الولايات المتحدة. لكني أمل بعد حكومة جديدة بعد الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، أن تتمكن اميركا من تغيير جزء من سياساتها، وتستعيد جزءا من قوتها الناعمة.

* لماذا مالت الولايات المتحدة تحت إدارة بوش الابن الى استخدام القوة الخشنة أكثر من القوة الناعمة؟ ـ أعتقد أن السبب مزيج من شيئين، الأول: وجود عدد من رموز تيار المحافظين الجدد في ادارة بوش، والسبب الثاني تغيرات المناخ الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. فهناك عدد من الوجوه جاءت مع ادارة بوش ترى أن اميركا يمكن ان تحقق أي شيء تريده باستخدام القوة الخشنة، وكان هذا خطأ جسيما. هذه المجموعة من الأشخاص نالت دعما كبيرا لأفكارها بسبب مشاعر الخوف التي نمت وسط الأميركيين بعد هجمات 11 سبتمبر.

* أميركا اليوم منخرطة عسكريا في العراق وأفغانستان وبدرجة ما في باكستان، لكن مع هذا يسود انطباع بأن الشارع الاميركي لا يهتم حقيقة بالشؤون الدولية. هل يهتم الاميركي العادي بما يدور خارج أميركا؟ ـ نعم أعتقد هذا. نحن نعيش في عالم أدت فيه التكنولوجيا الى إزالة الحواجز التي كانت موجودة في الماضي، واليوم لا يمكنك عزل نفسك عما يحدث في العالم من حولك. وبالتالي عندما كان يعتقد بعض الأميركيين في ثلاثينات القرن الماضي انه بالإمكان عزل اميركا عن التغييرات في العالم، عرفوا بعد ذلك بسنوات قليلة جدا، خلال الحرب العالمية الثانية، ان العزلة خطر. في القرن الحادي والعشرين بات من الأوضح بكثير أنه ليس هناك دولة تستطيع أن تعزل نفسها عما يدور في العالم من حولها.

* لكن طريقة التدخل الاميركي في العالم خلال السنوات الثماني الماضية، جعلت البعض يدعو اميركا الى أن تدير ظهرها للعالم وتنكب على شؤونها الداخلية قليلا، وتعطي الفرصة للأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي لكي تلعب دورا أكبر في الشؤون الدولية. ما هو رأيك؟ ـ في قضايا معينة مثل غزو العراق، كان تدخلنا خطأ. وأعتقد أن على اميركا أن تجد طريقة للانسحاب المتدرج، وتترك الإدارة للعراقيين. لكن هذا مختلف عن دعوة اميركا للانسحاب كليا من شؤون العالم. فانكفاء أميركا كليا ليس في مصلحة العالم.

* لكن بعض الأزمات الدولية الأخيرة حدثت بسبب تصرفات اميركية.. فأميركا هي التي خططت لإقامة الدرع الصاروخي في جمهورية التشيك على حدود روسيا، وليس العكس؟ ـ صحيح..وأعتقد أن على الأميركيين أن يتفهموا الروس أكثر فيما يتعلق بهذه التغييرات.

* بعد نهاية الحرب الباردة، هل ما زالت اميركا تحتاج الى عدو؟ وهل روسيا أو الصين هما العدوان الجديدان بالرغم من ان كليهما ينتهج سياسة السوق الحر الذي هو أساس الفكر الليبرالي الاميركي؟ ـ أعتقد أن على أميركا أن تتعامل وتعمل مع روسيا، وأعتقد انه سيكون من الخطأ التفكير في روسيا على أنها العدو. أعتقد ان الكثير من هذه المشاكل يأتي من روسيا حيث هناك تزايد في النزعة القومية. وأعتقد ان الأمر هو ان روسيا هي الطرف الذي يبحث عن عدو خارجي، أكثر من ان أميركا هي من يبحث عن عدو خارجي.

* لكن هل التنافس الدولي الحالي له علاقة بالآيديولوجيا، سواء رأسمالية أم شيوعية؟ أم هو مرتبط بالمصالح الاقتصادية المحضة؟ ـ أعتقد أن الصراع الآيديولوجي الذي شهدناه في القرن العشرين انتهي. لكن هناك الكثير من الخلافات التي لا تزال موجودة بين الدول، وهذه الخلافات يمكن معالجتها اذا كان هناك حس قوى بالمصالح المشتركة.

