خبراء أميركيون لـ«الشرق الأوسط»: مخاوف تفجير الناقلة وراء التردد.. والحل في حشد سفن مواجهة صغيرة

شككوا في قدرة السفن الحربية على مواجهة القراصنة إذا كانت مدة الاشتباك الممنوحة لهم 15 دقيقة فقط

رجل حرس حدود يمني يظهر خلف مدفع رشاش فيما يمر امامه قارب صيد، وكان قراصنة صوماليون قد خطفوا سفينة بضائع يمنية في خليج عدن (أ.ف.ب)
TT

حين خطف قراصنة لا يتجاوز عددهم 40، وتسليحهم بنادق الكلاشنيكوف والسلالم المصنوعة من الحبال الناقلة السعودية أظهروا مدى بساطة اقتحام اى سفينة وخطفها. ويقول محللون أمنيون إن السهولة التي استولى بها القراصنة الصوماليون على مجموعة كبيرة من السفن توضح أن حركة الشحن العالمية أكثر عرضة بكثير للهجمات الإرهابية من صناعة خطوط الطيران التي حسنت من إجراءاتها الأمنية كثيرا بعد هجمات سبتمبر 2001، موضحين ان هناك حاجة الى الاهتمام بالأمن البحري، مثلما تم الاهتمام بالأمن الجوي، خصوصا ان تنظيم «القاعدة» نفذ أو خطط لعدة هجمات بحرية في العقد الماضي أبرزها التفجير الانتحاري للمدمرة كول عام 2000 والذي أسفر عن مقتل17 بحارا أميركيا، وهجوم مماثل بعد ذلك بعامين على الناقلة الفرنسية العملاقة ليمبورغ والذي أسفر عن مقتل أحد أفراد طاقمها وتسرب 90 ألف برميل نفط الى خليج عدن. وبينما دعا خبراء إميركيون الى تدخل الأسطول الاميركي ضد قراصنة الصومال الذين خطفوا ناقلة النفط السعودية، عارض آخرون الفكرة، وقالوا ان القراصنة سيفجرون الناقلة، وسيسببون كارثة بيئية سوف تمضي عشرات السنين قبل تنظيفها نهائيا.

وانتقد مايك بيرلسون، الذي كتب مؤخرا كتاب «حروب جديدة»، ويكتب في مجلة «سي كلاسيك» البحرية لتصريحات الأدميرال مايك مولين، قائد القوات الأميركية المشتركة، الأسبوع الماضي عندما قال انه «اصيب بدهشة» لقدرة القراصنة على خطف ناقلة نفط عملاقة. وقال بيرلسون لـ«الشرق الأوسط» أمس: «كان يجب على الأدميرال ان يصاب بدهشة بسبب عدم وجود استراتيجية عسكرية لمواجهة أفراد قلائل يهددون الملاحة العالمية». وأضاف بيرلسون: «ليس سرا، رغم عملياتنا العسكرية الكثيرة بعد هجوم 11 سبتمبر 2001، أن الأساطيل الغربية ليست معدة اعدادا كافيا لمواجهة الإرهابيين والقراصنة في البحار البعيدة»، وخاصة عند الاقتراب من السواحل حيث المياه الضحلة.

وأوضح بيرلسون أن سفنا عسكرية متوسطة الحجم مثل «فريدوم»، أو عملاقة مثل «ايجيس» حاملة الصواريخ، والتي استعملت في مراقبة سواحل الخليج خلال حرب تحرير الكويت عام 1991، ثم عند غزو العراق 2003، لن تقدر على مراقبة ومطاردة القراصنة. وأضاف: «سنحتاج الى سنوات لحشد سفن صغيرة بإعداد كبيرة، تهاجم المضايق والخلجان التي يعمل فيها القراصنة». من ناحيتها، قالت كارين فون هيبل، مديرة «مشروع اعادة البناء لما بعد الكوارث»، وزميلة في «برنامج الأمن العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» (سي.إس.آي.إس) في واشنطن ان العسكريين الأميركيين والأروبيين مترددين «لأسباب مفهومة وعقلانية» في انقاذ ناقلة النفط السعودية، وذلك «لأنهم يخشون ان يفجر القراصنة ناقلة تحمل مليوني برميل نفط. لا بد ان المسؤولين يعرفون ان ذلك سيكون كارثة بيئية سوف تمضي عشرات السنين قبل تنظيف آثارها تنظيفا كاملا». وأوضحت كارين لـ«الشرق الأوسط» ان هناك نوعين من القراصنة: أذكياء وأغبياء. وتأمل ألا يصيب الغباء هؤلاء، ويفجرون الناقلة. وقالت: «مثلما هناك عصابات مافيا ذكية وأخرى غبية. العصابة التي تقتل الشرطة التي تحقق معها مثل الذي يطلق الرصاص على قدمه». وآمل ألا يفعل هؤلاء القراصنة في الصومال مثل ذلك.

وأشارت كارين الى ان هناك احتمال ان تخطط شركات أمنية عالمية، مثل «بلاك ووتر»، التي تعمل في العراق، لعمليات انقاذ مماثلة. لكن، لن تقدر «بلاك ووتر» أو غيرها من الشركات الأمنية، على الاعتماد على اي دعم من اي حكومة للقيام بمثل هذه العملية. موضحة ان «بلاك ووتر» او غيرها ربما تتفق مع اصحاب الناقلة السعودية، وشركات ملاحية اخري لتنفيذ مثل هذه المغامرة، وربما ستتدخل في الموضوع شركات التأمين التي تؤمن على السفن وملاحيها وحمولاتها. وتابعت: «ربما لهذا يبدو ان اصحاب السفن وشركات الملاحة والتأمين اقدر على حل هذه المشكلة من قرارات حكومية أو دولية». وذلك لأن في الموضوع مغامرات، واعتبارات دولية وقانونية.

