سعد الحريري: ساعة الحقيقة دقّت والعدالة ستدقّ أبواب كل الذين شاركوا في الجرائم

مئات آلاف اللبنانيين يحيون الذكرى الرابعة لاغتيال الحريري.. والخطب تشدد على الفوز في الانتخابات البرلمانية.. «المصيرية»

TT

أحيا لبنان أمس الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري بمهرجان حاشد قدرت وكالات الأنباء المحلية والعالمية المشاركين فيه بمئات الآلاف من اللبنانيين الذين غصت بهم ساحة الشهداء في وسط بيروت والساحات المحيطة، الأمر الذي أعاد الى الاذهان صورة التجمع الجماهيري الكبير في 14 مارس (آذار) 2005، وهو حشد فاق توقعات المشاركين الذين فوجئوا بهذا الحضور اللافت رغم «الاسترخاء السياسي» الذي يعم لبنان حاليا.

وكان الاحتفال اختبارا للعصب الجماهيري لقوى «14 آذار» قبل أسبوعين من انطلاق المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه بدءا من الاول من مارس (آذار)، وقبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات البرلمانية التي أجمع خطباء المناسبة على وصفها بانها «مصيرية». وبدت واضحة في الكلمات آثار التهدئة السياسية القائمة، خصوصا من «صاحب المناسبة» النائب سعد الحريري الذي أعلن أنه يتطلع إلى «إجراء الانتخابات في أجواء ديمقراطية تلتزم حدود القانون، وتخضع لشروط المراقبة العربية والدولية التي تقتضيها الظروف الراهنة». وأكد أن «ساعة الحقيقة دقّت. والعدالة ستدقّ بإذن الله، أبواب كل الذين شاركوا في المسلسل الإجرامي». فيما شدد النائب وليد جنبلاط على أن «لا عدو لنا في الداخل، وأن الحوار فوق كل اعتبار».

وقبيل بدء الاحتفال بثت عبر شاشات كبيرة رسالة بصوت الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في المناسبة قال فيها ان الحريري كان «رجلا يؤمن بالعروبة وبالعمل العربي المشترك، وكان خير مؤيد وداعم لكل ما من شأنه تأييد وتعظيم العمل العربي المشترك». وأضاف: «كانت له أفكاره الاقتصادية المهمة التي تعلقت بإقامة منطقة التجارة الحرة والتوصل الى اطار زمني بالاتفاق على الاتحاد الجمركي كإقامة السوق العربية المشتركة». كما بثت عبر الشاشات رسالة لرئيس الوزراء العراق السابق اياد علاوي.

وقدم الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، في كلمة مماثلة، شهادة عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدأها بالحديث عن الصداقة التي كانت تجمعهما، وقال: «غالبية اللبنانيين كانت متعلقة جدا بما يمثله الرئيس رفيق الحريري الذي جسد بلاده جيدا، وهذه الغالبية تلقت صدمة عميقة وأصيبت بفاجعة مما حصل».

وتحدث رئيس حزب الكتائب أمين الجميل في كلمته عن «أربعة أشهر تفصلنا عن انتخابات نيابية مصيرية». وقال: «فليكن هذا اليوم وعداً بالانتصار أيضاً في هذا الاستحقاق الآتي إلينا مضرجاً بدماء شهدائنا من قادة ووزراء ونواب وضباط وجنود وصحافيين ومواطنين أبرياء».

ورأى أن «الانتصار في الانتخابات هو الاقتصاص الحقيقي من القاتل أكان شخصاً، أو تنظيماً، أو نظاماً، أو دولة، لأن الوفاء للشهداء لا يكون بالبكاء والتأسف وتقديم التعازي والقيام بواجبات رفع العتب، ولسنا بعاتبين بل ثائرين حتى معرفة كل الحقيقة». وأكد أن «الانتخابات مصيرية لإكمال مسيرة ثورة الارز ومنع تقويض كل الإنجازات الإيجابية الوطنية التي تحققت في السنوات الأربع الماضية». وناشد رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون «شعب 14 آذار العطاء في 7 يونيو (حزيران)، موعد الانتخابات المصيرية، وليكن هذا الاستحقاق بمثابة رد الجميل الى جميع الشهداء رافضين كل المؤامرات التي تحاك ضد وطن الأرز».

