الأنفاق يبدأ حفرها في الجانب الفلسطيني وتسير بشكل متعرج داخل الأراضي المصرية وتنتهي بثلاث فتحات

يعتمدون في حفرها على الصبية الذين أصبحوا يلعبون بالفلوس ويقودون السيارات الفاخرة

TT

عبر طريق ترابي ضيق جداً لا يسع إلا سيارة واحدة بمنطقة البراهمة على الحدود بين مصر وغزة.. كانت شاحنة صغيرة تحمل صفائح مملوءة بالوقود تواصل سيرها وسط المنازل القديمة. وقال أحد سكان رفح «انظر هذا الوقود في طريقه للتهريب عبر الأنفاق».

ورغم عمليات القصف الإسرائيلي المتواصل لمناطق الأنفاق على طول الشريط الحدودي بين مصر وغزة، تقول مصادر أمنية وشهود عيان، إن عمليات التهريب عبر الأنفاق مستمرة لكنها تراجعت كثيرا بسبب المخاطر والقصف الاسرائيلي. ونتيجة لذلك أصبحت مخازن السلع التي تعد للتهريب إلى غزة مكتظة بالبضائع.

وقال عبد الفتاح سلام، 46 عاما: «هذه التجارة أوجدت طبقة جديدة من الأثرياء داخل مدينة رفح معظمهم من صغار السن وهناك عائلات شهيرة بالمدينة تعمل بكاملها في التهريب». وأضاف أن عملية تهريب واحدة تكفي أن تجد صبيا عمره 17 عاما بين ليلة وضحاها يمتلك سيارة».

وروى لنا عبد الفتاح قصة صبي احضر إلى والده ذات يوم 180 ألف جنيه مصري وطلب منه شراء سيارة قيمتها 120 ألف جنيه مقابل تقاضي الوالد 60 ألف جنيه الباقية.

وتعتبر السجائر والوقود والأرز والطحين والأدوية من أهم البضائع التي يتم تهريبها إلى غزة عبر الأنفاق في الفترة الأخيرة بعد إحكام الحصار على غزة.

وقالت مصادر أمنية مصرية إن استمرار القصف الإسرائيلي لمناطق الأنفاق لليوم الخامس عشر على التوالي، جعل هناك تباطؤا ملحوظا في نشاط التهريب عبر الأنفاق بين مصر وغزة. وتابعت: «نواصل مراقبة الحدود بشكل منتظم.. نراقب المنازل القريبة من الحدود بشكل دائم .. بعضها يدير أنفاقا مخبأة داخل حجرات المنزل وتستخدم غرفا أخرى للتخزين».

وعادة ما تكتشف الشرطة المصرية فتحات هذه الأنفاق في مناطق الأحراش والمزارع وداخل منازل بعض المواطنين على الشريط الحدودي مع غزة.

وأوضح أحد المقربين من بعض مهربي الأنفاق: «الحفر عادة يبدأ من الجانب الفلسطيني، حيث يعمل في هذه المهنة الآلاف من الاشخاص وعند وصول النفق إلى الجانب المصري يتم إخراج العلامة وهنا يكون دور الوسيط المصري الذي يؤكد أن هذا هو المكان الصحيح ليتم حفر الفتحة من الجانب المصري من الحدود». واضاف أن النفق الذي يبدأ من الجانب الفلسطيني يسير في خط متعرج حتى لا تعرف بدايته إذا ضبط من الجانب المصري، وعندما يقترب من الوصول إلى نهايته في الأراضي المصرية يتم عمل ثلاث فتحات أو أكثر للنفق الواحد حتى إذا تم وضبطت واحدة يظل العمل مستمرا عبر بقية الفتحات.

وأشار الى أن المصريين ليس لديهم أي خبرة في حفر الأنفاق وإنما هم قادرون فقط على إدارتها، حيث ترسل قائمة السلع المطلوبة من الجانب الفلسطيني وعند توفيرها يتم الاتصال لاستلام هذه السلع، حيث يصل المهربون الفلسطينيون إلى النفق ويتم إنزال البضائع التي تكون معبأة في أجولة بلاستيكية إلى داخل النفق حيث يلتقطها المهربون الفلسطينيون.

وعن الطريقة التي كان يتم بها نقل الخراف والعجول قال إن المهربين كانوا يضعون الفلفل الحار داخل مؤخرة الخراف فتجري مسرعة جدا داخل النفق.

وقال مسؤول محلي بمدينة رفح، طلب عدم ذكر اسمه، إن الأنفاق الموجودة على الحدود مع رفح الفلسطينية تهدد المنازل المصرية بالانهيار ومع حدوث انهيارات بها بسبب القنابل الإسرائيلية قد يؤدي ذلك إلى تهدم المنازل المصرية خاصة القريبة من خط الحدود.

