رؤساء الترويكا الانتقالية في الصومال

العسكري المحترف وحافظ القرآن ورجل الإغاثة وذو اليدين الطويلتين

TT

لكل منهم تاريخ سياسي عريض، في بلد تآكلت مفاصله السياسية والإدارية بصورة شبه كاملة. «الشرق الأوسط» تستعرض فيما يلي لمحات من حياة الرجال الذين أمسوا اللاعبين الأساسيين في معضلة الصومال الشاقة والمعقدة، في محاولة لتقديم خارطة طريق لمن تحولوا أخيرا إلى عناوين بارزة في الأزمة الصومالية.

العسكري المخضرم: الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف أحمد تولى المنصب رسميا خلفا لسلفه عبد القاسم صلاد حسن في ختام مفاوضات سلام رعتها العاصمة الكينية نيروبي كرئيس مؤقت للصومال في الرابع عشر من شهر أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2004 وتنتهي فترة رئاسته العام المقبل.

ولد المنتمى إلى قبيلة «الدارود» وهي إحدى القبائل الصومالية الكبيرة، في مدينة «جالاكايو» بمنطقة «مودوج» حاضرة إقليم البونت لاند (أرض اللبان) شمال شرقي الصومال في الرابع عشر من شهر ديسمبر (كانون ثاني) عام 1934.

التحق كضابط بالجيش الصومالي بعد الاستقلال وتلقى دورات تدريبية في ايطاليا وأوكرانيا لكنه رفض كافة العروض بتولي مناصب دبلوماسية بعدما هيمن العسكريون على السلطة عام 1969 بعد اغتيال الرئيس الراحل عبد الله رشيد على يد أحد مرافقيه. وبسبب رفضه المشاركة في الانقلاب الذي استولى فيه الرئيس المخلوع محمد سياد بري على السلطة تم إيداعه السجن قبل أن يعرض عليه بري بعد شهرين فقط تولي منصب سفير الصومال في ألمانيا ولكنه رفض ذلك.

واضطر بري إلى الإفراج عنه عام 1976 وعينه مديرا عاما في مؤسسة حكومية ولكنه سرعان ما عاد ليلتحق مجددا بالجيش مع بداية التوتر العسكري بين الصومال وإثيوبيا عام 1977. لاحقا شارك يوسف في محاولة انقلاب عسكرية فاشلة ضد نظام بري في التاسع من شهر ابريل (نيسان) عام 1978 مما أجبره على الفرار إلى كينيا ومنها إلى إثيوبيا حيث دشن هناك تنظيما سياسيا وعسكريا داخل الصومال وشن ما عرف بحرب الأحراش ضد الحكومة وواصل محاولته للإطاحة ببري.

لكن شهر العسل مع إثيوبيا انتهى سريعا بعدما رفض الموافقة على اعتبار مدينة صومالية جزءا من الأراضي الإثيوبية لكي يتم اعتقاله لمدة ست سنوات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة بين العامين 1985 و 1991 لكنه وجد لاحقا طريقه إلى خارج السجن بعدما أطاحت الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا بقيادة «ميلس زيناوي» بنظام الإمبراطور السابق «منجستو هيلا مريام».

بعدها عاد يوسف إلى الصومال ليشارك في الحرب الأهلية التي تفجرت بعد نجاح الانقلاب العسكري على نظام بري والإطاحة به.

ابتعد يوسف عما يجرى في العاصمة الصومالية مقديشو وأعلن في عام 1998 عن إنشاء حكومة إقليم «البونت لاند»، وأعلن أنه يتمتع بالحكم الذاتي دون أن يصعد الأمر إلى حد المطالبة بالانفصال على نحو ما فعلته جمهورية أرض الصومال عام 1991.

وشارك يوسف في سلسلة المؤتمرات التي عقدت في مختلف دول الجوار الجغرافي للصومال وانتخبه 189 صوتا في البرلمان الصومالي رئيسا للبلاد، بينما حصل المنافس الأقرب على 79 صوتا. تعرض لعدة محاولات اغتيال كان أخطرها في الثامن عشر من شهر سبتمبر (أيلول) عام 2006 عندما فجر انتحاري نفسه في قافلة كان يستقلها خارج مقر البرلمان في «بيداوة» مما أدى إلى مصرع شقيقه وأربعة من حراسه الشخصيين.

