السلطة المؤقتة في الصومال على شفا الانهيار.. ومخاوف من استغلال حركة الشباب المسلم الفراغ

رئيس الوزراء المستقيل: رفضت وجود دولة برأسين ورئيسي حكومة

جنود صوماليون تابعون للحكومة مع مقاتلين من «المحاكم الإسلامية» بعد انضمامهم مشكلين قوة واحدة وذلك بعد وصول قائد ميليشيا «المحاكم الإسلامية» شيخ شريف شيخ أحمد إلى مقديشو أمس (ا.ب)
TT

تأكيدا لما انفردت به «الشرق الأوسط» أمس حول اعتزام الرئيس الصومالي عبد الله يوسف ورئيس وزرائه الجديد محمد محمود جوليد (جعمديرى) الاستقالة من منصبيهما، أبلغ جعمديرى «الشرق الأوسط» أنه سلم يوسف خلال اجتماع مقتضب عقداه في معقل السلطة الانتقالية بمدينة بيداوة الجنوبية استقالته من منصبه، فيما يعكف يوسف على كتابة خطاب الاستقالة الذي سيقرأه على البرلمان الصومالي بعد غد «السبت».

وسادت توقعات أمس بأن تؤدي استقالة يوسف وجعمديرى إلى انهيار السلطة الانتقالية التي تشكلت في ختام ماراثوان المفاوضات الشاقة التي استضافتها العاصمة الكينية نيروبي قبل نحو خمس سنوات، فيما أعرب الكثير من المسؤولين الصوماليين عن تخوفهم من أن تستغل حركة الشباب المجاهدين المناوئة للسلطة الانتقالية وللتواجد العسكري الأجنبي في البلاد، فرصة الفراغ الرئاسي وتصعد من حملتها العسكرية للسيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو تمهيدا لاحتلالها وإخضاعها لسيطرتها كما فعلت حتى الآن في معظم مدن جنوب ووسط الصومال.

وطبقا للدستور الصومالي فان رئيس البرلمان عدن مادوبى سيتولى بشكل مؤقت منصب الرئيس الفعلي للبلاد لمدة ثلاثين يوما، على أن يجتمع أعضاء البرلمان لانتخاب الرئيس الجديد للبلاد.

ومن ابرز المرشحين لخلافة يوسف في الرئاسة الصومالية علي محمد جيدي رئيس الوزراء الصومالي الأسبق الذي اضطر إلى تقديم استقالته من منصبه مطلع العام الماضي بسبب تصاعد خلافته مع الرئيس الانتقالي، بالإضافة إلى سلفه رئيس الوزراء الحالي العقيد نور عدي.

ومثلت استقالة يوسف صدمة كبيرة لمعظم المقربين منه الذي اتصلوا بـ «الشرق الأوسط» للاستفسار عن مبررات الاستقالة بعدما انفردت بنشر المعلومات الخاصة بعزم يوسف وجعمديرى التنحي، فيما بدا رد فعل دور الجوار الجغرافي للصومال طبيعيا في ظل معلومات عن أن يوسف أبلغ بعض رؤساء هذه الدول رسميا وعبر رسائل غير معلنة بعزم الاستقالة قبل إعلانها.

وقال حسين محمد محمود (حسباردى) الناطق الرسمي باسم الرئيس الانتقالي المستقيل، إنه لا يعرف سببا للاستقالة، مشيرا إلى أن يوسف سيعقد مؤتمرا صحافيا عقب خطابه أمام البرلمان بعد غد لشرح الملابسات التي أحاطت بقراره تقديم استقالته.

ولفت حسباردى إلى أن يوسف تعرض لما وصفه بضغوط رهيبة خلال الساعات والأيام القليلة الماضية، كلها أجبرته على الخروج على هذا النحو.

في المقابل، قال رئيس الوزراء المستقيل جعمديرى لـ «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة بيداوة التي تبعد نحو 250 كيلومترا شمال غربي العاصمة الصومالية مقديشو، إنه فضل الاستقالة لتفادى حدوث المزيد من الانقسام والفرقة بين الصوماليين، مؤكدا أنه حث يوسف على التنحي طواعية عن منصبه واستباق أي محاولة لتمزيق ترويكا السلطة الانتقالية بعد تصاعد الخلافات بين البرلمان والحكومة.

