طائرات إسرائيلية تقصف المقار الأمنية لحماس وتقتل 205 بينهم مدير الشرطة

هنية يدعو للصمود ويقول غزة لن ترفع الراية البيضاء.. والغارات تتواصل ليلا

رجل أمن من حماس يقف أمام المقر السابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد ضربه بصاروخ إسرائيلي في غزة أمس (أ ب)
TT

في سلسلت هجمات، قصفت طائرات حربية وطائرات هليكوبتر قتالية إسرائيلية قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) امس، مما أسفر عن سقوط 205 قتلى في الاقل في اكثر الايام دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ أكثر من 60 عاما.

وذكر مسعفون أن نشطاء فلسطينيين ردوا باطلاق صواريخ أدت الى مقتل إسرائيلي وإصابة آخرين. وقال كلا الجانبين انهما مستعدان لشن هجمات اوسع. وتصاعد دخان أسود في سماء مدينة غزة حيث كان المصابون والقتلى ملقين على الأرض بعد ان دمرت الضربات الجوية الإسرائيلية اكثر من 40 مجمعاً امنياً، بما في ذلك مجمعان كانت حماس تقيم بهما حفل تخرج لمجندين جدد.

وفي حفل تخرج المجندين الجدد الرئيسي بمدينة غزة، أوضحت تغطية تلفزيونية كومة من جثث المجندين الذين يرتدون الزي الرسمي، بينما كان المصابون يصرخون في ألم. وكان بعض عمال الانقاذ يضربون رؤوسهم ويصيحون «الله اكبر». ورقد رجل مصاب بجراح بليغة يتلو في هدوء آيات من القرآن الكريم. وقال مسؤولو صحة لرويترز ان اكثر من 700 فلسطيني اصيبوا. و قال مسؤولون من حركة حماس وشهود عيان ان الطائرات الإسرائيلية واصلت هجماتها على اهداف في قطاع غزة بعد حلول الظلام، وقصفت ورشة لسبك المعادن ومواقع أخرى في جنوب القطاع الساحلي. وقال رئيس بلدية عسقلان، وهي مدينة تطل على البحر المتوسط وتقع في مرمى صواريخ «جراد» التي تطلقها حماس ان المخططين العسكريين الإسرائيليين ابلغوه ان العملية ستستمر «أكثر من أسبوع».

