«ك. إس. إم» شخصية محورية في غوانتانامو.. ونزلاء المعسكر السري السابع عقبة أمام مشروع أوباما

الكوماندر غوردون لـ«الشرق الأوسط»: اقترب الإفراج عن 17 من الصينيين الإيغور.. وخاطبنا 100 دولة لاستضافتهم

الكوماندر جيفري غوردون المتحدث باسم غوانتانامو («الشرق الاوسط») هدايا تذكارية من معسكر غوانتانامو ومدينة الخيام التي يقيم فيها المحامون والاعلاميون وممثلو عوائل ضحايا هجمات سبتمبر
TT

البعض يصلون إلى غوانتانامو في طائرات عملاقة وفي رحلات سرية، وآخرون يأتون إليها بطائرات عسكرية طوعا، وآخرون في طائرات تؤرجحها الرياح. وقد سافرت إلى غوانتانامو بطرق مختلفة ومن أماكن مختلفة، وهذه المرة كان الموعد من قاعدة أندروز الجوية في واشنطن بطائرة بوينغ مستأجرة من خطوط ميامي إير. أما العودة فكانت عبر طائرة نقل عسكرية من طراز سي 17.

وازدحمت مقاعد طائرة ميامي إير بالإعلاميين وممثلي مكاتب المحاماة الذين جاءوا للدفاع عن الخمسة الكبار المتهمين بالتخطيط لهجمات سبتمبر (أيلول)، والمترجمين وممثلي المنظمات الحقوقية الذين جاءوا لمراقبة سير العدالة، وآخرين ربما كانوا من عملاء (سي آي إيه). وعندما استوت الطائرة في عنان السماء وتأكد لنا أن الأجواء مفتوحة حولنا ومياه المحيط تحتنا، استسلم الجميع لقدرهم بسعادة، والحديث الدائر بين جميع الركاب كان عن مستقبل اللجان العسكرية التي علقها لاحقا الرئيس باراك أوباما لمدة 120 يوما.

وغوانتانامو اسم سيذكره التاريخ طويلا، وسيظل شاهدا على ادعاءات ومزاعم مثيرة للجدل حول السجن الأميركي الذي أقامته الولايات المتحدة تحت شعار مكافحة الإرهاب، وقامت بإرسال كل من ألقت القبض عليهم في أرض المعركة من عناصر «القاعدة» و«طالبان» في أفغانستان، وتم وضع هؤلاء السجناء في مئات الزنزانات التي لا يفصل بينها إلا أمتار معدودة، ورغم ذلك فإنهم لا يتمكنون من رؤية مياه البحر الكاريبي ولا الشوارع الجميلة الهادئة المظللة بالأشجار على جانبي الطرق، التي قام الأميركيون بشقها وتمهيدها حول المعسكر، ولن يتاح لهم زيارة محلات ستار بكس أو ماكدونالدز أو المطعم الأيرلندي أو محلات البقالة الصغيرة التي تبيع الهدايا التذكارية التي تحمل شعارات البحرية الأميركية.

ورغم وجود عدد من سجناء «القاعدة» و«طالبان» في نحو 250 من سجناء «القاعدة» و«طالبان»، فإن هناك شخصية محورية باتت على كل لسان، سواء من الحراس أو ضباط القاعدة البحرية الأميركية أو المحامين أو نشطاء المنظمات الحقوقية الذين ينادون بإغلاق المعسكر إلى الأبد، والشخصية المحورية هي (ك. إس. إم) أو خالد شيخ محمد، كما يلقب في غوانتانامو بين الحراس والمحامين وممثلي الادعاء، وهكذا يناديه القاضي العسكري.

