حقول النفط في العراق تنتظر الشركات الأجنبية

استثمارات تجتذب مليارات الدولارات.. والشكوك تكتنف الصفقات

TT

تقف مجموعة من الفيلات شيدت بجوار خط أنابيب يتلوى عبر صحراء جنوب العراق لإيواء العاملين الأجانب في قطاع النفط الذين كان يتوقع أن يتوافدوا على المناطق خالية من السكان.

وبالقرب منها لوحة يكاد يختفي ما عليها من كتابة باللغتين العربية والروسية وضعت بمناسبة افتتاح محطة ضخ في عام 1972 تمثل شاهدا على العلاقات الخارجية التي ساعدت العراق على تطوير صناعته النفطية.

وفيما يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما آثار الحرب التي شنها سلفه قبل 6 سنوات بدأ العراق مرة أخرى يفتح احتياطاته الضخمة من النفط أمام شركات أجنبية.

وطلب العراق عروضا لبعض من أكبر حقول النفط والغاز في البلاد التي يأمل أن تجتذب استثمارات بمليارات الدولارات. لكن لا يزال هناك بعض الشكوك التي تكتنف الصفقات المقرر أن تمنح عقودها في يونيو (حزيران).

ومازال الافتقار للأمن والبيروقراطية الجامدة وغياب إطار العمل القانوني يبعد الاستثمارات التي يحتاجها العراق لتحديث البنية التحتية المتداعية لصناعة النفط.

وفي تقرير مطول لرويترز قال مسؤول تنفيذي بارز في شركة نفط أجنبية رفض نشر اسمه لأنه غير مخول الحديث إلى وسائل الإعلام «سيكون مجمع للعاملين الأجانب في قطاع النفط سواء كان تابعا لاكسون أو بي. بي أو شل أو أي شركة أخرى هدفا واضحا لأي هجوم». وكان الأجانب من الأهداف الرئيسية في سنوات العنف التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 وصدمت شرائط فيديو تصور نحر أجانب مختطفين العالم.

ويمتلك العراق نحو 115 مليار برميل من النفط وهو ثالث أكبر احتياطي في العالم. لكن أكشاكا من الصفيح مازالت تحف بالطرق إلى حقول النفط والحكومة في أمس الحاجة لاستغلال دخل النفط في إعمار البلاد. وتحتاج الفيلات التي أوت العمال الروس في يوم ما لإصلاحات ولم تعد المعدات التي تهالكت نتيجة الحرب والعقوبات والعنف الطائفي صالحة للاستخدام. ومع حرمانهم من الخبرة الأجنبية والمال أتقن مهندسون عراقيون التعامل مع المعدات القديمة والاستعاضة عن قطع الغيار غير أن أعمال الصيانة لا تدوم طويلا.

وقال خضير عابد الملاحظ في حقل الرميلة الشمالي «طلينا الخزانات وطورنا نقاط التفتيش ودورات المياه.. أمور بسيطة وليس الأمور الحيوية بالنسبة للإنتاج». وتابع «كان يفترض أن تأتي شركات للاضطلاع بذلك ولكن لا أعلم ماذا حدث.. إنها ذات المحطة التي تم تركيبها في عام 1972».

وفي حقل الرميلة الجنوبي الذي يقدر إنتاجه بحوالي 800 ألف برميل من الخام يوميا يعني نقص المعدات حرق الغاز رغم قيمته العالية. وتراجعت كثيرا أعمال العنف التي كادت أن تمزق العراق في عامي 2006 و2007 خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية ويعتقد العراق الآن أن الوقت حان لقدوم الشركات الأجنبية.

وفي محطة حقل الرميلة الجنوبي التي ترجع إلى حقبة الخمسينات والتي تجمع بين معدات قديمة وأخرى إلكترونية حديثة يقول المهندس محمد ناصر «زالت حجة القصور الأمني. تغير الوضع الأمني جذريا وبالكامل». واتخذت بعض الشركات الأجنبية خطوات مبدئية للعودة.

بدأت شركة النفط الوطنية الصينية العمل هذا العام في مشروع حقل الأحدب بمحافظة واسط الشرقية بكلفة ثلاثة مليارات دولار وهي أول شركة أجنبية تبدأ مثل هذا النشاط منذ أن أمم الرئيس العراقي السابق صدام حسين الصناعة قبل عقود.

وفي عام 2008 وقعت رويال داتش شل اتفاقا مع العراق لتجميع الغاز الذي يصاحب إنتاج النفط والذي يحرق عادة وذلك في حقلي الرميلة الشمالي والرميلة الجنوبي وهما أكثر حقلين إنتاجية في البلاد.

وأبرمت شركة وذرفورد انترناشيونال الأميركية صفقة للعمل في حقلي الرميلة الشمالي والزبير. ولكن ليس لديها أي عمال أو عدد قليل جدا في الجنوب الغني بالنفط والذي يمثل نحو 80 في المئة من إنتاج العراق من النفط.

وقال مسؤول تنفيذي آخر رفض نشر اسمه «ربما نقوم بزيارة استطلاعية الآن. لكن هذا يختلف كليا عن إرسال أفراد للعمل في مجمعات ومحطات. لسنا مستعدين بعد». ورغم تلك الشكوك يعتقد مسؤولون عراقيون أن إغراء قطاع النفط سيثبت في نهاية المطاف أنه لا يقاوم. وقال عصام الجلبي الذي كان وزيرا للنفط في العراق في الفترة من عام 1987 إلى عام 1990 «تبذل شركات النفط الدولية قصارى جهدها لإبرام عقود مع العراق».

ومن أكبر الإغراءات في العراق سهولة ضخ النفط، وتقول وزارة النفط إن استخراج برميل النفط العراقي يتكلف دولارين فقط. ومع تراجع أسعار النفط دون 50 دولارا مقارنة مع 147 دولارا قبل ستة أشهر فإن انخفاض تكلفة الإنتاج يعطي ميزة كبيرة للمنتجين في العراق مقارنة بضخ النفط من آبار على عمق كبير تحت سطح البحر على سبيل المثال.

ومن بين 35 شركة تأهلت في المرحلة الأولى لعقود خدمات حقول النفط دفعت 30 شركة رسوما للحصول على معلومات فنية خاصة بثمانية حقول للنفط والغاز. وصرح وزير النفط حسين الشهرستاني عند إعلانه المرحلة الثانية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) بأن هذا يشير لرغبة حقيقية في العمل في العراق. ولم يجد عائقا في فشل العراق في الاتفاق على قانون يمنح الشركات الأجنبية حق إبرام صفقات المشاركة في الأرباح وتوضيح النظام الضريبي وتحديد كيفية اقتسام الموارد النفطية بين بغداد والمحافظات. لكنه ليس الوحيد الذي يشعر بالتفاؤل. ويقول رجل أعمال عراقي «أثق بأن العراق سيصبح دولة نفطية غنية وأن أحفادنا سينعمون بدولة غنية مثلما هو الحال في دول الخليج حاليا.. لكن لن يحدث ذلك في زمن قياسي».