كرزاي: قوات التحالف تستخدم بلطجية.. ولا يوجد موعد نهائي لانسحاب القوات الأجنبية

الرئيس الأفغاني: أنا مثل كيس التدرب على الملاكمة.. والجميع يوجه لي اللوم على أخطاء 7 سنوات

حميد كرزاي (رويترز)
TT

مع تصاعد ضحاياها وزيادة أعداد المصابين فيها، فقدت الحرب في أفغانستان، التي أطلق شرارتها الرئيس جورج بوش، وطالب الرئيس الأميركي المنتخب بالانتصار فيها، الهدف المعلن لها، وبدأت الحرب في أفغانستان بهدف محدد وهو القضاء على تنظيم «القاعدة» والقبض على زعيمها أسامة بن لادن، إذا كانت البلاد التي حكمتها حركة طالبان، ملاذا للقاعدة والمتشددين والمتطرفين. غير أنه مع اندلاع الحرب، فرّ زعماء «القاعدة» وعناصرها إلى المناطق الحدودية مع باكستان، فيما أصبحت أفغانستان خلال سنوات الحرب السبع جرحا يتزايد نزيفه تدريجيا، مع استمرار الاشتباكات مع عناصر طالبان، ومع كل يوم يمر يتزايد عدد القتلي من المدنيين في قصف قوات التحالف لموقع المتمردين.

الأسبوع الماضي جلس الرئيس الأفغاني حميد كرزاي للتحدث إلى مراسل «شيكاغو تريبيون» كيم باركر في كابل، ورد على الانتقادات التي وجهها باراك أوباما خلال حملته للانتخابات الرئاسية، وانتقد كرزاي ـ في المقابل ـ العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في بلاده ودعا إلى التركيز على الحرب ضد الإرهاب في باكستان. وجاء الحوار على النحو التالي:

* ما رأيك في وصف أوباما (خلال حملته الرئاسية) لك بأنك ضعيف وأنك تقضي الكثير من الوقت في ملاذ آمن؟

ـ ملاذ آمن؟ نحن في خندق، وحلفاؤنا كذلك في الخندق، كنا على تل عال بعد تحقيق نجاح كبير في عام 2002 (بعد الإطاحة بنظام طالبان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، دعمنا الشعب الأفغاني، وهزمت حركة طالبان ومعها «القاعدة »، بدون قتال، خاصة في المناطق الشمالية، يجب أن ننظر إلى الماضي ونكتشف لماذا نحن في خندق، أو، إذا كنت تحب وصفه هكذا، في ملاذ. لماذا نحن في ملاذ؟ الآلاف من حركة طالبان عادوا إلى منازلهم، بدأوا ممارسة حياة عادية، وبدأت قوات التحالف تؤجر بلطجية، وذهبوا مع هؤلاء البلطجية إلى منازل المئات من الشيوخ والمواطنين، وأخافوهم ودفعوهم للهروب من أفغانستان، وأنا مندهش من أن الشعب الأفغاني ما زال له هذا القدر من الثقة في ما نقوم به، أنا مندهش من أن الشعب، بعد أن ألقيت عليه القنابل مرات ومرات، وقتل أطفالهم وأقاربهم، ومزقت أوصالهم، ما زالوا يأتون إليّ كرئيس لهم... ويمكن أن نخرج ببساطة من الملاذ الآمن، أو كما وصفته، الخندق، إذا ما بدأنا في تصحيح تصرفاتنا. يجب على المجتمع الدولي أن يصحح من سلوكه، ويجب مساعدة الحكومة الأفغانية على القيام بالمزيد... على مدى أعوام، كنا نقول أننا نحتاج إلى التركيز على معاقل (المتمردين)، ولكن تم تجاهلنا. ولأعوام ظللت أردد أن الحرب على الإرهاب ليست في أفغانستان، وأنها في معسكرات التدريب، في المعاقل (في باكستان)، ولكن، بدلا من الذهاب إلى هناك، ذهبت قوات التحالف إلى المناطق المحيطة حول القرى الأفغانية، يقتحمون منازل المواطنين, وارتكبوا عمليات قتل دون إجراء محاكمات، وآخر مثال، هو ما وقع أول من أمس في خوست، عندما قتل رجل وامرأة وطفل يبلغ من العمر 12 عاما.