* لكن البعض يقول إن الصراع الآيديولوجي ما زال موجودا بزعم أن «الخطر الإسلامي» دليل على هذا؟ ـ أعتقد أنه من الخطأ الحديث عن الخطر الإسلامي، فهناك ملايين المسلمين في أميركا، وملايين المسلمين خارج الولايات المتحدة الذين تربطنا بهم علاقات جيدة جدا. هناك مجموعة محدودة جدا هي التي تنظر للإسلام من منظور ضيق جدا، وهي تشكل خطرا، وهنا أعنى «القاعدة» مثلا، لا كل المسلمين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خطر الإسلام.

* هل تعتقد أن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها أميركا حاليا يمكن أن تغير طريقة تفكير البعض في اميركا في مسألة العنصر واللون، مما قد يمهد الطريق لانتخاب أول رئيس أسود في تاريخ أميركا. ـ أعتقد أن هناك فرصة جيدة لهذا. استطلاعات الرأي تظهر تقدم أوباما. لكن لا يمكن الحكم على الانتخابات الأميركية قبل ان يتم إحصاء آخر صوت. أعتقد ان الموضوع الاقتصادي ساعد أوباما، لكن ينبغي تذكر أن شعبيته كانت كبيرة حتى قبل الأزمة الاقتصادية. فجاذبية أوباما لم تقم فقط على الأزمة الاقتصادية، هناك عوامل أخرى لعبت دورا في هذا.

* وإذا ما انتخب أوباما.. ما هي التغييرات التي تعتقد أنه سيدخلها على صورة أميركا في العالم؟ ـ أعتقد أن انتخاب أوباما سيساعد كثيرا في إعادة بناء صورة أميركا والقوة الناعمة لأميركا. سيظهر هذا أن أميركا قادرة على إعادة تعريف وخلق نفسها بإحداث تغيير بهذا الحجم، أي بحجم انتخاب أول رئيس أسود لأميركا. وهذا تحول جذري. أوباما على لسان ناي: مكيافيلي صاحب رؤية

