نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودي: المراجعة الدولية لحقوق الإنسان تلتقي ومبادئ العقيدة الإسلامية

استعرض خصوصيات بلاده كمهد للإسلام وحضارته

TT

أكدت المملكة العربية السعودية أن عملية المراجعة الدورية العالمية لحقوق الإنسان تلتقي ومبادئ العقيدة الإسلامية، وتتوافق مع توجيهاتها، وأن الخصوصيات الدينية في حقيقة الإسلام هي خصوصيات تضيف إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا تنتقص منها.

وشددت على رعايتها لجملة من الجهود الرامية إلى تعزيز حقوق المرأة والطفل، وكذلك المحافظة على البيئة، ومكافحة الاتجار بالبشر وحقوق العمال، وتفعيل دور الأسرة باعتبارها المحرك الأساسي لثقافة المجتمع.

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها أمس زيد الحسين نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودي، الذي يترأس وفد بلاده المشارك في مناقشة تقرير المملكة في الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

واستعرض المسؤول السعودي جملة من الخصوصيات التي تتسم بها بلاده، مشيرا إلى أن السعودية لا تعتبر دولة إسلامية فحسب، «وإنما هي مهد الإسلام وحضارته، وأرض الحرمين الشريفين اللذين هما موئل قلوب المسلمين أينما كانوا في أنحاء المعمورة، مما يحتّم عليها رعاية الإسلام وإقامة شعائره وخدمة مقدساته». وبين أن عملية المراجعة الدورية الشاملة تتوافق مع توجيه الإسلام من منطلق محاسبة الذات، «لأنها عملية تقويم ذاتي ووسيلة صحيحة لتقديم تصور حقيقي يساعد الدول في تقييم حالة حقوق الإنسان فيها». وأشار إلى أن عملية إعداد تقرير حقوق الإنسان في السعودية تمت حسب المبادئ التوجيهية للمراجعة الدورية الشاملة، وذلك خلال كتيّب إرشادي أعدته الهيئة من أجل سهولة الوصول إلى المعلومات الصحيحة والدقيقة والمشاركة الفاعلة، وتم توزيعه على جميع الجهات وذوي الصلة، وإشراك جميع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في عملية الإعداد التي شارك فيها عدد كبير من النساء، ونُشر بعد ذلك في موقع الهيئة الإلكتروني.

وعرض زيد الحسين عددا من المسائل، ومنها أن الخصوصيات الدينية في حقيقة الإسلام وليس في واقع المسلمين، مبينا أنها خصوصيات «تضيف إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا تنتقص منها. ومن الأمثلة التي تساعد على تقريب ذلك المدلول حلف الفضول، وهو معاهدة أبرمتها قبائل العرب فيما بينها قبل الإسلام، تعاهدوا فيها ألا يجدوا مظلوما إلا وينصرونه، وأن ترد الفضول إلى أهلها، وهذا يأتي في سياق ومدلول ما نسميه اليوم القانون الدولي الإنساني. وقد سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذا الحلف فقال: (هذا حلفٌ لو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت)».

وقال: «المعنى العميق والدلالة البالغة هنا أننا في المملكة لسنا منغلقين على أنفسنا، وإنما نستمد قيمنا أيضا من كافة المصادر ما دامت تستلهم ذات المقاصد في شريعتنا الإسلامية، وهو بذاته نفس معنى الحكمة المأثورة».

وأضاف: «يخطئ الكثيرون - وإن كان لهم في ذلك عذر - عندما يظنون أن المملكة تستند إلى الواجبات أكثر مما تعترف بالحقوق، بحكم استنادها إلى الشرع الإسلامي دستورا لها، فالعكس هو الصحيح، لأن الحقوق في الإسلام لا تقتصر على حقوق العباد فقط، وإنما تمتد إلى حقوق الله، وإن التقصير في حق الله أيسر استدراكا من انتهاك حقوق العباد، والدليل على ذلك أن الذنب في حق الله يُغفر بمجرد التوبة الصادقة، بينما شروط التوبة عند انتهاك حقوق العباد، التي هي بذاتها حقوق الإنسان، تتضمن إعادة الحق إلى صاحبه والعفو منه، وجبر الضرر لمن انتهكت حقوقهم، وإرضاءهم بذلك».

