العطية لـ«الشرق الأوسط»: الأولوية في قمة مسقط لمواجهة تحديات الاستقرار الإقليمي

أمين مجلس التعاون: العضوية تحكمها معايير خاصة بالدول الأعضاء فقط

عبد الرحمن العطية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أسبوع تقريبا من القمة الخليجية التي ستعقد في العاصمة العمانية مسقط، تناول أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرياض كافة الموضوعات التي ستطرح على قادة الدول الست بما في ذلك تحديات الاستقرار الاقليمي وايران والعراق، والدعوات التي تطلق لتوسيع المجلس. الى نص الحوار :

* ما هي أبرز الملفات التي ستكون مطروحة على قمة مسقط، في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية على المستويات الأمنية والاقتصادية؟

ـ قمة مسقط، ستعطي الأولوية لمواجهة تحديات الاستقرار الإقليمي، وستنال الملفات الاقتصادية اهتماما بالغا فيما سيعرض على القمة. وسيعقد في يوم 28 ديسمبر (كانون الأول)، اجتماع تكميلي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، تحضيرا للقمة، ومن بين الموضوعات التي سيتدارسها الوزراء، استكمال توصيات اللجان التي أنهت أعمالها بعد الدورة التحضيرية ومشروع البيان الختامي.

هناك العديد من القضايا السياسية الهامة التي ستكون محور اهتمام قادة دول المجلس، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والوضع في العراق، والعلاقات مع إيران، واستمرارية احتجازها للجزر الإماراتية الثلاث، والتطورات على الساحة الدولية وكيفية تعزيز العمل الخليجي المشترك في جوانبه الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتعزيز التكامل بين الدول، وتنسيق النشاطات الإقليمية والدولية، وتوحيد الرؤى لمواجهة المتغيرات العالمية.

وسيتم استعراض نتائج دراسة الورقة الكويتية التي قدمت لقمة الرياض 2006، حول التحديات الإقليمية، ودعم المجلس لتطوير قوة درع الجزيرة، فضلا عن مشاريع التكامل مثل مشاريع الربط الكهربائي والربط المائي وسكك الحديد. وليس هناك شك أن قمة مسقط تكتسب أهمية خاصة، كونها تعقد في ظروف وتطورات تشهدها المنطقة والعالم، مما يجعل قمة مسقط من القمم التاريخية، وعادة ما تكون هذه القمم فرصة لقادة دول المجلس لبحث ومناقشة الموضوعات المتصلة بالعمل الخليجي المشترك.

* التقيتم الأسبوع الماضي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقمتم بتسليمه وثيقة الآراء التي سبق للملك أن قدمها للقمة التشاورية الخليجية التي عقدت قبل 5 سنوات، هل لكم تسليط الضوء على أبرز ما توصلتم إليه في دراستكم لهذه الوثيقة؟

ـ تم توجيه المجلس الأعلى بمتابعة وثيقة الآراء مع اللجان الوزارية كل فيما يخصه لا سيما في الجوانب الاقتصادية والأمنية والتعليم والبيئة، وقد تم تنفيذ جميع ما رود فيها من محاور تتعلق بهذه المجالات التي أشرت إليها، وشكلت إضافات إيجابية على مسيرة العمل الخليجي المشترك، وقد قمت بتسليمها إلى خادم الحرمين بعدما انتهت مجمل محاورها، حيث تم تطبيقها بعد دراستها على مدى السنوات الخمس الماضية. وستتم إحاطة المجلس الأعلى في مسقط بذلك، بشأن تنفيذ ما ورد في وثيقة الآراء، بشأن تسريع الأداء وإزالة كل ما يعيق المسيرة.

*على ضوء دعوة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خلال كلمته في المنامة، حول إشراك العراق في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ما هو موقفكم إزاء توسيع دائرة المجلس الخليجي من حيث المبدأ؟

ـ أود أن أؤكد أن مجلس التعاون وجد ليستمر ويبقى، وذلك من منطلق قناعة الدول الأعضاء والإرادة السياسية لقادة دوله بأن هذا التجمع يحمي مصالح دول المجلس ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة.

أما فيما يتعلق بعلاقات دول المجلس مع دول الجوار، فترتبط دول المجلس على كافة المستويات بعلاقات حسن جوار وتنسيق في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي وفي إطار جامعة الدول العربية فيما يتعلق بالعراق. ومن المفيد أن يتعافى العراق من محنته وأن يعود ليلعب دوره الطبيعي في محيطه العربي والإسلامي والدولي كدولة محورية مهمة، وكما تعلم أن منظومة مجلس التعاون تحكمها معايير للعضوية خاصة بالدول الأعضاء حددها النظام الأساسي.