وكانت عمليات القصف بدأت امس عندما قامت طائرتا «إف 16» بإلقاء قنبلتين تزن كل واحدة منها طنا على ساحة كان يجري فيها احتفال بتخريج دورة من الضباط في قيادة شرطة الحكومة المقالة في منطقة «الجوازات»، في حي «الرمال»، وسط مدينة غزة، الأمر الذي أدى على الفور الى مقتل 25 ضابطاً وجرح العشرات. وبعد ذلك، قامت الطائرات بإلقاء أطنان من المتفجرات على كل مقر قيادة شرطة مقام على مساحة 20 دونما، حيث تحول المقر الى أكوام من الأنقاض فيها عشرات القتلى والجرحى. وذكرت مصادر الشرطة الفلسطينية أن من بين القتلى اللواء توفيق جبر مدير عام الشرطة. في هذه الأثناء، قامت الطائرات النفاثة والمروحية الحربية بقصف عشرات المواقع الأمنية والشرطية في جميع أرجاء القطاع، حيث تم تدمير مقار الشرطة الرئيسي ومقر قوة التدخل السريع والمباحث العامة في المحافظة الوسطى من القطاع، حيث قتل 60 من عناصر الشرطة وجرح مئات آخرون، بينهم محافظ المنطقة الوسطى أحمد عاشور. وفي محافظتي رفح وخانيونس جنوب القطاع، دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية جميع المقار الأمنية، الأمر الذي اسفر عن مقتل 30 شخصا وجرح العشرات. وفي مرحلة لاحقة، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف عدد كبير من مواقع التدريب التابعة لـ«كتائب عز الدين القسام»، المقامة على الاراضي التي كانت مقامة عليها مستوطنات اليهود على ساحل البحر جنوب غرب القطاع، الأمر الذي ادى الى مقتل عدد من عناصر «القسام». واستهدف القصف مؤسسات مدنية منها مؤسسة «واعد» للأسرى، والجامعة الإسلامية بغزة، كبرى المؤسسات الاكاديمية في القطاع، حيث ألقت الطائرات الإسرائيلية صاروخين على ملعبها. ولازال عدد كبير من القتلى والجرحى تحت الانقاض، حيث تفتقد طواقم الدفاع المدني والإنقاذ الأدوات والتجهيزات اللازمة للبحث عن العالقين. وشاهدت «الشرق الاوسط» المئات من الناس الذين هبوا للبحث عن احياءَ أسفل مقر قيادة شرطة المنطقة الوسطى في القطاع، وهم يرفعون الحجارة والتراب بأيديهم، الأمر الذي جعل عملية البحث عن احياء طويلة جداً، فضلاً عن أن هذا أدى الى وفاة الكثير من الأشخاص الذين اصيبوا بجراح بالغة. وعلمت «الشرق الاوسط» أن عدداً كبيراً من المارة قتلوا جراء انهيار المباني التي تعرضت للقصف. وأدى استخدام القنابل الى إصابة عشرات الفلسطينيين أثناء وجودهم بمنازلهم القريبة من المقار التي تعرضت للقصف، فضلاً عن انهيار الكثير من المنازل التي كانت بالقرب من المقار التي تعرضت للقصف. من ناحيته، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن كافة أنواع الطائرات في سلاح الجو شاركت في قصف قطاع غزة، متوعداً بالمزيد من الدمار والقصف لغزة خلال الأيام القادمة. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر عسكرية قولها إن القصف يمثل «ضربة افتتاحية وبداية لمعركة طويلة تم الإعداد لها مسبقاً». وفي اول رد على المذبحة الإسرائيلية، أطلقت «كتائب عز الدين القسام» عدة قذائف صاروخية على المستوطنات اليهودية المحيطة بالقطاع. وسقطت احدى هذه القذائف على منزل بمستوطنة «نتيفوت» التي تقع شرق غزة، الأمر الذي ادى الى مقتل شخص واصابة 4 آخرين بجراح متفاوتة. إلى ذلك، دعا إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة امس الشعب الفلسطيني إلى الوحدة والتكاتف والتماسك والتعاطف والتراحم واستحضار عظمة رسالته في مواجهة «التصعيد العسكري الإسرائيلي على القطاع». ووصف هنية، في بيان صحافي مكتوب ما يجرى في غزة بـ«المجزرة»، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذه «المجزرة لا يمكن أن تنال من صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه؛ وفي مقدمتها القدس واللاجئون وتحرير الأسرى». وقال هنية «يتعرض قطاع غزة لهجمة بربرية وغدر صهيوني.. هذا العدوان يأتي لأننا رفضنا أن نتنازل عن فلسطين والقدس وعودة اللاجئين، وتمسكنا بتحرير أسرانا من سجون الاحتلال ولأننا لم ننكسر أمام الحصار والعدوان والمؤامرات التي تحاك ضد شعبنا صباح مساء». وأضاف «يمكن أن يسقط مزيد من الشهداء والجرحى وأن يزداد عدد الثكلى والأيتام ولكن لن تسقط غزة في مهاوى الردى والرذيلة السياسية ولا في حفر الهزيمة والانكسار». من جانبها، قالت الحكومة الفلسطينية المقالة التي تديرها حركة حماس في غزة إنها «لن ترفع الراية البيضاء ولن تستجدي التهدئة من قبل إسرائيل على الرغم من الضربات التي وجهها الطيران الإسرائيلي لمعظم المقرات والأجهزة والمراكز الأمنية». وقال طاهر النونو، المتحدث باسم الحكومة، في مؤتمر صحافي، «لن نطلب من جانبنا بأي تهدئة مع الاحتلال ولن نستجديها من أحد ولن نرفع الراية البيضاء.. ارتكب الاحتلال مجزرة في غزة وعليه تحمل نتائج ما فعله». وأضاف «لن نقبل عبارات الإدانة والتنديد بهذه الجريمة.. والمطلوب من الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي التوقف عن الصمت تجاه ما تقوم به إسرائيل والتحرك سريعا لوقف عدوانها».

من جهته، نفى القيادي في حركة فتح الفلسطينية ورئيس كتلتها البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، عزام الأحمد، وجود أي نية لدى الحركة والسلطة لاستغلال «العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة من أجل استعادة السيطرة على القطاع» من يد حماس».

وشدد الأحمد، في تصريح أدلى به عبر الهاتف مساء امس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في القاهرة، «لا يوجد في أجندة فتح أمس ولا اليوم ولا غدا سوى الحوار لإعادة اللحمة وإنهاء الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني». ووصف من يردد ويروِّج هذا الاتهام بأنهم «مجموعة من السطحيين، يتداولون كلاما فارغا، ولا يريدون الخير للشعب الفلسطيني».

