ساركوزي يمهل البشير أياماً لإتمام السلام.. ويعتبر الحوار مع سورية «مخاطرة أعطت نتائج»

الرئيس الفرنسي قال في خطاب حول حقوق الإنسان في العالم إنه لن يصافح أحمدي نجاد.. ودعا لرحيل موغابي

TT

عزز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس الضغوط على الرئيس السوداني عمر البشير، مؤكدا انه عليه «تبني خيار» السلام في دارفور «في الايام المقبلة»، وليس اسابيع قبل مواجهة اتهامات من قبل المحكمة الجنائية الدولية، مشيرا الى ان «مستقبله بين يديه». في الوقت نفسه، دافع ساركوزي عن دعوته للرئيس السوري بشار الأسد الصيف الماضي إلى باريس. وقال: «الدفاع عن حقوق الإنسان يعني أيضاً تشجيع سورية على العودة للطريق السليم»، مشيرا الى ان الحوار مع سورية «مخاطرة أعطت نتائج».

وقال ساركوزي في كلمة القاها بالاليزيه بمناسبة الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان «نحتاج الى الحكومة السودانية للتوصل الى السلام في دارفور، لا أحد يعترض على ذلك، لكن الرئيس البشير يملك القليل من الوقت ليقرر، ومستقبله بين يديه». واضاف «إما يغير موقفه، وسيتمكن المجتمع الدولي من النقاش معه، وإما لا يغير موقفه ولذلك فسيواجه مسؤولياته وعلى الاخص امام المحكمة الجنائية الدولية التي تشكل انجازا للبشرية».

واضاف الرئيس الدوري للاتحاد الاوروبي «انه خيار عليه اتخاذه لا في الاسابيع المقبلة، بل في الايام المقبلة». واضاف ساركوزي «عندما تضم حكومتكم رجلا ملاحقا لارتكابه الجرائم، يتعذر على المجتمع الدولي محادثتكم» في اشارة الى مذكرات التوقيف التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية عام 2007 بحق وزير سوداني بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور، غرب السودان. ويرفض البشير تسليم الوزير. وقال ساركوزي «سنحت لي في الدوحة فرصة التعبير له عن ذلك بوضوح تام» حيث التقى والبشير في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) على هامش مؤتمر الامم المتحدة حول تمويل التنمية. واقترح ساركوزي في سبتمبر (ايلول) الماضي تعليق الملاحقات القضائية الدولية بحق البشير بتهمة «التطهير العرقي» في دارفور، مقابل تغيير «جذري» في سياسات الخرطوم وتعاونها لحل الأزمة، واقالة اي متهم بالإبادة من الحكومة السودانية. وأثار هذا الاقتراح قلق الكثير من المنظمات غير الحكومية لحقوق الانسان، التي تخشى التخلي عن القضية التي انطلقت بحقه امام القضاء الدولي. وعرج الرئيس الفرنسي على سورية من زاوية اضطراره لقبول مبدأ الواقعية السياسية والتحدث الى مسؤولين وقادة لا يحترمون ولا يعملون وفق مبادئ حقوق الإنسان. وفيما قال ساركوزي إنه «يعلم أن حقوق الإنسان منتهكة في سورية» التي أرسل اليها الأسبوع الماضي ثلاثة من أقرب مستشاريه، برر الانفتاح عليها بـ«النتيجة» التي تحققت، وهي تغيير الوضع في لبنان بعودة عمل المؤسسات ووجود رئيس وحكومة وتبادل دبلوماسي بين بيروت ودمشق. ووصف قبوله الحوار مع السلطات السورية بأنه كان «مخاطرة»، ولكنها أتاحت «تحقيق نتائج». غير أنه نبه الى أن «كل شيء لم يسو» في لبنان منوها بالمفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.

وفي الموضوع الإيراني، حث الرئيس الفرنسي المجتمع المدني على التحرك متسائلا عن كيفية قبول الشعب الإيراني «صاحب التاريخ العريق والثقافة والانفتاح» بقادة كقادته. واكد ساركوزي مجددا أنه «لا يمكن أن يصافح شخصا (في إشارة الى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد) قال إن إسرائيل يجب أن تلغى من الخارطة». ووصف الأزمة المتمثلة في البرنامج النووي الإيراني بأنها «الأخطر» في الزمن الحاضر. وجاء خطاب ساركوزي بحضور شخصيات ذات شهرة عالمية، منها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان ورئيسة إيرلندا السابقة ماري روبنسون، ورئيس وزراء النرويج السابق غرو برونتلاند والرئيس البرازيلي السابق فرناندو هنريكه كاردوسو وكلهم ينضوون تحت لواء مجموعة «القدماء» التي كان الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا وراء تأسيسها عام 2007. وكان لافتا حضور وزير الخارجية الجزائري السابق والموظف الدولي الأخضر الإبراهيمي والملياردير الأميركي ريتشارد برونسون والعديد من السفراء المعتمدين في باريس.

وكما كان متوقعا، فقد حرص الرئيس الفرنسي منذ بداية خطابه على العودة الى «الثوابت» التي تعتمدها بلاده في حقل حقوق الانسان لجهة التأكيد على «عالميتها» ورفض «الفوارق» الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية. وجاء الخطاب في عز الجدل الفرنسي ـ الصيني الذي سببه لقاء ساركوزي أول من أمس الأحد مع زعيم التيبت الروحي الدالاي لاما في مدينة غدانسك البولندية.

وحرص ساركوزي على «تهدئة» روع القادة الصينيين الذين أعربوا بقوة عن استيائهم من اللقاء وهددوا باريس بخطوات انتقامية تجارية واقتصادية. وفيما أشاد ساركوزي بالصين، نظر الى لقائه مع الدالاي لاما من زاوية كونه حائزا جائزة نوبل للسلام، مشددا على «واجب» الرئيس الفرنسي على لقائه إذا طلب ذلك، قال ساركوزي إن فرنسا «تريد استمرار الحوار والشراكة الإستراتيجية» مع الصين وبين الصين والاتحاد الأوروبي.

غير أن أهم موقفين عبر عنهما ساركوزي تناولا رئيس زيمبابوي روبرت موغابي من جهة والرئيس السوداني البشير من جهة أخرى. ولأول مرة تطلب فرنسا بهذه القوة والوضوح رحيل رئيس زيمبابوي عن السلطة، علما أن رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون كان الوحيد الذي امتنع عن الانضمام الى القمة الأوروبية ـ الأفريقية، احتجاجاً على حضور موغابي. من جانبها، تدعو واشنطن الى نهاية عهد موغابي. ووصف الرئيس الفرنسي الأخير بأنه «دكتاتور». وأضاف: «اقول اليوم إن على الرئيس موغابي أن يرحل. لقد حان الوقت لنقول له: لقد جعلت من شعبك رهينة لفترة طويلة في الوقت الذي يحق فيه لسكان زيمبابوي أن ينعموا بالحرية والأمن والاحترام».