* ما هي الأسباب التي أدت إلى عرقلة توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينكم وبين الأوروبيين، بالرغم من أنه كان هناك تفاؤل كبير بتوقيع هذه الاتفاقية قبل نهاية عام 2008؟

ـ عقدت أخيرا جولات مفاوضات بين الدول وأمانة مجلس التعاون من جانب والمفوضية والأوروبية والرئاسة الفرنسية والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، حول الأمور العالقة في إطار المفاوضات بين الجانبين حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس ودول الاتحاد الأوروبي، والتي كنا نتطلع إلى توقيعها قبل نهاية 2008. إلا أننا وفي كل مرة نجد الجانب الأوروبي يقحم مسائل لا تمت بصلة إلى التجارة، وقد كانت المفاوضات شاقة وعصية في المراحل الأخيرة، وخاصة أننا كنا نأمل أن تصل إلى اتفاق نهائي ينقل العلاقة بين الجانبين لشراكات استراتيجية خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، لتمتد مع مستوى العلاقات السياسية، لكن التطورات قد قلبت التوقعات، وقد خاطبنا الجانب الأوروبي أنه من غير المناسب الاستمرار في المفاوضات التي امتدت لأكثر من 18 عاما، وبالتالي فإن قرارا قد اتخذ بشأن تعليق المفاوضات مع الجانب الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة الحرة.

نحن الآن نعمل على توقيع مجموعة من الاتفاقيات. وقعنا الأسبوع الماضي اتفاقية تجارة حرة مع سنغافورة وهي عملاق آسيوي. وسنوقع قريبا مع دول (الإفتا) وهي مجموعة من الدول الأوروبية خارج إطار الاتحاد الأوروبي، والعمل يسير بشكل حثيث مع دول ومجموعات اقتصادية صديقة أخرى، نأمل أن يتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات خلال العام المقبل. ولا يمكننا أن نستمر في هذا الوضع مع الاتحاد الأوروبي، لأنه تراجع في آخر لحظة عن التوقيع، وليس بمقدورنا الاستمرار في المفاوضات إلى ما لا نهاية.

* ماذا تم بشأن المقترحات التي قدمها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للقمة الخليجية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة العام الماضي؟

ـ سيعرض هذا الموضوع على قمة مسقط، بعد أن قامت اللجان الوزارية المختصة بدراستها، وسينظر فيها، وستعرض على القادة في تقرير مكتمل للنظر فيها والتوجيه بشأنها.

* ما هي حظوظ الأزمة المالية العالمية من قمة مسقط المرتقبة؟

ـ لا شك أن الأزمة العالمية ستكون حاضرة على طاولة القادة في لقائهم الأسبوع المقبل. فهي تحتم على دول المجلس العمل على تحسين اقتصاداتها أمام تلك الأزمة لمساعدتها على تجاوزها، وبالرغم من ارتباط اقتصاديات المجلس بالاقتصاد العالمي بشكل وثيق، إلا أن لديها من المعطيات ما يساعدها على تخطي هذه الأزمة بسلام، فهي تتمتع بمعدلات نمو عالية يتوقع لها الاستمرار بالرغم من الأزمة ـ مستفيدة من الفوائض المالية التي حققتها خلال السنوات الخمس الماضية، فضلا عن السياسات المتحفظة للبنوك المركزية لدول المجلس قد جعلت المؤسسات المالية في موقف قوي لمواجهة الأزمة المالية التي حدثت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وحماية اقتصاداتها من أية آثار سلبية، إلى جانب أن آليات التكامل الاقتصادي القائمة بين دول المجلس، توفر مجالا عمليا مواتيا للتعاون والتنسيق فيما بينها لمواجهة آثار الأزمة والحفاظ على معدلات النمو العالية التي تتمتع بها دول المجلس منذ سنوات.

* ما أبرز الموضوعات التي سيشملها الملف الاقتصادي الذي سيعرض على القمة الخليجية؟

ـ الملف الاقتصادي سيتصدر قمة مسقط، ويأتي على رأس هذا الملف موضوع الاتحاد النقدي، خاصة وأن دول المجلس قد أنجزت مشروع اتفاقية الاتحاد النقدي، والنظام الأساسي لمجلس النقد، وسيتم رفعهما إلى المجلس الأعلى في دورته التي ستعقد نهاية هذا الشهر، لاعتمادها، ونتطلع إلى إقامة المجلس النقدي العام القادم، والذي من مهامه استكمال المتطلبات الفنية والتشريعية اللازمة لتأسيس البنك المركزي، وتحديد البرنامج الزمني لإصدار العملة الموحدة وطرحها للتداول.