وفي نفس الوقت طالبت حركة حماس ذراعها العسكري «كتائب القسام» بالرد على المجزرة الإسرائيلية «بكل ما تمتلك من قوة». وفي تصريح صحافي صادر عنه، قال فوزي برهوم الناطق باسم الحركة إن المقاومة الفلسطينية ستنقل المعركة إلى كل شارع في إسرائيل، متوعداً بالرد بـ«استخدام كل خيارات المقاومة للدفاع عن ابناء الشعب الفلسطيني»، قائلا «نحن اصحاب حق وعزيمة، وبمقدورنا موازنة الرعب والعدوان، حيث سيكون هناك تصعيد للمقاومة ضد إسرائيل». وادان برهوم ما سماه بـ«الصمت العربي المخيف على المجازر التي يقوم بها الاحتلال ضد ابناء الشعب الفلسطيني، مطالبا الشعب العربي بمن فيه من نساء واطفال ومؤسسات وطلبة جامعات، بالنزول الى الشوارع والضغط على حكوماتهم لفضح هذه المجزرة». من ناحيته، اعتبر القيادي في حركة الجهاد الاسلامي، خالد البطش، الهجوم الاسرائيلي الواسع على قطاع غزة، حرباً مفتوحة على الشعب الفلسطيني بغية انتزاع استسلام وتنازل من المقاومة. وحمل البطش الصمت العربي والدولي مسؤولية هذه «المجزرة»، قائلاً إن هذه الرسالة الدموية التي اصبحت حرباً مفتوحة لم تحدث لولا الصمت العربي والدولي. وأكد أن ما حدث لن يؤدي الى استسلام المقاومة او انتزاع تنازلات، «نؤكد على تماسك جبهتنا رغم كل ما يواجهنا من انقسام».

* مشاهد من الكارثة

* غزة: صالح النعامي

* ثلاجات الموتى في مستشفيات القطاع التي استقبلت القتلى امتلأت، الأمر الذي اضطر ادارات المستشفيات الى وضع جثث القتلى في قاعات وغرف غير مستخدمة تمهيداً لنقلها للدفن.

* بسبب عدد الجرحى الكبير، فقد اضطر الأطباء والممرضون الى اجراء عمليات جراحية داخل ممرات المستشفيات، لامتلاء غرف العمليات وقاعات الاستقبال. في نفس الوقت تم إجلاء جميع المرضى الذين لا يعانون أوضاعا حرجة لاستقبال الجرحى. * أحد الأطباء في مستشفى (دار الشفاء) أكبر المستشفيات في القطاع، انهار نفسياً عندما اكتشف أن جثة القتيل التي استقبلها من سيارة الإسعاف هي جثة شقيقه الضابط في جهاز الشرطة، في حين انهار ممرض في مستشفى «شهداء الأقصى»، عندما اكتشف أن جثة احد القتلى هي لصديقه الحميم.

* سيدة فلسطينية أصيبت بأزمة قلبية عندما سمعت أن مقر شرطة «العباس» الذي يقع غرب غزة قد تعرض للقصف، وأن هناك عدداً من القتلى جراء القصف، حيث كان يخدم احد ابنائها في المقر. وتبيَّن بعد ذلك أن نجلها ذهب وقت القصف لشراء «ساندويش» فلافل من مطعم قريب، فنجا من الموت.

* الكثير من السيدات والرجال والأطفال انهالوا على المستشفيات وعلى غرف الاستقبال للاطمئان على مصير ذويهم. طفل لا يتجاوز التاسعة من عمره جاء للاطمئنان على مصير والده الضابط في الشرطة فضرب رأسه في أحد جدران مستشفى «دار الشفاء» عندما منعه شرطي من دخول المستشفى الذي كان يعج بمئات الأشخاص القلقين على مصير ذويهم، فسال دمه، فما كان من الشرطي إلا أن سمح له بالدخول ليجد والده قد أصيب بجراح خفيفة.

* بسبب عدد القتلى والجرحى الكبير جداً، تم نقل معظم القتلى والجرحى في سيارات مدنية خاصة وبدون عناية طبية، حيث أن عدد سيارات الإسعاف محدود جداً. في المناطق النائية تم نقل الكثير من المصابين، وتحديداً الذين اصيبوا بجراح خفيفة على عربات تجرها بغال وحمير، حيث خشيَّ الكثير من اصحاب السيارات التحرك في هذه المناطق خوفاً من التعرض للقصف.

* المشهد الذي تكرر في كل شوارع المناطق التي تعرضت للقصف مشهد الأطفال وهم يفرون من مدارسهم باكين، ونساء يصرخن وهن يتجهن لجلب اولادهن من المدارس. طالبات احدى المدارس الثانوية القريبة في المنطقة الوسطى من القطاع تدافعن هاربات من المدرسة بعد أن تعرض احد المواقع القريبة للقصف، فسقط الكثير منهن.

* بسبب انقطاع التيار الكهربائي فقد التفت الأسر الفلسطينية حول اجهزة المذياع التي تعمل بالبطاريات لمتابعة اخبار العدوان الإسرائيلي على القطاع.