وقال النائب باسم السبع إن «دم الرئيس رفيق الحريري يستحق العودة الى الساحة خصوصاً العام المقبل مع نتائج محكمة لاهاي»، مشيراً الى أن «المحكمة ستبدأ وسنرى رؤوس المجرمين تطل من وراء القضبان». وقال: «نحن وأنتم ليست لدينا مشكلة مع سورية وندرك أهمية بناء علاقات جيدة معها لكننا امام مشكلة معقدة مع نظام بشار الأسد».

بعد ذلك، ألقى جنبلاط كلمة قال فيها: «من شلال الدم، دم رفيق الحريري، سال نهركم وتفجرت ثورتكم ولبيتم نداء البطريرك وعزمتم وجرفتم الحواجز، وأخرجتم جيش الوصاية، جيش نظام الحقد والجهل والدم، وفرضتم المحكمة بإصراركم وعنادكم وإخلاصكم وصبركم وتضحياتكم، ورفضتم الفوضى يوم حصار السراي، وأدتم الفتنة يوم الزيادين وطالبتم بالعدالة، فقط العدالة، ووقفتم مع أهلكم وأهلنا في الجنوب والضاحية ايام العدوان (الإسرائيلي على لبنان صيف عام 2006)، ووفاؤكم في يوليو (تموز) كوفاء الحريري في (أبريل) نيسان (1996 عندما شنت اسرائيل على لبنان عملية «عناقيد الغضب»). وأكدتم مجددا يا اهل بيروت، يا اهل لبنان، نشيد العرب الخالد، نشيد ناصر، شوفوا بيروت بعد العدوان، الوصاية فين والطغيان (...). كما انتم الذين لبيتم نداء الحوار بالرغم من جرح أيار (العملية العسكرية للمعارضة في مايو الماضي)، انتم والشيخ سعد، انتم الحرية، انتم العروبة، انتم الجنوب، انتم الجبل، انتم البقاع، انتم طرابلس، انتم عكار، انتم الضاحية، انتم بيروت، انتم الاستقلال، انتم لبنان». وأضاف: «من موقع الحرص على الوحدة الوطنية وعلى مسلمات الحوار لا بد لنا من التمييز بين التهدئة والتسوية. نقولها بصراحة إنه لا تسوية على المحكمة الدولية والعدالة، وان لا تسوية على التحديد والترسيم لمزارع شبعا، وان لا تسوية على معابر التهريب وقواعد التفجير والاجرام خارج المخيمات، وان لا تسوية على استكمال ملف المهجرين وحق الجنوبيين نتيجة العدوان، وان لا تسوية على تسليح الجيش، وان لا تسوية على اعمار البارد وحق اللاجئين في العيش الكريم، وان لا تسوية على بناء القضاء وتأهيله، (...) ولا تسوية على الطائف شرط استكمال الطائف في تحرير لبنان من نظام الطوائف، وان لا تسوية على الخطة الدفاعية وحصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة، وان لا تسوية على العروبة والتضامن العربي والمبادرة العربية بعيدا عن المزايدات، وان لا تسوية على فلسطين والوحدة الفلسطينية وحق العودة واقامة الدولة». وشدد جنبلاط على أن «لا عدو لنا في الداخل، وان الحوار فوق كل اعتبار». وقال: «نحترم شهداءهم ونتمنى أن يحترموا شهداءنا. عدونا الى جانب اسرائيل هو الحقد، هو ظلم الاغتيال في محاولة انظمة الاستبداد لمنع التقدم وقمع الحرية. الاشرس والانكى في كل هذا، اننا نصرّ كدولة لبنانية وكشعب لبناني على التهدئة، اي الهدنة مع اسرائيل وارضنا محررة بانتظار شبعا بعد الترسيم. وغيرنا هو ايضا من يحارب عبرنا وعبر غزة وارضه محتلة ويتباهى بالممانعة ويطلب من الاتراك تجميد الاتصالات وإن مؤقتا مع اسرائيل. وكأن اهل الجنوب وكأن اهل لبنان وكأن اهل غزة، وكأن اهل فلسطين سلعة تباع وتشترى على طاولة المفاوضات. وما الصواريخ النقالة والجوالة المجهولة والمعروفة إلا لتحسين شروط المفاوضات، هو طبعا كما قال احدهم من قادة الممانعة، هو الخندق الحصين الاول للممانعة ولا تخافوا اذا سقط الخندق الاول، لان نفاق، عفوا أنفاق الممانعة تتواصل بين دوحات الممانعة». وأضاف مستذكرا والده الراحل كمال جنبلاط الذي اغتيل في مارس (آذار) 1978: «بين آذار وآذار طال الانتظار (...). كم صبرنا وكم صمتنا وكم جاهدنا وكم عانينا وكم ذُللنا، ذللنا نعم ذللنا، وكم حبسنا الدمع (...). بين آذار وآذار طال الانتظار، لا تسوية ولا تهدئة ولا اعتذار».