* هل كانوا من «القاعدة »؟

ـ حتى لو كانوا كذلك، هل أمرت محكمة بإطلاق الرصاص عليهم في منازلهم؟ ولو كانوا كذلك، هل كان الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاما من تنظيم «القاعدة»؟ أو المرأة ؟ إذا استمرت هذه التصرفات، سننزل إلى مستوى أعمق من الخندق أكثر من المستوى الذي نحن فيه الآن، وسوف تنتهي الحرب على الإرهاب بهزيمة مخزية.

* ماذا تعني بأن قوات التحالف تستأجر بلطجية؟

ـ إنهم يستأجرون بلطجية (أفغان) .. بلطجية أو أمراء حرب، أيا كان. لقد شكلوا ميليشيات من هؤلاء الذين ليست لهم قيود على تصرفاتهم السيئة أو الذين أرسلوا إلى منازل المواطنين لتفتيشها والقبض عليهم وترويعهم، وحاولنا طوال سبعة أعوام حتى الوقت الحالي أن نقول لهم إن هذا خطأ، وحاولنا السيطرة على ذلك، وكانت هناك بعض التحسنات، ولكن ما زال الوضع مستمرا. يجب أن يتم وقف ذلك إذا أردت النجاح، وحينئذ فقط يمكننا بناء الحكومة الأفغانية. إذا ذهبوا إلى منازل الأفغان واقتحموها وألقوا القبض عليهم وقتلوهم، هل يترك ذلك إحساسا لدى المواطنين الأفغان بأن لديهم حكومة؟ الإجابة: لا.

وفي الواقع، يقوض ذلك من شأن الحكومة الأفغانية. وإذا كانت هناك دولة ذات سيادة وإذا كان بأفغانستان حكومة منتخبة وإذا كان لديها دستور وإذا كان لديها قوانين وإذا كانت هناك شعارات تعزيز الديمقراطية الأفغانية والمؤسسات، فيجب احترام السيادة القوانين الأفغانية وألا يتم تجاوزها بهذه الطريقة المفرطة كما يحدث في الوقت الحالي. وعليه، أناشد المجتمع الدولي والحكومة الأميركية، وسوف أقوم بذلك معهم، وقد أرسلنا لهم بالفعل بعض الوثائق والتقارير حول ذلك. ويجب علينا أن نجلس معا ونعيد رسم خارطة العلاقات التي نتولى بموجبها المسؤولية عن التصرفات الخاطئة داخل حكومتنا، سواء كان ذلك يتعلق بالفساد أو المخدرات أو عدم الكفاءة... ولكننا ملتزمون بأن نتحسن، كما تحسنا بالفعل، وأود أن يحترم المجتمع الدولي السيادة والقوانين الأفغانية باستخدام الوسائل الصحيحة وتبني المواقف الصحيحة في حربه على الإرهاب.

* لكن الغرب يتحدث في الوقت الحالي عن تشكيل ما يشبه حركة الصحوة (المقاتلين العرب السنة في العراق الذي يخدمون الحكومة العراقية حاليا) في أفغانستان، والتي تقوم تماما بما تتحدث عنه، من خلال تمكين المجموعات القبلية.

ـ هذا خطأ، فإذا قمنا مرة أخرى بتشكيل ميليشيات، فسوف ندمر البلاد بدرجة أكبر. ليس هذا ما أريد. لقد ظللت أتكلم لوقت طويل في البداية عن تشكيل شرطة مناسبة، منذ وقت طويل وحتى الآن، ولكن لم يحدث ذلك. وبعد ذلك تحدثت لمدة طويلة عن استعادة ثقة السكان، وأعني، بالمقام الأول، التوقف عن مضايقتهم واقتحام منازلهم والقبض عليهم وفق الأهواء وإلقاء القنابل على منازلهم. وعندما يحدث ذلك، سوف نبدأ في عملية إصلاح الوضع ونصبح على صلة بهم، نعيدهم ونوفر لهم الثقة التي يحتاجون إليها، ونتعاون معهم، كما حدث في عام 2002. لقد هزمت حركة طالبان بمساعدة المواطنين الذين تهاجمهم قوات التحالف في الوقت الحالي، ويجب أن يتوقف هذا الهجوم.

