اختطاف الناقلة السعودية: قلق دولي على ممرات الملاحة.. والرياض تنضم لمبادرة للحد من القرصنة

سعود الفيصل: القرصنة مثل الإرهاب * مسؤول ملاحي دولي: العالم لم يشهد شيئا كهذا * احتمال حصول الخاطفين على مساعدة من آخرين يرجح أنهم نيجيريون أو يمنيون

TT

شبه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي القرصنة بأنها مثلها كمثل الإرهاب «داء يضرب العالم»، مضيفاً «إنه أمر خطير للغاية بالتأكيد، لكن لحسن الحظ اتخذت مبادرات دولية لمواجهته». وجاء تشبيه وزير الخارجية السعودي خلال اجتماعه مع نظيرته اليونانية في أثينا أمس، بعد سؤال الصحافيين له عن خطف ناقلة النفط السعودية «سيروس ستار» التي تشير المصادر إلى أن حمولتها تبلغ 2.2 مليون برميل نفط، فيما قدّرت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» قيمة السفينة بأنها تتراوح بين 100 و150 مليون دولار، واستندت في تلك التقديرات الى حمولة السفينة وموعد عقد الصفقة الذي تم في وقت سابق من العام الجاري حيث كانت أسعار النفط تشهد ارتفاعا. وقال الأمير سعود الفيصل إن السعودية ستلقي بثقلها وراء مبادرة يقودها الأوروبيون لتصعيد إجراءات الأمن في الممرات الملاحية المزدحمة قبالة سواحل شرق أفريقيا حيث اختطفت الناقلة «سيريوس ستار» يوم الأحد الماضي.

وقال وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحافي بعد أن اجتمع مع وزيرة الخارجية اليونانية، دورا باكويانيس، أمس «هذه مبادرة سننضم اليها مع العديد من الدول الأخرى المطلة على البحر الأحمر». وأضاف «هذا العمل المثير للغضب من جانب القراصنة. أعتقد انه سيدعم عزم الدول المطلة على البحر الأحمر ودول العالم على محاربة القرصنة». وتابع «القرصنة تعمل ضد الجميع. وهي مثل الإرهاب مرض يتعين القضاء عليه». الى ذلك، قالت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إن الشركة المالكة للسفينة شركة «فيلا إنترناشونال» البحرية العالمية المحدودة هي من تتفاوض مع الخاطفين، لكن المصادر لم تفصح عن فحوى تلك المفاوضات أو مطالب القراصنة.

ويأتي ذلك فيما نفي الفريق طلال عنقاوي، قائد حرس الحدود في السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من اليمن، وجود مناقشات لإنشاء أو تكوين «قوة عسكرية» من عدد من الدول لملاحقة القراصنة في البحر. لكنه أردف «إن اليمن تقوم بواجبها تجاه المهمة الإنسانية كاملا». وحول ضرورة فرض حراسة على السفن البحرية التي تقل بضائع وحمولات باهظة الثمن، أكد الفريق العنقاوي: إن تلك المهمة ليست من مهام ومسؤوليات حرس الحدود السعودي باعتبارها خارج نطاق المياه الإقليمية للبلاد. لكن خبير نفطي قال إن الأنظمة الدولية تمنع السفن من حمل أسلحة على متنها، لكنه لم يستبعد أن يتم تعديل تلك الأنظمة في ظل أحداث القرصنة الأخيرة التي تؤثر على الحركة التجارية والأمنية على مستوى العالم. وكانت الناقلة «سيروس ستار» تقوم بنقل حمولة نفط حجمها 2.2 مليون برميل من ميناء رأس تنورة السعودي إلى الولايات المتحدة الأميركية. يشار إلى أن المنطقة التي تتعرض لهجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال وكينيا تبلغ مساحتها أكثر من 1.1 مليون ميل مربع، والحجم تقريبا يساوي أربع مرات حجم البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر معا.

وتفيد الإحصاءات بأن القراصنة الصوماليين، الذين بدأت عدة جهات دولية في تشكيل قوى بحرية لمطاردتهم بعد تكرار حوادث الاستيلاء على السفن التجارية العابرة عن طريق خليج عدن، بلغ ما استولوا عليه من سفن مارة بخليج عدن أكثر من 83 سفينة منذ بداية العام الجاري، أفرج عن معظمها، ولا تزال هناك 12 سفينة عليها أكثر من 200 شخص تحت سيطرتهم حتى الوقت الراهن بينها سفن لا تزال محتجزة منذ أكثر من 5 أشهر. ونجح القراصنة الصوماليون خلال الشهرين الماضيين في احتجاز سبع سفن على الأقل وهي: ناقلتا بضائع إحداهما «ستيلا مارس» التي تبلغ سعتها القصوى 53 ألف طن، وسفينة أخرى إيرانية، وناقلتا زيت هما الناقلة الماليزية «بونجا ميلاتي دوا» التي تحمل 32 ألف طن من زيوت النخيل، والسفينة اليابانية «آيرين»، إضافة إلى الزورق النيجيري «يناجوا أوشن»، وسفينة البضائع التايلاندية «تور استار»، وسفينة بضائع ألمانية. وفي مجال التأمين وتحديدا في الأسواق المتخصصة في التأمين البحري، يتم تحديد غطاء القرصنة بشرط الإخبار، لمواجهة تزايد خطر القرصنة في منطقة خليج عدن بعد أن ارتفع عدد الحوادث التي قام بها القراصنة في تلك المنطقة خلال الفترة الأخيرة. وقال فهد بن عبد الرحمن الحصني، نائب الرئيس التنفيذي للحوادث والممتلكات في شركة التعاونية للتأمين السعودية، ان ذلك يعني عدم وضع سعر ثابت من قبل سوق التأمين لتغطية خطر القرصنة في منطقة خليج عدن، بل وضع سعر لكل حالة على حدة، وذلك وفقا للسعر السائد وقت القيام بالرحلة البحرية.

وأكد الحصني لـ«الشرق الأوسط» أن شروط التأمين تختلف من ناقلة لأخرى، ويتحكم في ذلك نوع الحمولة والسفينة وطريقة النقل ومسار الرحلة، وقيمة الناقلة إضافة إلى أمور أخرى من بينها الطاقم الذي يدير السفينة. وأوضح أن الناقلة السعودية المختطفة، كانت في منطقة بعيدة عن المناطق التي تنتشر فيها أخطار القرصنة في الفترة الماضية، مفيدا بأن القراصنة بدأوا باتخاذ مسارات أخرى. وقال إن ناقلة البترول المختطفة تشترك في التأمين عليها أكثر من شركة تأمين في السعودية ومن خارجها، موضحا أن النسبة الكبرى هي لشركات عالمية، ملمحا إلى أن عمليات «الابتزاز» ومنها القرصنة، قد لا تغطى تأمينيا.

وأضاف الحصني أن شركات التأمين تغطي بعض المناطق التي تشهد نزاعات حربية أو اضطرابات أمنية لكن بشروط أكثر وبأقساط أعلى. لكن خبيرا تجاريا أشار إلى أن عمليات القرصنة لا تهدد المنطقة التي تحدث فيها تلك العمليات فحسب، بل قد تتجاوز ذلك إلى التأثير على التجارة الدولية، حيث ستضطر السفن إلى سلك مسارات أطول تمر بالرجاء الصالح وتدور حول قارة أفريقيا بدلا من المرور من قناة السويس التي يمر عبرها نحو 6 في المائة من التجارة العالمية. وكانت قيادة القوات البحرية الأميركية قد أوصت في 22 أغسطس (آب) الماضي بضرورة وجود وحدة لأمن الملاحة البحرية في منطقة خليج عدن، وعليه بدأت عدة سفن حربية من القوات البحرية المشتركة بالحضور في المنطقة. كما تقوم بعض الطائرات بمراقبة تلك المنطقة من الجو.

وأعلن الحلف الأطلسي في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عن إرسال سبع سفن حربية الى المحيط الهندي لمكافحة القرصنة. وتشكل السواحل الصومالية بعضا من أخطر مناطق الملاحة في العالم، بسبب القرصنة، بحسب المكتب الدولي للملاحة الذي يتخذ مقرا في ماليزيا. وكانت مصادر ملاحية دولية قد أكدت أمس أن الناقلة النفطية السعودية وصلت الي ساحل شمال الصومال. وقال، آندرو موانجورا، منسق برنامج مساعدة ملاحي شرق افريقيا لـ«رويترز»: «هناك اناس يقولون انهم شاهدوا سفينة ضخمة قبالة اييل. لا بد أنها الناقلة العملاقة». وقال شخص على صلة بالقراصنة في اييل عرف نفسه باسم «بشير» خلال اتصال هاتفي مع «رويترز» في ميناء بوصاصو في بلاد بنط ان الناقلة في طريقها الى الشاطيء لكنه لم يستطع تحديد الموقع، وقال انها قد ترسو الى الجنوب من اييل. وكان يشير الي قرية ساحلية نائية يستخدمها القراصنة الصوماليون الذين روعوا السفن في خليج عدن والمحيط الهندي هذا العام. وتسببت عمليات القرصنة في رفع تكاليف التأمين واضطرت بعض الشركات الى الإبحار من حول جنوب القارة الأفريقية بدلا من قناة السويس والى دفع فديات قدرت بملايين الدولارات. وخطف الناقلة «سيريوس ستار» على بعد 450 ميلا بحريا جنوب شرق ميناء مومباسا الكيني على مبعدة من خليج عدن الذي شهد معظم الهجمات هذا العام يعد أجرأ هجوم للقراصنة هذا العام. ووقع حادث خطف الناقلة السعودية رغم رد الفعل البحري الدولي الذي يشارك فيه حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لحماية واحدة من أزحم المناطق الملاحية في العالم.

