سيف الإسلام القذافي لـ«الشرق الأوسط»: لا يمكن للدولة أن تتمحور حول شخص واحد

قال إن ليبيا في حاجة لدستور يشارك فيه الجميع.. وإن انسحابه من العمل العام لا رجعة عنه

TT

قال المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد معمر القذافي إنه لا ينوى التراجع عن قراره الذي اتخذه العام الماضي بشأن الانسحاب من الحياة السياسية والشأن العام في ليبيا على الرغم من المظاهرات التي تنظمها بعض الجماعات المحسوبة عليه لمناشدته بالعودة، ومطالبة والده العقيد القذافي بالتدخل، مؤكداً مع ذلك أنه سيقف بالمرصاد لأي شخص داخل ليبيا يتوهم أن غيابه يعنى انتهاك حقوق الليبيين. وأشار سيف الإسلام الذي يدير مؤسسة القذافي للتنمية وهى مؤسسة خيرية غير حكومية، في حوار عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط»، إلى أنه أبلغ والده برغبته في اعتزال العمل السياسي العام، قبل ربع ساعة فقط من إعلان قراره في خطاب ألقاه أمام الآلاف من مؤيديه في مدينة سبها الليبية في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأعلن أنه يدرس حالياً مشروعاً يتكتم تفاصيله لإنشاء مركز للدراسات والأبحاث في بلد أوروبي، مؤكداً أن هذا المشروع يدفعه للتفرغ والبقاء لفترة أطول خارج ليبيا. وطالب سيف الإسلام بإصلاحات دستورية وبناء مؤسسات للدولة الليبية وقال «نحن نريد أن يكون هناك دستور وقوانين ومؤسسات وليس كل شيء يدور حول شخص واحد أو مجموعة أشخاص، لذلك على الليبيين أن يشكلوا دستورهم ويبنوا مؤسساتهم ويديروا شؤونهم بأنفسهم دون المزيد من الاعتماد على سيف الإسلام ولا «إكس» ولا «زد» من الناس لتسيير شؤونهم».

وقال نجل القذافي الذي زار الولايات المتحدة مؤخراً ونقل رسائل من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى والده العقيد القذافي وسعى للاتصال بإدارة الرئيس الأميركي الجديد بارك أوباما، إنه نجح في تحويل ليبيا من دولة محاصرة ومقاطعة إلى دولة لديها مقعد داخل مجلس الأمن، مشيراً إلى أن الكرة الآن في ملعب الدولة الليبية للاستفادة مما حققه. وكشف سيف الإسلام الذي يمارس دوراً أشبه ما يكون بصلاحيات وزير الخارجية، أن السلطات المصرية منعته من محاولة دخول قطاع غزة خلال أيام العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطيني، لأسباب أمنية وخوفاً على حياته، مشيراً إلى أنه يتفهم هذه المبررات. ودعا سيف الإسلام، في حوار مزج فيه بين اللهجتين الليبية والعامية المصرية، العرب إلى تعلم الديمقراطية من إسرائيل، مشيراً إلى أن محاسبة المسؤولين في السلطة بعد إخفاقهم أو هزائمهم هو ما ينقص العرب، وبدونه لن تقوم لهم قائمة. وفيا يلي نص الحوار:

* أنت في دافوس وهناك أزمة بين ليبيا وسويسرا، وجودك هناك هل يعنى أن لديك وجهة نظر مختلفة؟

- لا مفيش.. هي العلاقات كما هي ولا تطور في المشكلة.

* أقصد الدولة الليبية تقاطع سويسرا وأنت موجود هناك، ماذا يعنى ذلك؟

- لا يعنى شيئاً، أنا ليس لي علاقة بالدولة الليبية، هي تقاطع أو لا، هذا شأنها ولا علاقة لي به.

* مؤسستك أصدرت بياناً بشأن اعتقال أحد مساعديك السابقين الدكتور جمعة عتيقة، هل يعنى ذلك ضربة لجهودك الإصلاحية؟

- لا، دائماً فيه مشاكل، والأمور ليست مكتملة في أى بلد، ونحن حققنا الكثير من الإصلاحات في العديد من المجالات، ولكن أيضاً لم نصل للكمال، فدائماً تحدث مشاكل ويبدو أن فيه خلل.. وناس تقاوم الإصلاح.

* هل يوجد صراع بين الحرس القديم.. والجديد؟

- لا.. لا يوجد حرس قديم، هناك أفراد، فرد أو اثنين أو ثلاثة، واحد مثلا في النيابة أو كذا، هي قصة أفراد وليست مسألة حرس أو جبهة.

