الداخلية السعودية: طول الحدود وبراعة التخفي.. وراء تسلل المطلوبين أمنيا

اللواء التركي لـ«الشرق الأوسط»: ملاحقون اعتمدوا في تنقلاتهم الداخلية على هيئات «غربية» وملابس نسائية

3 لقطات تعود للمطلوب صالح القرعاوي حصلت عليها «الشرق الأوسط» تظهر تغير هيئته من صورة لأخرى
TT

كشف المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن بعض المطلوبين الذين تم الإعلان عن ملاحقتهم قبل أيام ضمن قائمة تشمل 85 مطلوبا لم تسجل عليهم أية ملاحظات أمنية قبل مغادرتهم الأراضي السعودية.

وأكد اللواء منصور التركي المتحدث الأمني الرسمي لوزارة الداخلية في حديثه لـ «الشرق الأوسط» أن نجاح تسلل 85 شخصا إلى خارج السعودية هو نتيجة لطول حدود السعودية، منوها إلى أن عددا من الأسماء المعلن عنها في القائمة الأخيرة خرجت من البلاد قبيل تواجد أي ملاحظات أمنية أو قانونية عليها.

ويأتي ذلك في الوقت الذي لم تظهر الصور المنشورة لبعض المطلوبين أمنيا أي علامات تظهر انتماءهم لفكر القاعدة. وأوضحت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، اعتماد عدد من عناصر «القاعدة» المدرجين على قائمة الـ85، على هيئة تخفي التزامهم الديني، عبر حلق اللحى والشوارب، ضمن سياسة التخفي والتنكر التي اعتمدها هؤلاء في تنقلاتهم داخل البلاد. وهذا ما لجأ إليه مرتكبي معظم الحوادث الارهابية منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001.

وتعكس صور حصلت عليها «الشرق الأوسط» للمطلوب صالح القرعاوي، هذا الأمر، حيث ظهر في الأولى بهيئة طبيعية لا توحي عن شخصيته كالهيئة التي سبقه إليها محمد عطا، أحد منفذي هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، فيما ظهر في الصورتين الأخيرتين باللباس السعودي والهيئة التي عرفه بها أفراد تنظيم القاعدة.

وفي هذا الجانب أكد اللواء التركي أن أبرز سبل تخفي وتنكر أعضاء التنظيم داخل السعودية يكون بأحد أمرين، إما استغلال الأزياء النسائية مثل «العباءات»، نظرا لما قد يتسبب فيه تفتيش المرأة أو ايقافها من حرج، وان كانت السعودية قد عمدت إلى توطين نساء للقيام بالتفتيش في المطارات، بالإضافة إلى حلق اللحى والشوارب وارتداء الأزياء الغربية.

وفيما يتعلق بطبيعة الصور التي كشفت عنها وزارة الداخلية وتباينها من مطلوب لآخر من حيث الجودة والحداثة، أوضح المتحدث الأمني الرسمي لوزارة الداخلية السعودية حرص السلطات الأمنية على كشف أحدث الصور والهيئات للمطلوبين والتي تعكس الأعمار الحقيقية لهم، مشيرا إلى أنه في حال عدم توفر أي صور حديثة تسعى الجهات الأمنية إلى الاستعانة بالتقنيات الالكترونية الحديثة لتوقع كافة الهيئات التي قد تكون عليها الشخصية المطلوبة.

وأثارت مطالب السلطات السعودية بتسليم ما لا يقل عن 85 شخصا خارج أراضيها مطلوبين للجهات الأمنية لصلتهم بتنظيم «القاعدة»، مدى ما وصلت إليه خلايا التنظيم من مهارات التخفي والتنكر التي سهلت التسلل إلى خارج الأراضي السعودية لعدد من الدول العربية والإسلامية المجاورة.

فاليمن والعراق وسورية ولبنان وأفغانستان وباكستان وصولا إلى إيران، جلها محطات استوعبت عددا من قائمة 85 وعلى فترات زمنية متفاوتة، إلا أن ماهية الوثائق المزورة وعددها ومدى دقة تزييفها تكشف ربما عن حرب جديدة بين التنظيمات المسلحة والسلطات الأمنية هي حرب «التخفي والتنكر».

وكما عرف عن خالد شيخ محمد ثالث ابرز قادة تنظيم القاعدة قبيل اعتقاله في مارس (آذار) 2003 براعته في إخفاء هويته وحيازته جوازات سفر متعددة وبهويات مختلفة. وبحسب احمد رشيد خبير بشؤون القاعدة في باكستان في حديثه مع «الشرق الأوسط» فقد تمتع خالد شيخ محمد بسهولة التنقل من منطقة لأخرى لما تمكن من توفيره من هويات مزيفة تماما كما هو الحال في الأفلام السينمائية والحديث لرشيد تارة بشارب وأخرى من دونه أو هوية أخرى بحلق الشعر والذقن كاملا والاحتفاظ بهما في وثيقة رسمية أخرى مستعيضا أيضا بأدوات التجميل لتغيير لون البشرة وما إلى ذلك.

