القراصنة يعززون دفاعاتهم حول الناقلة.. والفيصل يؤكد: لا نؤيد التفاوض.. ودفع فدية يشجعهم أكثر

تضارب الأنباء حول توجه مئات الإسلاميين لمطاردة القراصنة لاختطافهم «سفينة إسلامية» * البحرية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» : لا نية لدينا للتدخل.. على الأقل الآن

قراصنة صوماليون في أحد مراكز الإيقاف بعد أن تم القبض عليهم بواسطة قوات الأمن التابعة لبونت لاند (أ.ب)
TT

أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن رفضه للتفاوض مع القراصنة، ووصف القرصنة البحرية بانها «شر ينبغي القضاء عليه تماما مثل الارهاب». وطلب قراصنة صوماليون 25 مليون دولار للافراج عن ناقلة النفط السعودية «سيريوس ستار» المحملة بمليوني برميل من النفط الخام، التي استولوا عليها في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في عملية غير مسبوقة، على بعد اكثر من 800 كلم من مدينة مومباسا الكينية. وقال الأمير سعود الفيصل، اثر لقاء مع نظيره النرويجي يوناس غاهر ستويري، أمس «هذا شر ينبغي القضاء عليه تماما مثل الارهاب». واضاف خلال مؤتمر صحافي في اوسلو «ان المفاوضات ودفع الفديات من شأنها تشجيع القرصنة ولا تحل المشكلة». وردا على سؤال عن مفاوضات محتملة مع القراصنة، قال الفيصل «ليس في مستوى الحكومة. ونحن لا نعرف ان كان اصحاب الناقلة يفعلون ذلك، ونحن لا نشجعهم على ذلك». وكرر الوزير السعودي التأكيد ان بلاده على استعداد للمشاركة في قوة بحرية دولية في مواجهة القرصنة. واوضح وزير خارجية النرويج، ان بلاده على استعداد ايضا للمساهمة في هذه القوة، لكن ليس قبل دخول فرقاطات جديدة الخدمة «في 2009 او 2010».

ويأتي ذلك في ما بدأ القراصنة الصوماليون امس في تعزيز دفاعاتهم المحيطة بناقلة النفط السعودية العملاقة. وقال السكان انه فيما قامت قوات البحرية التابعة لدول اجنبية بارسال سفن حربية الى المياه الصومالية الخطيرة، سعت شركات الشحن الى سلك طرق بديلة لتجنب القراصنة، وتم احضار اعداد متزايدة من رجال الميليشيات الى مرفأ هرارديري، الذي يعد مقرا للقراصنة.

وصرح محمد اوالي احد السكان المحليين لوكالة الصحافة الفرنسية، بان «بعض القراصنة يوجدون داخل المدينة واخرون يتحصنون في قرية مجاورة ويمكن استدعاؤهم اذا لزم الامر. واضاف ان المقاتلين جاءوا من منطقتي غولغودود ومودوغ المجاورتين. ووصل رجال من الميليشيات المحلية ومقاتلي «حركة الشباب» المتشددة الى هرارديري، فيما قال عدد من السكان ان هذا تحرك يهدف الى حصولهم على حصة من الفدية في حال تم دفعها. وذكر مسؤول اسلامي في هرارديري، انه «توجد عربتان مسلحتان تعودان لحركة الشباب. وقد وصلوا الى مدينة هرارديري، الا انهم لا ينوون مهاجمة السفينة من هنا». وقال احمد عبد الله احد وجهاء المنطقة «يوجد العديد من رجال الميليشيات الذين وصلوا الى المدينة ويريدون ان يحصلوا على حصة من الفدية اذا تم دفعها للقراصنة. واضاف «انهم يعتقدون ان هذه السفينة ضخمة جدا وان مالكها سيدفع الكثير من المال».

