فرنسا مرتاحة للالتزام الأميركي بعملية السلام

باريس تشهد اتصالات دبلوماسية مكثفة وساركوزي يلتقي ميتشل وأبو مازن وحمد بن جاسم

TT

شهد قصر الإليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية، نشاطا دبلوماسيا متميزا أمس، تمثل في اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء مع رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي، الذي استقبل قبل ذلك المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشيل، ورئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم. كذلك اجتمع ميتشيل بوزير الخارجية برنار كوشنير، الذي يستضيف اليوم على غداء عمل، رئيس السلطة الفلسطينية.

وقالت مصادر فرنسية رسمية، إن اجتماعي ميتشيل في الإليزيه والخارجية، أظهرا للجانب الفرنسي أن باريس وواشنطن «على الموجة نفسها لجهة الضرورة الملحة لتعزيز وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ثم الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم من جهة أولى، والحاجة الملحة إلى إعادة إطلاق مسار السلام من جهة أخرى».

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن الجانب الفرنسي طرح على ميتشيل الفكرة التي تروج لها باريس، بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام، باعتبار أن مسار أنابوليس «لم يف بالغرض المطلوب، وبالتالي ثمة حاجة إلى دفعة قوية باتجاه السلام». غير أن المبعوث الأميركي لم يردّ، لا نفيا ولا إيجابا، باعتبار أن اجتماعاته في باريس، أمس، كانت بمثابة «اتصال أول» مع المسؤولين الفرنسيين، بعد جولته الموسعة في الشرق الأوسط. وعرض ميتشيل نتائج جولته الشرق أوسطية والخلاصات، الأولية التي توصل إليها، لكنه «لم يعرض أفكارا محددة لكيفية إعادة إطلاق مسار السلام مجددا، ولا علم ما إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة ستستمر في مسار أنابوليس أم لا».

بالإضافة إلى ذلك، شدد الجانب الفرنسي على ضرورة فتح المعابر مع غزة دون تأخير، وعلى الحاجة إلى دعم رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، ودعم المصالحة الوطنية الفلسطينية، والحاجة إلى حكومة وحدة وطنية. وبخصوص هذه النقطة بالذات، فإن المصادر الفرنسية قالت إن ميتشيل «التزم جانب الحذر»، مكتفيا بالعموميات، ومشيرا إلى أهمية المصالحة الوطنية الفلسطينية كتوجه عامّ، دون الدخول في أشكالها وفي ردة الفعل الأميركية على «حكومة فلسطينية تشكل بمشاركة وزراء من حماس».

وتسعى باريس للتسويق لحكومة كهذه لدى شركائها الأوروبيين، وتفادي العودة إلى الشروط الثلاثة التي فرضتها اللجنة الرباعية لقبول التحدث إلى حماس، وهي: الاعتراف بإسرائيل، ووقف العنف، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل. ومؤخرا، أخذت باريس تشدد على أهمية أن تقبل الحكومة الفلسطينية الجديدة مسار السلام بشكل عام، مع ما يعنيه من الابتعاد عن العنف. وترى باريس في ذلك «مخرجا» لحماس، التي تعتبر أنه «لم يعد من الممكن تجاهلها ميدانيا وسياسيا».

وأمس، شكك رئيس الوزراء القطري في جدوى خيار حكومة التكنوقراط التي تحظى بدعم أبو مازن. وتساءل حمد بن جاسم للصحافيين، عقب لقائه ساركوزي، عن «معنى حكومة تكنوقراط»، التي أعلن أنه «يشك» فيها، ليضيف بعدها أنه «يعتقد في الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تجمع الفلسطينيين وتوحدهم أمام الأزمة الحالية التي يمرون بها». ودعا حمد بن جاسم الفلسطينيين إلى أن «يتخذوا قرارهم» بالمصالحة، وأن «يتخلوا عن الأمل في فصل أو إلغاء الطرف الثاني». وحرص رئيس الوزراء القطري على التأكيد على «التوافق» الفلسطيني، حيث «كلهم شعب فلسطيني نحترمهم وندعمهم إذا اتفقوا».

وردّا على الخلافات العربية، عاد حمد بن جاسم إلى خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت، حيث دعا العرب إلى التصالح فيما بينهم. وقال رئيس الوزراء القطري: «كان خطاب الملك عبد الله مؤثرا وذا معنى، وأنا أعتقد أننا إذا اتخذناه كقدوة لنا في تفعيل العمل العربي المشترك وحل الإشكاليات العربية، سيكون هو الحل الأمثل لنا». وأسف لكون الخلافات العربية «تشوش على الفلسطينيين».

وقالت مصادر فرنسية، إن باريس «تعوّل» على قطر لإيصال «رسائل» إلى حماس، وللتأثير عليها، مثلما تعوّل في الإطار نفسه على سورية. غير أن المواقف القطرية «المتشددة» منذ بداية الحرب على غزة تثير «تساؤلات» في العاصمة الفرنسية، حيث برزت قطر كأنها جزء من محور إيراني - سوري - قطري - حماسي. وقال مصدر سياسي فرنسي لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نعلم من زمن بعيد» أن العلاقات بين الدوحة وحماس جيدة «وهذا ليس جديدا بالنسبة إلينا».

ومساء، استقبل الرئيس ساركوزي الرئيس الفلسطيني في بداية جولة أوروبية. وبحسب باريس، فإن الدبلوماسية الفرنسية «تريد مساعدة أبو مازن، وتريد تمهيد الطريق أمامه، من أجل تسهيل المصالحة الفلسطينية، والوصول إلى حكومة وحدة وطنية». لكن الأوساط الفرنسية أخذت تعرب عن «خوفها» من أن تفضي الفُرقة الفلسطينية إلى «قطيعة»، ما سيعقد جهود السلام، خصوصا أن استطلاعات الرأي في إسرائيل ترجح فوز زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، مع ما يعنيه ذلك من صعوبات إضافية أمام معاودة إطلاق مسيرة السلام.