إيران: نجاد يراهن بمستقبله السياسي على خطته لإلغاء الدعم وتوزيع إعانات للفقراء

تجار البازار يعارضون الخطة الخاصة بضريبة المبيعات والبنك المركزي يحذر من عجز هائل في الميزانية

TT

في العاصمة الإيرانية، طهران، يبلغ سعر غالون البنزين 36 سنتاً، وسعر عبوة منظف الملابس ذات الحجم العادي 50 سنتاً، بينما يبلغ سعر ربع غالون الحليب قرابة 20 سنتاً. ويكمن السر وراء تدني هذه الأسعار في أن الحكومة الإيرانية تنفق نصف ميزانيتها الوطنية على دعم الكثير من السلع الضرورية. لكن هذا الحال لن يبقى طويلاً. فقد شرع الرئيس محمود أحمدي نجاد في تنفيذ خطة كبرى لإعادة الهيكلة الاقتصادية، من شأنها إنهاء الكثير من هذا الدعم في غضون شهرين. ومن أجل التخفيف من وطأة ارتفاع أسعار البنزين إلى ما يزيد على أربعة أضعاف سعره الحالي، وحدوث ارتفاعات مشابهة في أسعار سلع أخرى، يقترح الرئيس الإيراني أيضاً منح إعانة شهرية للفقراء تصل إلى 70 دولارا. ويراهن أحمدي نجاد، القائد الشعبوي المنتمي في الأصل للطبقة الوسطى والذي جاء إلى السلطة منذ ثلاث سنوات، بمستقبله السياسي على هذه الخطة الطموحة، التي تهدد بإثارة سخط الإيرانيين الذين استفادوا من الدعم الحكومي.

