منظر الجهاديين: الظواهري دمر جماعة «الجهاد» ثلاث مرات (الحلقة التاسعة)

الدكتور فضل في كتاب حصلت «الشرق الأوسط» على حقوقه: بن لادن والظواهري غدرا بالملا عمر ودمرا دولة طالبان

تسبب الظواهري بحسب د. فضل في تدمير دولة أفغانستان والشعب الأفغاني عبر تركه يتحمل تبعات أحداث سبتمبر 2001 (رويترز)
TT

لو أن طبيبًا ذهب إليه أبوك للعلاج فمات، ثم ذهب إليه عمك فمات، ثم ذهب إليه أخوك فمات، فإذا ذهبت أنت بعد ذلك للعلاج عنده، رغم فشله المتكرر، فالعيب في عقلك أنت. هكذا يقول السيد إمام عبد العزيز أو الدكتور فضل، «منظر الجهاديين» عن أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة». ويضيف الدكتور فضل في كتابه الجديد «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» الذي حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره في حلقات إن «الواقع يشهد بأنه (الظواهري) طبيب القبور والسجون».

إن ملخص حياة الظواهري ـ كما يراها فضل ـ «هو تاريخ مُظلم من الفشل المزمن، بعد أن تخصص في (فقه التبرير) بالمعاندة للكتاب والسنة». وحلقة اليوم من مذكرة السيد إمام الشريف الشهير بالدكتور فضل للرد على الظواهري، وكتابه «التبرئة» يستكمل فيها شرح تلبيس الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» على القارئ.

من مشاغبات الظواهري كلامه عن الإعداد للجهاد:

فقال في كتابه (التبرئة): «مرة أخرى يتعمد الكاتب ـ وهو أعلم بهذه المسائل ـ تغافل فريضة الإعداد، ومن الإعداد توفير ما يحتاجه الجهاد من مال وغيره، يقول الحق تبارك وتعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..» (الأنفال:60) ـ الآية ـ ومن الإعداد، الإعداد المالي»، هذا كلامه وفيه كرر الإعداد المالي.

وقد رددت عليه في الفصل الأول من هذه المذكرة وبيّنت أنه كذب، وأن الوثيقة بها نفس هذه الآية مع الشرح في البند الخامس عشر، فلا تغافل كما زعم.

أما هنا فأتكلم عن دور أيمن الظواهري في (الإعداد للجهاد) الذي يدندن حوله، ويتهم غيره بتغافله، فما دور الظواهري في الجهاد؟ وأنا هنا أتكلم ليعرف الناس حقيقة من يحرضهم على الجهاد وليعرف شباب المسلمين في أيدي مَن يضعون مصائرهم الدنيوية والأخروية، فما دور الظواهري في الجهاد؟

أ) دور الظواهري في تدمير جماعة الجهاد ثلاث مرات:

الأولى في قضية الجهاد الكبرى عام 1981: أوقع الظواهري بأفراد مجموعته خاصة من عجزت السلطات عن القبض عليه بالقوة كالأخ عصام القمري، رحمه الله، أوقع به الظواهري بالحيلة فأرشد عنهم وشهد ضدهم في المحكمة، لينجو بنفسه، ثم تباكى عليهم كعادته.

والثانية في عام 1993: بالرغم من تحذيري لهم، دفع الظواهري إخوانه للصدام في مصر وبأموال المخابرات السودانية، ففشلت أول عملية، وامتلأت السجون بالمئات منهم، وأعدم الكثيرون، وهرب الظواهري من السودان إلى أفغانستان، بعدما دمّر جماعته في مغامرات لأجل الدعاية والتفاخر، والغريب أنه يبرر هذا الدمار بقوله (لماذا قررنا أن ندخل معركة المواجهة مع الحكومة؟ قررنا أن ندخل المعركة حتى نبقى أحياء) صفحة 193 من كتابه (التبرئة)، أما الذي بقي حيًا فهو الظواهري نفسه، وأما جماعته فدمرها، لأن هذه المعركة كانت انتحارًا تنظيميًا، وكلامه هذا يدل على سوء تقدير شديد للأمور وعدم أهلية.