غير ان بيرنارد كول، كولونيل متقاعد وأستاذ في «كلية الحرب الوطنية» في واشنطن العاصمة، قال انه يستبعد ان «يقدر قراصنة يحملون مدافع «آر بي جي» على تفجير ناقلة نفط عملاقة مثل «سيريوس ستار». وقال انهم ربما يقدرون على احداث ثقب هنا، او ثقب هناك. لكن، لن يشاهد العالم صورة ناقلة نفط تحترق الى النهاية. وقال كول لـ«الشرق الأوسط« انه يفهم تردد الأدميرال مولين في التدخل العسكري. واقترح محاولة تكرار تجربة مكافحة القرصنة في مضيق ملقة في جنوب شرق آسيا قبل عشر سنوات تقريبا. وقال إن اليابان واستراليا تعاونتا مع دول المنطقة لحراسة السفن، وان حوادث القرصنة كادت تنخفض الى الصفر بسبب مد التعاون الى كل دول الجوار الإقليمي، فهي مسؤولية إقليمية جماعية، موضحا أن مشكلة عدم الاستقرار في الصومال تمنع التنسيق الكافي بين الصومال ودول المنطقة، والدول الأخرى التي تعبر سفنها خليج عدن. وأضاف كول: «هذا وضع مؤسف. لكن، ليس الحل العسكري هو الحل الممكن. لا بد من حل سلمي، وأعتقد أن جهود لجنة الملاحة الدولية يجب ان تدعم من جانب الدول الكبرى وغيرها». ولا تعود كثرة عمليات الاختطاف فقط على قدرات القراصنة، بل أيضا الى ضعف الأمن البحري، وقال بيتر تشوك، محلل شؤون مخاطر الإرهاب بمؤسسة راند كوربوريشن، وهي مؤسسة بحثية في تقرير عن القرصنة والإرهاب في يونيو (حزيران) الماضي أن «الكثير من نقاط الضعف التي شجعت ارتفاع معدل هجمات القراصنة تنطبق على الإرهاب أيضا ومن بينها نقص مراقبة السواحل والتراخي الأمني في الموانئ وتعدد الأهداف والاعتماد السائد للتجارة البحرية على المرور عبر نقاط مختنقة من شدة الزحام.. وازدياد الميل الى تزويد السفن بالحد الأدنى من العاملين». وتابع أن «هذه الفجوات ونقاط الضعف توفر للمتطرفين فرصة للتحرك والاختباء والهجوم بأسلوب غير ممكن اتباعه في موقع بري». ومع أن الكثير من الأصوات تحذر من التدخل العسكري لوقف ظاهرة القرصنة، إلا أن البعض يرى انه لا بد من اللجوء لبعض القوة. وقال إيان ستوري، الباحث بمعهد سنغافورة لدراسات جنوب شرق آسيا وخبير القرصنة ردا على الذين يحذرون من تفجير السفن، خصوصا تلك التي تحمل شحنات من النفط الخام: إن الخام ليس شديد الاشتعال وإن ناقلات الغاز الطبيعي تبنى بناء قويا وتتمتع بعناصر أمان مهمة. وتعد السفن التي تحمل نترات الأمونيا مثار قلق اكبر إذ أن هذا السماد قابل للاشتعال بشدة حين يمزج بنفط الوقود وقد استخدمت في تفجيرات أوكلاهوما وبالي. وحين أدى اشتعال النيران لتفجير نحو 2300 طن من نترات الأمونيا على متن سفينة بميناء مدينة تكساس عام 1947 تسبب الانفجار في موجة مد ارتفاعها خمسة أمتار اجتاحت البلدة. وقتل 567 على الأقل وأصيب أكثر من خمسة آلاف. ودمرت مئات المنازل وانفجرت طائرتان صغيرتان في السماء.

وكان هذا أسوأ حادث صناعي في تاريخ الولايات المتحدة. وقال خبراء في منتدى بمؤسسة «هيريتيج فاونديشن» للأبحاث ان العقبات الأخرى لتقليل اعمال القرصنة تشمل تردد شركات الملاحة في وضع أفراد امن مسلحين على السفن والقيود على استخدام القوة من جانب القوات البحرية واحتمال استمرار شركات الملاحة في دفع فدية من اجل الإفراج عن السفن المخطوفة. وقال كبير المحللين دومينيك دونالد من مؤسسة «ايجيس ديفينس سيرفيسيز»، وهي مقاول أمن، انه توجد نحو 14 سفينة حربية أجنبية على الأقل في خليج عدن وبالقرب من الصومال تحاول احباط هجمات القراصنة، لكنها لم تكن فعالة. وقال إن قواعد الاشتباك للقوات البحرية تعطي نافذة ضيقة مدتها 15 دقيقة لاستخدام الأسلحة القاتلة ضد القراصنة المشتبه فيهم وهو وقت لا يكفي لصد هجوم صومالي، موضحا أنه لا يؤيد السماح بقواعد فضفاضة للاشتباك تجعل القوات البحرية «عرضة لقتل الأشخاص الخطأ سواء كانوا صيادين محليين أو بحارة تجاريين». من ناحيته، قال راسل بروكس، المسؤول بالخارجية الأميركية، إن واشنطن تتعاون مع عدد آخر من دول العالم في مكافحة القرصنة على السواحل الصومالية، موضحا لـ«الشرق الأوسط» انه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1816، فإن من حق قوات البحرية الأميركية الدخول للمياه الإقليمية الصومالية للتصدي للقراصنة، نافيا أن تكون الولايات المتحدة موقعة على اتفاقيات ثنائية مع الصومال تقوم بموجبها بحماية الحدود الصومالية.