يذكر أن أحمدي نجاد يشتهر على الصعيد الخارجي بخطبه المثيرة للقلاقل، ودفاعه عن البرنامج النووي الإيراني، في الوقت الذي يعتمد وضعه السياسي الداخلي بصورة أكبر على وعوده، التي لم يف بها بعد باستغلال عوائد الثروة النفطية الإيرانية في تحسين الأوضاع المعيشية للفقراء. وقد أثارت بعض عناصر الخطة الاقتصادية المقترحة، مثل فرض ضرائب مبيعات، توترات أجبرت أحمدي نجاد على إبطاء عجلة تنفيذها. وأعلن الرئيس عزمه طرح مشروع قانون بشأن الدعم الحكومي على البرلمان يوم الأربعاء، لكن هذه الخطوة تم إرجاؤها من دون إبداء تفسير. يذكر أن المخاوف تساور الكثير من أبناء الطبقة الوسطى الإيرانية في المناطق الحضرية، من أن يتعرضوا لأضرار بالغة جراء هذه الخطة. في هذا الصدد، أكد بايمان فاتاندوست، المدير الفني بأحد مصانع إنتاج البطاريات في طهران، وهو مثل الكثيرين غيره من الإيرانيين من أصحاب المستويات التعليمية العليا، لم يصوت لصالح أحمدي نجاد عام 2005: «حال وقف الدعم، ستسقط أسرتي في هوة الفقر. إن المبلغ الذي ينوي الرئيس تقديمه في المقابل ضئيل للغاية». ويشارك فاتاندوست في هذا القلق، العديد من القادة الإيرانيين، الذين يعد الكثيرون منهم خصوما لأحمدي نجاد ويتهمونه باقتراح توزيع مبالغ نقدية بهدف تعزيز شعبيته قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو (حزيران) القادم. في المقابل، يؤكد أحمدي نجاد أن خطة «التطور الاقتصادي»، سوف تقلص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسوف تساعد في نهاية الأمر على خفض معدلات التضخم، التي وصلت إلى معدل سنوي يبلغ 24%، طبقاً لما أعلنه المصرف المركزي الإيراني. ومن خلال فتح الاقتصاد الإيراني المغلق وتيسير الوضع أمام النشاط التجاري والتشجيع على الخصخصة، يرغب أحمدي نجاد في تحويل البلاد إلى قوة إقليمية كبيرة، تسير على نهج التحول الاقتصادي الذي بدأته الصين منذ ثلاثة عقود. وأعلن أحمدي نجاد عزمه تحقيق تغييرات مشابهة داخل إيران خلال ثلاث سنوات. على الجانب الآخر، تخلق أسعار النفط المتراجعة بسرعة معضلة أمام معارضي خطة أحمدي نجاد، فإما ان يذعنوا ويؤيدوا المقترح أو ان يضغطوا على الحكومة كي تستمر في إنفاق 90 مليار دولار سنوياً ـ ما يعادل نصف الدخل الوطني ـ على الدعم. من جهتهم، يشدد الخبراء الاقتصاديون على أنه من المستحيل للوضع الراهن أن يستمر. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، عندما بلغ سعر برميل النفط 70 دولاراً، حذر محافظ المصرف المركزي، محمود باهماني، من حدوث عجز هائل في الميزانية، حال عدم ارتفاع الأسعار عن هذا المستوى. وقال في تصريحات لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية إن: «حال استمرار هذا المعدل حتى نهاية العام، من المتوقع فقدان 54 مليار دولار من الدخل النفطي المتوقع». يذكر أنه يوم الأربعاء، كان يجري بيع النفط الإيراني مقابل 42 دولارا للبرميل. من ناحيته، يقول أحمدي نجاد إن خطته ستسمح للحكومة بتوفير ما تنفقه على الدعم وزيادة الدخل، من خلال فرض سياسات ضريبية أقوى. وأكد الرئيس يوم الثلاثاء، في حديث أمام التلفزيون الرسمي، أنه: «اعتماداً على هذه الخطة، سنتخلص من الجزء الرئيس من اعتمادنا على تقلبات أسعار النفط». من جهتهم، يرى المحللون أن الخطة الاقتصادية لأحمدي نجاد تخدم أيضاً أجندته السياسية. الجدير بالذكر أن الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979 أتت بمجموعة من رجال دين وأنصارهم إلى الحكم، اعتمدوا على مزيج غير تقليدي من السياسات الرأسمالية والاشتراكية، في إطار مساعيهم للتقليل من الاعتماد الاقتصادي على الغرب. ومن أجل إظهار المنافع المترتبة على الثورة، وعد آية الله الخميني بتوفير عوائد النفط والمرافق العامة مجاناً أمام «الجماهير الحافية»، التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي. وجاءت الحرب الإيرانية ـ العراقية والمقاطعات الاقتصادية الدولية والفساد الداخلي لتدفع الحكومة باتجاه بذل المزيد من الجهود لإرضاء الفقراء، ما تمخض عن نظام يقوم على تدخل الدولة بهدف الإبقاء على أسعار السلع الأساسية منخفضة. في الوقت ذاته، عقد التجار الأثرياء، الذين أيدوا الثورة بسبب تهديد الشاه بالقضاء على ممارساتهم الاحتكارية، تحالفات مع بعض القادة الجدد. والواضح أن أحمدي نجاد نجح في الإطاحة ببعض العناصر الثورية البارزة من الدائرة الضيقة الخاصة بصناع القرار في إيران. إلا أن إعادة هيكلة الاقتصاد من شأنها تفكيك النظام، الذي أمد الجيل الأول من الثوريين بالنفوذ والمال. في هذا السياق، أشار أحمد زيدأبادي، الصحافي بمجلة «شهرفاند إمروز»، التي ظلت تنشر مقالات منتقدة للحكومة حتى أغلقتها السلطات في نوفمبر، إلى أن «الخطة ستضر بطبقة التجار، التي ترتبط بصلات عميقة مع هذه المجموعة». يذكر أن الكثير من التجار يعارضون خطة أحمدي نجاد لتوسيع نطاق الضرائب. على سبيل المثال، قال محمود أسكاري، الذي يملك محلا لبيع السجاد في طهران، إن «الحكومة لديها النفط، أليس هذا كافياً؟ عندما يرغبون منا دفع ضرائب، يتعين على المسؤولين التحلي بالشفافية أمامنا حيال ما يفعلون بأموالنا». في أكتوبر (تشرين الأول)، أغلق التجار داخل أكبر البازارات على مستوى البلاد محلاتهم اعتراضاً على فرض ضريبة مبيعات بنسبة 3%، وهي الخطوة الأولى في خطة التطور الاقتصادي، ما دفع الحكومة لإرجاء فرض الضريبة لمدة عام. وعلق أسكاري على ذلك بقوله: «لقد أثبتنا لهم أننا جادون في هذا الأمر. وإذا ما حاولوا مرة أخرى بعد عام، سوف نغلق محالنا من جديد.. إن الحياة صعبة بما يكفي من دون ضرائب». إلا أن هناك مؤشرات على أن المستهلكين الإيرانيين الأكثر ثراءً باستطاعتهم الصمود أمام الصدمات المفاجئة، ففي يوليو (تموز) 2007، أقرت الحكومة نظام الحصص في بيع البنزين، مانحة كل صاحب سيارة حصة شهرية تبلغ 30 غالوناً مقابل 36 سنتاً للغالون. بعد ذلك، حدد المسؤولون سعر البنزين خارج الحصص بـ1.44 دولار للغالون. وعليه، اندلعت أعمال شغب قام المتظاهرون خلالها بإضرام النيران في العديد من محطات الوقود، لكن بقي نظام الحصص والأسعار الجديدة دونما تغيير. جدير بالذكر أن استهلاك البنزين هذا العام يفوق ما كان عليه عام 2007. من ناحية أخرى، ومن أجل تحديد المستحقين للإعانات النقدية في ظل خطة إعادة الهيكلة، قسمت الحكومة المجتمع الإيراني إلى 10 فئات، حسب الدخل. وسوف يتلقى الأفراد الذين ينتمون إلى أقل سبع فئات إعانات نقدية مباشرة، بحد أقصى قدره 70 دولارا شهرياً. أما أبناء الطبقة الوسطى الدنيا، الذين يشكلون السواد الأعظم من سكان العاصمة، سيحصلون على مبالغ أقل من ذلك بكثير. يذكر أن فاتاندوست وزوجته ملآ صيغة بيان منذ أشهر قليلة سابقة، بحيث يتمكن المسؤولون من تحديد حجم الإعانة النقدية الشهرية التي سيحصلان عليها. من ناحيته، ادعى أحمدي نجاد أن 65 مليون شخص ـ تقريباً جميع سكان البلاد البالغ إجمالي عددهم حوالي 70 مليون نسمة ـ ملأوا البيانات، التي وصفها بأنها «استفتاء عام» على الخطة. بيد أن البيانات الاختيارية التي تم توزيعها على الإيرانيين لم تتضمن أي بند يتيح للإيرانيين التصويت لصالح أو ضد الخطة. بالنسبة لأسرة فاتاندوست، فإن إجمالي دخلهم الشهري يبلغ قرابة 500 دولار شهرياً، ويتوقعون أن يحصلوا على 40 دولارا شهرياً بالنسبة لكل فرد في الأسرة. ويؤكدون أن هذا المبلغ لن يفيد كثيراً في تعويض الزيادات البالغة التي يخشون حدوثها في فواتير الاستفادة من المرافق العامة. تزدحم الشقة التي تسكن بها أسرة فاتاندوست في أحد أحياء طهران التي يسكنها أبناء الطبقة الوسطى، بالأثاث. وفسر فاتاندوست السبب بقوله: «آسف ـ لقد اضطررنا إلى الانتقال الى شقة أصغر بكثير، عندما رفع مالك المنزل السابق الإيجار بنسبة 50% العام الماضي. إننا نعيش الآن في شقة صغيرة للغاية، لكن إيجاره نفس إيجار منزلنا القديم قبل الزيادة». وأطلعنا فاتاندوست على بعض فواتير أسرته المرتبطة باستخدام المرافق العامة. وأشارت فاتورة استهلاك الكهرباء إلى أنه دفع شهرياً 5 دولارات، بينما تحملت الحكومة باقي المبلغ، ويبلغ 35 دولارا. وأكد فاتاندوست أن: «الحال ذاتها ينطبق على المياه والبنزين والتليفون. إذا اضطررنا لتكبد جميع هذه المصاريف وحدنا، فإن نفقاتنا سترتفع بمقدار سبعة أضعاف». من ناحية أخرى، يضع رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، أحد أكبر خصوم أحمدي نجاد، التضخم نصب عينيه. وأكد لاريجاني في حديث أمام تلفزيون الدولة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن: «البرلمان لن يمرر أي مشروع قانون من شأنه زيادة التضخم. وسترفع خطة التطور الاقتصادي حجم التضخم حتماً». أما أحمدي نجاد، فقد دعا المشرعين للبقاء إلى صفه. وأكد خلال لقاء عقده معه تلفزيون الدولة في أكتوبر: «سأبقى متمسكاً بالخطة حتى لو كانت النتيجة سقوط حكومتي. إن هذا الإصلاح سيشكل نصراً اقتصادياً عظيماً». لكن فاتاندوست ربما لا ينتظر، حيث أكد أنه «حال حصولنا على فيزا، سنتجه مباشرة إلى ألمانيا. لقد سمعت الكثير من الوعود على مدار السنوات الثلاث الماضية، لكن حياتنا لم تزدد سوى صعوبة».

* خدمة «واشنطن بوست» – خاص بـ«الشرق الأوسط»