والمرة الثالثة عام 1998: عندما تحالف الظواهري مع بن لادن في (الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود) بعدما أفلس في مصر، فأخذت أميركا تلتقط من تبقى من جماعة الجهاد من مختلف دول العالم، وسلمتهم لمصر ونشأ عن ذلك (قضية: العائدون من ألبانيا)، وفي وصف تأثير هذا التحالف قال هاني السباعي (إن تحالف الظواهري مع بن لادن قد أضرّ بمركز جماعة الجهاد كتنظيم، وتسبب في خسائر جسيمة، لم يكن لجماعة الجهاد ناقة ولا جمل ولا مشورة في هذا التحالف، فإذا كانت الخسائر ناجمة عن رضا الجماعة وإفراغ وسع أفرادها قدر الاستطاعة الشرعية وبمشورة أهل الحل والعقد فيها لاختلف الأمر كثيرًا، لكن الموضوع تم بغير إراداتهم) صفحة 189 من كتاب (أيمن الظواهري كما عرفته) لمنتصر الزيات، ط2، عن دار أولي النهي.

وقد أدى سوء تصرف الظواهري في جماعة الجهاد وتدميره المتكرر لها إلى أن تلاشت بعدما بلغت المئات مع المهارات المتنوعة العالية، ولم يكن للظواهري دور يذكر في تجميع هذا العدد أو في تدريبه، فقط تخصص في التدمير، ويصف السباعي هذا بقوله (لقد كان يحيط بالدكتور ـ الظواهري ـ خمسة وعشرون مستشارًا وتمر الأيام ويتقلص هذا العدد بعد تفرق أفراد الجماعة في الأرض، إما بالسجن أو القتل أو المطاردة أو الانشقاق إلى خمس إخوة تقريبًا يقلون ولا يزيدون) صـ187 من (الكتاب السابق). فهل يجوز لمن تخصص في تدمير الجماعات أن يتكلم عن الإعداد للجهاد؟ قال الشاعر: «متى يبلغ البنيان يومًا تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم» ب) دور الظواهري في تدمير الدولة الإسلامية الناشئة (طالبان):

عاش الظواهري عمره يدعو لإقامة دولة إسلامية، وبعد ثلاثين سنة من اشتغاله بالعمل الإسلامي، نشأت دولة إسلامية في أفغانستان، شاء الله ألا يكون لهم أي دور في قيامها بل في تدميرها، عندما أعلنوا الحرب على أميركا من أرض إمارة طالبان بإعلانهم (الجبهة العالمية) عام 1998، فلم تمض ثلاث سنين حتى قامت أميركا بتدمير هذه الدولة الإسلامية الناشئة. وبعدما عاند الظواهري كلام الله وقرر أن قتال العدو البعيد (أميركا) هو الأهم، جاءه العدو البعيد إلى باب بيته في أفغانستان فهرب من أمامه وترك عياله للأميركان يقتلونهم، حتى كان منهم من هرب متخفيًا في ثياب النساء، وترك مهمة جهاد الأميركان للأفغان، وللظواهري الميكرفون والإعلام وجمع التبرعات (الإعداد المالي).

فهل يجوز لمن تسبب في تدمير دولة إسلامية أن يتكلم عن الإعداد للجهاد؟ قال الشاعر:«لا يبلغ الأعداءُ من جاهلٍ .. ما يبلغ الجاهل من نفسه». هذا فضلاً عن تخصصه في (فقه التبرير) بالمعاندة للكتاب والسنة، تاريخ مُظلم من الفشل المزمن، وملخص تاريخ الظواهري أنه يقول للمسلمين: «أسسوا الجماعات وأنا أدمرها وأبيعها للمخابرات، وأحكي لهم النكات. أنشئوا الدول الإسلامية، وأنا أدمرها وأشرد أهلها. جاهدوا الأعداء وأنا أهرب عن أهل بيتي وأجمع التبرعات باسمكم. ادفعوا لي التبرعات، وأنا أنفقها على تأمين نفسي وعلى سفرياتي. ادخلوا القبور والسجون وأنا أمسك بالميكرفون وأحرضكم. اصبروا في السجون، وأنا أفك نفسي من السجن بآلاف الدولارات. قاتلوا أميركا ومصر لتسهلوا لي التفاوض معهما».

