الخارطة السياسية العراقية على بساط الانتخابات الأحمر.. ومفاجآت قد تقلب المعادلة

قائمتا «شهيد المحراب» و«دولة القانون» تتجاذبان الوسط والجنوب.. والسنية تريد تعويض ما فاتها.. والليبرالية رائجة في المناطق المختلطة

TT

فيما يتنافس في انتخابات مجالس المحافظات بعد غد أكثر من 14431 مرشحاً لحصد 440 مقعداً في 14 مدينة من أصل 18 مدينة عراقية، عدا مدن إقليم كردستان الثلاث ومدينة كركوك، على أصوات حوالي 15 مليون عراقي، يتخوف العديد من هؤلاء المرشحين من أن تعيد انتخابات مجالس المحافظات الوجوه ذاتها إلى الخارطة السياسية العراقية.

فالقوائم ذات الطابع الديني ما زالت تتصدر المشهد السياسي في مناطق الوسط والجنوب مثل قائمة «دولة القانون» التي يترأسها رئيس الوزراء نوري المالكي وحزبه الديني المعروف «الدعوة» على الرغم من الانشقاقات التي حصلت في صفوفه، كان آخرها تشكيل تيار الإصلاح الوطني لإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الأسبق الذي خرج من الدعوة.

وتشير التوقعات إلى أنه لن يحصد ما سيحصده المالكي من أصوات. ويقف في الوجه الآخر لهذه التيارات الدينية قائمة شهيد المحراب للمجلس الأعلى الإسلامي الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم، فيما نأى التيار الصدري عن إعلان نفسه مباشرة في هذه الانتخابات مرتئياً تأييد قوائم باسم غير اسم التيار الصدري خوفاً من أن يجيّر الاسم كأنصار لجيش المهدي الذي عدت الحكومة أنصاره من الخارجين عن القانون. في الوقت نفسه قد يدخل حزب الفضيلة ومرشحوه حيز التنافس في بعض مناطق الجنوب وخصوصاً محافظة البصرة.

وشكل حزب الدعوة والفضيلة والمجلس الأعلى والتيار الصدري نواة أساسية للائتلاف العراقي الموحد الذي دخل انتخابات عام 2005 والذي سرعان ما انفرطت حباته بخروج بعض تلك المكونات من الائتلاف.

ويرى د. حميد فاضل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، والمحلل السياسي، أن الانتخابات الحالية لها خصوصية أكثر من الانتخابات السابقة ولعدة عوامل وأوضح لـ «الشرق الأوسط» «أن العامل الأول، يكمن في الظرف الحالي كونه أكثر ملاءمة للناخب بأن يختار الشخص المناسب، وأيضاً العامل الأمني الذي يشهد تحسناً ملحوظاً عن السابق، فضلاً عن زيادة الوعي للفرد العراقي سيما وأن الأخير أصبحت لديه خبرة في ممارسة هذه التجربة أكثر من السابق» متوقعاً «أن يحصل تغيير كبير في الخارطة السياسية» وعلل ذلك بالقول إن «القوائم التي حصلت على نسبة كبيرة من المقاعد في السابق لن تحصل على النسبة نفسها في هذه الانتخابات والتي تتعلق بحجم الإنجازات التي لم يتحقق منها الشيء الكبير ولم تكن بالمستوى الذي تمناه الناخب».

وقال أيضاً «إن الساحة السياسية في العام 2004 اقتصرت على عدد قليل من القوائم وكان لها وزن لموقفها الجهادي والنضالي من النظام السابق، أما الآن فإن الساحة انفتحت على قوة أكبر، حيث يوجد في بغداد وحدها ما يقارب 106 كيانات، فضلا عن آلية الانتخابات التي تعتمد على القائمة المفتوحة وبالتالي فإنه من الممكن أن يكون هناك فوز أشخاص وليس للقوائم». وحول التوقعات بفوز قائمة دون غيرها أوضح المحلل السياسي «أن قائمة دولة القانون والتي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالكي ستكون في المقام الأول، كونها لا ترتبط بأشخاص القائمة بقدر ما ترتبط بالرمزية التي حصل عليها المالكي، والنجاحات التي حققها والتي قلبت المعادلة بشكل كبير، ثم تليها قائمة شهيد المحراب التابعة للمجلس الأعلى، وتليها قائمة الإصلاح الوطني بزعامة إبراهيم الجعفري، أما باقي الكتل فسيكون لها وجود وتأثير ولكن بنسب قليلة، كون تلك الكتل (ومنها التوافق) انقسمت على نفسها شأنها شأن الائتلاف الموحد» إلا أنه رجح أن تكون هناك مفاجأة بأن تحظى قائمة الحزب الدستوري بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني بتأييد كبير سيما أن لديها ثقلا في الأجهزة الأمنية.