حافظ القرآن: رئيس البرلمان، الشيخ عدن محمد نور( مادوبى) أمير حرب سابق ولد في إقليم مانديرا الكيني وشغل منصب نائب رئيس جيش مقاومة الرحناوين واختلف مع رئيس التنظيم حسن محمد نور (شات الجدود) واقتتلا عسكريا قبل أن يتصالحا وينضما إلى الحكومة الانتقالية كوزيرين.

تم تعيينه وزيرا للعدل في الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الأسبق على محمد جيدى فى شهر يناير (كانون الثاني) عام 2005.

واتهم من قبل أمير الحرب محمد إبراهيم حسبادى مع وزير الزراعة الأسبق شات الجدود بمحاولة الهجوم على مدينة «بيداوة» الجنوبية التي أصبحت لاحقا معقلا للسلطة الانتقالية. وتم انتخابه رئيسا للبرلمان في الحادي والثلاثين من شهر يناير عام 2007 عقب تصويت أعضاء البرلمان بأغلبية كاسحة لطرد سلفه شريف حسن شيخ آدم من منصبه في السابع عشر من نفس الشهر بسبب تأييد الأخير لتنظيم المحاكم الإسلامية وعقده اتفاقيات صلح منفردة مع زعيمه السابق الشيخ حسن طاهر أويس الرئيس الحالي لتحالف المعارضة الصومالية الذي يتخذ من العاصمة الاريترية أسمرة مقرا له.

وأدى «مادوبى» اليمين الدستورية كرئيس للبرلمان في الثالث من شهر فبراير (شباط) عام 2007.

ولا يتكلم العربية وان كان يفهمها ولم يحصل على أي تعليم جامعي لكنه يقول إنه كان تلميذا في المدارس القرآنية ومن حفظة القرآن الكريم.

رجل الإغاثة: رئيس الحكومة المقال، العقيد نور حسين حسن (عدي) يبلغ من العمر 70 عاما وانضم إلى جهاز الشرطة الصومالي بعد تأسيسه متدرجا سلّم الشرطية إلى أن وصل إلى رتبة عقيد، درس القانون في جامعة الأمة الصومالية، ثم أكمل تعليمه في ايطاليا وأمريكا.

في عام 1983 عين رئيسا لمكتب التخطيط والتدريب للشرطة الصومالية، ثم عين بعدها رئيسا لمحكمة امن الدولة.

ولطالما تمتع الرجل بسمعة طيبة بعد ابتعاده عن العمل السياسي ورفضه التورط في الحرب الأهلية المستمرة منذ 17 عاما التي تولى خلالها منصب رئيس لجمعية الهلال الأحمر الصومالية وهى تقريبا الجهاز الصومالي الوحيد الذي سلم من التدمير والهلاك الذي تعرضت له مختلف مؤسسات الدولة الصومالية المركزية.

اختاره الرئيس الانتقالي العام الماضي رئيسا للحكومة خلفا لجيدي رئيس الحكومة المستقيل لكي يشكل ثاني حكومة في عهد عبد الله يوسف.

تصاعدت الخلافات بين يوسف وعدى بعدما انفرد عدى بقرار إقالة محمد عمر ديرى الحليف الوثيق ليوسف من منصبه كعمدة للعاصمة الصومالية مقديشو، علما بأنه رفض التخلي طواعية عن منصبه رغم استقالة 12 وزيرا يمثلون ثلثي الحكومة المكونة من 18 وزيرا فقط.

وبعد وساطات مكثفة قام بها «ملس زيناوي» رئيس الوزراء الإثيوبي اتفق الرجلان على فتح صفحة جديدة بينهما لكن الخلافات ظهرت مجدا على السطح بعدما رفض يوسف الموافقة على التشكيلة الثانية لحكومة عدى بدعوى أنها تضم أشخصا غير مؤهلين ولا يصلحون للمرحلة الحساسة والخطيرة من عمر الأزمة الصومالية.