كم دمر الظواهري من رجال وإمكانات مرة بعد مرة وما زال لا يستحي، ويتكلم عن الإعداد للجهاد، ولو أن طبيبًا ذهب إليه أبوك للعلاج فمات ثم ذهب إليه عمك فمات، ثم ذهب إليه أخوك فمات، فإذا ذهبت أنت بعد ذلك للعلاج عنده رغم فشله المتكرر فالعيب في عقلك أنت، بل في دينك وإيمانك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين) متفق عليه، ولن ينفعك الاعتذار بأن هذا الطبيب الفاشل قد خدعك بإعلاناته ودعايته عن نفسه بأن الطبيب المشهور الطبيب المرابط في الجبال والثغور، لأن الواقع يشهد بأنه طبيب القبور والسجون.

يا معشر المسلمين: كما شرع الله الجهاد لإظهار الدين، فقد شرعه أولاً لدفع الضرر عن المسلمين وإنقاذهم من المحن، وذلك في قوله تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله..» (الأنفال:39)، و(حتى لا تكون فتنة) فهذا لدفع الضرر عن المسلمين، و(يكون الدين كله لله) فهذا لإظهار الدين. وقد ورد هذا أيضًا في قوله تعالى: «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيرا»، (النساء:75).

فإذا عاد الجهاد بمزيد من الضرر والمحن والفتنة على المسلمين لم يكن مشروعًا. إلا أن الظواهري لم يلتفت إلى هذه الأحكام الشرعية، وبالمضادة لها دفع بإخوانه إلى مواجهات فاشلة في مصر وملأ بهم القبور والسجون وتركهم يعانون هم وأهاليهم وخلّف وراءه كوارث إنسانية من أجل الرياء والشهرة والفكرة والشعلة، وهرب وتركهم ولم يقبل لنفسه ما رضيه لإخوانه. ثم زاد هو وبن لادن بجلب المزيد من الكوارث الجسيمة على الشعب الأفغاني من أجل ضرب عدة عمارات في أميركا بالخيانة والغدر، فهل ما يجلب الكوارث على المسلمين يكون جهادًا مشروعًا؟ بل هل يُعد هؤلاء من العقلاء؟ فلا هم حافظوا على المسلمين، ولا هم هزموا الأعداء. قال الإمام السرخسي رحمه الله (ولأن حقيقة الجهاد في حفظ المسلمين قوة أنفسهم أولاً ثم في قهر المشركين وكسر شوكتهم، فإذا كانوا عاجزين عن كسر شوكتهم كان عليهم أن يحفظوا قوة أنفسهم بالموادعة إلى أن يظهر لهم قوة كسر شوكتهم) من (شرح السير الكبير)، وقارن بين هذا الكلام لعلماء المسلمين، وبين ما يفعله هذان المغامران بن لادن والظواهري وأتباعهما.

هذا شيء يسير من تاريخ الظواهري في الإعداد للجهاد الذي يدندن حوله. بعد أكثر من ثلاثين سنة من العمل الإسلامي والكلام عن الإعداد للجهاد ووجوب قتال العدو البعيد (أميركا)، هرب الظواهري من أمام الأميركان في 10/2001، وترك لهم زوجته وأولاده يقتلونهم، فأين الجهاد؟ وما فائدة إعداد، نهايته هروب مهين في ثياب النساء؟

12) آداب الشكر والضيافة في الإسلام وعند بن لادن والظواهري:

كثير من المسلمين المطاردين في العالم لم يجدوا بلدًا تقبلهم إلا إمارة أفغانستان الإسلامية (طالبان)، وكانت لا تطلب منك جواز سفر ولا تأشيرة دخول ولا إقامة، ولا تجبرك على مبايعة أميرها الملا محمد عُمر، وهي مع ذلك تحميك.

