الصومال: القراصنة يشكلون للمرة الأولى لجنة تنفيذية على طريقة عصابات المافيا

منظمة أميركية تتهم جميع الأطراف الصومالية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل

السفينة الحربية الألمانية «دي رويتر» ترافق ناقلة الشحن «إم في جامبو جافلين» لحمايتها من القراصنة في خليج عدن التي تعتبر أخطر بقعة في العالم من حيث تعرضها لعمليات القرصنة (أ.ب)
TT

في خطوة من شأنها تعزيز قدراتهم التسليحية وزيادة أنشطتهم الإجرامية في خطف المزيد من السفن والبواخر من منطقة المحيط الهندي وخليج عدن، واقتيادها إلى قبالة السواحل الصومالية، شكلت مجموعة من عتاة القراصنة فيما يشبه الاقتداء بطريقة عمل عصابات المافيا لجنة تنفيذية من ثمانية أعضاء جرى توزيع المهام فيما بينهم لتنسيق الأدوار.

وقالت مواقع الكترونية صومالية على شبكة الانترنت، بالإضافة إلى مصادر صومالية غير رسمية، إنه عقب اجتماع سري دام ثلاثة أيام في مدينة وميناء هاردييري بإقليم ملدوج اختار القراصنة المجتمعون محمد عبدى هاير (أفيوني) الذي يعني اسمه باللغة الصومالية الفم الكبير، رئيسا للجنتهم التنفيذية، وابنه عبد القادر محمود الذي كان مسؤولا عن القوارب السريعة الخاصة بوالده في منصب المسؤول عن الاتصالات بين مختلف القراصنة، بينما تم تعيين المدعو جاراد المتزوج من شقيقة هاير مسؤولا عن الميلشيات المسلحة للقراصنة.

وتم أيضا تعيين خليف دهور وبيرى أواكى نائبين لرئيس اللجنة هاير، الذي تقول المعلومات المتاحة عنه إنه أول من أسس مجموعة للقرصنة على سواحل الصومال، قبل أن ينتقل لبعض الوقت إلى الهند لممارسة التجارة في محاولة لغسيل الأرباح الطائلة التي جناها من نشاطه في خطف السفن على مدى السنوات الماضية.

وحصل هاير على فدية قدرها 400 ألف دولار أميركي مقابل إطلاق ناقلة نفط يابانية صغيرة في مستهل نشاطه في القرصنة.

وكانت المحاكم الإسلامية التي سيطرت على العاصمة الصومالية مقديشو وبعض المدن المتفرقة في الصومال قد نجحت في كبح جماح القراصنة وقضت على أنشطتهم تقريبا على سواحل الصومال، قبل أن تتمكن القوات الإثيوبية الداعمة للسلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف من إنهاء أسطورة المحاكم وإلحاق هزيمة عسكرية منكرة بها نهاية عام 2006.

واستغل القراصنة نكبة المحاكم الإسلامية بعد تبعثر قوتها العسكرية الضاربة وهروب معظم قياداتها إلى الخارج هربا من الملاحقات الإثيوبية والحكومية، لكي يستعيدوا من جديد زمام المبادرة على سواحل الصومال ويحولوها إلى الأخطر من نوعها في العالم بعد نحو مائة عملية قرصنة نفذوها منذ مطلع العام الجاري، بلغت حصيلة الفديات المالية المدفوعة فيها نحو 50 مليون دولار أميركي.

وأخيرا نجحت مجموعات موالية لهاير في السيطرة على ناقلة النفط السعودية «سيريوس ستار»، حيث يطالبون بفدية مالية مقابل الإفراج عنها وإطلاق سراح طاقمها الملاحي المكون من 26 بحارا من جنسيات مختلفة.

ويعتبر عبد القادر، نجل هاير، هو المسؤول عن مجموعة القراصنة التي تحتجز منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي سفينة الشحن الأوكرانية «فايينا» التي تحمل على متنها 33 دبابة وقاذفات قنابل ومعدات عسكرية أخرى وتضاربت الأنباء حول حقيقة وجهتها النهائية، وما إذا كانت متجهة إلى كينيا أو لحكومة جنوب السودان.

إلى ذلك اتهمت أكبر منظمة أميركية لحقوق الإنسان كافة الأطراف المتورطة في النزاع المتصاعد في الصومال بأنها ارتكبت وبشكل متكرر جرائم حرب وغير ذلك من الإساءات الجسيمة أثناء العام الماضي، واعتبرت أنه كان من شأن هذه الأعمال الإسهام في الكارثة الإنسانية التي لحقت بالصومال. ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما من الفاعلين الدوليين الكبار إلى التفكير بإمعان في مناهجهم القاصرة عن معالجة الأزمة وإلى دعم الجهود الرامية لضمان المحاسبة.

وجاء التقرير الذي يحمل «مخاوف كثيرة: جرائم الحرب والدمار اللاحق بالصومال» في 104 صفحات، لكي يصف كيف ارتكبت الحكومة الصومالية الاتحادية الانتقالية والقوات الإثيوبية المتدخلة في الصومال دعماً للحكومة، وقوات المتمردين، انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لقوانين الحرب.

وتشمل الانتهاكات المتكررة الهجمات العشوائية والقتل والاغتصاب واستغلال المدنيين كدروع بشرية، وأعمال النهب، علما بأنه ومنذ مطلع عام 2007 أدى النزاع المتصاعد إلى مقتل آلاف المدنيين، وتسبب في تشريد أكثر من مليون شخص، وتسبب في خروج أغلب السكان من العاصمة مقديشو. وقد تسببت الهجمات المتزايدة على القائمين بالإغاثة الإنسانية في العام الماضي إلى الاقتصار البالغ في عمليات الإغاثة وزادت من الأزمة الإنسانية الجديدة.

وقالت جورجيت غانيون، مديرة قسم أفريقيا في المنظمة، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه: إن المتقاتلين في الصومال ألحقوا ضرراً بالمدنيين أكبر مما ألحقوه ببعضهم البعض. ويقول التقرير الذي يستند إلى مقابلات مع أكثر من 80 شاهداً وضحية للإساءات، ووصفوا الهجمات من قبل كافة الأطراف المتحاربة بتفاصيل دقيقة، إن كلا من أطراف النزاع أطلق النيران بصورة عشوائية على الأحياء المدنية في مقديشو على أساس شبه يومي، وقاموا بتسوية المنازل بالأرض من دون تحذير، وقاموا بقتل المدنيين في الشوارع. وقام المتمردون وبصورة منتظمة بتنفيذ كمائن وتفجيرات على قارعة الطريق في الأسواق والمناطق السكنية، وأطلقوا قذائف الهاون من داخل أحياء مكتظة بالسكان المدنيين. وردت القوات الإثيوبية على هجمات المتمردين بقصف صاروخي ومدفعي ثقيل وعشوائي، مما ألحق أبلغ الضرر بالمدنيين.