تسوية في مارسيليا: الجامعة العربية مقابل منصب أمين مساعد لإسرائيل بالاتحاد المتوسطي

وزراء الخارجية يختارون برشلونة مقرا واتفاق على أن يكون الأمين العام من دول الجنوب

TT

نجح وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط، في اليوم الثاني والأخير من مؤتمرهم في مدينة مرسيليا في التغلب على العقد التي يواجهها إطلاق الاتحاد فاتفقوا على تسوية متكاملة اقترحت خطوطها في عشاء العمل ليل الإثنين ـ الثلاثاء ووافق عليها وزراء الدول الـ43 في اجتماعهم الصباحي أمس. وتقوم التسوية على قبول إسرائيل ومن يدعمها من الدول الأوروبية مشاركة الجامعة العربية في كل المؤتمرات والاجتماعات وعلى كل المستويات بما فيها مستوى كبار الموظفين واللجان مقابل أن تحظى إسرائيل بمنصب مساعد أمين عام الاتحاد. كذلك، اختيرت برشلونه مقرا للأمانة العامة بعد أن سحبت تونس ترشيحها. وفيما غابت ليبيا كليا عن الاجتماع، مثلت تونس بوزير دولة وهو ما فهم على أنه تعبير عن غضبها.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإسرائيلي وهبه مجلي بعد انتهاء الاجتماع إن ما حصلت عليه إسرائيل «أمر تاريخي». وعزا المسؤول الإسرائيلي معارضة إسرائيل لمشاركة الجامعة العربية الى أن هذه الأخيرة «ليست دولة بل تجمعا يضم دولا» ولأنها «ليست الدولة العربية العاشرة في الاتحاد». واستأثر موضوع الجامعة العربية بجزء كبير من النقاشات.

وفي القاهرة أكد السفير هشام يوسف مدير مكتب أمين عام جامعة الدول العربية أمس أن الجامعة تلقت موافقة الاتحاد الأوروبي وكافة الأطراف الأعضاء في الاتحاد المتوسطي على المشاركة في كافة اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط بعد رفع «الفيتو» الإسرائيلي عن مشاركتها.

وأشار إلى أن مشاركة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في اجتماعات يحضرها إسرائيليون «ليست تطبيعا».

وكشفت مصادر دبلوماسية عربية حضرت الجلسات لـ«الشرق الأوسط» أن الأمين العام عمرو موسى كان «حادا» في مداخلاته مرتين: الأولى خلال الاجتماع التنسيقي لوزراء الخارجية العرب الحاضرين وخلال عشاء العمل. وقال موسى ما معناه إن استبعاد الجامعة من الاجتماعات مهما تكن «لا يقوم على منطق مقبول» كما أنه «إساءة للجامعة والدول العربية على السواء». ورفض موسى مقترحين اثنين. الأول، أن يحصر حضور الجامعة بالقمم والاجتماعات الوزارية أو أن يتاح لها الحضور ولكن من غير حق بالكلام. وهدد الأمين العام بأن تقييد مشاركة الجامعة سيعني أن الاتحاد «لن يحصل على دولار واحد» من الصناديق العربية المرتبطة بالجامعة مثل صندوق النقد العربي أو صندوق الإنماء الإقتصادي والإجتماعي أم من التمويل العربي. وأيد الوزراء العرب هذا الموقف كذلك أيده وزراء خارجية إيطاليا وإسبانيا واليونان ومالطا. واقترح وزير خارجية اسبانيا ميغيل أنخيل موراتينوس منح إسرائيل منصب أمين عام مساعد من أجل «التوازن» السياسي. وكمل الوزير كوشنير باقتراح أن يحظى الفلسطينيون أيضا بمنصب مماثل. واقترح بعض العرب تعليق الاجتماعات بانتظار الاتفاق على موضوع الجامعة. وكان الاتفاق على خمسة أمناء عامين مساعدين على أن يعود منصب الأمين العام لدولة من جنوب المتوسط. وبحسب مصادر فرنسية وعربية واسعة الإطلاع، فإنه «من المؤكد» أن يكون الأمين العام من دولة من جنوب المتوسط والمرجح إن يكون إما تونسيا أو أردنيا. وقال موسى إن الأردن قدم مرشحا فيما قال الوزير الفرنسي إنه «من المرغوب» أن يكون الأمين العام تونسيا. وبحسب المصادر الفرنسية فإن باريس ستسعى لذلك. أما الأمناء العامون المساعدون، فهم الى جانب الفلسطيني والإسرائيلي، إيطالي ويوناني ومالطي. وطالبت تركيا في الاجتماع الرئيسي أمس، بمنصب أمين عام مساعد يكون مخصصا لها. وكشفت مصادر دبلوماسية فرنسية أن الجزائر اعتبرت أن «التسوية» يجب أن تقر من قبل رؤساء الاتحاد باعتبار أن إطلاقه تم في قمة رئاسية في باريس فقبل الإقتراح. ومن الممكن تنفيذه إما عبر اجتماع رئيسي الاتحاد نيكول ساركوزي وحسني مبارك أو من خلال وزيري الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير وأحمد ابو الغيط اللذين سيحملانه للتوقيع عليه منهما. وقال كوشنير في المؤتمر الصحافي مع أبو الغيط إن «التصديق» على مقررات مرسيليا سيتم قبل نهاية الشهر الجاري، وقالت مصادر مطلعة إن سورية «لم ترد العرقلة» في إشارة الى ما حصلت عليه إسرائيل ومن أجل مراعاة الرئاسة الفرنسية. وغاب الوزيران اللبناني والسوري عن الصورة التذكارية للاجتماع.

