أنس: الأفغان طاجيكا وبشتونا يعتبرون السعودية وسيطا موثوقا به

صهر الزعيم الروحي للأفغان العرب لـ«الشرق الأوسط»: الصلح الأفغاني ليس رحلة بقطار «يورو ستار»

الشيخ عبد الله انس (تصوير: حاتم عويضة )
TT

تتعالى منذ شهور أصوات عديدة تنطق بصعوبة الحل العسكري في أفغانستان، وضرورة الحوار والتفاوض مع طالبان، وسط تقارير دولية تشير إلى تدهور الأوضاع الأمنية واتساع رقعة المعارك وارتفاع عدد الضحايا المدنيين. ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع قادة الناتو أو الزعماء الغربيين السياسيين والعسكريين يتحدثون عن الحل السلمي للأزمة الأفغانية المستعصية بدل الحل العسكري الذي بدأ يستنزف الغرب مادياً ومعنوياً، وقد يؤدي إلى هزيمة حلف الناتو في أول مهمة له خارج حدوده الجغرافية. أما الحكومة الأفغانية وعلى لسان رئيسها حميد كرزاي فقد ظلت تكرر دعوتها للحوار مع طالبان دون كلل منذ أكثر من عامين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي قبل تسرب الأخبار عن وساطة سعودية تمثلت في حفل إفطار جمع بعض المسؤولين من الحكومة الأفغانية وشخصيات قريبة من طالبان والحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار في مكة المكرمة. «الشرق الأوسط» التقت الاسلامي الجزائري عبد الله انس الذي يُلقب بـ «الشيخ بوجمعة»، مهندس مبادرة السلام الافغانية في لندن، والذي كشف انه يعمل مع مجموعة من العلماء العرب والمجاهدين الافغان، وعددهم نحو عشرة، على انجاح خطة المفاوضات منذ اكثر من عامين بتقريب وجهات النظر بين قيادات طالبان وحكومة كرزاي. وعبد الله أنس أحد أوائل المجاهدين العرب في أفغانستان، وصهر عبد الله عزام الذي يعتبر «الأب الروحي» للأفغان العرب، مؤسس مكتب «الخدمات»؛ النواة الاولى لتنظيم «القاعدة» الذي تلاحق واشنطن زعيمه اسامة بن لادن كمشتبه رئيسي في التفجيرات الارهابية التي ضربت الولايات المتحدة. وعبد الله انس كان من المقربين جدا من الزعيم الافغاني احمد شاه مسعود الذي اغتالته القاعدة «قبل يومين من هجمات سبتمبر 2001». وكشف الشيخ انس ان المشاركين في المفاوضات الافغانية التقوا في عدة دول؛ بينها السعودية (مكة المكرمة) تحت رعاية العاهل السعودي نهاية شهر رمضان. وهناك جولات مقبلة يتم التحضير لها». واوضح ان قيادات طالبان المشاركة في الحوار الافغاني تجد صعوبة في التنقل الى دول الجوار من افغانستان لأن بعض هذه القيادات ملاحق من قبل القوات الاميركية، ولأن الحصول على جوازات سفر لها وتأشيرات يستغرق بعض الوقت، لكن التيسير من قبل الجهات المعنية يذلل الكثير من الصعاب. وقال الشيخ انس المدير السابق لمكتب «الخدمات» الذي اسس لخدمة الافغان العرب عام 1984: «ان إحلال السلام في افغانستان بات من الاولويات والمسلمات؛ وجميع فرقاء الشأن الافغاني يؤكدون هذا الامر، والا زاد عدد القتلى من المدنيين الابرياء، وزاد الدمار والخراب في البلد الذي يعاني حروبا وقتالا