وقد عاش بن لادن في كنفها وبايع أميرها، إلا أنه أعلن الحرب على أميركا من أرضها، رغم أنف أميره ورغم رفضه لذلك. ولقد حاول كثير من الإخوة العرب في أفغانستان في الفترة من 1998 إلى 2001 صرف بن لادن عن مصادمة أميركا حرصًا على الدولة الإسلامية الوليدة (طالبان) منهم أبو مصعب السوري، وأبو عبد الرحمن الكندي، الذي قال لبن لادن وأصحابه (إذا كنتم لا تعتبرون طالبان دولة إسلامية، فاعتبروها مشروعًا ممكنًا لدولة إسلامية، ولندعمها حتى تقوى وتشتد)، فأبوا إلا الصدام مع أميركا ليستمر بن لادن في مشروعه الشخصي من دون مبالاة بالدولة المضيفة (طالبان) فلا قام بشكرها ولا احترم آداب الضيافة، ولا وفىّ ببيعة أميره بل خانه وغدر به وبدولته.

ففي الشكر: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفًا فكافئوه) حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود، أما مذهب بن لادن والظواهري فهو (من صنع إليكم معروفًا فدمّروه) هذا هو فقه شيوخ الجهاد، وهذا هو أدبهم مع الناس.

وفي آداب الضيافة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يُحْرجه) رواه البخاري. أي لا يجوز للضيف أن يبقى عند مضيفه حتى يوقعه في الحرج، وقد قامت طالبان بما وجب عليها شرعًا من الضيافة وزيادة، أما بن لادن والظواهري فلم يبالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يُحرجه) فكان مذهبهما عكس ذلك وهو (بل يبقى عنده حتى يُدمّره)، هذا مذهب شيوخ الجهاد والثغور.

قال الشاعر: «ومن يصنع المعروف في غير أهله.. يلاقي الذي لاقى مُجير أم عامر»، و(أم عامر) هي كُنية الضبع عند العرب، وسبب هذا البيت أن أعرابيًا وجد ضبعًا صغيرًا يتيمًا في البادية، فأحضره إلى خيمته وجعله يرضع من شاةٍ له، فلما شبّ الضبع وغاب الأعرابي، عدا الضبع على الشاة فقتلها بعدما أرضعته، وهكذا عدا بن لادن والظواهري على طالبان فدمراها بعدما آوتهما وحمتهما.

13) تمسح الظواهري في الشيخين عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن:

في كتابه (التبرئة) تمسح فيهما لعله يحصل على شيء من الشرعية، ضمن سياستهم في الاستقواء بأسماء المشايخ، وإن كانت الحقيقة بخلاف ذلك، كما أراد الظواهري ضمن سياسته المشهورة في المراوغة أن يوهم القارئ أن العلاقة بينه وبين هذين الشيخين كانت على ما يرام، في حين أنها كانت على الضد من ذلك تمامًا.

أما الشيخ عبد الله عزام: فقد كان أيمن الظواهري هو حامل لواء المعارضة ضده في أيام الجهاد الأفغاني ضد الروس، وفي لقاء جمع كثيرا من الإخوة العرب هاجم الظواهري الشيخ عزام، وقال له على الملأ (لست أنت عبد الله عزام الذي نعرفه، عبد الله عزام الذي نعرفه هو صاحب كتاب «العقيدة وأثرها في بناء الجيل»)، وبقي أن يعلم الناس أن «القاعدة» ما نشأت إلا كانشقاق على الشيخ عبد الله عزام، فهي ما نشأت كتنظيم إلا كنوع من الرفض للشيخ عبد الله عزام.