* شهدت العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي، أول اجتماعات المجلس التنسيقي السعودي القطري، وهو أمر يعكس تطور العلاقات الخليجية الخليجية، كيف من الممكن أن يسهم مثل هذه الصيغ في دعم العمل الخليجي المشترك؟

ـ مما لا شك فيه أن العلاقات السعودية ـ القطرية، علاقة أزلية، في ظل قيادتي البلدين ممثلتين بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر، وما انعقاد الاجتماع الأول للمجلس التنسيقي المشترك للتعاون بين البلدين، يشكل نقلة نوعية على صعيد تعزيز العلاقات الحميمة بين البلدين والتي تزداد قوة ورسوخا ومتانة بحكم وشائج الأخوة والجيرة والمصير والرؤية المشتركة تجاه ما يهم مسيرة البلدين ومسيرة العمل الخليجي المشترك، من منطلق حرص القيادتين على كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة. وهو دعم لمسيرة التعاون.

* كيف تنظرون في دول الخليج إلى موضوع القرصنة المائية، ومدى علاقة تمرد القراصنة بالوضع المتردي في الصومال؟

ـ موضوع القرصنة يعتبر جريمة دولية، وبالتالي التعاون بين الدول فيما يتعلق بهذه الظاهرة في نظري، كونها جريمة مثلها مثل الإرهاب، تتطلب تعاونا دوليا، وفي تقديري أن قرار مجلس الأمن الأخير قد عبر بشكل صريح عن هذه الغاية. ولا بد من بحث معمق لملف الصومال من جانب المجتمع الدولي، والذي يجب أن يولى اهتماما كبيرا لتكثيف الجهد والتعاون وفقا للقرارات الصادرة بشأن قضايا الصومال، وذلك من أجل إيجاد بيئة سلام في منطقة القرن الفريقي، ولتعزيز فرص التعاون بين الدول الإقليمية الأمر الذي سينعكس على جوانب الأمن والسلام والاستقرار في الصومال وجوارها.

* هل تعتقد أن مجلس التعاون الخليجي الآن، أقوى من أي وقت مضى؟

ـ مجلس التعاون في ظل توجيهات قادته، يسير بخطى ثابتة ومتأنية دون خرق للمراحل، وقد أنجز الكثير. صحيح أنه لم يلامس طموحات وتطلعات المواطنين وهي كثيرة، إلا أنه قد تحقق الكثير. وإذا تأملنا ما تحقق خلال السنوات الـ28 الماضية، نرى أن المسيرة أوجدت وعيا جماعيا خليجيا بأهمية العمل المشترك لمواجهة زمن لم يعد يتسع إلا للتكتلات الكبرى، لجانب توفيرها لأطر أسست وعززت من وحدة مواقف الدول الأعضاء في مواجهة الأزمات التي مرت بها المنطقة، وجعلت منها محورا أساسيا فيها، دون استثناء، ناهيك عما تحقق من إنجازات مسبوقة للمواطن الخليجي، عبر المواطنة الاقتصادية، والآليات التي هيأها إقامة الاتحاد الجمركي في ظل زيادة التجارة البينية بين الدول الأعضاء، ودعم قدرة الصناعات الوطنية التنافسية، وزيادة القوة التفاوضية لدول المجلس مجتمعة، ناهيك عن إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة في ديسمبر الماضي، وفي القمة سيتم اعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي وقيام مجلس النقد تمهيدا لإنشاء البنك المركزي وإطلاق العملة في موعدها.

من واقع مسؤولياتي، يمكنني القول إن هناك المزيد من الإنجازات التي ستتحقق على صعيد العمل المشترك. لكل تجمع طموحات يسعى لإنجازها، وفق برامج متدرجة، وتحقيق الإنجازات يرتبط بإرادة سياسية، وهذه الإرادة موجودة في هذا التجمع الخليجي المنسجم، الذي تؤخذ توصياته بتوافق الآراء، والمجلس مصمم على تحقيق الإنجازات في توقيتها وزمانها، بالرغم من التحديات الجسيمة التي واجهها خلال السنوات السابقة، وبصموده باعتباره خيارا استراتيجيا لأهل الخليج.