* كيف يمكن للمزيد من القوات حل المشاكل في أفغانستان؟

ج. لن يحل إرسال المزيد من القوات إلى المدن والقرى الأفغانية من أي شيء، مقبول إرسال المزيد من القوات للسيطرة على الحدود. ويمكن قبول إرسال المزيد من القوات لمساعدة الأفغان على استعادة المناطق التي كانت لدينا، فهذه المساعدة هي التي احتاج إليها، فأنا لا احتاج مساعدة في أي مكان آخر.

* ولكن، تتحدث الولايات المتحدة عن إرسال 4000 جندي إلى إقليمي ورداك ولوجار، بالقرب من كابل، الشهر المقبل، ما رأيك في ذلك؟

ـ لا أعتقد أننا في حاجة إلى القوات هناك، أعتقد أننا في حاجة إليهم على الحدود وأعتقد أننا نحتاج إليهم خاصة لاستعادة هلمند ليعود الإقليم تحت سيطرة المواطنين الأفغان والقانون الأفغاني.

* يفترض أن تجرى انتخابات رئاسية العام المقبل، هل تخطط لخوض الانتخابات، ولماذا يجب على الشعب أن يصوت لك، على ضوء الوضع الحالي في البلاد؟

ـ لم أكن أخطط لخوض الانتخابات مرة أخرى، ولكني مصر على خوضها في الوقت الحالي حيث أنني اكتسبت الكثير من الخبرة، فلدي علاقة مع المجتمع الدولي مبنية على قول الحق والصدق، وبموجب هذا الصدق أقول لهم الحقيقة المرة التي تضايقهم في بعض الأحيان ولكنها مفيدة لنا. إنها مثل الدواء المر، لأنني رفعت صوتي لحماية الشعب الأفغاني ويجب أن يستمر الشعب الأفغاني يستفيد من هذا الأمر، ولأنني ملتزم بأفغانستان التي لا تمثل عالة على المجتمع الدولي، وأود استكمال هذه الرحلة وهذه المهمة من أجل صالح أفغانستان والمجتمع الدولي، أود أن يحققوا نجاحا في أفغانستان، ومن ثم تصبح الحياة أفضل فيها، وهذا ما أريد نقله للشعب الأفغاني.

* هل هناك موعد نهائي لمغادرة القوات الأفغانية من أفغانستان؟ ـ لا يوجد موعد نهائي، لا نريد ذلك، نريد موعد لتحقيق النجاح، وليس موعد نهائي. والمهمة التي نريد إنجازها هي هزيمة الإرهاب والوصول إلى أفغانستان ديمقراطي سالم ينعم بالرخاء.

* ماذا تريد ضمن هذه الخطة الجديدة التي تتحدث عنها، هذه الاتفاقية الجديد التي ترغب في التوصل إليها مع المجتمع الدولي؟

ـ إعادة رسم العلاقة الخاصة بالعمل العسكري للمجتمع الدولي في أفغانستان، والتركيز على الحرب على الإرهاب عن طريق إزالة المعاقل والأسباب التي تفضي إليه ومموليه، وما إلى ذلك، ورفع العقبات التي وضعت بدون قصد أمام الحكومة الأفغانية، والسماح لها بالعمل وتعزيز قوتها. وتوصيل المساعدات الدولية بطريقة أكثر فاعلية لأفغانستان، ويمكن تحقيق المزيد بالأموال التي تنفق في أفغانستان إذا تم التصرف على نحو مختلف وكان هناك تنسيق مناسب في عمليات المساعدة.

* هل تعتقد أن جارتكم باكستان جادة بشأن الحرب على الإرهاب؟

ـ لا شك في أن الرئيس (آصف علي) زرداري جاد في هذا، وآمل أن ينجح هو وحكومته في هذا الصدد. وأنا كلي ثقة فيه وفي نواياه. فقد عانى هو شخصيا من خسارة فادحة (يقصد اغتيال زوجته ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو في ديسمبر(كانون الأول) الماضي على يد الإرهاب، لذا فأنا على يقين أنه سيفعل الصواب.

* ماذا عن قدرة الحكومة المدنية الباكستانية على السيطرة على جيش البلاد القوي، وأجهزة الاستخبارات؟ ـ هذا سؤال مختلف، إذا كانت النية صادقة لدى الرئيس زرداري، لذا فإن القدرة تعتبر شيئا يجب علينا جميعا المساعدة فيه.

* ما هو الخطأ الجسيم الذي تم فعله خلال السنوات السبع الماضية في اعتقادك؟ ـ ضعف التركيز على الملاذات الآمنة، وضعف إدراك النية الحسنة الكبيرة لدى الشعب الأفغاني.