وقال رئيس الهيئة التنفيذية لـ« القوات اللبنانية» سمير جعجع: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الجرائم المحاكم». مؤكدا أنه «لولا ثورة الأرز لما بقي لبنان ولا شعب ولا أرز». وأضاف: «كانت كل المحادثات الدولية الخاصة بلبنان تجرى في دمشق، لقد كان رؤساء الجمهورية يعينون من هناك والحكومات تشكل في عنجر. حتى عرق جبيننا كان يُمتص جزء منه إلى هناك». وعن الفريق الآخر قال: «يريدونها دولة وهمية من دون قرار أو سياسة، من دون جيش فعلي ولا أمن ولا من يحزنون. آخر ابتكاراتهم كان تستّرهم بضرورة تطبيق قانون التنصت لحرمان الأجهزة الأمنية الشرعية من مساحة عمل واسعة، وترك الساحة سائبة لهم، من دون حسيب أو رقيب، لممارسة هواياتهم غير الشرعية المفضلة(...) ولكن ليس لتطبيقه بل للتستر به لتسهيل تنصتهم غير الشرعي».

واستهل الحريري كلمته بالقول: «اليوم، نأتي مجدداً إلى ساحة الحرية لنقول للرئيس الشهيد رفيق الحريري ولكل شهداء انتفاضة الاستقلال: المحكمة الدولية على الأبواب. ودمكم سينتصر على الظالمين. لقد دقّت ساعة الحقيقة. والعدالة ستدقّ بإذن الله، أبواب كل الذين شاركوا في المسلسل الإجرامي بحق لبنان». وأضاف: «كل مواطن نزل إلى هذه الساحة، كل شاب اعتصم أمام تمثال الحرية، كل سيدة لوّحت بالعلم وصرخت من هنا في وجه الظلم. كل وردة وضعت على الضريح. كل دمعة سقطت من عين طفل، وكلّ صلاة تليت لأجل لبنان، كانت شريكاً في تعبيد الطريق إلى لاهاي. أنتم حجر الأساس لثورة الأرز. أنتم روح «14آذار». أردتم لعهد الهيمنة أن يرحل فرحل، وأردتم للمحكمة الدولية أن تقوم فقامت». وتابع: «أيها الأحبة من كل المدن والمناطق، منذ أربع سنوات ولبنان يتحرك في حقول من الألغام. معاً شهدنا مسلسل الاغتيالات التي استهدفت قيادات وطنية وعسكرية، ومعاً واجهنا الحرب الإسرائيلية على بلدنا وتوحّدنا في وجه العدوان، ومعاً شعرنا بوجع نقل المعركة إلى الداخل، ومعاً نجحنا في الإصرار على المحكمة الدولية، ولم نستسلم لليأس. كنا أقوياء بسلاح الإيمان بقضيتنا، ولم نتنازل عن حق اللبنانيين في قيام الدولة، وفي أن يكون لهذه الدولة رئيس، وأن يُرفع سيف التعطيل عن مؤسساتها الدستورية».