يرفض عدى حتى الآن الاستقالة من منصبه رغم إعلان يوسف أنه لم يعد رسميا يشغل منصب رئيس الحكومة الانتقالية، لكن إعلان رئيس البرلمان منح البرلمان الثقة له بأغلبية كبيرة رغم تشكيك الجناح المؤيد للرئيس الانتقالي أدخل البلاد مجددا في متاهات سياسية وسط ترقب إقليمى وعربي لما قد تسفر عنه.

ذو اليدين الطويلتين: رئيس الوزراء الجديد محمد محمود جوليد (جعمديري) تولى منصب وزير الداخلية في شهر فبراير عام 2007 بعدما أطاح رئيس الحكومة الانتقالية الأسبق علي محمد جيدي بنائبه ووزير الداخلية السابق محمد حسين عيديد يتحدث إضافة الى العربية بطلاقة وبنفس المستوى اللغات الإيطالية والرومانية والإنجليزية.

ولد عام 1954 لعائلة تنتمي إلى قبيلة الهوية في منطقة اشتهرت بعلاقتها القديمة بالبحر تحمل اسم «أوبيا» في إقليم «مادوج» بوسط الصومال، وهي منطقة متاخمة للحدود الصومالية الإثيوبية، وتعد أيضا قريبة من مسقط رأس الرئيس الصومالي عبد الله يوسف. التحق بمدارس تحفيظ القرآن (الكتاتيب) قبل أن يكمل تعليمه الأساسي في مدينة «مادوج» حاضرة الإقليم الذي تحمل اسمه.

وانتقلت عائلته إلى سورية التي أنهى فيها المرحلة الثانوية ثم انتقل إلى العراق ورومانيا للحصول على بكالوريوس الزراعة أولا من جامعة بغداد ولاحقا الماجستير من جامعة بوخارست عام 1979 في مجال العلاقات الاقتصادية.

عمل كتاجر في تصدير واستيراد المواد الغذائية، لكن سرعان ما عرفت السياسة طريقها إليه فانخرط في شؤونها وشجونها حيث اعتقله نظام حكم الرئيس السابق محمد سياد بري مرتين نهاية الثمانينات قبل فترة وجيرة من سقوط النظام وهروب بري نفسه خارج البلاد.. الأولى عام 1988 لمدة ثلاثة شهور، والثانية عام 1989 لمدة عامين.

وبعد سقوط نظام «بري» واندلاع الحرب الأهلية، ابتعد عن معمعة الصراع القبلي، ولعب دورا مع منظمات المجتمع المدني في العاصمة مقديشو.

شارك في مفاوضات السلام والمصالحة التي عقدت في مدينة عرتا بجيبوتي عام 2000، وترشح ضمن 16 من المرشحين للتنافس على منصب رئيس الدولة، لكنه خسر الانتخابات لصالح الرئيس السابق عبد القاسم صلاد حسن.

ولفترة محدودة عمل جوليد كمستشار سياسي لرئيس الحكومة السابقة علي خليف جلير.

ومع أنه لم يرافق أول حكومة في زمن عبد الله يوسف، إلا أنه سرعان ما عرف طريقه إلى الحكومة حيث تولى أولا منصب وزير التنمية الريفية، ثم بفعل عمليات تبديل وإحلال أسندت إليه وزارة الأشغال العامة والإسكان، بدلاً من حسن علي عاتو، أحد أمراء الحرب.

كان أحد القلائل الذين أخذوا على عاتقهم التحاور مع رجال القبائل إيمانا بأن الحصول على ولائهم من شأنه قطع الطريق على الإرهابيين وتخفيف العبء على السلطة الانتقالية ومختلف أجهزتها الأمنية والعسكرية.

يحمل الجنسية البريطانية أيضا ولديه ثمانية أولاد منهم اثنان فقط من زوجته الحالية يقيمان معه داخل الصومال وستة خارجها أكبرهم يدعى عبد القادر يعمل حاليا في الولايات المتحدة الأميركية.

يشار إلى أن جوليد كان قد تعرض لعملية اغتيال فاشلة في مدينة كيسمايو خلال شهر ابريل (نيسان) عام 2007.