باريس : محام جزائري الأصل يبدأ إضراباً عن الطعام احتجاجاً على الحكم الصادر ضده

كريم عشوي متهم بالاشتراك في تهريب موكله من السجن الفرنسي

TT

بدأ المحامي كريم عشوي، وهو قانوني لامع جنى شهرة طيبة في فرنسا، إضراباً عن الطعام احتجاجاً على الحكم الذي أصدرته عليه محكمة الجزاء في باريس، الأحد الماضي، بالسجن لسبع سنوات. وأُدين عشوي، بعد شهرين من جلسات المحاكمة الصاخبة، بأنه الشخص الذي أعطى إشارة الانطلاق لعملية تهريب أنطونيو فيرارا من سجن «فرين»، قرب العاصمة. وفيرارا أحد مشاهير الخارجين على القانون وسبق له تكرار عمليات الهروب من وراء القضبان بحيث صار يحمل لقب «ملك الهروب من السجون». وكان عشوي قد دفع، في فترة سابقة من هذا العام، مبلغ 8 آلاف يورو للحصول على جبة المحاماة العائدة للرئيس الأسبق فرانسوا ميتران في مزاد علني. وبعدها بفترة وجيزة انفجرت قضية هروب فيرارا وأصبح المحامي متهماً بعد أن كان أحد المدافعين المشهود لهم بالكفاءة في استحصال البراءة لعتاة المجرمين. وفور إعلان الحكم قال محامي عشوي إنه ذاهب الى محكمة الاستئناف لأن «الملف خال من أي دليل»، الأمر الذي يعيد الى الأذهان ما كان عشوي يردده باستمرار حول استهدافه من قبل مسؤولين معينين في الشرطة ومحاولات للإيقاع به لأسباب لا تخلو من شبهة عنصرية. وشغلت أخبار المحامي الجزائري الأصل، الذي جند للدفاع عنه فريقاً من كبار خبراء القانون، الرأي العام منذ تعرضه لمحاولة اغتيال، في ربيع العام الماضي، بينما كان خارجاً من مكتبه في باريس. وحال تماثله للشفاء وخروجه من المستشفى، عكف المحامي الذي تسلق سلم المهنة بسرعة فائقة، على تأليف كتاب يكشف فيه أسماء من يتهمهم بالضلوع في تدبير الحادث، ومنهم أحد المسؤولين السابقين في شرطة مكافحة الجريمة. وحاول الشخص المشار اليه الحصول على قرار قضائي بمنع توزيع الكتاب. لكن القاضي رد الطلب وصدر كتاب عشوي حاملاً عنواناً مثيراً هو «محام مطلوب قتله»، وفيه وصف دقيق لما جرى له مساء الثاني والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي بينما كان خارجاً من مكتبه الفخم في جادة راسباي، ومتوجهاً نحو سيارته. لقد أطلق عليه رجل مجهول ثلاث رصاصات، استقرت اثنتان منها في ظهره. وكان الجاني، حسب أوصاف المحامي، يرتدي خوذة ويقود دراجة نارية. وفي مهنة يشتغل بها عشرات الآلاف في فرنسا، بنى المحامي العربي شهرته عندما بدأ يتوكل عن عدد من كبار الخارجين على القانون ورجال المافيا، ومهم أنطونيو فيرارا. أما قضية هروب هذا الأخير من السجن فتعود الى ربيع 2003. لكنه عاد ووقع في يد العدالة وإُحيل الى المحكمة. وفي خريف 2005 تم توقيف عشوي للتحقيق معه بتهمة المساعدة في عملية الفرار التي استخدمت فيها رشاشات ومدفع بازوكا وشحنات متفجرة وأسفرت عن فتح ثغرة في جدار السجن الأكبر في محيط العاصمة. وطوال الشهرين الماضيين كان اسم المحامي يتردد في نشرات الأخبار بشكل يكاد يغطي على اسم المتهم الرئيس في القضية. وتوقف محررو الصحف عند أناقته وهو يحضر جلسات المحكمة، وتوصلوا إلى أن بدلته تحمل توقيع المصمم «سمالتو» ولفتت جزمته الجلدية الفاخرة الانتباه أكثر من حيثيات القضية. واستنفر عشوي مجموعة من أساتذته ومن كبار المحامين لإخراجه من ورطته. وكان على رأسهم رولان دوما، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، وتييري هرزوغ، محامي الرئيس ساركوزي. وفي تحرك لافت، توجه هؤلاء الى قصر العدل وتمكنوا من تخليص زميلهم الشاب من التوقيف الاحتياطي ومن الوضع قيد المراقبة القضائية. وكانت حجتهم أن النيابة استندت، في توجيه الاتهام له، إلى تسجيلات لمكالمات هاتفية بين المجرمين تشير إليه بصفة «المهذار» بدون أن تسميه. والمهذار، أو صاحب اللعاب السيال، هو من المصطلحات التي تستخدم في اللغة الشعبية للدلالة على مهنة المحامي. وفي جلسات المحاكمة التي لقيت تغطية إعلامية استثنائية، تتالت الإفادات المثيرة والتصرفات الاستعراضية. وكان فيرارا يؤدي دور «اللص الشريف» ذي المبادئ الأصيلة، ويدخل في جدل ساخر مع القاضية ويثير موجات الضحك داخل القاعة. وفيما بعد، غير فيرارا من اسلوبه وقرر الامتناع عن حضور الجلسات احتجاجاً على طعام السجن الذي لا يروق له ولرفاقه المتهمين في القضية ذاتها. وكان المحامون أنفسهم يهددون بالانسحاب في كل مرة، فتدور المحكمة في دائرة من المماطلة والثرثرات.