منذ ثلاثة عقود. ولا يوجد حل في الأفق، والازمة متواصلة منذ اكثر 30 عاما، وهناك اكثر من هزة تعرض لها الشعب الافغاني؛ الاولى عندما دعت الحكومة الشيوعية بقيادة بابراك كارمل الروس في ديسمبر(كانون الأول) 1979 للقدوم، وخلف ذلك موجات من القتل والترهيب. ثم بعد خروج السوفيات، لم يصدق الافغان انفسهم، ودخلوا في اقتتال داخلي بين قيادات المجاهدين من 1992 حتى وصول طالبان الى الحكم عام 1996. وبعد ذلك تدخل افغانستان في متاهة اخرى بدخول قوات التحالف الى البلاد نتيجة هجمات سبتمبر. وفي المحطات الثلاث المظلمة، نجد ان الشعب الافغاني لا ناقة له ولا جمل فيما حل به من قتل وخراب وتدمير». واشار الى ان ما تم حتى الآن هو عبارة عن تهيئة لجمع الاطراف بقصد الدخول في مفاوضات جادة». وقال ان من اسباب التحرك عبر هذه المبادرة ان الازمة الافغانية لن تنهي الحرب لأنها لم تحسم الصراع في افغانستان من قبل، مشيرا الى ان تعداد القوات الافغانية حتى لو وصل الى 100 الف جندي افغاني، فانه لن يحل الازمة المستعصية. والجميع يذكر ان الرئيس كرزاي عندما وقع الاتفاقية مع الناتو 2002، كانت تنص على ان يكون تعداد الجيش الافغاني 70 الفا وما يقاربه من الشرطة الوطنية، الا ان ذلك لم يسهم في اعادة الامن والاستقرار، بل ازداد الوضع سوءاً وتدهوراً، مما دفع روبرت غيتس وزير الدفاع الاميركي في مايو(أيار) 2008 الى التصريح بأن تعداد الجيش الافغاني والشرطة سيصلان الى 200 الف جندي. وردا على سؤال حول اسباب دعوة الرئيس كرزاي السعودية للقيام بمهام الوساطة بين الفرقاء الافغان، قال الشيخ انس: «هذا الملف لا تقدر عليه دولة بمفردها، لانه ملف حساس ومعقد وبه اجندات متداخلة، لكن اكثر الدول تأهيلا للقيام بدور وسيط غير مشكوك فيه هي السعودية، لسببين، لان إيران مثلا علاقتها غير طيبة مع سكان الجنوب الافغاني ذي الاغلبية البشتونية، وعلى نفس المنوال حركة طالبان تتهم ايران بانها شاركت في إسقاط حركة طالبان بعد هجمات سبتمبر. فايران على علاقة طيبة مع الشمال الافغاني حيث قادة الطاجيك، ونفس الشيء ينطبق على باكستان ذات العلاقة الطيبة للغاية مع طالبان والجنوب الافغاني، لكن هذا لايؤهلها لان تكون لاعبا فاعلا واساسيا مع الشمال الافغاني حيث الطاجيك، لانهم يأخذون عليها انها في عام 1996 صنعت طالبان ووقفت وراء قادتها، لكن بعض الآراء ترى ان بلاد الحرمين على نفس المسافة من الشمال والجنوب الافغاني، أي على نفس الود للبشتون والطاجيك، وهذه المسألة جاءت لعدة اسباب؛ اولها علاقة السعودية الطيبة شعبا وحكومة بالجهاد الافغاني منذ 30 عاما، وهناك العشرات من الشباب السعودي أريقت دماؤهم في سنوات القتال ضد الروس على ارض افغانستان. وقال الشيخ انس ان الشعب الافغاني بطبيعته المسلمة يتوق الى ارض الحرمين، مضيفا ان الافغان في سنوات الجهاد ضد الروس كانوا يبجلوننا ويحترموننا كعرب لسبب واحد، هو اننا نتكلم لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحفظ القرآن في قلوبنا. وكانوا يطلقون علينا «اقوام محمد صلى الله عليه وسلم»، أي ان مكة المكرمة ربما تكون مضيافة للبشتوني الملا عمر وفي الوقت ذاته مضيافة لبرهان الدين رباني الطاجيكي، في حين ان هذا ليس وارداً بالنسبة لبعض دول الجوار الاخرى مثل إيران وباكستان وغيرهما». وتطرق الشيخ انس الى ملفين معقدين على طاولة مفاوضات السلام الافغانية؛ الاول ملف القوات الاجنبية في افغانستان، والثاني مستقبل النظام السياسي في كابل بعد رحيل القوات الاجنبية، مشيرا الى اهمية وضع حلول وتصورات للملفين، وإلا ستبقى الامور كما هي عليه. وقال اذا رجعنا الى الوراء خلال سنوات الجهاد ضد السوفييات، كانت كل الامكانات مهيأة ومركزة سواء من العرب او الافغان او المجتمع الدولي على رؤية اخر جندي سوفياتي يغادر افغانستان، ولكن لم يكن هناك تصور لمستقبل البلاد بعد خروج الروس، أي شكل النظام السياسي الحاكم او شرعية السلطة، وكل هذه الامور بقيت عالقة، أي خرج الروس، وتحولت بنادق المجاهدين في اتجاه بعضهم بعضا. وهناك فريق من قدامى المجاهدين الافغان يرى اليوم ان «لا نكرر المكرر ولا نجرب المجرب»، والقوات الدولية موجودة اليوم في افغانستان، ولكنها ليست المشكلة الوحيدة، فاذا خرجت القوات الدولية اليوم سواء بارتفاع وتيرة المقاومة او انتفاضة الشعب الافغاني او بضغوط من المجتمع الدولي او باي شكل من الاشكال، فان هذا لا يعني شيئا قبل تنظيم السلطة السياسية أي شكل الحكومة المقبلة. وبين هاتين المشكلتين، هناك نقاش مستمر في جولات المفاوضات، فهناك من الفرقاء من يروا، الخروج الفوري للقوات الاجنبية، وآخرون يرون ان الخروج الفوري دعوة الى ما كانت عليه افغانستان عام 1992 من الاقتتال الداخلي بعد خروج الروس، أي الخروج المماثل للقوات الاجنبية دون الاتفاق على رؤية سياسية تضمن استقرار افغانستان». أي تكرار ما حدث من قبل عام 1992 من دخول سبعة جيوش وسبعة احزاب سياسية واقوام وعرقيات مختلفة، وبعدها بدأ سريان نهر الدم للمجاهدين حتى وصلت طالبان الى الحكم عام 1996. وافاد الشيخ انس ان فريق العلماء والمجاهدين الذي يشرف على مبادرة السلام الافغانية يحب الا يرى تكرار هذه التجربة المليئة بالخراب والدمار، أي لابد من الاتفاق على سيناريو محدد يرضي كل الاطراف فيما يتعلق بخروج القوات الاجنبية من افغانستان، فيما يرى البعض الآخر الحل في الخروج الفوري لتلك القوات، واخرون يفضلون الخروج المتدرج ضمن جدول زمني. كما هو حال العراق. واعلن ذلك حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي الذي نادى بجدولة الخروج للقوات الاجنبية.

يذكر ان هناك اكثر من عشر جولات من المفاوضات عقدت في دول عديدة، فيما استضافت مكة المكرمة جولة نهاية رمضان تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين. واشار الى ان قادة طالبان يجدون صعوبة بالغة في التنقل بسبب الحظر الدولي المفروض عليهم لكنهم يصلون.

