هجمات مومباي اختبار لقدرة باكستان على كبح جماح المتطرفين

جدل حول علاقة الاستخبارات الباكستانية مع «عسكر طيبة»

منظر عام للخراب والدمار الذي لحق بفندق تاج محل، اثر الهجوم الارهابي، الذي ضرب مدينة مومباي الاسبوع الماضي (رويترز)
TT

تفرض الأدلة المتزايدة بشأن وجود صلات بين هجمات مومباي الإرهابية، والجماعة المسلحة الباكستانية، اختبارًا عسيرًا، حتى الآن، على الحكومة الباكستانية الجديدة، وتثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت، أو حتى لديها الرغبة، في كبح جماح التمرد المسلح في البلاد. وأعلن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، أن حكومته لا تملك أي دليل مادي على ضلوع باكستان في الهجمات، فضلاً عن أن المسؤولين الأميركيين لم يبرهنوا على وجود صلة مباشرة للحكومة. يُذكر أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، وصلت إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد صباح امس، وتمت ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة للتصدي لجماعة عسكر طيبة المسلحة، التي يشير المسؤولون الأميركيون والهنود بأصابع الاتهام إليها، بشأن تنفيذ هجمات مومباي. ورغم حظر هذه الجماعة رسميًا، إلا أنها تختبئ في سهل معروف منذ سنوات، فضلاً عن أن لها تاريخا طويلا من الروابط والصلات مع أجهزة الاستخبارات الباكستانية. وقد تجمعت أدلة عن وجود يد لهذه الجماعة في تفجيرات مومباي من جميع أنحاء العالم، ومنها: أوضح مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية بواشنطن، لم يرغب في الكشف عن اسمه، أن محللي الاستخبارات الأميركية يشتبهون بمساعدة ضباط سابقين في الاستخبارات، والجيش الباكستاني في تدريب مهاجمي مومباي.

وحسبما أفادت الشرطة الهندية، أن أكمل امير كساب، المسلح الوحيد الباقي على قيد الحياة، أخبر المحققين أنه تدرب قبل عام ونصف في أربعة معسكرات على الأقل في باكستان، وأنه التقى مع محمد حافظ سعيد، زعيم عسكر طيبة. وطبقًا لمسؤول غربي، على دراية بتحقيقات مومباي، فإن زعيم آخر لعسكر طيبة ألا وهو يوسف مزمل، والذي ذكر أكمل كساب اسمه خلال التحقيقات على أنه مخطط الهجوم، تلقى اتصالات هاتفية في لاهور من المهاجمين. كما وجه المحققون في الهند الكثير من الاتهامات إلى «عسكر طيبة»، التي لديها تاريخ حافل بالأعمال العدائية تجاه الهند. يُذكر أن للولايات المتحدة مصلحة مشتركة في إغلاق معسكرات الجماعات المسلحة الباكستانية، التي تفرض بدورها تهديدات على الجنود الأميركيين في أفغانستان. وبات واضحًا، أن «عسكر طيبة» تعمل هذه الأيام بصورة مكشوفة للغاية في لاهور. ويشير المسؤولون إلى أن جناحها العسكري يستخدم معسكرات تدريبية في كشمير الباكستانية، والمناطق القبلية الباكستانية، وذلك لتتغير الجماعة من مجرد جماعة تركز كل أنشطتها بصورة رئيسة على قضية كشمير، إلى أخرى عازمة في الوقت الحالي على الانضمام إلى صفوف الجهاد العالمي. ويظهر من هجمات مومباي، التي اشتملت أهدافها على أجانب، أنها تتلاءم مع التأكيد الناشئ للجماعة. ويعيش سعيد البالغ من العمر 63 عامًا في مجمع سكني كبير، يوجد به مسجد أبيض اللون، يواجه شارعًا تجاريًا حيويا، وعليه لافتة في الخارج مكتوب عليها «مركز القادسية»، في إشارة تبجل الموقعة العسكرية القديمة التي هزم فيها العرب بلاد الفرس في القرن السابع. وأنكر محمد يحيى مجاهد، الناطق باسم سعيد، في مقابلة أُجريت معه يوم الأربعاء، تورط سعيد في هجمات مومباي.

وأضاف أن الواجهة العامة للجماعة وتُدعى «جماعة الدعوة»، تدير مدارس إسلامية وأعمالا خيرية، بالإضافة إلى امتلاكها لجامعة على مساحة 75 فدانًا على مسافة 15 ميلاً شمال لاهور، وتحديدًا في موريدك. وتابع أنه منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول): «تغير المشهد، كما أن العلاقة ليست جيدة مع المؤسسة». وطبقًا لمسؤولي الاستخبارات الغربية، فإن جماعة «عسكر طيبة» تأسست عام 1989 بمساعدة جهاز الاستخبارات الباكستاني القوي، وكان سعيد حينها رئيسها المعاون. ويشير المسؤولون الاستخباراتيون، إلى أنه حتى يومنا هذا، ما زال الجدل الشديد قائمًا، حول مدى ما وصلت تلك العلاقة بين الجهتين. وأفاد المسؤولون بأنه رغم تأسيسها في البداية لتكون قوة وكيلة لمحاربة الهند في كشمير، إلا أنهم حولوا أنفسهم إلى جماعة متخطية للحدود الإقليمية. وأكد المسؤولون أن لديها هذه الأيام خلايا في بنغلاديش، وأفغانستان، والمناطق القبلية الباكستانية، كما اتجه بعض محاربيها إلى العراق. وما زال من غير الواضح، إذا كانت الجماعة وقعت تحت تأثير «القاعدة» أم لا. ويقول مسؤول أميركي بارز: «إننا لا نقول إن لهم (يقصد القاعدة) يدا مباشرة في هذه الهجمات، إلا أنه يتعين عليكم التفكير في حدوث بعض العمليات التعليمية، أو للمحاكاة، أو أن لديهم بعض التأثير أو اتصالات من هذا النوع».

وأفاد المسؤولون الأمنيون الهنود، أنه على الرغم من أنه لا تزال جماعة «عسكر طيبة» نشطة في كشمير الهندية، إلا أن الأنشطة المسلحة العنيفة قد انخفضت في السنوات الأخيرة إلى حد بعيد. وأشارت الروايات التي أدلى بها المسلح الإرهابي المعتقل في أحداث مومباي، بالإضافة إلى محارب سابق تحدث مع صحيفة «نيويورك تايمز» إلى تلميحات لأساليب الجماعة التجنيدية، وكيف تم تخطيط هجمات مومباي. وحسبما أفاد راكش ماري رئيس شعبة الجريمة بشرطة مومباي، فإن كساب يتحدر من مدينة تُدعى فريدكوت، في إقليم البنجاب. وأنه ابن لعامل، وخرج من المدرسة بعد السنة الرابعة، ثم انتقل إلى لاهور مثل أخيه الأكبر، ثم بدأ في كسب الرزق كعامل بأجر يومي. وأنه أخبر المحققين أنه تجند في «عسكر طيبة» من هناك.

* خدمة «نيويورك تايمز»