وأضاف جعمديرى الذي لم يتسلم منصبه رسميا رغم تعيينه قبل نحو أسبوع «كنا في وضع صعب للغاية، أصبح لدينا حكومتان، وهو وضع غير مسبوق في العالم ولم أكن أرضى على نفسي أن أكون سببا في زيادة التشرذم»، مشيرا إلى أنه يمد يده بالمصالحة لجميع الأطراف الصومالية للعمل سويا لتحقيق السلام المنشود في البلاد.

وشدد جعمديرى الذي انتقل أمس من مدينة بيداوة إلى العاصمة الصومالية مقديشو، على أن عوامل كثيرة دفعته إلى الاستقالة في مقدمتها التدخل الأثيوبى السافر في الشؤون الصومالية، لافتا إلى أنه لم يقبل أي محاولة للإملاء والسيطرة عليه من قبل حكومة رئيس الوزراء الإثيوبى ميلس زيناوي.

وأكد أنه استقال حتى لا ينظر إليه على أنه حجر عثرة أمام عملية السلام التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة في جيبوتي، والتي أسفرت عن اتفاقيات بين رئيس الحكومة الانتقالية العقيد نور عدى والشيخ شريف شيخ أحمد رئيس جناح جيبوتي المنشق على تحالف المعارضة الصومالية الذي يتخذ من العاصمة الاريترية أسمرة مقرا له.

إلى ذلك، سيقدم الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف بعد غد «السبت» خطاب استقالته إلى البرلمان الصومالي واضعا حدا لمستقبله السياسي ومنهيا فترته الرئاسية لمدة خمس سنوات قبل نحو عام من اكتمالها.

وكشفت مصادر صومالية رفيعة المستوى لـ «الشرق الأوسط» أن دوافع يوسف الذي تولى منصبه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004 للاستقالة، ترجع إلى رفضه محاولات إقليمية ودولية ممثلة في ضغوط منظمة دول الإيقاد والإدارة الأميركية لإقناعه بالتعايش مع رئيس الحكومة الانتقالية العقيد نور حسن حسين.

وأوضحت المصادر أن يوسف اعتبر أن كرامته الشخصية قد مست وأنه لم يعد قادرا على الإمساك بزمام الأمور في ظل هذه الضغوط، مفضلا مغادرة موقعه الرئاسي على تكريس الانقسام داخل السلطة الانتقالية.

وقالت المصادر التي طلبت عدم تعريفها أن الرئيس الانتقالي تيقن من تخلي معظم حلفائه عن مساندته في مواجهة رئيسي الحكومة العقيد نور عدي والبرلمان عدن مادوبى، مشيرة إلى أن القرار الذي اتخذه وزراء خارجية دول منظمة الإيقاد في اجتماعهم الأخير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بفرض عقوبات على يوسف وعائلته ومصادرة أملاكه ما لم ينصع لرغبة البرلمان، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، على حد تعبير المصادر.

إلا أن مقربين من يوسف أنحوا باللائمة على بعض أفراد أسرته وخاصة زوجته السيدة حواء في تدهور العلاقات بين يوسف ورئيسي البرلمان والحكومة، وكشفوا النقاب لـ «الشرق الأوسط» عن أن عائلة الرئيس الانتقالي كانت تتدخل في رسم وتحديد سياسته الداخلية والخارجية وأن زوجته فرضت نفسها كمستشار سياسي يقوم بتعيين بعض العاملين في القصر الرئاسي وتتدخل في معظم الأحيان في تقرير السياسات العامة.

واعتبرت المصادر أن الرئيس الصومالي راح ضحية ضعفه الشخصي تجاه أسرته وعدم قدرته على تحجيم ما وصفته بنفوذها السلبي والمتعاظم داخل مكتبه، مشيرة إلى أنه في المقابل استبعد يوسف بعض مستشاريه الذين راحوا ضحية وشايات كاذبة.

وقال مصدر مقرب من يوسف لـ «الشرق الأوسط» «لا شك أنه كان ضعيفا أمام أسرته ولم يتمكن من كبح جماحها، وهو ما أثر عليه سلبا ودفعه إلى معاداة بعض الشخصيات الصومالية والأجنبية لمجرد أنها لا تحظى برضى أفراد العائلة».