* جهودك الإصلاحية.. هل تجد أي معارضة رسمية في ليبيا؟

- لا توجد قوة في ليبيا أو خارجها تقدر أن تقف أمام الإصلاحات.. لأن هذه رغبة الليبيين ورغبة الشعب الليبي وهذه إرادته، وأي شخص يقاوم الشعب الليبي سيتم سحقه وهزيمته، وأي واحد يقوم بإجراءات عرقلة كما صار (أول من) أمس عندما سمعنا أن النائب العام الليبي قام بإجراءات اعتقال.. هذا عمل مرفوض وغير مقبول وسخيف. لكن نهايتهم معروفة، لأن عصر إهانة الليبيين وقمع الأفواه والتخويف والقفز فوق القوانين، كل هذا انتهى ولا مجال للرجوع للوراء. دائماً هناك أفراد فاسدون وشريرون وهؤلاء تجدهم في كل دول العالم.. ونحن نعيش في الأرض وهؤلاء موجودون في ليبيا كما في غيرها.

* هل هؤلاء الفاسدون موجودون داخل الدولة الليبية ويحتلون مناصب رسمية؟

- والله أكيد، مثل ما حدث للمحامي عتيقة وهو رجل محترم وأكاديمي مرموق، لا أعتقد أن هذا عمل قانوني أو صحيح. فقد تم تلفيق تهمة له من أجل إسكاته.

* البعض يعتقد أن ذلك لضرب جهودك لاحتواء المعارضة وإعادتها مجدداً إلى الداخل؟

- الموضوع ليس كذلك، هناك أشخاص فقط من هذا النوع.. وسيتم التعامل معهم بالطرق المناسبة.

* هل هذا يعنى أنك تأمل في تجاوز هذه المسألة قريباً؟

- ليس أنا من يجتاز هذه المشكلة، إنهم هم الأشخاص الذين تجاوزهم الزمن وستتم محاسبتهم والتعامل معهم بالشكل الملائم، وسترى قريباً الإجراءات التي تتخذ ضدهم.

* ثمة مظاهرات ومناشدات لك بالتراجع عن قرارك السابق بالانسحاب من الحياة السياسية، هل تنوي التراجع؟

- أولا قراري بالانسحاب لا رجعة عنه.. هذا ما قلته في آخر خطاب لي.. أنا قررت الابتعاد عن الشأن العام نهائياً وأتمنى للأبد.. وحددت الآن موقعي في المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية. أنا دوري الآن بناء مجتمع مدني فيه نقابات حرة وحقيقية ومؤسسات وروابط ومنظمات حقوقية واتحادات. هذا هو مجالي، أما الدولة والحكومة والشأن العام فهذا أمر انسحبت منه انسحاباً نهائياً. وأفكر أيضاً في مشروع معروض عليّ لإقامة مركز دراسات في دولة أوروبية ويمكن أن أتفرغ لهذا المركز.

* هل يعنى ذلك أنك تنوى الإقامة في هذا البلد الأوروبي بعيداً عن ليبيا؟

- أعتقد هكذا، وأرغب في تركيز وقتي لمشروعي الجديد والمعروض عليّ مع العديد من الشخصيات الأخرى، وأرغب في أن أهتم بهذا الموضوع، ولكن هذا لا يعنى تركي الليبيين ومعركة الحرية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني ومواجهة الظلم وتجاوزات حقوق الإنسان والديمقراطية. إذا حدثت إهانة لأي ليبي فأنا موجود بالمرصاد.

* هل يعنى تفكيرك في المركز وتلويحك بالإقامة خارج ليبيا أنك سئمت مما يحدث في ليبيا؟

- لا، بالعكس أنا بعدما أكملت الدكتوراه، أرغب في الاهتمام بالعمل الأكاديمي في الطباعة والنشر والكتابة وعندي رغبة شخصية في أن أتفرغ لها، ولكن كما قلت لك فإن هموم الليبيين ومشاكلهم وكرامتهم وشرفهم دائماً هذه أولوية، وإذا ما حدثت مشكلة سأتدخل كما يحدث الآن.

