القضاءُ على حكم حماس قد لا يكون هدف إسرائيل الحقيقي.. ولكن تكتيكاتها الهجومية قد تؤدي إلى ذلك

محلل سياسي: الطريقة الوحيدة كي تفوِّت إسرائيل على حماس فرصة الحصول على الشرعية هو احتلال غزة بالكامل مرة أخرى

طفلة فلسطينية تبكي خلال جنازة احد اقاربها في بيت لاهيا شمال غزة امس ( ا ب)
TT

بينما كانت الدبابات والقوات الإسرائيلية تندفعُ صوبَ قطاع غزة، الليلة قبل الماضية، إيذاناً ببدء المرحلة الثانية من مسعى إسرائيلي لإنهاء الهجمات الصاروخية على بلداتها، ظهر تساؤل يتعلق بالعملية الإسرائيلية: هل من الممكن أن تتوقف الصواريخ لأي مدة زمنية في الوقت الذي تظل فيه حركة حماس تسيطر على غزة؟ وإذا كانت الإجابة هي: لا، فهل يعني ذلك أن الهدف الحقيقي من العملية هو الإطاحة بحماس كلية، بغض النظر عن التكلفة؟

بعد زيارة قامت بها إلى باريس يوم الخميس الماضي للتوضيح للسلطات الفرنسية، لماذا ترى أن ذلك ليس هو الوقت المناسب لوقف سريع لإطلاق النار، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني: «لا ريب أنه طالما حماس تسيطر على غزة، ستكون هناك مشكلة أمام إسرائيل، ومشكلة أمام الفلسطينيين ومشكلة أمام المنطقة كلها».