ويتوقع معين الكاظمي رئيس مجلس محافظة بغداد الحالي وهو أحد المرشحين عن قائمة «شهيد المحراب» أن يتجه أبناء العاصمة بغداد مرة أخرى نحو الأحزاب الدينية، متوقعاً أن يكون هناك تخندق طائفي في عملية الانتخاب، فالمناطق الشيعية ستنتخب القوائم الشيعية والمناطق السنية ستنتخب السنة والذين لم يشاركوا بشكل فعال في الانتخابات السابقة سيدخلون بكل ثقلهم في هذه الانتخابات. ويقول إن المجلس الأعلى الإسلامي كان قد حصد أكثر المقاعد في المجلس السابق ويتوقع الآن أن تكون قائمة شهيد المحراب ودولة القانون هي المتصدرة مرة أخرى. ويتنافس على مقاعد مجلس المحافظة 57 بغداد 2400 مرشح من أصل 111 كياناً ويتوقع المراقبون أن السنة هذه المرة سيحصدون 13 مقعداً من مقاعد مجلس محافظة بغداد.

ويتنافس في مدينة الموصل أكثر من 420 مرشحاً على 37 مقعداً لمجلس المحافظة والتي لم يشارك العرب السنة فيها في الانتخابات السابقة كما يؤكد عصام عايد الجبوري وهو الأمين العام لحزب الإصلاح والعدالة والمنسق العام لتجمع القوى القومية والوطنية، أحد أهم مكونات قائمة الحدباء في مدينة الموصل. ويرى الجبوري أن العرب السنة لم يشاركوا في الانتخابات السابقة فحصل التحالف الكردستاني على أغلب المقاعد في مجلس المحافظة وجاءت البقية عن طريق التعيين بعد أن قتل بعضهم واستقال البعض الآخر. وتوقع أن تسير الأمور هذه المرة لصالح العرب السنة في الموصل حيث إن قائمة الحدباء تحوي العديد منهم وأهم مكوناتها تجمع القوى القومية والوطنية وتجمع الحدباء الموحد والحزب الجمهوري وجماعة الشيخ عبد الله عجيل الياور. وأضاف الجبوري أن قائمة الحوار الوطني لصالح المطلك تأتي في المرتبة الثانية ثم قائمة الحزب الدستوري وقائمة دولة القانون وقائمة «العراق لنا» لعبد الرزاق السلطان وقائمة الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية لجمال الكربولي وآخرها قائمة الحزب الإسلامي. ويتوقع أثيل النجيفي وهو المنسق العام لقائمة الحدباء الوطنية أن تتغير الخارطة السياسية في مدينة الموصل تماماً بعد هذه الانتخابات كون العرب السنة سيشاركون بشكل فعال فيها، مشيراً إلى أن الرؤية الأولية تشير إلى تفوق قائمة الحدباء على باقي القوائم، كونها تطالب بعروبة الموصل وتلتزم بها العشائر بشكل فعال.

وفي الغرب العراقي تحتدم حرب التصريحات بين مجالس الإنقاذ والصحوات من جهة، والحزب الإسلامي من جهة أخرى. فبينما يهدد حميد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار بحدوث كارثة فيما لو تم صعود الحزب الإسلامي مرة أخرى إلى مقاعد مجلس المحافظة، يؤكد عبد السلام العاني رئيس مجلس محافظة الأنبار الحالي والذي لم يرشح للدورة الجديدة أن الحزب الإسلامي يستحوذ الآن على نصف المقاعد، بينما يتوقع له أن يحصد الثلث في الانتخابات المقبلة.