وقال: «نحن نعترف بوجود تجاوزات ناتجة عن ممارسات فردية، وكثير من هذه التجاوزات يندرج في إطار العنف الأسري، ساهم في وجودها خلط بين العادات والتقاليد وحقيقة الشريعة الإسلامية»، مشيرا إلى أنه تم خلال العامين الأخيرين إنجاز الكثير من الجهود الرامية إلى تعزيز حقوق الطفل والمرأة، وتفعيل دور الأسرة في المجتمع باعتبارها المحرك الأساسي لثقافة المجتمع.

وبالنسبة للقضاء السعودي أكد مسؤول حقوق الإنسان أن نظام الإجراءات الجزائية خضع لمراجعة شاملة بعد صدور نظام القضاء الجديد، «حتى تتسق أحكامه مع مزيد من استقلال القضاة»، وتم تقنين الإجراءات أمام محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، ليكون التقاضي على درجتين. وإخضاع الأحكام لمراجعة أعلى درجة تقوم بها دوائر متخصصة، كما تم التأكيد على أصل البراءة المفترضة في المتهم، مبينا أنه قد أُخذ بعين الاعتبار توصيات المقرر الخاص المعنيّ باستقلال القضاة والمحامين، خلال زيارته للمملكة في الفترة من 20 إلى 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2002 م، مشيرا إلى أن السعودية في حرصها على حماية الأمن إنما تحرص في نفس الوقت على التوازن بين مقتضيات مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان، وقد أقرت في هذا الصدد مبدأ متقدما هو التعويض عن الأخطاء التي قد ترتبط بعمليات مكافحة الإرهاب، مثل الاحتجاز الذي تثبت بعده براءة المحتجزين.

وقال: «لعل أقرب الشواهد أحدث حكم أصدره ديوان المظالم منذ أسبوعين، والذي قضى بإلزام وزارة الداخلية دفع تعويض مقداره مليونا ريال لأحد السجناء بعد ثبوت براءته، وقد بلغت مبالغ التعويضات على المحتجزين في قضايا إرهابية بعد ثبوت براءتهم منذ بداية مشكلة الإرهاب في المملكة حتى نهاية عام 2008 م، ما يقارب مائة مليون دولار». وعزا تلك الإجراءات إلى «إيماننا الراسخ بأن حقوق الإنسان يجب أن يظل احترامها ملازما للإنسان منذ نشأته».

وقال: «اعتمدنا خططا واعدة للتربية على حقوق الإنسان، لأن التنشئة عليها والتوعية بها هي الضمان الحقيقي للممارسة الصحيحة. ومن هذه الخطط اعتماد برنامج توعوي شامل ترعاه هيئة حقوق الإنسان وتشارك فيه جميع أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع، سيعمل به قريبا في المملكة، كما ضمنت مفاهيم ومعايير حقوق الإنسان في مناهج التعليم في كل مراحله، وأصبح هناك مقررات تدرَّس. وتشهد المملكة الآن حراكا إيجابيا تنعكس آثاره بشكل واضح على جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، حيث تم تشكيل أكثر من 82 لجنة تعنى بنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، تابعة لوزارة التربية والتعليم في جميع مناطق المملكة، وقد نشطت وسائل الإعلام في تناول هذا الطرح بغية انتشار هذه الثقافة وانعكاسها على حياة الناس جميعا».