وأما الشيخ عمر عبد الرحمن: فأثناء سجنه معه في محاكمات قضية الجهاد بمصر (1981 ـ 1984)، كان الإخوة مجموعات شتى حاولوا أن يتجمعوا في جماعة واحدة بقيادة الشيخ عمر، فكان الظواهري أكبر المعارضين لذلك حتى وصفه الإخوة في ذلك الوقت بأن (الظواهري هو رأس الفتنة)، وهذا شيء مشهور بين الإخوة، وذكره الأستاذ منتصر الزيات المحامي في كتابه (الجماعات الإسلامية، رؤية من الداخل).

هذا شيء من حقيقة الظواهري الذي يتمسح في المشايخ بحثًا عن شيء من الشرعية لجبر العجز عنده، كالغريق يتعلق بقشة، شأنه في ذلك كلجوئه إلى الكذب والمغالطة الفقهية والمشاغبة وتلبيس الأمور في كتابه هذا.

14) مشاغبة الظواهري بأن كاتب (الوثيقة) وصفهم بالجهل:

يستنكر الظواهري في (التبرئة) استعمال كاتب (الوثيقة) لألفاظ مثل الجهال والحمقى فيمن يخالف أحكام الشريعة، وهذا من جهله بالكتاب والسنة وسيرة سلف الأمة. أما الظواهري وحزبه فقد أسرفوا في الكذب والسفاهة والبذاءة يدرك هذا من يطالع بياناتهم ضد (الوثيقة)، وأما أنا فما استعملت إلا المصطلحات الشرعية، ومنها:

أ) مما ورد في كتاب الله وصف المخالف للحق: «إن هم إلا كالأنعام.. » (الفرقان:44)، «.. فمثله مثل الكلب.. » (الأعراف: 176)، «.. كمثل الحمار..» (الجمعة:5)، «سيقول السفهاء..» (البقرة: 142)، «.. إذ أنتم جاهلون» (يوسف: 89).

ب) ومما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عند تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه الخطيب البغدادي وصححه أحمد، فها هو النبي قد بيّن أن هناك غالين ومبطلين وجاهلين يفسدون الدين، وأنه يجب على من لديه علم أن يكشفهم ويرد عليهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا) رواه البخاري. وفي الحديث (إن الكذب فجور) رواه مسلم.

ج) ومما ورد عن الصحابة: أن جابرًا صلّى في إزار بغير رداء فقال له محمد بن المنكدر: تصلي في إزار واحد؟ قال له جابر (إنما صنعت هذا ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان على عهد النبي) وفي رواية (نعم، أحببت أن يراني الجهال أمثالكم) رواه البخاري. وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، وإنما هو موسى آخر، فقال ابن عباس (كَذَب عدو الله) رواه البخاري.

د) ومما ورد عن السلف الصالح: ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن عامر الشعبي قال (حدثني الحارث الأعور الهمذاني وكان كذابًا) وعن ابن عون (قال لنا إبراهيم: إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم فإنهما كاذبان).

ولما أراد القاضي ابن مخلوف أن يحاكم ابن تيمية لِماَ زعمه من أخطاء بـ(العقيدة الواسطية) التي كتبها ابن تيمية، قال ابن تيمية عنه (ولهذا لما ذكر الطيبرسي القضاة وأجملهم، قلت: إنما دخل في هذه القضية «ابن مخلوف» وذاك رجل كذاب فاجر قليل العلم والدين، فجعل يبتسم لما جعلت أقول هذا كأنه يعرفه، وكأنه مشهور بقبح السيرة ـ إلى قوله ـ وابن مخلوف ليس من أهل العلم بذلك ولا التقوى فيه) (مجموعة الفتاوى).