وهو منسق هجمات سبتمبر (أيلول)، وكان الرجل الثالث في تنظيم القاعدة قبل أن يتم القبض عليه في مخبأ بباكستان في مارس (آذار) 2003، وتصفه الاستخبارات الأميركية بأنه من أخطر الإرهابيين. وقد أقر بمسؤوليته عن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) من أولها إلى آخرها، حسب البنتاغون، كما اعترف خالد شيخ محمد بضلوعه في 30 مخططا إرهابيا آخر غير 11 سبتمبر (أيلول)، بما في ذلك هجوم على ساعة بغ بن ومطار هيثرو بلندن، وقطع رأس الصحافي الأميركي دانيال بيرل مراسل «وول ستريت» في باكستان عام 2002.

وبدا خالد شيخ أو (ك. إس. إم)، العقل المدبر لـ11 سبتمبر (أيلول)، متماسكا في قاعة المحكمة، مع تغييرات جذرية في ملامحه عن الصورة التي وزعتها له القوات الأميركية لدى اعتقاله في آذار (مارس) 2003. وأعرب عن فخره بتنفيذ تلك الهجمات، وزاد: «لا يمكنني أن أقبل أي أميركي ليمثلني».

ورغم التعليمات الأمنية المشددة التي وقع عليها الإعلاميون قبل دخولهم قاعدة غوانتانامو البحرية فإن وجود الكوماندر جيفري غوردون، الذي يتحدث قليلا من العربية بفعل خدمته في عدد من الدول العربية، كهمزة وصل بين الإعلاميين ومسؤولي قوة القيادة المشتركة المسؤولة عن الأمن في القاعدة، وكذلك اللجان العسكرية، خفف إلى حد كبير من حجم التوتر.

وخدم الكوماندر غوردون تحت إدارتي وزيري الدفاع دونالد رامسفيلد وروبرت غيتس، وخدم أيضا في إيطاليا وبورتريكو، وهو وجه مألوف ومحبب لدى جميع الصحافيين.

وجلس بجانبي على الطائرة المتجهة إلى غوانتانامو، وكان يطمئن على راحة الإعلاميين، ويتبادل الحديث مع مسؤولي الدفاع من العسكريين والمدنيين. وقال الكوماندر غوردون لـ«الشرق الأوسط» إن ضيوف المعسكر السري السابع، الذي لم يزره أحد من الإعلاميين، حتى هو شخصيا، لم يحظوا بهذا «الشرف» بعد، والعقبة الرئيسية هي إيجاد مأوى بديل لغوانتانامو، وقال: «يستضيف المعسكر السابع 16 من السجناء الخطرين من قيادات (القاعدة)».

وضمن السجناء الخطرين الخمسة الكبار المتهمين بتدبير هجمات سبتمبر (أيلول) خالد شيخ محمد، واليمني وليد بن عطاش، واليمني مزي بن الشيبة الذي اعتقل في باكستان عام 2002، ومحمد القحطاني الذي يعتقد أنه كان من المفترض أن يصبح الخاطف رقم 20 في قائمة الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات، وعلي عبد العزيز علي البلوشي، والسعودي مصطفى الهوساوي، والإندونيسي حنبلي مسؤول تنظيم القاعدة في جنوب شرقي آسيا. وحنبلي اسمه الحقيقي رضوان عصام الدين، كان قد اعتقل في تايلاند ثم سلم إلى الأميركيين الذين استجوبوه في قاعدة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، قبل نقله إلى غوانتانامو.