وذهب نائب رئيس الوزراء حاييم رامون إلى ما هو أبعد من ذلك ليل الجمعة الماضية، اذ قال في مقابلة تلفزيونية إن على إسرائيل ألا توقف هذه العملية ببقاء حماس مسؤولة عن غزة. واضاف رامون على القناة الأولى الاسرائيلية: «أعتقد أن ما نحتاجه هو الوصول إلى وضع لا نسمح فيه لحماس بالحكم، هذا هو الشيء الأكثر أهمية». ولم يدل رئيس الوزراء إيهود أولمرت ولا وزير الدفاع إيهود باراك بمثل هذه التصريحات. بيد أنه، ثمة قلق متزايد لدى القادة الإسرائيليين من أن أي تهاون في التعامل مع حماس سيمثل مشكلة لأهداف إسرائيل الواسعة على المدى الطويل، لأن ذلك سيدعم الحركة، التي تقول بوجوب تدمير إسرائيل. وكتب المحلل السياسي ألوف بين في صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة الماضي: «إذا ما انتهت الحربُ بلا غالب ولا مغلوب، كما هو متوقع، وأحجمت إسرائيل عن إعادة احتلال غزة، فإن حماس ستفوز باعتراف دبلوماسي، وستحصل حماس على الشرعية». وعلاوة على ذلك، فإن أيَّ هدنة محتملة ستتضمن زيادة في حركة المرور التجارية من إسرائيل ومصر إلى غزة، وهذا هو المطلب الرئيس لحماس وهو إنهاء المقاطعة الاقتصادية وفتح المعابر. ويقول القادة الإسرائيليون إن بناء الاقتصاد في غزة تحت (سيطرة) حماس، يعني بناء حماس. بينما سيعني منع مرور السلع التجارية إبقاء 1.5 مليون مواطن في غزة في حالة من اليأس والإحباط. وضمناً، يفيد رأي المحلل السياسي بأن الطريقة الوحيدة كي تفوِّت إسرائيل على حماس فرصة الحصول على الشرعية هو احتلال غزة بالكامل مرة أخرى، بعد أكثر من ثلاث سنوات من سحب الجنود والمستوطنين منها. وعملياً، لا يؤيد ذلك أحد سواء كان في إسرائيل أو خارجها. يبدو من الغطرسة أن نتحدث عن إزالة حماس من السلطة، لأنه لا يرى أيَّ شخصٍ تقريباً على اطلاع بالساحة السياسية في غزة والأراضي الفلسطينية أن ذلك أمر واقعي. وحصلت حماس على الأغلبية في انتخابات ديمقراطية قبل أربع سنوات. ولدى الحركة ما يقدر بين 15 ألف و20 ألف مسلح. وقد تمكنت من تعزيز حكمها خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة، إذ نجحتْ في نبذِ منافسِيها من حركة فتح، بزعامة الرئيس محمود عباس (ابو مازن). ومع أن هناك الكثير في غزة الذين يفضلون فتح، لكن لا يبدو أنهم منظمون او لديهم القوة الكافية كي يكونوا الحكام الجدد، حتى مع مساعدة الزملاء السابقين في المنفى برام الله، الذين يقولون إنه بأي صورة لن يعودوا إلى غزة على ظهر دبابة إسرائيلية. وفي الواقع، فإنه كلما قامت إسرائيل بإلقاء مزيدٍ من القنابل والقذائف على غزة لفترة أطول، زاد ضعف حركة فتح لأنه حينئذ ينظر إليها على أنها متواطئة. والنتيجة الأكثر احتمالية لتدمير البنية التحتية لحماس ستكون فوضى ولعنة ليس فقط لشعب غزة ولكن لمن يأملون في تحقيق السلام في جنوب إسرائيل. وخلال حملتها حتى الآن، التي تسببت في مقتل العشرات من الأطفال والمدنيين، لم تظهر إسرائيل أي لين في التعامل مع حماس ولم يقتصر عدوانها على الأهداف العسكرية، فقد وصل الى المساجد بزعم انها مخازن للأسلحة والجامعات، وسوت الكثير من المباني الحكومية بالأرض، ولم تزعم أنه كانت لهذه المباني أي طبيعة عسكرية. ويقول الكابتن بنيامين روتلاند، وهو متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: «تعد المباني الحكومية أماكن بها موارد مالية ولوجستية وبشرية تدعم الإرهاب، والكثير من الحكومة متورط في الدعم النشط والتخطيط للإرهاب». وبصورة مجملة، يوحي ذلك بأنه حتى إذا كانت إسرائيل تنوي عدم الإطاحة بحماس، فإن خياراتها التكتيكية الهجومية يمكن أن تؤدي إلى هذا الهدف بصورة من الصور. وفي النهاية، فانه إذا ما تم تدمير كمية كافية من البنية التحتية لحركة حماس، فإنه سيكون من الصعب حكم غزة، التي تتميز بكثافة سكانية كبيرة والاعداد الكبيرة من اللاجئين ويعاني اقتصادها بسبب الحصار. يذكر أن هناك انتقادات دولية لهذه الحرب ، ليس بسبب المعاناة التي تعرض على شاشات التلفزيون وحسب، ولكن لأن هناك إحساسا بأن إسرائيل جربت هذه الوسائل من قبل ولم تفلح يوما. ويشير الكثيرون على وجه الخصوص إلى حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، حيث كانت إسرائيل تحاول تدمير منصات إطلاق الصواريخ والبنية التحتية لمنظمة معادية، ولكن انتهى الأمر بمقتل عدد كبير من المدنيين، وأصبح حزب الله أكثر شعبية وربما أقوى مما كان عليه قبل الحرب. ويقول المخططون العسكريون إن التماثل غير دقيق وأنهم تعلموا الدرسَ، حيث أن غزة أصغر وأكثر انبساطا من جنوب لبنان، وما هو أكثر أهمية هو أنه ليس لها حدود مع دول مثل سورية يمكن أن تأتي من خلالها الأسلحة بصورة مستمرة. ويصرون على أن تدمير أنفاق التهريب من سيناء إلى غزة ومحو مستودعات الذخيرة ومواقع إطلاق الصواريخ، مع البنية التحتية التي تدعمها سيؤتي ثماره في النهاية. ويؤكد هؤلاء على أن الأمر قد يستغرق أسابيعَ أو شهورا، ولكنه في النهاية سيؤتي أكلهُ. ولكن إذا كان ذلك صحيحا، فما زالت ثمة أسئلة: ما هي الكلفة البشرية؟ ومَن سيتولى المسؤولية عندما ينقشع الغبار؟

* خدمة: «نيو يورك تايمز»