الصحافيون العراقيون بين التزام حرية الصحافة وإغراء الأرض المجانية

المالكي تعهد بمنحهم قطع أراض سكنية.. وبعضهم يرفض ويحذر: هذه نهاية الصحافة المستقلة

TT

في اجتماع عقده مؤخرا مع اتحاد الصحافيين العراقيين، تعهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بما من شأنه أن يفزع نظراء الصحافيين العراقيين من الأميركيين، حيث ستمنح الحكومة قطع أراضٍ لآلاف من الصحافيين، بسعر رمزي أو حتى مجانا.

وقال مؤيد اللامي رئيس اتحاد الصحافيين «إن قرار توزيع الأراضي على الصحافيين جزء من عدة حقوق يجب أن يحصل عليها الصحافيون. هذه الحقوق اجتماعية وقانونية لصالح المواطن، المواطن الصحافي».

غالبا ما يقول المحللون السياسيون إن الديمقراطية تتطلب ما هو أكبر من الانتخابات الحرة، فهي تحتاج إلى مؤسسات مدنية ديمقراطية مثل الصحافة الحرة. ولكن تشير شعبية برنامج منح الأراضي للصحافيين إلى التحديات التي توجه المبادئ الديمقراطية الجديدة عندما تصطدم بالاستحقاقات والعلاقات الودية التي لم يشكك فيها أحد من قبل. وكانت الحكومة تتعهد بمنح الأراضي للصحافيين منذ أعوام، وتوجد شكوك حول متى سيحدث ذلك فعلا، وما إذا كان سيحدث من الأصل. وصرح ياسين مجيد، وهو من مستشاري المالكي، بأن العملية تسير قدما وأن الخطة الحالية تقضي بمنح مساحات أراضٍ في جميع أنحاء البلاد لأكبر عدد ممكن من صحافيي الاتحاد.

ولكن هناك بعض الشكوك التي تسري بين الصحافيين في استحقاقهم لها.

ويقول اللامي، الذي يمثل الاتحاد الذي يرأسه 10 آلاف موظف في وسائل الإعلام الحكومية والحزبية والخاصة، إن الصحافيين يستحقون دعم الحكومة نظرا للصعوبات التي يواجهونها في عملهم. ومنذ ستة أعوام، أعلنت لجنة حماية الصحافيين أن العراق أخطر مكان في العالم للصحافيين. ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، كما صرحت اللجنة، قتل 114 صحافيا عراقيا، في تبادل إطلاق النار أو تفجيرات أو حوادث اغتيال. وتقول منظمات صحافية محلية إن الرقم أكبر بكثير من ذلك.

وتمت خصخصة جزء كبير من وسائل الإعلام فيما تحصل الأغلبية العظمى من العراقيين على رواتب زهيدة للغاية لا يمكنهم أن يدخروا منها. وعلى عكس موظفي الحكومة، ليس لديهم أمان وظيفي ولا يتمتعون بتأمين صحي أو على الحياة أو معاشات.

وكان اتحاد الصحافيين يسعى للحصول على تعويض من خلال برنامج آخر منذ عصر حكومة صدام حسين؛ وهو منح الأراضي. وعلى مدى عقود، كانت الأراضي تمنح للجنود والضباط وموظفي الحكومة المقربين. وطلب الاتحاد أيضا الحصول على معاشات، بالإضافة إلى تقليل أسعار التذاكر للصحافيين في شركة الخطوط الجوية الحكومية.

ويقول ماهر فيصل مدير تحرير جريدة الدستور المستقلة «إن دعم الحكومة ليس حقا، ولكنه ضرورة، حيث يعاني الإعلام والصحافيون من التهميش في هذه البلاد». وقال فيصل إنه يأمل ألا تكون هذه الصفقة وراءها دوافع سياسية، وأضاف «ولكن الصحافيين يحتاجون إلى الطعام».