وقال غوردون إنه قد تم إدانة ثلاثة معتقلين حتى الآن، هم اليمني سالم حمدان الذي يعتقد أنه كان سائق بن لادن، والاسترالي ديفيد هيكس، وكلاهما قضى محكوميته ورحل إلى بلده الأصلي. وسليمان البهلول الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة. وكشف الكوماندر أن اللجان العسكرية انتهت من مراجعة حالة 17 من المعتقلين الصينيين من طائفة الإيغور، سيتم الإفراج عنهم قريبا، ولكنهم يرفضون العودة إلى بلدهم الأصلي خوفا من تعرضهم للتعذيب. وقال: «لقد طلبنا من نحو 100 دولة استضافتهم. ويقيم السجناء الـ 17 في معسكر إغوانا، وهو معسكر الإجراءات الأمنية فيه غير مشددة، ويستخدم لاحتجاز المعتقلين الذين ينتظرون الإفراج أو النقل. وقال غوردون إنه تم اعتبار الـ 17 معتقلا من الإيغور في غوانتانامو مؤهلين للنقل إلى سجون حكومة بلد آخر أو إطلاق سراحهم. وهؤلاء المعتقلون الـ 17 هم مجموعة من المسلمين الصينيين الذين تم اعتقالهم لما يقرب من سبعة أعوام، ولم تعد تعتبرهم حكومة الولايات المتحدة مقاتلين أعداء. وخلافا لغيرهم من المعتقلين فإن هذه المجموعة لا يمكن إعادتهم إلى بلادهم لأن بكين تعتبرهم إرهابيين، وربما يتم تعذيبهم هناك. وقد أطلقت الحكومة سراح خمسة من هؤلاء المعتقلين وتم إرسالهم إلى ألبانيا في عام 2006، ولكن ليست هناك دولة أخرى ترغب في المخاطرة بإغضاب الصين إذا ما قبلت تسلم بقية المعتقلين».

ويضيف: «معسكر إغوانا به تلفزيونات وأدوات رياضة، وهو معسكر مريح مقارنة ببقية المعسكرات الأخرى الموجودة في غوانتانامو». ويقول محامو الإيغور إنه قد تم اعتقال هذه المجموعة لفترة طويلة دون وجود أدلة ثابتة، كما أن أفراد هذه المجموعة لا يشكلون تهديدا أمنيا للولايات المتحدة. ويرغب المحامون في إطلاق سراح أفراد هذه المجموعة وإرسالهم إلى منطقة واشنطن، حيث توجد جالية من الإيغور هناك، كما يقترحون أن تشرف الحكومة عليهم، كما تراقب المجرمين الذين يتم إطلاق سراحهم بإفراج مشروط حسبما يفيد المحامون.

وبحسب الكوماندر يوجد في معتقل غوانتانامو الآن نحو 20 سجينا أفغانيا، وأقل من 20 جزائريا، و17 صينيا، و3 فلسطينيين، أحدهم من الضفة الغربية وآخر من غزة، ونحو 10 تونسيين، ونحو 100 يمني، وهو يمثل العدد الأكبر، وأقل من 20 سعوديا.

وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة غوانتانامو كانت المكان المثالي لنقل سجناء تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أعقاب الحرب في أفغانستان، حيث يعزل السجناء هناك جسديا وفكريا بهدف جعلهم يكشفون عما يعرفون من خطط على ما يبدو. فقد كان المسؤولون عن السجن يرغبون في إيصال رسالة مفادها أن أعداء أميركا سينتهي بهم الحال إلى مكان مقفر كهذا، لذا كانوا ينظرون بعين الرضا إلى الصور التي كانت تظهر السجناء وهم يبركون على الأرض تحت أشعة الشمس الحارقة، ببزاتهم البرتقالية بعد وصولهم إلى المعتقل قادمين من أفغانستان.

لكن بدأ الكثيرون في أميركا يتساءلون حول ما إذا كان الاحتفاظ بمعتقل غوانتانامو يستحق أن تضحي البلاد بسمعتها الدولية من أجله، وهو ما فعله الرئيس أوباما بقرار إغلاق المعسكر خلال عام وتعليق المحاكمات العسكرية لمدة 120 يوما. والذين دافعوا عن غوانتانامو في الماضي يستطيعون الآن القول إنه ما كان بالإمكان إحالة هؤلاء إلى العدالة ما لم يكن السجن قائما، فقد استغرقت عملية جمع الأدلة اللازمة لتوجيه التهم إلى هؤلاء الستة 7 سنوات، وهي فترة ما كانت لتتوفر للمحققين للتحقيق مع المعتقلين لولا الوضع القانوني المبهم لمعتقل غوانتانامو.