مومباي: المهاجمون بثوا الفوضى بدقة بالغة وبأسلوب عال من التدريب والإعداد

رصاص وجثث وحمامات دم في الأماكن السياحية

TT

أعد باراسان ذانور قاربه الذي يبلغ طوله 13 قدمًا ليلة الأربعاء، لكي يقوم برحلة صيد شاقة، بيد أنه رأى شيئًا غريبًا تلك الليلة. رأى قارب نجاة مطاطيا مزودا بموتور ياماها جديد، يشق طريقه وسط قوارب الصيد الخشبية الصغيرة المربوطة إلى دعامة الجسر الموجود إلى جوار الحي الفقير الذي يقطنه.

قفز من القارب رجلان يبدو مظهرهما أنهما في العشرينات، ثم خلعا السترتين البرتقاليتين، اللتين كانا يرتديانها لتكشف عن قميصين وسروالي الجينز، كان الرجلان يرتديانها. ثم شرع كل منهما عقب ذلك في حمل حقيبة الظهر، التي تخصه بحرص بالغ. تحرك ذانور بقاربه باتجاه هذين الشخصين، وسألهما كاشيناث باتل، مسؤول المرفأ الذي يبلغ من العمر 72 عامًا عما يفعلانه؟ فيقول سألتهما «إلى أين تذهبان؟ وماذا يوجد في حقيبتيكما؟» فقالا «نحن لا نرغب في لفت الانتباه لا تزعجنا». هنا بدأت مرحلة حاسمة لواحدة من أخطر الاعتداءات الإرهابية في تاريخ الهند، والتي بدت منذ الوهلة الأولى، أن المقصود منها إحداث أكبر قدر من الخوف والفوضى.

كانت الأنباء الواردة عن الحادث حتى يوم السبت من مفوض الشرطة في مومباي حسن جافور، أن عدد الأشخاص الذين قاموا بتلك العمليات هم 16، لكنه لم يذكر المهاجمين العشرة، الذي أتوا عن طريق البحر لكي ينضموا إلى باقي المجموعة. وقد أشارت بعض التقارير المحلية غير الموثقة إلى أن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا موجودين في مومباي قبل عدة أيام من الحادث. لكن على أية حال فإن الاعتداءات المتزامنة تشير إلى مستوى عال من التدريب والإعداد.

وقال ذونار وباتيل في مقابلات صحافية، إنهما لم يريا أسلحة في حقائب الظهر التي كانت بحوزة الرجلين على متن القارب، كما أنهما لم يستدعيا الشرطة وهما يشاهدان الرجلين يدخلان المدينة ليلة الأربعاء، تاركين قاربهما وملابسهما على رصيف الميناء. لم يمض وقت طويل بعد نزول المهاجمين من القارب، حتى بدأت الهجمات تتوالى في كل أرجاء مومباي. وفي الصالة الرئيسة لمحطة تشهاترباتي شيفاجي ترمينس، التي يعتقد أنها كانت أولى الأماكن التي تعرضت للهجمات، ترك وابل من الرصاص المكان غارقًا بالجثث وحمامات الدم. وفي مطعم ليوبولد الذي يرتاده الغربيون والأثرياء والمشاهير من الهنود لتناول الوجبات السريعة، قتلت مجموعة من المهاجمين عددا ممن تصادف وجودهم في المطعم لتناول العشاء.

وفي فندقي أوبري وتاج محل، أمطر المسلحون مرتادي المطعم في الطابق السفلي، ثم انتقلوا إلى الأدوار العليا لجمع النزلاء كرهائن، أما في الأماكن الأخرى التي كان من بينها مسرح سينمائي ومستشفى ومركز للشرطة، فقد فتح المهاجمون النار بوحشية على كل من كان في طريقهم، كما كانوا يطلقون القنابل اليدوية. وقد عانت مومباي، نتيجة لقربها من باكستان، وكونها العاصمة الاقتصادية للبلاد من سلسلة من الهجمات الإرهابية على مدار السنوات الماضية، غير أن هجمات الأسبوع الماضي، كانت الأكثر شهرة حيث استمرت عدة أيام، وأثارت هلع الكثيرين وفاقت العمليات السابقة. ويقول ديف بي جوهيل الترزي، الذي قضى جل حياته في مومباي «طوال سنوات عمري الإحدى والخمسين، لم أر شيئًا كهذا، إننا نخشى على أنفسنا وعائلاتنا». وأحد أسباب القلق التي يشعر بها سكان المدينة، هو أن هناك احتمالية في ألا يكون قد ألقي القبض على كل الإرهابيين أو تم قتلهم، وحتى الآن لا يزال مكان المهاجمين الآخرين مجهولاً. وقد ذكرت الشرطة يوم الجمعة مقتل ثمانية، على الأقل، من بين المهاجمين، بالرغم من إمكانية وجود آخرين حيث تقوم الشرطة بتمشيط الفندقين، وقالت الشرطة في تصريحها إنها تمكنت من السيطرة على فندق تاج محل بالاس آند تاورز صباح السبت، وقتلت الإرهابيين الموجودين به. وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجمين يتراوح ما بين 20 إلى 40، وتسعى الأجهزة الأمنية إلى محاولة معرفة الكيفية التي تمكن بها المهاجمون من ارتكاب تلك المجزرة الكبيرة بهذه السرعة، كما تركز انتباهها الآن إلى كيفية وصول المهاجمين إلى قلب المدينة، حاملين كل هذا الكم من الأسلحة والذخيرة والقنابل اليدوية، من دون أن يتعرضوا للتفتيش. وقال الصيادون إن قوات الشرطة احتجزت القارب الذي رسا على رصيف فيشرمنز كولوني، حيث يسكن ذانور، وكان عدد من وكالات الأنباء المحلية، قد أوردت أن الشرطة تحفظت على قارب واحد على الأقل ـ يتوقع أن تكون أربعة ـ وأن القوارب الأخرى تقع في المناطق القريبة على ساحل جنوب مومباي، أحد أقدم أحياء المدينة. وقد أوردت صحيفة «التايمز» الهندية في عددها الصادر يوم الجمعة، أن خفر السواحل الهندي، وجد سفينة الصيد الهندية كوبر التي اختفت في 14 نوفمبر (تشرين ثاني) والتي يعتقد أنها استخدمت لتكون السفينة الأم لنقل تلك القوارب المطاطية في مناطق متعددة من مومباي، كما يفعل قراصنة الصومال في بحر العرب، حيث استخدموا القوارب الصغيرة لخطف ناقلة نفط في الأسابيع الأخيرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»