وقال ابن تيمية أيضًا (وما ذكرتم من لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالاً لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة: فنحن مأمورون بمقابلته، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن) (مجموع الفتاوى)، وقال أيضًا (والله تعالى يقول: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم..» (العنكبوت:46)، فمتى ظَلَم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن) (مجموع الفتاوى). فيا معشر المسلمين هذا كلام الله تعالى في وصف المخالفين للحق وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة، فمَن بعدهم من علماء الأمة. وإذا كان الصحابي جابر بن عبد الله وصف التابعي محمد بن المنكدر بالجهل والحماقة لعدم علمه بسنة من السنن، وإذا كان الصحابي ابن عباس قد قال عن التابعي نوف البكالي (كذب عدو الله) لخطئه في معلومة، فما تقولون في بن لادن والظواهري وأتباعهما: الذين خانوا أميرهم، وغدروا بعدوهم، وجلبوا الكوارث على المسلمين، ودمروا الجماعات والدول، وملأوا القبور والسجون بالمسلمين، وأسسوا مذهبًا إجراميًا لتبرير القتل بالجملة ذكرت أركانه في الفصل الثاني من هذه المذكرة، وحّدد معالمه وأصر عليها الظواهري في كتابه (التبرئة)، ما تقولون في هؤلاء؟ وأترك للمسلمين الحكم عليهم. الفاسق شارب الخمر لا يضر إلا نفسه، أما هؤلاء فضررهم بالجملة. وفي البند السابع من (الوثيقة) ذكرت أن قتل السياح في بلاد المسلمين للانتقام من حكوماتهم أو الحكومة المضيفة هو من ثارات الجاهلية وقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى..». (الأنعام:164). اعتبر الظواهري استعمالي مصطلح (ثارات الجاهلية) نوعًا من التأثر بأساليب ضباط المباحث (صفحة 154 من كتابه التبرئة)، وهو أول من يعلم أن كاتب (الوثيقة) لا يتأثر بالعواصف ولا بالأعاصير، ولكنه أراد التنفير من الوثيقة وكاتبها بكل السبل من أول كتابه إلى آخره فكشف عن جهله الشديد بالدين. وأنا أقول للظواهري هل عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إنك أمرؤ فيك جاهلية) كان النبي صلى الله عليه وسلم متأثرًا بضباط المباحث أم تكلم كلامًا شرعيًا؟ وهل عندما كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه (مسائل الجاهلية) كان متأثرًا بالمباحث؟ وهل عندما أكثر سيد قطب رحمه الله من استعمال مصطلح الجاهلية كان متأثرًا بالمباحث؟

والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية) كان بسبب أن هذا الصحابي سبّ آخر فقال له (يا ابن السوداء) الحديث متفق عليه، فماذا يقال عن أصحاب الظواهري الذين يقتلون بالجملة بغير تمييز؟ بل ماذا يقال عن الظواهري نفسه الذي يبرر لهم ذلك ويدافع عنهم؟ وأترك للمسلمين الحكم عليه.

يا معشر المسلمين كل الذنوب والمعاصي تسمى جاهلية، ولكن منها ما هو كفر، ومنها ما هو كبائر ليست كفرًا، وفي بيان ذلك أفرد البخاري رحمه الله بابًا في كتاب (الإيمان) من صحيحه وهو باب (المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك) وأورد فيه الحديث السابق. ولكن الظواهري لا علم له بذلك، ولهذا تراه يستنكر استعمالي للمصطلحات الشرعية كوصف المعاصي بالجاهلية، فهو يجادل في أمور لا علم له بها، وهذا من الكبر والعناد مع الجهل كما قال ابن تيمية رحمه الله (فأول درجات الإنكار أن يكون المنكِر عالما بما ينكره، وما يقدر الناس عليه، فليس لأحد من خلق الله كائنًا من كان أن يُبطل قولاً أو يُحرم فعلاً إلا بسلطان الحجة، وإلا كان ممن قال الله فيه: «إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه...» (غافر:56)، وقال فيه: الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (غافر:35) (مجموع الفتاوى).

* الحلقة العاشرة: الظواهري الباحث عن الشهرة والنجومية