وشدد على أن «هذه المسيرة المحفوفة بالتحديات، لا تزال تتطلب المزيد من الصبر والثبات، والكثير الكثير من الحكمة وصلابة الموقف». وقال: «لقد تحملنا مسؤولياتنا التاريخية في مكافحة محاولات إغراق لبنان في الفتنة الأهلية، وسنتحمل، بإذن الله، في الحاضر والمستقبل، مسؤولية التصدي لمحاولات الاستيلاء على القرار الوطني اللبناني المستقلّ».

وأكد أن استحقاق الانتخابات في السابع من يونيو (حزيران) المقبل «هو استحقاق مصيري، فهذا ليس من باب التهويل على أحد، ولا من باب الاستنفار الانتخابي وحشد القوى السياسية»، موضحا أن «السابع من يونيو (حزيران)، ليس مجرّد مناسبة لاختيار أعضاء المجلس النيابي، بل هو فرصة أمام اللبنانيين جميعاً للإجابة عن الأسئلة المصيرية، وهو بالنسبة الى قوى «14 آذار» مناسبة لرفع الصوت في سبيل قيام دولة حرّة مستقلّة وقادرة. دولة مسؤولة عن إدارة شؤونها بنفسها. ودولة مسؤولة عن حماية الحدود والسيادة الوطنية واستقرار البلاد وسلامة الشعب وتقدّمه». وأضاف: «نريدها دولة للنمو الاقتصادي، دولة للإعمار، دولة لفرص العمل أمام كل اللبنانيين، وخصوصاً الشباب منهم، دولة تعترف لمواطنيها بأنهم هم أغلى مواردها، تلاقي تفوقهم بأعلى مستويات التعليم وترافق كفاءتهم بأعلى مستويات الطبابة وتحفز مبادرتهم بأعلى مستويات الثقافة وتساعد انطلاقتهم بأعلى مستويات التقديمات الاجتماعية».

وعن الانتخابات أيضاً قال: «نتطلع إلى إجراء الانتخابات في أجواء ديمقراطية تلتزم حدود القانون، وتخضع لشروط المراقبة العربية والدولية التي تقتضيها الظروف الراهنة». وجزم بـ«أننا سنتعامل مع نتائج الانتخابات في إطار القوانين المرعية، وسنلتزم نصوص الدستور، بما يساعد على تفعيل النظام الديمقراطي البرلماني، ويعيد الاعتبار لمفهوم تداول السلطة وفقاً للأصول، والحؤول دون تكبيل المؤسسات الدستورية بالقواعد الاستثنائية للحياة السياسية».

ودعا إلى «إعلاء لغة الحوار الوطني على أي لغة تناقض العيش المشترك وتسعى من قريب أو من بعيد إلى استدراج لبنان نحو أي شكل من أشكال العنف». وقال: «لقد تلاقينا في اتفاق الطائف على طي صفحة الحروب إلى غير رجعة، وسيبقى هذا الاتفاق بالنسبة إلينا القاعدة التي نجدد من خلالها وفاقنا الوطني».

واعتبر الحريري أن «مستقبل لبنان الاقتصادي هو رهن الاستقرار السياسي والأمني. لقد دفع لبنان أثماناً اقتصادية ومالية واجتماعية كبيرة لمسلسل الحروب والأزمات خلال العقود الماضية، ولتلك الأشكال المتعددة من الفجور السياسي التي قطعت الطريق على كل محاولات الإصلاح المالي والاقتصادي، وأهدرت الفرص المتتالية لـ(مؤتمرات) باريس-1 وباريس-2 وباريس-3». وختم: «آن الأوان لكشف المتلاعبين الحقيقيين بحقوق الدولة، ووضع اليد على مكامن الفساد الحقيقية، وعلى أوكار الفوضى المسؤولة عن حماية هذا الفساد».