ويتنافس 465 مرشحاً في محافظة الأنبار على 29 مقعداً في المجلس ويقول العاني إن السبب وراء تراجع الأصوات المتوقعة للحزب الإسلامي والذي هو أحد أعضائه ليس بسبب ما قيل عن السلوك في المحافظة بل بسبب عزوف المجتمع السني بشكل عام والأنباري بشكل خاص عن المشروع السياسي والذي كان أحد مكوناته الحزب الإسلامي إسهاماً منه في عدم تغييب الصوت السني في هذه العملية. وقال العاني إن قائمة «العشائر للتنمية» والتي تكوّن جبهة «التوافق» جزءًا منها هي المرشحة للفوز بأعلى الأصوات، مؤكداً أن مرشحي الصحوات سيكون لهم مقاعد أيضاً لكنه أكد أن لا وجود لمجالس الإنقاذ في مجلس المحافظة. إلى ذلك، يؤكد الدكتور فاضل الكبيسي، أستاذ التاريخ وأحد أهم الأسماء التي يتوقع لها الفوز في محافظة الأنبار بأعلى الأصوات، أن الخلاف بين الحزب الإسلامي ومجالس الإسناد لا يتعدى كونه خلافاً في وجهات النظر ولم يتطور الأمر إلى إعلان الحرب بينهما كما روج له بعض وسائل الإعلام. ويشير إلى أن مجالس الإسناد لم يكن لها حضور في المجلس السابق ومن الطبيعي أن يؤشر الذي خارج المجلس بعض أخطائه ربما أكثر من الذين يعملون فيه ولذلك حصلت الهوة التي أدت إلى الخلاف، مؤكداً أن الساحة السياسية في الأنبار ستقرأ في القريب العاجل أسماء وكيانات كانت شبه غائبة عن الواقع السياسي العراقي، مؤكداً أن الساحة السياسية من خلال هذه الانتخابات ستفرش البساط أمام انتخابات برلمانية أكثر قوة وتفاعلا ومنها سيتم تشكيل حكومة ربما ستكون لها أسماء وكيانات جديدة.

أما في محافظة صلاح الدين التي عزفت بشكل شبه كامل عن الانتخابات عام 2005 وهي المدينة التي ولد في إحدى قراها «العوجة» الرئيس السابق صدام حسين فهي تقرأ اليوم جداول جديدة ورؤية مختلفة عن الانتخابات السابقة، كما يؤكد عبد الله حسين جبارة نائب محافظ صلاح الدين الذي بدا أثناء اتصال «الشرق الأوسط» معه من محافظة صلاح الدين سعيداً جداً بالإقبال على صناديق الاقتراع للفئات الخاصة في الانتخابات أمس وقال «كان الإقبال منقطع النظير مما يؤشر أن يوم الانتخابات سيكون على عكس الانتخابات السابقة تماماً» ويتنافس على مقاعد مجلس المحافظة 614 مرشحاً من 44 كياناً على 28 مقعداً.

ويؤكد جبارة أن أهالي صلاح الدين عرفوا الخطأ الذي وقعوا فيه في الانتخابات السابقة عندما أضاعوا أصواتهم لتبرز إلى الساحة كيانات ربما لا تمثلهم في الحركة السياسية العراقية. ويقول جبارة إن عدة قوائم تتنافس على شغل مقاعد المجلس من بينها جبهة المشروع الوطني والقائمة العراقية وجبهة التوافق وقائمة صلاح الدين الوطنية وقائمة الحل لجمال ناصر الكربولي، مشيراً إلى أن قائمة شهيد المحراب وقائمة دولة القانون ركزت على مناطق الدجيل وبلد ذات الغالبية الشيعية.

وفي شرق العراق حيث محافظة ديالى التي كانت هي الأخرى أحد أهم معاقل تنظيمات القاعدة إضافة إلى الأنبار التي انتفضت من خلال تشكيل الصحوات من العشائر وقامت بعمليات طرد مسلحة لتنظيمات «القاعدة» في ديالى، ما زالت هناك معاقل لـ«القاعدة» وتؤكد مصادر مطلعة لـ «الشرق الأوسط» أن بعض القرى والمدن داخل المحافظة مازالت تخشى التنظيمات الإسلامية ومنها تنظيم دولة العراق الإسلامية وأن هناك ضغوطات على الناخبين في هذه القرى لترشيح أسماء تدعمها تلك التنظيمات..