وشهد فندق سوفيتيل في مرسيليا حيث كان يقيم غالبية الوزراء كثيرا من الإتصالات والمشاورات الجانبية. ونشط الوفد الفلسطيني الذي رأسه الوزير رياض المالكي للوصول الى صياغة للبيان السياسي الخاص بالتسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية لتحاشي تجربة قمة باريس المرة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الوفد الأردني اوصل رسالة الى كوشنير للتعبير عن انزعاجه من «إهمال» الوزير الفرنسي التوقيع على رسالة الدعوة الى اجتماع وزاري حول المياه في الأردن الذي كان سيعقد في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي ما حمل الأردن على إلغائه. ولم يعرف بدقة سبب امتناع كوشنير عن التوقيع وعما إذا كان على علاقة بموضوع مشاركة الجامعة.

ووصفت بنيتا فيريرو فالدنر، مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي اجتماع مرسيليا بأنه «شكل مرحلة مهمة لتطوير مسار برشلونه» لجهة قيام مؤسسات الاتحاد المتوسطي وقيام «شراكة أكثر توازنا» بين ضفتي المتوسط وتحديد أجندة وقيام الأمانة العامة وتفعيلها. وأعرب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية سولانا وهو إسباني الجنسية عن «سعادته» لاختيار برشلونه للأمانة العامة. وقال دبلوماسيون عرب إن «الإنقسامات العربية أضاعت مقر الأمانة من العرب» مؤكدين أنهم كانوا يتمنون «دورا مصريا أكثر فاعلية». ومعروف أن لبنان وسورية والجزائر عارضوا اختيار تونس مقرا للأمانة العامة.

ومن ناحيتها، نجحت فرنسا في انتزاع ما تريده إذ تم التوصل الى اتفاق يقضي بأن تبقى الى جانب مصر في رئاسة الاتحاد من أجل المتوسط لمدة عامين. وفي الأول من يناير (كانون الثاني)، تنضم جمهورية تشيكيا التي ستترأس الاتحاد الأوروبي الى الرئاسة الثنائية بحيث تصبح ثلاثية أو ترويكا.

ويمكن للسويد التي ستعقب تشيكيا أن تفعل الشيء نفسه «إذا ارادت» وذلك وفق ما قاله كوشنير الذي عزا الرغبة الفرنسية بـ«الحاجة الى الاستمرارية» في متابعة المشاريع. وصدر عن الاجتماع بيان ختامي من 19 صفحة بينها 13 صفحة خصصت لتحديد برنامج عمل للعام 2009 وللقطاعات والمشاريع التي سينشط الاتحاد بصددها. وفي القسم السياسي منه، حصل الفلسطينيون على بعض مطالبهم إذ تم التذكير بمرجعيات السلام (القرارت الدولية ومؤتمر مدريد وخريطة الطريق) مع الإشارة الى «أهمية المبادرة العربية» والتعبير عن دعم المجتمعين للوصول الى تسوية على قاعدة قيام دولتين لم يتم وصفهما بـ«قوميتين» مثلما كانت تطالب إسرائيل بل «دولة إسرائيل تنعم بالأمن» ودولة فلسطينية «قابلة للحياة، سيدة وديمقراطية». ويدعم البيان المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل كما يرحب بإقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسورية.