مسؤول تركي لـ«الشرق الأوسط»: حماس في مفترق طرق.. وعليها أن تختار

مصادر تركية: أنقرة تفضل حوارا مباشرا بين الحركة وإسرائيل.. والمفاوضات مع سورية متوقفة لحين تشكيل حكومة إسرائيلية

عجوز فلسطينية تبكي قريبا لها قتل برصاص اسرائيل في غزة امس (ا ب)
TT

دعت تركيا حركة حماس إلى الاختيار بين أن تكون حركة سياسية تنتهج التفاوض لتحقيق أهدافها الوطنية وتعمل في إطار النظام السياسي الفلسطيني وبين أن تكون حركة مسلحة، موضحة أنها لا توافق على أشياء قامت بها حماس وأن الحركة ارتكبت أخطاء. وهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها تركيا عن حاجة حماس إلى التحول لحركة سياسية فقط والاختيار بين مسار التفاوض ومسار حمل السلاح، كما أنها المرة الأولى التي تتحدث فيها تركيا عن تصوراتها لما بعد وقف إطلاق النار في غزة، بعد 3 أسابيع من الهجوم الإسرائيلي على القطاع والذي وجهت فيه الحكومة التركية انتقادات غير مسبوقة إلى الحكومة الإسرائيلية بالرغم من العلاقات الوثيقة بين البلدين. وبينما قال بوراك اوزغارغن مستشار وزير الخارجية التركي علي باباكان لـ«الشرق الاوسط» إن: «أنقرة ترى حماس في مفترق طرق»، أوضح سركان سافليو أوغلو الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد «أسام» للدراسات الاستراتيجية في أنقرة لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف التركي لا ينبغي أن يرى على أنه تحول مفاجئ، موضحا أن وساطة تركيا في ملفات ساخنة بالشرق الأوسط هدفه النهائي «الجلوس على مائدة التفاوض» وانتهاج الأساليب السياسية، وأن الدعوة لحماس تأتي في هذا الإطار. وحول الموقف التركي من حماس، قال بوراك أوزغارغن مستشار باباكان لـ«الشرق الاوسط» إن: «أنقرة ترى حماس في مفترق طرق وعليها أن تختار بين حمل السلاح والانخراط في العملية السياسية»، موضحا في اتصال هاتفي من لندن أن: «تركيا لا توجه النصح لحماس. لكن يجب على حماس أن تتخذ ما تراه ضروريا من خطوات». وتابع: «وزير الخارجية باباكان قال إننا لا ندين بالضرورة كل ما تفعله حماس.. لكن على حماس أن تختار كيف تتحرك للأمام. هذا يرجع إليها». وأوضح المسؤول التركي أن باباكان عندما تحدث للصحافة التركية حول الموقف من حركة حماس لم يستخدم وصف «إرهاب»، كما ورد في عنوان صحيفة «ميليت» التركية، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «قالت صحيفة ميليت في عنوانها إن باباكان قال إن على حماس أن تختار بين الإرهاب وبين مسار التفاوض. وهذا ليس صحيحا، فما قاله باباكان هو أن على حماس أن تختار بين حمل السلاح وبين مسار التفاوض». وكان وزير الخارجية التركي قد قال في تصريحات لصحيفتي «ميليت»، تصدر بالتركية، و«راديكال»، تصدر بالتركية والإنجليزية أمس إن على حماس تحديد موقفها في قضية الصراع في الشرق الأوسط بشكل واضح. وأوضح باباجان «على حماس أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون منظمة مسلحة أم حركة سياسية.. اقتراحنا هو أن تعمل حماس في إطار النظام السياسي الفلسطيني». كما أكد الوزير التركي أن بلاده تؤيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية. وتابع: «انتقدنا العملية الإسرائيلية منذ اليوم الأول، تلقينا بيانات شفوية ومكتوبة من منظمات يهودية قلقة خصوصا في الولايات المتحدة. قالوا لنا إن العداء للسامية لا يجب أن يتم منحه مساحة في العلاقات التركية-الإسرائيلية. نحن أخذنا ردود الأفعال هذه في حسابنا. العلاقات التركية –الإسرائيلية يمكن أن تتضرر على المدى القصير، لكن لا أتوقع تأثيرا سلبيا على المدى المتوسط والطويل». وذكر باباكان أن «حماس حصلت على نسبة 44% من نسبة أصوات الفلسطينيين في آخر انتخابات. ومن المستحيل إنكار هذه القاعدة الشعبية»، مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة أن تسوي حماس وفتح صراعهما حتى يتمكنا من إعادة إعمار غزة وتقرير مستقبل الفلسطينيين. كما شدد على ضرورة إنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة.

ووصف وزير الخارجية التركي وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بأنه «هش»، محذرا من أن أي «شرارة صغيرة» يمكن أن تعيد المنطقة إلى الحالة التي كانت عليها خلال الحرب في غزة. وتابع: «يجب أن يحدث توافق بين الجماعات الفلسطينية. في غزة، هناك حقيقة وجود حماس. لكن بالرغم من ذلك، نحن لا نوافق على أشياء قامت بها حماس. لقد ارتكبوا أخطاء أيضا. في الجانب الآخر من المستحيل تحقيق السلام مع تجاهل حماس. يجب إيجاد تسوية وسطى بين الموقفين». ووصف باباكان الحرب الإسرائيلية في غزة بأنها «وضع خاسر-خاسر.. نحن نواجه وضعا الجميع فيه خاسر. صورة إسرائيل تدهورت. التيار المعادي لإسرائيل بين العرب ازداد قوة. وانقسم العالم العربي على نفسه». وكانت تركيا قد وجهت انتقادات غير مسبوقة إلى إسرائيل بسبب الحملة العسكرية على غزة، ردا على الصواريخ التي تطلقها حماس. ووصف أردوغان الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة بأنها «جريمة ضد الإنسانية»، قائلا إن إسرائيل استخدمت القوة بشكل غير متناسب أمام مدنيين عزل. كما قال أردوغان أمام البرلمان التركي «أن لعنة ستحل على إسرائيل بسبب قتل الأطفال»، و«يقولون إن انتقاداتي حادة. أعتقد أن تصريحاتي ليست بمثل حدة القنابل الفسفورية أو الصواريخ. أنا أتحدث كإنسان وكمسلم». وأدت تصريحات أردوغان إلى صدمة داخل إسرائيل، وقلق على العلاقات الثنائية بين البلدين. وبينما أيد الشارع التركي موقف حكومة أردوغان، أعرب سياسيون أتراك ودبلوماسيون سابقون وقادة أحزاب معارضة عن تخوفهم من أن الطريقة التي تحدث بها رئيس الوزراء التركي يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بمساعي تركيا لتكون وسيطا بين إسرائيل وباقي الأطراف في الشرق الأوسط، متهمين الحكومة التركية بأنها مالت إلى جانب حماس خلال الأزمة، توافقا مع الشارع، خاصة ان تركيا على أبواب الانتخابات البلدية المقررة في مارس (آذار) المقبل والتي بدأ أردوغان شخصيا حملة حزب العدالة والتنمية فيها. لكن بالرغم من الموقف التركي، إلا أن حجم الاتصالات والتبادل التجاري والعلاقات الدفاعية لم تتأثر بين أنقرة وتل أبيب. ولم يهدد أي من الطرفين بتجميد اتفاق التعاون العسكري الذي وقع بينهما عام 1996. يذكر أنه منذ وقع الاتفاق العسكري، قامت إسرائيل بتحديث 200 دبابة تركية من طراز «إم 60»، وطائرات مقاتلة، كما قام طيارون إسرائيليون بالتدريب في قاعدة جوية تركية، حيث كانوا يجرون تدريبات على الطيران من تل أبيب إلى قاعدة جوية في أنقرة. كما زودت إسرائيل أنقرة مؤخرا بطائرات مراقبة متقدمة لمراقبة نشاطات عناصر حزب العمال الكردستاني على الحدود الجنوبية الشرقية. من ناحيته، قال سركان سافليو أوغلو الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد «اسام» للدراسات الاستراتيجية بأنقرة لـ«الشرق الأوسط» إن التصريحات التركية حول حماس لا ينبغي أن ترى على أنها تحول في النهج التركي، موضحا: «الوساطة التركية قائمة على فكرة التفاوض. بمعنى أن الهدف النهائي لأي وساطة تركية في أي قضية هو أن نصل لمرحلة التفاوض. حماس هي الطرف الآخر في عملية التفاوض، وتركيا تسعى لمحادثات بين حماس وإسرائيل، وهي ستحاول أقناع حماس بالتفاوض المباشر مع إسرائيل». كما أوضح أن التحركات السياسية التركية المحمومة في ملفات الشرق الأوسط والتي تزايدت وتيرتها في الأشهر الأخيرة تأتي انطلاقا من اعتقاد تركيا ان مستقبل التطورات في الشرق الأوسط سيعتمد إلى حد كبير على نوع العلاقات الإيرانية –الأميركية خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، مشيرا إلى أن الانغماس التركي تحركه رغبة أنقرة في أن تمارس دورها الطبيعي في المنطقة بقدر حجمها ومصالحها. وأوضح سافليو أوغلو أن الفرق بين إدارة أوباما وبين إدارة جورج بوش قبله هو أن «إدارة أوباما قالت إنها ستتحاور مع جميع الأطراف وهذا مهم. لكن ما هو مهم أيضا، بالنسبة لتركيا، هو نوع التوافق الذي سيتم التوافق عليه بعد التفاوض. نوع التوافق مع إيران، ومع حماس، ومع لبنان ومع حزب الله. كل هذا مهم بالنسبة لتركيا. وسنكون منخرطين في كل هذه القضايا لأن أي شيء يحدث في هذه المنطقة يؤثر على تركيا. فبعد الغزو الأميركي للعراق عانينا جدا في تركيا لأنه بدأت تتكثف المشاكل في المنطقة، خصوصا مع إيران وهذا خطر علينا في تركيا». وبعد أربع جولات من الحوار غير المباشر بين إسرائيل وسورية، يعتقد أن الوساطة التركية بين الطرفين ستتوقف لفترة انتظارا لنتيجة الانتخابات الإسرائيلية، وقال سافليو أوغلو في هذا الصدد: «يعتمد استئناف المفاوضات الإسرائيلية -السورية بوساطة تركية على نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، 10 فبراير (شباط) المقبل. فبعد الانتخابات سنرى تشكيلة الحكومة الإسرائيلية، والسياسات التي ستتبعها الحكومة الإسرائيلية حيال غزة والسلام مع الفلسطينيين». ومن غير الواضح بعد تأثير الصريحات التركية على العلاقات مع حماس، خصوصا ما يتعلق بدعوة أنقرة لحماس بأن تكون جزءا من النظام السياسي الفلسطيني، وتأكيد أنقرة أنها تؤيد محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية. كما من غير الواضح ما إذا كان هناك تنسيق تركي مع حماس بشأن هذه المواقف. واتصلت «الشرق الأوسط» بمسؤولين من حماس من بينهم أبو عمر مخلص من مكتب خالد مشعل, إلا أنه رفض التعليق. وكان 8 من الفصائل الفلسطينية في دمشق قد قالت أول من أمس في بيان أنها لا تعترف برئاسة عباس.