وفي محافظة بابل يتوقع المراقبون فيها أن يكون الإقبال على الانتخابات كبيراً جداً في الوقت نفسه الذي توقعوا فيه أثناء أحاديث متفرقة مع «الشرق الأوسط» أن تكون هناك حظوظ للقوائم الليبرالية والعلمانية في الترشيح من قبل الناخبين كنوع من التجربة الجديدة لحياتهم الجديدة، ويتنافس 1450 مرشحاً في محافظة بابل على 30 مقعداً في مجلس المحافظة. ويقول صباح علاوي أحد أهم الأسماء المطروحة في بابل، وهو من القائمة العراقية إن احتمالية التزوير واردة في جميع المحافظات، لكنه توقع أن تكون هناك مفاجآت كبيرة على الساحة السياسية العراقية بعد تردي الأوضاع الخدمية للمواطنين والبطالة التي عانى منها الكثير وهذا الأمر، حسب علاوي، أدى إلى تغيير الرأي العام في مدن كثيرة في العراق، مؤكداً أن المناطق المتداخلة سنياً وشيعياً هي الأكثر تفتحاً في اختيار القوائم العلمانية التي تسعى إلى التغيير.

وفي الديوانية التي يتنافس على مقاعد مجلسها 893 مرشحاً لشغل 28 مقعداً فقد أكد سياسيون مقربون من المجلس الحالي أن حظوظ المجلس الأعلى الإسلامي وقائمة دولة القانون فيها كبيرة في الوقت الذي ستتراجع فيه حظوظ القوائم العلمانية والمستقلة. ويعول بعض السياسيين الليبراليين على إمكانية حدوث تغيير واضح في الخريطة السياسية في محافظة البصرة لصالح القوى العلمانية والديمقراطية بعد تصدع وانشقاق القوى الإسلامية والتيارات الدينية. وقال المحامي نوري الوافي أمين عام الحركة الاشتراكية العربية «إن الأجواء في الوقت الحاضر مهيأة لصالح القوى الليبرالية والديمقراطية العلمانية نتيجة التصدع القائم في الجبهة الإسلامية وفي التحالفات الإسلامية من جهة، ونتيجة فشل التيارات والأحزاب الدينية القابضة على السلطة في إقناع الناخبين مرة أخرى بالتصويت لصالحها بعد مرور خمسة أعوام من الإحباط والصراعات الذاتية على السلطة من جهة أخرى. وفي أجواء شد المرشحين لأكبر عدد من الناخبين يحاول رؤساء العشائر القاطنون في مركز المدينة أن يمنحوا أنفسهم مقدرة على صناعة الملوك وضمان فوز من يكسب ولاءهم، فلا يخلو مقر أو مركز دعاية للكتل والمرشحين من وجود ومرابطة أعداد منهم، وتصاعد أحاديثهم عن تحشيد آلاف الناخبين من أبناء عمومتهم، لكن الجميع لا يضمن ولاءهم ويشكك بمبدئية أغلبهم حسب أوساط سياسية مطلعة.

وقال الشيخ كاظم عبود رئيس عشيرة ومتصدر قائمة أعيان البصرة «أنا لا أصدق بعد فرز الأصوات وإعلان النتائج من يقول إنه منح صوته لقائمتي إلا بعد أداء القسم»..

وفي كل ذلك ينتظر المراقبون ما ستفرزه الأيام والساعات القليلة المقبلة فيما إذا كانت تلك الساعات ستغير مجرى الحياة السياسية، باعتبار أن هذه الانتخابات ستضع البساط الأحمر أمام انتخابات برلمانية نهاية العام، وبساط آخر أمام حكومة جديدة ستؤطر حياة العراقيين بالشكل الذي ستفرزه حتماً ورقة الاقتراع التي ستوضع في صندوق الاقتراع السبت.