وعلمت «الشرق الاوسط» من مصادر افغانية موثوقة ان الذي شارك في المفاوضات او باركها في الاقل من قادة المجاهدين حتى الآن الشيخ يونس قانوني، رئيس البرلمان والبروفسور برهان الدين رباني، ثاني رئيس لدولة المجاهدين في كابل بعد سقوط الحكم الشيوعي فيها في أبريل (نيسان) 1992، والملا محمد طيب اغا، سكرتير الملا عمر، وابن خالته، ورحمة الله هاشمي السفير الافغاني المتجول بعهد طالبان، والملا بيردار من المقربين للملا عمر، والملا قيوم شقيق كرزاي، والملا عبد السلام ضعيف سفير طالبان الاسبق لدى باكستان، والملا وكيل متوكل وزير خارجية الملا عمر، والملا ارسلان رحماني والملا حكيم مجاهد المتحدث باسم طالبان في الامم المتحدة» وعبد السلام راكيتي وعبد الرب الرسول سياف». واشار الشيخ انس الى ان هناك بعضا من قيادات طالبان ما زال مقتنعا بأن نظام الامارة الاسلامية؛ وعلى رأسها شخص بصفة امير المؤمنين هو الحل الامثل لافغانستان، وهناك البعض الآخر يعارض، ويرى ان الانتخابات النيابية هي حل افضل، وان النظام الذي كان سائدا ايام طالبان، لم يحقق شيئا خاصة في مجال الحريات. وكان عبارة عن اوامر لأمير المؤمنين للتنفيذ على السمع والطاعة لانها اوامر شرعية، وغير قابلة للنقاش. وهذه الامور محل كثير من الجدل بين الفرقاء الافغان. ورغم اختلاف وجهات النظر الحادة بين الفرقاء الافغان، إلا ان الشيخ انس قال إنهم يتمتعون بحياء شديد عندما يلتقون، فلا خوض بالأعراض ولا يوجد هناك تبادل لألفاظ نابية وخشنة بل هناك ادب واحترام، وهو أمر لم نلحظه في بعض الجماعات الاسلامية التي لا تراعي ادب الاختلاف وتنفجر عند الخصومة، بل وصل التشكيك فيما بينها الى حد التخوين والالفاظ الجارحة. وعلى النقيض، فان الافغان يستخدمون مثلا لقب مولوي (صاحب)، أي الشخص المحترم عندما ينادون بعضهم بعضا، حتى لو كانت بينهم فرقة وخصومة». وقال إن هناك بوادر امل حتى في اجنحة طالبان المتشددة التي بدأت تلين بعض الشيء، مشيرا الى ان البيان الاخير للملا محمد عمر، حاكم الحركة المخلوعة في عيد الاضحى، تحدث لاول مرة بأريحية عن الاخوة الذين حرروا افغانستان من قبضة الروس من قادة المجاهدين، وهو تطور ايجابي جدا. وكانت نقلة نوعية، بالنظر الى انه في السابق، كانت طالبان تنظر الى هؤلاء القادة باعتبارهم «مجاهدين فاسدين»، وهي المرة الاولى التي يناديهم فيها بـ«اخواني من المجاهدين»، وحتى أن النداء لم يقل تعالوا انضموا الى طالبان، بل نتحد مع بعضنا يدا واحدة لـ«مستقبل بلادنا». وقال يجب الوصل الى حل وسط بين طالبان وممثلي الحكومة الافغانية وقدامى المجاهدين على امرين اساسيين؛ وهما خروج القوات الاجنبية وشكل النظام السياسي بعد رحيل تلك القوات. إلا أن القيادي العرب السابق لم يقلل من تعقيد المشكلة الافغانية، وقال نحن نتحدث اليوم في جولات المفاوضات عن مبادرة صلح في بلد يصدر تقريبا اكثر من نصف الانتاج العالمي لمادة الهيروين، وكذلك هناك اجندات اقليمية، وعلى حدود البلد تنافس باكستاني ـ هندي وصراع نووي بين الجارتن، فالكلام عن الصلح الافغاني ليست رحلة عبر قطار «يورو ستار»، مشيرا الى وجود اكثر من رأي وموقف في الشأن الافغاني، فهناك ايران وباكستان، وبينهما تقع افغانستان. كلتا الدولتين ملتصق بالملف الافغاني منذ 30 عاما، واصحاب المبادرة او القائمون عليها اتهموا من قبل بأنهم يريدون التطبيع مع المحتلين. وفي احيان اخرى اتهموا بأنهم يريدون بالاتفاق مع باكستان إعادة طالبان الى الحكم مرة اخرى، بعد تسريب أخبار عن لقاء مكة نهاية شهر مضان، في حين ان اصحاب المبادرة لا ينطلقون من أي اجندة خاصة، فهم يرون ان استقرار افغانستان يعني استقرار باكستان وايران وكل دول المنطقة، باعتبار ان «العنف ينبع من هناك».