كما توجد سفن حربية اميركية وفرنسية وروسية في المنطقة. وقال موانجورا الذي يراقب برنامجه الذي يتخذ من مومباسا مقرا له القرصنة منذ سنوات «العالم لم يشهد شيئا كهذا». وصرح بأن القراصنة سيبقون على الأرجح سيريوس على بعد ثمانية أميال بحرية من ايل التي تطبق عليها اجراءات حماية مشددة. وأضاف موانجورا الذي يستخلص معلوماته من جماعات بحرية إقليمية وأقارب القراصنة وأطقم السفن على السواء انه يعتقد أن القراصنة يستخدمون قاطرة نيجيرية مخطوفة كسفينة «ام» او قاعدة ينطلقون منها. وتابع «الناقلة العملاقة كانت تحمل حمولة كاملة ولذلك كان على الأرجح غاطسها في الماء كبيرا ومن ثم لم يصعب اعتلاؤها»، وأضاف أن القراصنة استخدموا على الأرجح سلما أو حبالا ثبتوها بخطاف الى جانب الناقلة.

وعادة ما يستخدم القراصنة الصوماليون الذين زادوا من تسلحهم الزوارق السريعة في شن هجماتهم ويتخذون من «السفينة الأم» قاعدة لعملياتهم. وأعرب موانجورا عن اعتقاده بأن القراصنة الصوماليين ربما حصلوا على مساعدة من آخرين على الأرجح نيجيريين أو يمنيين في ذلك الهجوم نظرا لبعده عن الصومال وضخامة العملية. لكنه قال انه لا يملك دليلا دامغا على هذا. وخطف الناقلة العملاقة «سيريوس» التي يصل حجمها ثلاثة امثال حاملة الطائرات جاء بعد هجوم بارز قام به القراصنة هذا العام خطفوا خلاله سفينة اوكرانية تحمل 33 دبابة ومعدات عسكرية أخرى. ونظرا لان القراصنة يحتجزون في العادة أطقم السفن رهائن وهم مسلحون بقنابل يدوية وأسلحة آلية ومقذوفات صاروخية، تتجنب القوات الأجنبية في المنطقة التعرض لهجمات مباشرة من جانبهم. ويجري مالكو السفن مفاوضات مع القراصنة لدفع فدى. وقال قائد الأركان في البحرية الأميركية، الأميرال مايكل مولن، ليل أول من أمس، انه «متفاجئ» حيال المساحة الواسعة التي يعمل فيها القراصنة الذين تمكنوا من اختطاف «سيريوس ستار» بينما كانت تبحر في قلب المحيط. وتعد هذه الحادثة غير مسبوقة نظرا لحجم السفينة وبعد العملية عن السواحل. وقال مولن «أنا مذهول من حجم الموقف». وفاقمت الفوضى التي تسود الصومال حيث يقاتل إسلاميون متشددون الحكومة التي يدعمها الغرب من مشكلة القرصنة هذا العام. ويقول إسلاميون يطبقون على العاصمة مقديشو إنهم سيقضون على القرصنة في حالة توليهم السلطة كما فعلوا عام 2006 خلال ستة أشهر حكموا خلالها البلاد. وقال عبد الرحيم عيسى أدو، وهو متحدث باسم الإسلاميين الصوماليين، لـ«رويترز»: «نحن ضد خطف السفن لأنها تجلب محنا اقتصادية على شعب الصومال الذي يموت جوعا. لا نستطيع أن نفعل شيئا للقرصنة إلا إذا أصبحنا في قوة عام 2006 حين وفرنا الحماية للأراضي والبحار». فيما قال متخصص في شؤون الصومال مقيم في نيروبي «إن أحدث هجوم يبدو علامة تحدٍ متعمدة من جانب صوماليين في غاية الذكاء. فمن يصفهم بعد ذلك بأنهم مجرد رعاة إبل عليه أن يعيد النظر».