وعن الممارسات والظواهر السلبية الأخرى قال نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان: «إن المملكة لا تخلو من بعض مظاهر تفسر على أنها شكل من أشكال الاتجار بالبشر، شأنها في ذلك شأن دول العالم، كبيع تأشيرات العمل، وتأخر رواتب بعض العاملين في بعض المؤسسات، وتهريب الأطفال من الحدود لاستغلالهم في ما يسمى بالتسوّل»، مشيرا إلى أن جهود بلاده تجاه هذه الممارسات «واضحة وصارمة لمكافحة مثل هذه الانتهاكات»، حيث تم عقد العديد من الندوات والدورات التدريبية، بالتعاون مع جهات مختلفة محلية ودولية، وقد تُوّجت هذه الجهود بنظام مكافحة الاتجار بالبشر الذي يستأصل أي محاولة للاتجار بالبشر، وكان من بين مواده عقوبات صارمة لمن ينتهك حقوق العمالة، تصل إلى السجن لمدة 15 عاما، مع غرامة مالية تصل إلى مليون ريال. وقد رُفع إلى مجلس الوزراء بعد أن أقرّه مجلس الشورى قبل شهر، وسيتم صدوره قريبا.

وبالإشارة إلى عدم سماح المملكة بإقامة دور عبادة لغير المسلمين في أرضها، قال الحسين: «إننا نعتقد أن الإسلام هو خاتم الأديان، وأن المملكة هي منبع الإسلام والأرض التي كرمها الله بأن تكون مقر الحرمين الشريفين ومثوى خاتم رسله، وقِبلة مليار ونصف مليار مسلم، لذا فإن الخصوصيات تجعلنا نرى أنه من الصعب إقامة دور عبادة في الأرض المقدسة، ومع ذلك فإن حرية العبادة مكفولة تماما لغير المسلمين في المملكة، ويمكنهم أن يمارسوا شعائر أديانهم في أماكنهم الخاصة»، مبينا أن هذا لا يعكس أي إقلال من حرية العقيدة لغير المسلمين في المملكة، ولا يمثل أي ممارسة لعدم احترام عقائد الآخرين، كما أنه ليس هناك دعوة لمناقشة هذا الأمر من منظور التشريعات البشرية الوضعية، «فالدين اعتقاد قلبيّ قبل أن يكون دليلا عقليا، وهذا هو اعتقادنا الذي نتوقع من الآخرين احترامه وليس مناقشته، كما أننا نحترم معتقداتهم ولا نناقشها».

وتناول المسؤول السعودي التضامن الفكري والمعنوي الذي يجب أن يقوم عليه السلم، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي تناول هذا المفهوم في آية توضح أبعاد هذا التقارب والتضامن، على أساس من الاحترام لأنبياء الله ورسله واحترام ما جاءوا به من قيم، وأنها هي الأساس الحقيقي لهذا التضامن الفكري والمعنوي الذي نحن في أشد الحاجة إليه.

وأبدى تقديره لمبادرة مفوضية حقوق الإنسان بعقد ندوة حول «حرية التعبير والحض على الكراهية الدينية» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2007م ، وطالب بأن تكون هناك خطوات عملية لاحقة لهذه الندوة، وقال: «إن هذه الندوة أبرزت أن حرية التعبير لا تشمل الحض على الكراهية الدينية أو العرقية، وإننا بصدد مشكلة تفسير أدت إلى تنازع حقوق، هذا يحتاج إلى توضيح وبحث من أجل تعزيز تطبيق المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بشأن عدم الحض على الكراهية الدينية أو العرقية، دون أي إخلال بالمادة 19 من ذات العهد والخاصة بحرية التعبير»، وأضاف: «إننا نأمل أن تكون هناك خطوات عملية لاحقة لهذه الندوة»، داعيا إلى استمرارية البحث فيما خلصت إليه من أجل تحديد المصطلحات والمفاهيم التي تكون سببا في التداخل بين حرية التعبير والحض على الكراهية الدينية أو العرقية، مقترحا أن يكون موضوعها «تعريف الحض على الكراهية الدينية في التشريعات المقارنة والقضاء المقارن». وقال: «لأن هذا في تقديرنا هو ما سيقود إلى تركيز الحوار على جوانب قانونية - فقهية، ويخرجه من دائرة التسييس والتعميم».