وكانت مفاجأة عشوي اتهامه لرجال الشرطة بأنهم زرعوا عميلة لهم في مكتبه. وكشف أن شخصاً إسرائيلياً يدعى دان باتوا أخبره بأن إحدى سكرتيرات المكتب تتعاون مع الشرطة. وأضاف أنه تلقى مكالمة هاتفية، بعد ثلاثة أسابيع من خروجه من المستشفى إثر محاولة الاغتيال، وكان المتحدث شرطياً مفصولاً بتهمة رشوة، حذره فيها من أن مسؤولين في وحدة مكافحة الإجرام يخططون للإيقاع به. وسبق لعشوي أن أشار في كتابه إلى أن الذي أطلق النار عليه هو قاتل مأجور يعمل لحساب البوليس، وزاد فأعطى اسماً لمفوض في الشرطة القضائية يعمل في فيرساي، وأكد أن القاتل المأجور اتصل بهذا المفوض، في مكان عمله، لكي يبلغه بأنه أنجز المهمة. وفي أحاديثه للصحافة، لم يكن عشوي يخفي أن علاقته متوترة بسلك الشرطة لأسباب لا تخلو من عنصرية ويقول: «بعض رجال البوليس لا يكن لي الود لأنني، بمقتضى منطقهم، لا أنحدر من الأصل العرقي الرفيع الذي يتناسب مع مزاجهم». فهو في نهاية المطاف يبقى ابن ضاحية بولون بيانكور، المولود من أب جزائري كان يعمل أجيراً في مصنع سيارات رينو، في النهار، ونادلاً في حانات صغيرة، ليلاً، لكي يطعم أطفاله الخمسة. ورغم وضعه الصعب تمكن الولد الفقير، في ظرف بضع سنوات، من أن يصبح واحداً من ألمع رجال المحاماة في باريس ومتخصصاً في انتزاع أحكام البراءة لعتاة المجرمين. وبطبيعة الأمر، فإن هذا الصعود لم يكن موضع ارتياح الشرطة، خصوصاً أن عشوي لا يتكتم عن اسلوب حياته بل كان يجاهر بأنه يكسب 30 ألف يورو في الشهر ويستخدم سيارات من نوع «بورشه» أو «فيراري». وقبل سنوات لفت اليه الأنظار بشرائه «الرولز رويس» التي كان يملكها المغني أنريكو ماسياس. وبما أنه لا يمكن للقانون أن يحاسب عشوي على ممتلكاته، فقد راح خصومه يترصدون الهفوات، ومنها أنه اشترى من أحد موكليه، قبل سنوات، محلاً تجارياً في ضاحية راقية محاذية للعاصمة باريس. وكان البائع يمتهن تجارة التحف قبل إدانته بشراء سلع مسروقة. وقام المحامي بتحويل المحل الى متجر لبيع الأحذية. لكن القانون لا يسمح لمن يعمل في المحاماة أن يمتهن التجارة، لذلك سجل عشوي المحل باسم زوجته السابقة دون إخطارها بالأمر، كما قام بتزوير إمضائها بتواطؤ خبير في المحاسبة هو الآن مطلوب للعدالة. وبسبب هذه القضيةً حُكم على المحامي بالسجن سنة مع وقف التنفيذ والمنع من ممارسة المهنة لخمس سنوات. لكنه طعن في الحكم أمام محكمة الاستئناف وتمكن من تعليق التنفيذ.