بوتفليقة يعقد اجتماعا طارئا مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية

الجزائريون يترقبون قرارات «صارمة» من الرئيس بخصوص أحداث القبائل

TT

افادت مصادر مطلعة ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التقى، امس بمكتبه، في اجتماع طارئ رئيس الحكومة علي بن فليس ووزير الداخلية يزيد زرهوني واطارات في الرئاسة «لدراسة ومناقشة المستجدات على الساحة السياسية الوطنية».

ورفضت هذه المصادر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، تقديم اية تفاصيل حول هذا اللقاء الذي استمر الى ساعة متأخرة، إلا ان مراقبين ربطوا بين هذا الاجتماع وتقرير لجنة التحقيق في احداث منطقة القبائل وتوقعوا ان يفضي ذلك الى «قرارات مهمة تعكس الخلاصة الأولية التي جاء بها التقرير». وكان التقرير قد اثار، عند نشره اول من امس، ردود فعل متباينة واهتمام المراقبين الذين يتوقعون «تطورات سريعة» من جانب السلطات العمومية وايضا من الطبقة السياسية، خاصة ان هذه الوثيقة تحمل اتهامات صريحة ومباشرة الى واحد من اهم اجهزة الامن في الجزائر، الدرك الوطني.

ولعل اهم خلاصة خرجت بها لجنة استاذ القانون محند يسعد هي تبرئة ساحة القوى السياسية النشطة في منطقة القبائل من الضلوع في هذه الاحداث، بصورة مباشرة او غير مباشرة، اضافة الى استبعاد ما حاولت بعض الاطراف في الحكومة، ومنهم الرئيس بوتفليقة نفسه، التأكد عليه وهو ان هذه الاحداث التي خلفت ازيد من 50 قتيلا وحوالي ألفي جريح جاءت بوحي من «اطراف خارجية نفذتها جهات في الداخل». اما «اخطر» استنتاج توصل اليه التقرير فكان تورط عناصر داخل جهاز الدرك في توجيه او اشعال فتيل الاحداث التي اندلعت مع الاعلان عن مقتل الشاب ماسينيسا قرماح يوم 20 ابريل (نيسان) الاخير، اثر اصابته بثلاث رصاصات من سلاح دركي داخل مقر فرقة الدرك بقرية بني دوالة في ولاية تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة).

وقد اختلفت تعاليق الصحف المحلية الصادرة امس في الجزائر، حول مضمون تقرير ما يعرف بلجنة يسعد، بين من يعتقد ان ما ورد فيه يدعو الى اتخاذ تدابير فعالة تضع حدا للفساد الذي تعرفه مصالح الأمن وبين من يعتقد انه رغم ما كُتب فإن الفاعل او الجهة الحقيقية التي تقف وراء تلك الأحداث الدامية لم يحدد بعد. واذا كانت اجهزة الاعلام الحكومية قد ركزت على «تحقيق الرئيس بوتفليقة وعده في نشر التقرير كاملا غير منقوص»، فان صحيفة «ليبرتي» المقربة من التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية (حزب متمركز في منطقة القبائل) قد تساءلت «متى تسقط العقوبات»، واشارت الى ان الرأي العام هو الآن «متعطش اكثر من اي وقت مضى لمعرفة المصير الذي ستتخذه خلاصة تقرر لجنة التحقيق». في حين لم تخف صحيفة «صوت الاحرار» المقربة من حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة) تخوفها من ان يكون تقرير لجنة التحقيق «هو غاية في حد ذاتها»، واذا كان هذا صحيحا فان الجزائريين سيدركون ان هدف السلطة من تشكيل لجنة التحقيق هو «اقناع الناس هنا وهناك بأننا لسنا بحاجة للجنة تحقيق اجنبية (مثلما طالبت عدة اطراف)، وأصبح التحقيق هو غاية في حد ذاتها ولا يهم بعد ذلك ان تمت معاقبة المتسببين في ما حدث او تمت مواصلة التحريات من اجل معرفة هؤلاء».

وقد ركزت صحيفة «الوطن» القريبة من اوساط نافذة في السلطة على «ما لم يقله الاستاذ يسعد في تقريره»، ويتركز ذلك بالأساس في تحيد «الجهة التي امرت بإطلاق الرصاص على المتظاهرين»، وكأن اللجنة قد توقعت ان يطرح عليها هذا السؤال، فقدمت اجابة غير مباشرة مفادها انه اذا لم يكن هناك من امر بإطلاق الرصاص فانه لم يوجد من امر بوقف استعمال الذخيرة الحية ضد شباب منطقة القبائل. ويذهب تعليق الصحيفة الى حد المطالبة باستغلال فرصة نشر التقرير لإجراء تغيرات واسعة وشاملة وعميقة على مختلف اجهزة الامن «الدرك، الشرطة وبصفة خاصة قسم الاستعلام والامن (المخابرات)»، ويتهم كاتب التعليق جهاز المخابرات بـ«التخلي عن مهمته الاساسية، الدفاع عن سلامة الوطن، والانشغال بالتدخل في الشؤون السياسية حتى يحافظ على مواقع العصب التي تخرب البلد منذ اكثر من عشرين سنة». من جهتها تساءلت صحيفة «لوسوار دالجيري» إن كان قائد الدرك الوطني ووزير الداخلية سيخرجان عن صمتهما ليردا على الاتهامات الموجهة ضدهما من طرف لجنة التحقيق. في حين علقت يومية «لوكوتيديان دوران» في شكل تساؤل ان لم يكن تقرير لجنة الاستاذ يسعد «طردا مفخخا وضع بين ايدي الرئيس بوتفليقة» او ان هذا كان امرا مطلوبا من هذا الاخير حتى اذا قرر تغييرات في بعض المواقع الحساسة فانها لن تحسب على انها جاءت رغبة من الرئيس في تصفية حسابات مع اطراف في دوائر القرار.

وفي رد فعل اولي لهذا التقرير، ترى مصادر مقربة من قوات الامن ان «القراءة الاولية للتقرير تظهر نوعا من عدم الدقة والتحيز»، مشيرة الى ان «الدركيين لم يطلقوا الرصاص على المتظاهرين في الشوارع، بل فعلوا ذلك، او لنقل في اغلب الحالات، للدفاع عن ثكناتهم وحياتهم التي كانت مهددة». وتفضل هذه المصادر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، «انتظار ما سيقرره الرئيس في هذا المجال وكذلك ما تقوله العدالة التي رفعت اليها عدة ملفات». اما ممثلو اعيان القبائل، فقد شددوا على انهم لا يزالوا متمسكين بموقفهم ازاء لجنة التحقيق التي عينها الرئيس وتلك التي شكلها البرلمان، فهما، في نظرهم، «لجنتان غير معترف بهما، اذن لا نعترف بالنتائج التي تنتهي اليها، لاننا كنا منذ البداية نعلم ان سكان منطقة القبائل لم يثوروا لوحدهم ويشرعوا في حرق وتخريب مدنهم لو لم يكن هناك استفزاز واضح من جهات ما قامت عناصر الدرك بتنفيذها».