وأضاف «عانى يوسف لسنوات طويلة من ابتعاده عن أسرته إما بفعل سنوات سجنه الطويلة في سجون الرئيس الصومالي الراحل سياد بري أو السجون الإثيوبية نهاية الثمانينات، وربما اعتقد بعض أفراد عائلته أن توليه مقعد الرئيس سيعني تعويضهم عن السنوات التي افتقدوه إلى جانبهم خلالها».

إلى ذلك، نفى الجنرال موسى هيرسى رئيس إقليم البونت لاند (أرض اللبان) الذي أعلن تمتعه بالحكم الذاتي في شمال شرقي الصومال عام 1998، لـ «الشرق الأوسط» اعتزامه إعلان انفصال الإقليم وتكرار تجربة جمهورية أرض الصومال التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991، بسبب استقالة عبد الله يوسف الذي ينتمي إلى نفس الإقليم.

وقال هيرسي أحد أبرز حلفاء الرئيس الانتقالي لـ «الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من مدينة جاروى عاصمة الإقليم «ليس صحيحا أننا دعاة انفصال.. على العكس نحن متمسكون بالبقاء داخل الدولة الصومالية المركزية، فقط مع احترام تجربتنا في الحكم الذاتي»، مشيرا إلى أنه يؤيد الفيدرالية كنظام اداري وسياسي لتمكين الصوماليين من الوحدة.

وأكد هيرسى أن الوضع الراهن في الصومال خطير للغاية ويتطلب تضافر كافة الجهود المحلية والدولية لعبور هذه الأزمة.

من جهته، وصف زكريا حاج محمود نائب رئيس تحالف المعارضة الصومالية استقالة يوسف وجعمديرى بالمتوقعة في ظل اخفاقهما في إجبار إثيوبيا على الانسحاب من الصومال التي دخلتها قواتها العسكرية للمرة الأولى قبل نحو عامين لدعم لسلطة الانتقالية.

وقال زكريا لـ «الشرق الأوسط» هذه نهاية هؤلاء الخونة والعملاء، مشيرا إلى أن الشارع الصومالي بحاجة الآن إلى من يقوده لتحقيق المصالحة والسلام شريطة خروج القوات الإثيوبية وانسحابها من كامل الأراضي الصومالية.

وأضاف «إذا استمر الإثيوبيون في التواجد عسكريا هناك، فليس هناك سلام على الإطلاق»، مشيرا إلى أن ما وصفه باتفاقيات السلام الهشة التي يرعاها أحمد ولد عبد الله مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالصومال لن تنجح سوى في تمزيق أوصال البلاد.

ولاحظ زكريا مدى صعوبة تشكيل برلمان صومالي موسع يضم 500 عضو موزعين ما بين جناح جيبوتى والسلطة الانتقالية، لافتا إلى أن البرلمان في صيغته الحالية التي لا تضم سوى 275 عضوا كثيرا ما شهد مشاحنات وعراكا في معظم الأوقات بين أعضائه المقسمين على أنفسهم.

وتساءل قائلا «إذا كان هذا هو حال البرلمان المحدود العدد، فما بلك ببرلمان موسع معتبرا أنها تجربة لن يكتب لها النجاح مطلقا»، متهما ولد عبد الله بالإصرار على التعامل مع أشخاص لا يمثلون الشعب الصومالي والترويج لسلام لا يستطيع أحد حمايته على حد تعبيره.

وكشف زكريا عن أن تحالف أسمرة أوفد خمسة مندوبين عنه إلى داخل الصومال في محاولة لبذل مساعي وساطة ومصالحة بين مختلف الجماعات الإسلامية المتشددة لإقناعها بوقف التناحر بينها والانضمام إلى جهود تحالف المعارضة الرامية إلى التخلص من السلطة الانتقالية ومناهضة الاحتلال الإثيوبي.

واعتبر أنه يتعين على المجتمع الدولي محاسبة القوات الإثيوبية على ما ارتكبته من مجازر وأعمال عنف واسعة النطاق ترقى إلى جرائم الحرب والابادة الجماعية ضد المدنيين العزل في مختلف أنحاء البلاد.