* ما هو وضع المفاوضات مع طالبان في الوقت الحالي؟ ـ أرغب كثيرا للغاية في التفاوض معهم، ولدي رأي حيال هذا الأمر منذ اليوم الأول، لكن ليس لدي عنوان يمكن أن أقصده للتوجه إليهم، فأنا لا أعلم أين هم، ومن السهل عليك التوصل إلى طالبان الباكستانية، لكنني لا أعلم أين أجد طالبان الأفغانية.

* ماذا تقول في الرئيس المنتخب أوباما؟ ـ أراه شخص كفؤا، وأنا متأكد من فهمه لاحتياجات وصعوبات الشعب الأفغاني. وأنا لم أتعامل مع تصريحاته على أنها نقد لي، فهو يقرأ التقارير. ولكن انظر، إننا نمر بفترة صعبة للغاية، سواء بالنسبة لأميركا أو أفغانستان في الحرب على الإرهاب. وهذه رحلة بدأت منذ فترة طويلة، وستستمر لفترة طويلة. وفي هذه الرحلة، تمر عليك أيام لا تكون فيها مسرورا من كلا الطرفين، كما تمر عليك أيام تتحدث فيها بصوت عال، أكثر من كونه منخفضا أو هادئا. وفي بعض الأوقات تسامحت القيادة الأميركية مع حديثي الفظ إلى حد كبير، وحقا أنا ممتن لهم حيال هذا الأمر، كما أنني في بعض الأوقات تسامحت معهم لقلة معرفتهم بالمعلومات المتعلقة بأفغانستان.

* بصورة أو بأخرى، بدا أنك قد أصبحت وجها للأخطاء التي حدثت في أفغانستان، وأن الشعب يلقي باللوم على كاهل الرئيس كرزاي بخصوص كل شيء، فما قولك في هذا؟ ـ إن هذا خطأ تماما، ومع ذلك، فأنا الرئيس ومن الطبيعي أن يوجه الشعب لي اللوم. فأنا مثل كيس التدرب على الملاكمة. ولدى الشعب الأفغاني توقعاته، ولدى المجتمع الدولي توقعاته، وأنا لدي توقعاتي، كما أن الشعب الأفغاني لديه توقعاته عن المجتمعات الدولية.. لكن الشعب الأفغاني يعلم أن قلبي وعملي لهم.

* هناك من يقولون إن أفغانستان تحتاج إلى زعيم قوي، فما الذي يعنيه هذا؟ ـ ما الذي يعنيه الزعيم القوي؟ هل يعني الزعيم القوي الزج بالشعب في السجن؟ هل يعني الزعيم القوي طرد المجتمع الدولي من أفغانستان؟ هل يعني الزعيم القوي عدم المطالبة بتغيير الاستراتيجية؟ ما الذي يعنيه الزعيم القوي؟ امتلاك مليشيا أو جيشا خاصا به؟ أم شخص مستمر في السيطرة ولم شمل البلاد لجعل أفغانستان وطنا لكل الأفغان، أم من يحشد الأصوات عندما يكون الأمر ضروريا، وأن يتحدث باسم كل البلاد تقريبا، وأن يحترم حرية الصحافة، التي شجعت فعليا على حدوث هذا الأمر، وأن يؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير لكل الشعب الأفغاني، وأن يطالب بالتغييرات الصحيحة في موقف المجتمع الدولي. في الوقت الحالي عندما أطالب بالتغيير، يتم اتهامي بأني لست زعيما قويا، وغالبا ما يحدث هذا من الصحافة الدولية. حسنا، إذا كنت أعمل وفقا لما تمليه علي القوانين، فسيتم وصفي بأنني زعيم قوي. وعندما أطالب بالتغيير، فسأكون زعيما ضعيفا. وسأكون رجلا محبوبا إذا التزمت الصمت. وسأتحول رجلا بغيضا، وحاكما غير صالح، إذا بدأت في الحديث. هل فهمت الفكرة هنا؟ لقد سرنا بأفغانستان وسط العاصفة، والأعاصير، والزوابع، والأحجار، والجبال، ومع ذلك حافظنا على سيرها بهذه الطريقة طالما كنت لينا داخل أفغانستان، وصلب مع المجتمع الدولي عندما تقتضي الحاجة.

* خدمة «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ «الشرق الأوسط»