* بصراحة شديدة هل انسحابك جاء بتوصية من والدك الأخ العقيد القذافي؟

- لا في الحقيقة، وهذا كلام أقوله علناً ولأول مرة.. إننى أبلغت الأخ القائد بالقرار.. قبل نحو ربع ساعة فقط من خطابي.. وأبلغته أنني أنوى ما أعلنته بالفعل. بالعكس كان القرار منى ولعدة أسباب كثيرة سبق أن قلتها وأننى أصبحت نفسي عقبة في أن يكون هناك إصلاح ودستور. نحن نريد أن يكون هناك دستور وقوانين ومؤسسات وليس كل شيء يدور حول شخص واحد أو مجموعة أشخاص، لذلك على الليبيين أن يشكلوا دستورهم ويبنوا مؤسساتهم ويديروا شؤونهم بأنفسهم دون المزيد من الاعتماد على سيف الإسلام ولا «إكس» ولا «زد» لتسيير شؤونهم.

* وكيف كان رد فعل العقيد القذافي على قرارك الذي من الواضح أنك باغته به؟

- نعم، لذلك لم يكن هناك تعليق.

* يعنى لم يعلق لا سلباً ولا إيجاباً.

- نعم.

* تقصد أنه لم يرد على قرارك سلباً أو إيجاباً؟

- نعم، أبداً.

* كيف تكون عقبة في طريق الإصلاح والتغيير، هل هذا ما قيل لك؟

- أعني أنا صرت أيضاً محور كل مشكلة.. يطلبون لحلها سيف الإسلام.. أصبحت المحور الذي تلتف حوله كل المشاريع والدوائر والمؤسسات ونظام الدولة. الناس كلها تقول لك هذا شخص موجود وهو يمشّي الأمور ويحل المشاكل.. ويديرها. وهذا خطأ، لأنه ينبغي أن تكون هناك مؤسسات وإجراءات وآليات لليبيين، كي يتولوا المناصب ويديروا أمورهم. أما إذا تمحورت الدولة حول شخص واحد فهذا خطأ.. وهذا استنتاجي الشخصي.

* أنت دعوت إلى كتابة الدستور، كيف يكتب في غيابك؟

- أنا موجود.. وهذا الدستور معركة سيف الإسلام وكل الليبيين، نحن نحتاج إلى دستور وإلى مرجعية أو قوانين، لا بد للدولة أن تقوم بإعادة النظر في كل هياكلها الإدارية والتنظيمية، لكن هذا موضوع لا بد من إقحام الخمسة ملايين ونصف مليون ليبي فيه. هذه ليست معركتي الشخصية كسيف الإسلام، هذه معركة الشعب الليبي كله.

* غيابك عن صنع القرار قد يكون مؤثراً فيما تنويه؟

- على المدى القصير نعم، لكن على المدى البعيد سكون تأثيره جيداً، وهذا شيء أنا متأكد منه. لأنه سيتكون مجتمع مدني وحراك سياسي وناس لديها رغبة في التغيير والعمل السياسي. وعلى المدى البعيد سيكون الليبيون مضطرين «لا يبقوا مثل سيف الإسلام»، وهذا هو الأهم.

* أنت لعبت دوراً كبيراً في انفتاح ليبيا على العالم الخارجي، ماذا عن مستقبل علاقات ليبيا مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد بارك أوباما؟

- أنا عملت مجهوداً كبيراً من أجل أن تتحول ليبيا من دولة محاصرة ومقاطعة، إلى دولة لديها كرسي في مجلس الأمن. وبالتالي الطريق مفتوحة الآن مع أوروبا وأميركا لعمل علاقات طبيعية. وعليهم الآن الاستفادة من المعارك والإجراءات التي قمت بها وخضتها مع الغرب.

* فهمت أنك كنت تريد دخول غزة خلال العدوان الإسرائيلي؟

- نعم صحيح

* وماذا حدث؟

- الحكومة المصرية رفضت.. وقالوا لأسباب أمنية.. وإن الوضع خطير، وبالتالي قالوا ليست هناك إمكانية. وقالوا لي إن الهدف هو الحفاظ على حياتك. وأنا تفهمت ذلك.

* هل لديك ما تقوله للعرب بعد ما حدث في غزة؟

- في إسرائيل عندما تحدث أخطاء أو هزيمة يتم إقالة المسؤولين وتتم انتخابات، ويتم تغيير الحكومة ومعاقبتها من خلال آلية ديمقراطية، وبالتالي المجتمع دائماً في عملية تقييم ذاتي، ودائماً في تطور للأمام، وهذا ما رأيناه في إسرائيل في حربي لبنان وغزة. هذا الشيء الذي ينقص العرب. فالحكومات هي نفسها.. الوجوه والقادة رغم الهزائم والحروب والفشل. الأخطاء نفسها تتكرر والعقلية نفسها بلا تغيير. وبالتالي العرب لن يتقدموا ولن تقوم لهم قائمة بلا ديمقراطية، تضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وعندما تخطئ تجد من يحاسبك.