* فيما ينظر الى جوزيف ناي على أنه النقيض الفكري للمفكر صمويل هنتنغتون صاحب «صراع الحضارات» المحسوب أكثر على المحافظين، يقول ناى موضحا سبب تصويته لأوباما في مقالة نشرت أول من امس في صحيفة «هوفينجتون بوست»؛ وهي صحيفة انترنتية اميركية: «أيدت هيلاري كلينتون لأنني أعرفها وأحترمها ولأنني كنت قلقا من قلة خبرة باراك أوباما في القضايا القومية. لكن حدث شيئان غيرا من أفكاري حتى قبل الانتخابات التمهيدية. الأول أنني انتهيت من كتابة كتاب حول القيادة بعنوان (قدرات القيادة)، أصف فيه 3 مفاتيح أساسية لمهارات القوة الناعمة، وهي الذكاء العاطفي، والرؤية، والتواصل. بالاضافة الى مفاتيح اساسية أخرى لمهارات القوة الخشنة، وهي التنظيم والقدرة على المكيافلية السياسية. وبنفس القدر مع الأهمية، أدرجت مع هذه الصفات، الذكاء لمعرفة كيف تدمج كل هذه المكونات معا لتطوير استراتيجيات قوة ذكية. استكمال هذا البناء النظري تم فيما كانت حملة أوباما تسير قدما»، وهي الحملة التي استعرض فيها أوباما عمليا كل مفاتيح القيادة نظريا بحسب ما يرى ناي. ناى الذي كرر مرارا في الآونة الأخيرة أن بوش لا يفهم كيف يستخدم القوة الناعمة، مشيرا خصوصا الى نموذج الحرب على الارهاب، على اساس ان الانتصار في الحرب على الإرهاب لن يتم فقط بالقوة العسكرية، دعا الادارة الاميركية الى انتهاج اساليب الحوار والدبلوماسية وكسب معركة الأفكار. وقال ناي في مقالة بمجلة «فورين افيرز» في يونيو (حزيران) 2004 تحت عنوان «تدهور القوة الناعمة لأميركا»: إن«معاداة أميركية تزايدت في السنوات الأخيرة، وقوة أميركا الناعمة وقدرتها على جذب الآخرين بسياساتها وقيمها ضعفت». وفي الاستطلاع الذي أجراه معهد غالوب للرأي العام في 29 دولة مؤخرا حول صورة اميركا في العالم كانت اكثر النتائج إثارة للاهتمام أن غالبية الاوروبيين، الذين استطلعت آراؤهم، قالوا انهم يعتقدون أن أميركا تراجعت في جهودها لمكافحة الفقر العالمي، ومحاربة الاحتباس الحراري، بل وحتى الحفاظ على السلم العالمي بسبب عدم استخدامها لقوتها الناعمة. ويقول ناي إن ادارة بوش أضرت بصورة أميركا بعدم استخدامها القوة الناعمة في كل هذه القضايا، بل ان وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، الذي كان احد العقول الايديولوجية في ادارة بوش قبل استقالته، لا يفهم حتى معنى: القوة الناعمة. بالنسبة لجوزيف ناي، فإن عدم استخدام اميركا لذخيرتها من القوة الناعمة، نكوص عن كل دروس الحرب الباردة، فأميركا انتصرت في الحرب الباردة من خلال سياسة «الاحتواء»، وسياسة الاحتواء قامت على ضلعين: القوة الخشنة والقوة الناعمة. وفي السنوات الاخيرة قبل انتهاء الحرب الباردة كانت القوة الناعمة هي السلاح الأهم.، فجاذبية النموذج الاجتماعي والثقافي والسياسي الاميركي هي التي أنهت الاتحاد السوفياتي، وفتحت أبواب أوروبا الشرقية أمام التأثير الأميركي. أسس جوزيف ناي، من مواليد 1937، مع عالم السياسة الاميركي البارز روبرت كوهين نظرية «نيو ليبرالزم» او الليبرالية الجديدة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتطورت نظريتهما حول «الليبرالية الجديدة» في كتابهما «القوة والاعتماد المتبادل» عام 1977. كما صكا عددا من المصطلحات التي أصبحت أساسية لتفسير وفهم العولمة والترابط بين الاقتصاديات العالمية ومن هذه المصطلحات «الاعتماد غير المتكافئ» بين المركز والأطراف، «الاعتماد المركب». ونظرية «نيو ليبرالزم» تقوم على ان العلاقات الدولية لا يجب ان يكون فيها خاسر ورابح، فهي ليست معادلة صفرية: ما أكسبه أنا.. هو خسارة لك أنت بالضرورة. ويقول ناي وكوهين ان «نيو ليبرالزم» تفتح الطريق لعلاقات دولية تقوم على التعاون المتبادل والمكاسب المتبادلة والمصالح المشتركة. ولاحقا صك ناي مصطلح «القوة الناعمة»، وذلك في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، غير ان المصطلح انتشر عالميا بعدما نشر ناي مقالة في فصلية «فورين افيرز» أو «الشؤون الخارجية» حول فكرة القوة الناعمة على أساس أنها سبب القوة الاميركية في عالم اليوم. لكن ناي كغيره من الاكاديميين والمفكرين الاميركيين أصابته خيبة امل بسبب ما سماه «الافراط في استخدام القوة الخشنة» من قبل اميركا في السنوات القليلة الماضية، موضحا أن هذا أحد الأسباب التي أدت الى ضعضعة صورة أميركا في الخارج. ويعمل ناى حاليا أستاذا شرفيا في كلية كنيدي في جامعة هارفارد، وقبل ذلك كان عميدا لهارفارد. وبين أعوام 1977 و1979، خلال ولاية الرئيس جيمي كارتر، عمل ناي نائبا لمساعد وزير الخارجية للأمن والعلوم والتكنولوجيا. كما عمل مساعدا لوزير الدفاع لشؤون الامن الدولي خلال ادارة الرئيس بيل كلينتون، وكان مرشحا لمنصب مستشار الامن القومي الاميركي في الادارة المحتملة للمرشح الديمقراطي جون كيري في انتخابات الرئاسة الاميركية عام 2004، الذي خسر أمام جورج بوش الابن. آخر كتاب أصدره ناي كان تحت عنوان «في فهم الصراعات الدولية» عام 2006، وقبله أصدر «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة العالمية» عام 2004. و«تناقضات القوة الأميركية» عام 2002. وبسبب دمجه بين العمل الاكاديمي والسياسي، اختير ناي عام 2005 ضمن أكثر 10 مفكرين سياسيين اميركيين نفوذا في العلاقات الدولية.