وأضاف أنه تم تحديد مناطق الأنفاق على الحدود في مساحة تصل إلى نحو أربعة كيلومترات تمتد من منطقة الصراصورية وحتى البراهمة، حيث أن التربة في هذه المنطقة متماسكة بما يسمح بحفر الأنفاق في حين أن معظم بقية مناطق الشريط الحدودية رملية.

ويصل طول النفق الواحد إلى نحو 1200 متر بينما يصل عمقها إلى ما لا يقل عن 25 مترا وتتسع فتحة هذه الأنفاق لشخص واحد فقط. وعادة ما تكون مخبأة داخل حظائر تربية الطيور أو أسفل خزانات الملابس أو وسط الزراعات والأحراش.

وحسب المصادر الأمنية، فان السلطات المصرية تقوم بحملات تمشيطية مكثفة في منطقة الحدود بحثا عن أي أنفاق يشتبه أن فلسطينيين قاموا بحفرها بين الجانبين كما تمت زيادة عدد الدوريات الحدودية على طول الحدود المصرية مع غزة وإسرائيل لمنع أي عمليات تسلل أو تهريب تتم عبر هذه الحدود.

وتقول إسرائيل إن عملياتها العسكرية الآن تستهدف تدمير أنفاق تزعم بأنها تستخدم في تهريب السلاح. وتتهم إسرائيل مصر بأنها لا تبذل جهدا في القضاء على عمليات تهريب السلاح إلى غزة عبر الحدود.

إلا أن المصادر الأمنية المصرية تقول إن التهريب هو طبيعية أي منطقة حدودية وان مصر حريصة على مواجهة أي عمليات تهريب تتم عبر حدودها سواء كانت أسلحة أو سلع، وان مصر ضبطت خلال الفترة الماضية المئات من هذه الأنفاق وقامت بسدها.

وتتخلص السلطات المصرية من الأنفاق التي يتم ضبطها بطريقتين الأولى بسدها بالحجارة إذا كانت وسط منطقة سكنية والثانية بالتفجير إذا كانت في منطقة خالية.

ولا يخلو مجلس بين سكان رفح من الحديث عن الفئة الجديدة من مهربي الأنفاق وطريقة أنفاقهم. وفي مجلس حضرته «الشرق الاوسط» قال احد الحاضرين انه «شاهد صبيا يبيع سيارته بنصف ثمنها بعد أن حدث بها خدش بسيط جراء احتكاك مع سيارة أخرى خلال سباق». وأضاف آخر في تصريح لـ«الشرق الاوسط» «أن الصبي دفع خمسين جنيها مقابل كوب من الشاي داخل احد المقاهي والآخر دفع 50 جنيها مقابل كيسا من رقاقات البطاطا وزجاجة مياه غازية».

وتتواصل الأحاديث عن حكايات الأنفاق عندما قال شخص ثالث إنهم ذهبوا ذات مرة لتقديم واجب العزاء في وفاة سيدة من عائلة تشتهر بالعمل في التهريب فلم يجدوا أحدا وعلموا أن العائلة كانت منشغلة في عملية تهريب وعندما فرغوا منها جاؤوا لتلقي العزاء. وفي واقعة أخرى قال الحاضرون انه أثناء الحفر لدفن جثة أحد الموتى فوجئوا بوجود نفق أسفل المقبرة فأغلقوه مرة أخرى.

وكان وفد عسكري أميركي يتبع وزارة الدفاع قد وصل إلى منطقة الحدود بين مصر وغزة في يونيو (حزيران) الماضي للقيام بأعمال مسح لمنطقة الحدود بحثا عن أنفاق التهريب وتدريب رجال الأمن المصريين على معدات حديثة للكشف عن هذه الأنفاق.

وضم الوفد 14 عسكريا بينهم عدد من سلاح المهندسين إضافة إلى الملحقين العسكري والجوي بالسفارة الأميركية بالقاهرة.

وتعددت في الفترة الأخيرة زيارات المسؤولين الأميركيين والغريبين للمناطق الحدودية بين مصر وغزة وإسرائيل للتحقق من المزاعم الإسرائيلية بشـأن عمليات تهريب الأسلحة التي تتم عن طريق الحدود.

وهدمت مصر قبل نحو خمسة أعوام منازل كانت قد أقيمت على الحدود مباشرة مع رفح الفلسطينية لسكن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم كندا الذين تم نقلهم بعد ذلك الى منطقة تل سلطان بغزة كان بها عشرات الأنفاق التي تستخدم في التهريب.

ولا تستطيع مصر نشر جيشها على الحدود بموجب معاهدة سلام أبرمتها مع إسرائيل عام 1979، ويسمح اتفاق تم التوصل إليه عام 2005 لمصر بإرسال 750 من قوات حرس الحدود إلى المنطقة، وتقول مصر إن هذا العدد غير كاف.

وتتعرض مصر لضغوط لإظهار أنها تعمل على كبح عمليات التهريب على الحدود مع غزة.