قيادات سودانية تتوقع الأسوأ من أوباما: سنفتقد أيام بوش

هيلاري كلينتون دعت إلى حظر جوي في دارفور

TT

على الرغم من استقبال نتائج الانتخابات الأميركية بالكثير من الترحاب في الكثير من الدول الأفريقية، إلا أن هناك بقعة واحدة ـ في الأقل ـ كان الانطباع فيها مختلفًا، حيث تتطلع النخبة السياسية من القادة السودانيين في الخرطوم خلال هذه الأيام إلى ما سموه تحولاً جذريًا في السياسة الأميركية تجاه حكومة دائمًا ما كانت تحمّلها الولايات المتحدة مسألة تنظيم حملة العنف ضد المدنيين في إقليم دارفور الغربي. وقال غازي سليمان المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان وعضو حركة الشعبية لتحرير السودان (جنوبية) والتي وقعت اتفاقًا لتقاسم السلطة مع الحزب الحاكم: «أعتقد أن الديمقراطيين صقور مقارنة بالجمهوريين، وأنا أعرفُ الأشخاصَ الذين عينهم أوباما، وأعلم سياساتهم تجاه السودان. لست وحدي في ذلك، فالكل هنا يعلم أنها ستكون سياسة عدوانية وقاسية، وأعتقد أننا سنفتقد حقاً أيام جورج بوش». وعلى الرغم من تأييد إدارة بوش لفكرة «تطبيع» العلاقات مع السودان في الآونة الأخيرة، منتهجة بذلك سياسة الجزرة لإنهاء أزمة وصفتها بأنها إبادة بشرية، إلا أن فريق أوباما يرغب في انتهاج سياسة العصا. وطالبت هيلاري كلينتون المرشحة لنيل حقيبة وزارة الخارجية بتطبيق منطقة حظر طيران في دارفور يضطلع بها الناتو لمنع القوات السودانية من قصف القرى السودانية. أما سوزان رايس المرشحة لمنصب السفير الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ـ والتي كانت من كبار مستشاري إدارة كلينتون لشؤون أفريقيا خلال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 عندما تم انتقاد الرئيس كلينتون بشدة على فشله في وضع حد لتلك المجازر ـ فحثت على توجيه ضربات عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة أو الناتو وفرض حظر بحري على موانئ السودان الرئيسة لمنع صادرات النفط. وتعهدت رايس بالسعي الحثيث لتطبيق عقوبات صارمة ضد السودان. حتى أن جوزيف بايدن الذي تم اختياره نائبا للرئيس لتجربته الكبيرة في السياسة الخارجية، والذي حث على التدخل المبكر لوقف القتال في البلقان، كان أكثر تشددًا في إحدى جلسات الاستماع حيث قال «إنني أرغب في استخدام القوة العسكرية الآن». ومن المتوقع أن يصدر في واشنطن اليوم تقرير أعدته قوة العمل عن كيفية وقف الإبادة الجماعية، حيث كان من بين التوصيات التي قدمتها المجموعة أن يقوم أوباما بتشكيل منتدى رفيع المستوى في البيت الأبيض لتحديد الرد الحكومي على أخطار العنف المستشري في الإقليم. وكان أوباما أكثر حذرا بالنسبة لدارفور أكثر من معاونيه الذين دافعوا عن تشديد العقوبات ضد الخرطوم ومنطقة حظر للطيران تطبق بمساعدة الولايات المتحدة، إذ لم يناد بتدخل أميركي مباشر. ويبدو أن أوباما الذي ينوي الإبقاء على روبرت غيتس وزير الدفاع في إدارة بوش قد اقترح بالفعل ألا تقوم الولايات المتحدة بتقديم مروحيات إلى بعثة حفظ السلام في دارفور لأن القوات الأميركية تعاني من حالة انتشار ضعيفة في كل من العراق وأفغانستان. كما عين أوباما أيضًا الجنرال البحري المتقاعد جيمس إل جونز، الذي عمل أيضًا قائدا أعلى لقوات الناتو، ومستشارا للأمن القومي والذي أوصى من قبل بضرورة اضطلاع الناتو بدور تدريب ودعم قوات حفظ السلام الحالية في دارفور بدلاً من التدخل المباشر. وأشار أحد المقربين من حملة أوباما، بصورة أكثر شمولية، إلى أن الإدارة الجديدة ترى حاجة إلى انتهاج سياسة دبلوماسية للتعاطي مع أزمة الأمن بالقارة. وقال جون بريندرجاست الناشط بشأن دارفور والمساعد الأسبق في إدارة كلينتون، مشيرًا إلى السودان والكونغو والصومال: «لا نملك القدرة العسكرية الكافية لإعادة الأمن في تلك الدول، لذا فنحن بحاجة إلى حلول سلمية». وكان عبد المحمود عبد الحليم محمد السفير السوداني لدى الأمم المتحدة قد استبعد إمكانية اللجوء إلى حل عسكري بالقول: «إنها لا تتعدى شعارات انتخابية». وأضاف: «لا يمكنك الادعاء بأنه بإمكانك التخلي عن كارثة مثل العراق لتقوم بخلق كارثة جديدة في أكبر دولة أفريقية». ويبدي بعض المحللين والمراقبين السودانيين، الذين لا يؤيدون حكومة عمر حسن البشير قلقهم من محاولة فرض إدارة أوباما حلاً عسكريًا يمكن أن يرفع معدلات القتل إلى تلك التي شهدها عاما 2004 و2005. وقال أحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة في الخرطوم، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه حتى يستطيع التحدث بصورة أكثر حرية: بدأت الأمور في التغير بصورة دراماتيكية منذ عام 2004، فالقتال الذي نشهده الآن أقل كثافة، ويشهد مفاوضات سياسية، لذا فإن الحديث عن حل عسكري ومنطقة حظر طيران لن يزيد الموقف إلا سوءًا». وأضاف «أن أوباما سوف يميل إلى انتهاج موقف براغماتي في العراق والمناطق الأخرى، وسيكون السودان هو المكان الذي يبدي فيه قوته، لكن ذلك لن يكون جيدًا بالضرورة للحصول على نتائج استراتيجية للموقف». وأفاد المسؤول كذلك بأن الحل العسكري يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على السودان ككل إضافة إلى تسعة دول مجاورة له. ويضيف المسؤول: «أنهم جزء لا يتجزأ من المشكلة والحل. وإذا ما حاولت إدارة أوباما فرض الحل العسكري بدافع من الغضب، فإن ذلك سيكون مأساويًا، وسذاجة سياسية». بيد أن مستشار حملة أوباما الذي عمل عن قرب في القضايا الأفريقية قال سوف يكون من السذاجة الوثوق بحكومة البشير التي تمتلك سجلاً حافلاً بنقض العهود ولا تحظى بشعبية كبيرة بالسودان.

ويبدو أن على أوباما مواجهة عدد من الخيارات في القريب العاجل، حيث يتوقع أن يقوم قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتقرير ما إذا كانوا سيصدرون مذكرة اعتقال بحق البشير على خلفية اتهامه بالوقوف وراء حملات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. ووعد أوباما بالمزيد من التعاون مع المحكمة التي يتوقع أن تصدر القرار بحق اعتقال البشير. *خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»