من جهة اخرى، وفي رد معاكس قال أحد السكان الصوماليين، إن عشرات المسلحين الاسلاميين توجهوا أمس الى مرفأ هرارديري، الذي ترسو عنده الناقلة السعودية بحثا عن مجموعة القراصنة لتحرير السفينة، لانها «سفينة اسلامية». وقال أحد السكان الصوماليين «الاسلاميون قالوا انهم سيهاجمون القراصنة لخطفهم سفينة مملوكة لدولة اسلامية». وتابع: «وصل الاسلاميون للبحث عن القراصنة وعن مكان السفينة السعودية. شاهدت أربع سيارات مملوءة باسلاميين يطوفون بكل ركن في البلدة»، الا ان مصادر صومالية قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ليست واثقة من صحة هذه الانباء. مع العلم بان ناقلة النفط السعودية ليست أول سفينة عربية أو إسلامية يتم اختطافها على أيدى القراصنة على سواحل الصومال، حيث سبقتها سفن مصرية ويمنية وإيرانية خلال الشهور القليلة الماضية. فعندما خطفت سفينة الشحن «المنصورة» التابعة لشركة البحر الأحمر للملاحة البحرية، وهي ثاني أكبر شركة ملاحة مصرية، اضطرت الشركة إلى دفع مبلغ 600 ألف دولار أميركي فدية للخاطفين، مقابل إطلاق سراح السفينة التي دام احتجازها ثلاثة أسابيع وسط مفاوضات شاقة.

ووقتها لم يصدر عن أي جهة صومالية إسلامية أو غيرها تهديدات بالتدخل، وهو نفس السيناريو مع السفن الايرانية واليمنية التي اختطفت. وقال مسؤول في حكومة بونت لاند لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يعتقد بأن سلطات الإقليم الذي يترأسه الجنرال موسى عدي المعروف بعدائه للإسلاميين سيسمح لمقاتلي المحاكم الاسلامية بالوجود على أراضي هذا الإقليم، الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1998، ناهيك من التدخل العسكري. والتزمت حركة «الشباب المجاهدين» المتشددة والمناوئة للسلطة الانتقالية وللوجود الأجنبي في الصومال، الصمت منذ اختطفت الناقلة ولم يصدر عن قيادتها أية تصريحات، رغم المحاولات المتكررة من «الشرق الأوسط» مع الشيخ مختار روبو (أبو منصور) الناطق الرسمي باسمها. ويخشى المراقبون من احتمال اندلاع مواجهة بين الإسلاميين والقراصنة، الذين يهددون بمقاومة أي عملية عسكرية أو استخدام القوة لتحرير الناقلة، بينما اعتبرت مصادر صومالية في المقابل، أن احتمالات دخول الإسلاميين على الخط لإنهاء أزمة احتجاز الناقلة تبدو ضعيفة. وقالت المصادر إن القراصنة لا ينتمون أساسا إلى أي تنظيم سياسي أو قبلي في إقليم بونت لاند (أرض اللبان)، وإنهم معروفون بعدائهم لتنظيم المحاكم الإسلامية، الذي سبق له أن أعلن منتصف عام 2006 سيطرته على الميناء والمدينة التي يتمركز فيهما القراصنة.

ويعتقد ان الناقلة «سيريوس ستار» التي تحمل شحنة نفط قيمتها 100 مليون دولار، وعليها طاقم مكون من 25 فردا من السعودية والفلبين وكرواتيا وبولندا وبريطانيا راسية قبالة الصومال قرب هرارديري، التي تقع عند منتصف الساحل الصومالي تقريبا. وقالت البحرية الاميركية وشركة فيلا انترناشيونال، التي تقوم بتشغيل الناقلة وتتخذ من دبي مقرا لها، انها لا يمكنها ان تؤكد أنباء ان الخاطفين يطالبون بفدية قيمتها 25 مليون دولار. وهذا الطلب سيكون الاكبر حتى اليوم من جانب القراصنة، الذين يستخدمون زوارق في خليج عدن والمحيط الهندي قبالة الصومال. وقال اللفتنانت ناتان كريستنسن، المتحدث باسم الاسطول الاميركي الخامس، الذي يتخذ من البحرين قاعدة له «قرأت التقرير لكن ليس بوسعي تأكيد أي شيء عن هذا بشكل مستقل». كما أكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، انه لا نية لدى اميركا للتدخل، على الاقل في الوقت الحالي. وقال ان ما يصعب ايقاف عمليات القراصنة، المنطقة الشاسعة، حيث تبلغ مساحتها 2.5 مليون ميل مربع. وذكر ان البحرية الاميركية ليس لديها اي معلومات جديدة، لكنه يعتقد ان الناقلة مازالت راسية قبالة ساحل الصومال عند هرارديري. ومن جانبه قال متحدث باسم شركة فيلا انترناشونال، انه ليس لديه معلومات جديدة وأحجم عن التعليق على التقارير.