لكن يتحدث قليل من الصحافيين عن نوع آخر من البقاء، وهو حرية الصحافة الناشئة في العراق. وقال هادي جلو مرعي إن خطة توزيع الأراضي «ستفتح الباب أمام التدخل الحكومي». ويقول زياد العجيلي، مدير مرصد الحريات الصحافية، عن منح الأراضي للصحافيين «لن آخذها حتى وإن كان علي أن أعيش في خيمة. فبمجرد أن تحصل عليها، ستكون هذه هي نهاية الصحافة المستقلة في العراق». واعترف بالصعوبات التي يواجهها الصحافيون العراقيون، حيث تحتفظ منظمته بسجل من حالات الاعتقال والقتل والضرب التي يتعرض لها الصحافيون، بالإضافة إلى انتهاكات الحكومة لحريات الصحافة. ولكن أفضل طريقة لحل هذه المشكلات، على حد قوله، من خلال المزيد من الصحافة وليس المنح الحكومية. وقال عن زملائه «إنهم لا يفكرون في المستقبل. وإذا فكروا في المستقبل كصحافيين مستقلين، يمكننا أن نفعل أشياء كثيرة».

وفي عصر صدام حسين، كان الصحافيون يسيرون على خط رفيع. كان هؤلاء الذين يتشددون في كتاباتهم يتعرضون للسجن والتعذيب. ولكن كان حسين، الذي كان ابنه عُدي رئيسا لاتحاد الصحافيين، يعرف كيف يستخدم الجزرة أيضا. وقال الصحافيون الذين عملوا في تلك الفترة إنهم كانوا يجدون مساحة من الحرية لانتقاد مسؤولي الحكومة طالما لم يمس صدام حسين وابنه ومصالحهما الخاصة. وكان هؤلاء المفضلون لدى صدام يحصلون على أموال وفيرة وسيارات وأراض.

ومنذ الإطاحة بحكومة صدام عام 2003، تكاثر عدد المؤسسات الإخبارية الخاصة، بعضها مستقل وكثير منها يتبع أحزابا سياسية. وينص الدستور العراقي الجديد على تقديس حرية الصحافة، وهو يضمن حقوقها «طالما لم تنتهك القوانين والأخلاق العامة». وتقلص القوانين، التي تجرم أنواعا معينة من التعبير، من هذه الحقوق إلى حد ما.

ولكن في بعض الأحيان تتصرف السلطات الجديدة مثل القديمة. وعلى سبيل المثال، دفعت شركة علاقات عامة أميركية، يستعين بها الكونغرس، أموالا لصحافيين عراقيين من أجل الحصول على تغطية جيدة. وقد أغلق كل من التحالف الأميركي والحكومة العراقية مؤسسات إخبارية واعتقلا صحافيين، أحيانا، بدون تهمة أو باتهامات غير واضحة بدعم الإرهاب. وفي العام الماضي، احتل العراق المرتبة رقم 158 من بين 173 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي تضعه منظمة مراسلون بلا حدود، وهي جمعية مراقبة إعلامية.

ولكن لا تندثر العادات السيئة للصحافيين بسهولة أيضا. ويقول صادق الموسوي، الذي يدير وكالة الأنباء العراقية «وعل» «ما زال الاتحاد يستجدي من أصحاب النفوذ ويعمل جاهدا من أجل إرضاء الحكومة. وعندما يبدأ السياسيون في الخوف منا، يعني هذا أننا أصبحنا صحافيين حقيقيين». لكن ياسين مجيد يؤكد أن برنامج الانتفاع البسيط لا يعني أن الحكومة تتوقع أي شيء في المقابل. ولم يكن اللامي، رئيس الاتحاد، مهتما كذلك بأن البرنامج من الممكن أن يعرض نزاهة الصحافيين للشبهات، وقال «لا أخشى على مصداقية الصحافة في العراق بعد هذه القرارات. بل على النقيض، أخشى من الحكومة إذا قلنا أو كتبنا شيئا صادقا ضدها في المستقبل. فربما يأخذون حقوقنا إذا انتقدناهم في شيء ما. ولكن بمجرد أن نحصل على الأراضي ونسجلها بأسمائنا، لن يستطيعوا أن يأخذوها».

* خدمة «نيويورك تايمز»