إلا أن ارتداء الأزياء النسائية وبالأخص البرقع أو النقاب في المجتمعات الإسلامية المحافظة عدت أكثر الطرق نجاعة في الأخص في بادئ الأمر بين خلايا تنظيم القاعدة، فكما كشفت السلطات الأمنية السعودية عقب إحدى ابرز المداهمات 2005 والتي انتهت بمقتل ابرز قياديي التنظيم الميدانيين في السعودية هما المغربي عبد الكريم التهامي والمجاطي، عن تمكن ستة من أعضاء تنظيم القاعدة الانتقال إلى مدينة الرس بالتخفي بأزياء نسائية.

ولم يقتصر التنكر بالأزياء النسائية على تنظيم القاعدة أو الفارين من العدالة في المجتمعات الإسلامية وإنما أيضا تبنته السلطات الأمنية الرسمية كوسيلة للتخفي للقبض على المطلوبين، كما حدث عند تنكر مجموعات الكوماندوز الباكستانية بالتخفي بأزياء نسائية محجبة تغطي من الرأس حتى القدم وارتداء البراقع لاعتقال الرجل الثالث في تنظيم القاعدة أبو فرج الليبي.

بيد أنه وعقب شيوع التنكر بالأزياء النسائية واللجوء إلى عمليات التخفي البدائية باستخدام أدوات التجميل وتغيير للمظهر الخارجي من إطالة للشعر أو تقصيره أو حلق اللحى والشارب أو الاحتفاظ بهما معا، تكشفت أدوارا وأبعادا أخرى لحرب التخفي والتنكر بين عيادات أطباء التجميل للبحث عن هوية جديدة ومستحيلة، وبين خبراء الفن السينمائي ممن امتهنوا إعداد وجوه مطاطية شبيهة بالجلد البشري لدرجة الالتباس، وهذا بحسب الخبراء لا يتطلب صنع أقنعة السيلكون سوى من 3 إلى 4 ساعات يمكن نزعها في ثوان، بالإضافة إلى صناعة الأنوف والآذان والأعين الاصطناعية من المادة ذاتها بصورة منعزلة.

وأوضح طبيب التجميل الباكستاني حميان محمد إقبال مواطنيه بشدة في الوقت الراهن على عيادات التجميل، مشيرا إلى عدم أحقية طبيب التجميل الاستفسار عن دوافع المريض في تغيير وجهه بالكامل أو إلى بعض أجزائه كالأنف أو العين أو الفم بقيمة مالية تبلغ أقصاها 5000 دولار.

وحول مدى احتمالية لجوء الفارين من العدالة إلى عيادات أطباء التجميل شدد طبيب التجميل الباكستاني على صعوبة تمييز هذا الأمر من قبل المختصين رغم إشارته إلى لجوء حالتين إلى عياداته طلبا في تغيير بصمات أصابعهم كاملة الأمر الذي اعتبره حينها خرقا للقانون الباكستاني ما وقف حائلا أمام تحقيق رغبة الرجلين.

من جهة أخرى نفى المختص في عمليات التجميل بساطة تغيير ملامح الوجه إذ أن الأمر يتطلب كسرا لعظام الوجه بغية تحقيق اختلاف ملحوظ ما بين الصورة الأصلية والنسخة المزيفة وذلك لبناء ملامح جديدة، مشيرا إلى أن واقع عمليات التجميل ليست كما تصور في السينما الغربية.

أما في المجال السينمائي وما أصبح يقوم به الممثلون من أداور متعددة وبأشكال وهيئات مختلفة في الفيلم الواحد أوضح المخرج السعودي عبد الله المحسن لـ«الشرق الأوسط» إمكانية لعب الممثل لأدوار متعددة وبهيئات مختلفة نتيجة إلى مهارة المتخصص في مجال صناعة الأوجه وفن الماكياج، وذلك عبر تصميم أقنعة مطاطية وبتعابير متنوعة من مواد مختلفة أهمها المغاط، بالإضافة إلى الأطراف أو بعض من أجزاء الوجه.

ولم يستبعد المخرج السعودي احتمالية لجوء الفارين من العدالة إلى استخدام تكتيكات محترفة في فن التنكر والتخفي إلى جانب الطرق البدائية وبالأخص لوفرة المواد المعتمدة في ذلك ورخص أثمانها في الوقت الذي توفر فيه العلم وأصبح متاحا لكل باحث، مؤكدا إمكانية تصديق الشخصية المزيفة على أرض الواقع أكثر من كونها عبر الشاشات.