وادى تصاعد الهجمات هذا العام الى ارتفاع تكاليف التأمين الملاحي، وجعل بعض الشركات تبحر حول جنوب افريقيا بدلا من المرور في قناة السويس، والى مطالبات بدفع فدية بملايين الدولارات، مما أجبر قوات بحرية دولية على التدخل. وفي مقديشو قالت الشرطة انها نصبت كمينا وكانت في انتظار مسلحين وقتلت 17 من مقاتلي حركة الشباب بالرصاص، اثناء محاولة الهجوم على مسؤول كبير. ويشن متمردون اسلاميون هجمات على حكومة الصومال والقوات الاثيوبية المتحالفة معها منذ نحو عامين. ويشنون هجمات على مقديشو بشكل شبه يومي، ويسيطرون على بلدة تبعد 14 كيلومترا عن العاصمة. وينفي الزعماء الاسلاميون مزاعم بأنهم متواطئون مع القراصنة ويؤكدون انهم سيقاتلون ضدهم اذا تولوا السلطة، واشاروا الى حملة صارمة شنوها عندما حكموا الجنوب لفترة قصيرة في عام 2006. غير ان بعض المحللين قالوا ان المتشددين الاسلاميين يستفيدون من عمليات القرصنة وشحنات الاسلحة بتسهيلات من العصابات البحرية. كما يتهم المحللون شخصيات حكومية بالتعاون مع القراصنة. وقال عبد الله حسن باريسي المتحدث باسم الشرطة الصومالية لرويترز، ان غالبية جثث المتمردين القتلى تركت في الشارع في مكان سقوطها. وقال «بلغتنا معلومات قبل ان يتحركوا من مخابئهم، ولذلك تمكنا من تطويقهم. 13 جثة ملقاة في الشوارع قرب منزل رئيس الحي». ويأتي ذلك فيما وافق مجلس الامن الدولي ليل اول من امس على فرض عقوبات على كل من يساهم في اشاعة العنف وعدم الاستقرار في الصومال، في محاولة لكبح القتال في البلد الواقع في القرن الافريقي، الذي تعمه الفوضى. ويعد القرار الذي صدر بالاجماع من المجلس المكون من 15 دولة اطارا لا يحدد افرادا او هيئات بعينها وهؤلاء ستحددهم لجنة للعقوبات في وقت لاحق.

ويدعو القرار، الذي صاغته بريطانيا، الى تجميد اصول وحظر سفر كل من يشارك في العنف في الصومال أو يدعمه، بما في ذلك كل من ينتهك حظر السلاح الذي فرضته الامم المتحدة على الصومال عام 1992 من شركات وافراد. كما يستهدف القرار كل من يعترض سبيل توصيل المعونات الانسانية في الصومال، الذي اجبر فيه مئات الاف من الاشخاص على الفرار من منازلهم. وقال مسؤول بارز من الاتحاد الافريقي امس، ان الامم المتحدة يجب ان ترسل قوات لحفظ السلام الى الصومال عاجلا لوقف الصراع الذي يغذي نشاط القرصنة ويتفاقم بسبب تناحر السياسيين. ويمانع مجلس الأمن الذي تواجه قواته لحفظ السلام مشكلات في الكونغو الديمقراطية والسودان، في ارسال قوات الى وضع يعتبره أكثر سوءا في الصومال، رغم ضغوط من دول أفريقية.