أهالي بيروت كسروا الخوف.. واحتفوا بالمحكمة الدولية

المتنبي كان حاضرا.. والقوى الأمنية حمت المشاركين من الاستفزازات في الذكرى الرابعة لاغتيال الحريري

TT

ثلاثة عناوين حركت المشاركين في إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. العنوان الأول هو كسر حاجز الخوف الذي أرسته أحداث السابع من مايو (أيار) العام الماضي. والثاني كان الاحتفال المبكر بالمحكمة الدولية لكشف مرتكبي جرائم الاغتيال التي ستباشر أعمالها في الأول من مارس (آذار) المقبل. أما العنوان الثالث، فهو الانتخابات النيابية التي ستجرى في السابع من يونيو (حزيران)، التي بدأت معاركها تحتل الساحة السياسية اللبنانية. في حين يأتي العنوان الرابع «الاستلحاقي» مرتبطا بالحجم الكبير للمشاركة من المناطق المسيحية. وقد شكل هذا العنوان مادة دسمة للأحاديث الجانبية بين قادة قوى 14 آذار، وكأنهم يستنفرون حواسهم لقراءة موازين القوى للمرحلة المقبلة. كسر حاجز الخوف كان واضحا في المناطق الغربية من بيروت، وتحديدا تلك التي شكلت ساحة لنشاط القوى التي اجتاحتها في بربور والنويري وراس النبع والبسطة وزقاق البلاط والخندق الغميق. قال أحد المنظمين من أبناء منطقة «الطريق الجديدة» المحسوبة على «تيار المستقبل» «هدفنا ليس الرد على السابع من مايو (أيار)، وإنما كسر هذا التاريخ بأسلوب المقاومة المدنية لنرغمهم على عدم معاودة التجربة. هذا ما يريده سعد (الحريري) ونحنا قلنا له: لعيونك». و«لعيون سعد» خرج من الأحياء «الحساسة» جمهور غالبيته من النساء اللواتي اتشحن بالشعار الأزرق لـ«تيار المستقبل»، وحملن صور الرئيس رفيق الحريري وتوجهن سيرا على الأقدام باتجاه ساحة الشهداء. إحداهن قالت لرفيقتها «منذ الصباح الباكر حضرت طعام الفطور للعائلة ووضعت الاطباق على الطاولة وغادرت». لترد الثانية «أنا حضرت وجبة الغداء ايضا حتى أشارك على راحتي».

الرجال، وتحديدا الشباب منهم، حرصوا على عدم استفزاز «قوى الأمر الواقع»، فتوجه معظمهم إلى مناطق تجمّع قرب ساحة الشهداء التي صارت تعرف موعدها السنوي مع جماهيرها. منذ ساعات الصباح الاولى امتلأت الساحة بالمشاركين. وصل مئات الآلاف منهم من عكار وطرابلس والبقاع. في حين بقيت اعداد كبيرة محتجزة على الطرق، الامر الذي أدى إلى ازدحام سير خانق على مداخل العاصمة بيروت. القوى الأمنية بذلت جهدا واضحا لضبط الاوضاع ومنع حصول أي تجاوزات او مشكلات امنية، ولعل ابرز الترتيبات كانت تحديد سير المشاركين المشاة وتحويلهم الى الشوارع البعيدة عن أماكن وجود قوى «حركة أمل» و«حزب الله» في البسطة والخندق الغميق وزقاق البلاط. وردا على سؤال وجهناه لأحد الجنود عن سبب تحويل سير المشاة، كان الجواب «حرصا على سلامتكم». هذه السلامة تعرضت الى الاهتزاز من بعض «الشباب» الذين استفزهم مشهد المشاركين والاعلام اللبنانية المرفوعة مع صور الحريري الأب والابن، فعمدوا الى رشقهم بالحجارة. ولم يخل الامر من راكبي دراجات نارية يشاركون بسكاكينهم في تمزيق الاعلام وطعن من تصل السكين إليه. الاستفزازات لم تلق ردود فعل انفعالية، وكأن القرار كان بضبط النفس والحرص على عدم الدخول في التحريض الطائفي. الا ان الشعارات المرفوعة كانت تعكس العناوين الثلاثة. منها «لن نركع ما دام فينا طفل يرضع». وآخر يصور قردين مشنوقين مع عبارة «أيامهم معدودة». وثالث وردت فيه عبارة «أنا حر أنا ديمقراطي أنا لبناني»، وآخر يؤكد أن «مشروع الحياة اسمه الشهداء». وجوه قادة 14 آذار كانت تعكس مدى ارتياحهم لمشهد الحشود المتكاثرة لحظة بلحظة. النائب سمير فرنجية قال ان «الناس يفاجئون قادتهم عاما بعد عام»، ودعا إلى «نبذ التشاؤم» ليراهن على «وعي اللبنانيين الرافضين أي انتقاص من سيادتهم أو أي محاولة لجرهم الى الاصطفاف الطائفي، مهما كانت المحاولات بشعة». مع بدء إلقاء الكلمات صارت حركة الجمهور خاضعة لمد وجزر على ايقاع العبارات الرنانة. وعندما قال النائب في كتلة المستقبل باسم السبع «زغردوا لبيروت وللشهداء والعدالة» ارتفعت الزغاريد من حناجر المشاركات. وتيرة الهتافات ارتفعت لدى وقوف النائب وليد جنبلاط على المنبر لإلقاء كلمته. الا ان رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع استقطب التصفيق الكثيف عندما حوّر بيت شعر للمتنبي، فقال «على قدر أهل العزم تأتي العزائم/ وتأتي على قدر الجرائم المحاكم». إنها الأولى إلا ثلاث دقائق. فجأة خيّم الصمت على المحتشدين في الساحة. وحدها الأعلام بقيت ترفرف في السكون الهابط على المكان.. ثم انطلق صوت المؤذن بـ«الله أكبر...الله أكبر» ومعه قرع أجراس الكنائس. هذه اللحظة التي تعيشها ساحة الشهداء منذ أربعة اعوام تبقى من أصعب اللحظات. في مثل هذه الدقيقة وقعت الجريمة ودوى الانفجار الذي حطم القلوب والأبنية والمعادلات التي كانت ترسيها الوصاية السورية بالقوة على اللبنانيين. تنتهي دقيقة الصمت ويعود برنامج الاحتفال الى محطته الاخيرة. يطل النائب سعد الحريري فتهتز الساحة بالتصفيق وتبلغ الهتافات ذروتها. يقول عبد الله من عكار «دمنا فداء لسعد الحريري فهو سعدنا». لترد فتاة صغيرة فتؤكد أنها جاءت قبل الساعة السادسة «من أجل سعد».