إيران: 30 عاما على الثورة الحلقة (8) ـ شريعتمداري: الثورة الإيرانية لم تكن حية أكثر من اليوم

شريعتمداري لـ«الشرق الأوسط»: الثورة الإيرانية لم تكن حية أكثر من اليوم.. ولم يكن تصديرها أقوى

شريعتمداري في مكتبه بصحيفة «كيهان» في طهران.. وخلفه صورة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله («الشرق الأوسط»)
TT

يشعر حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية النافذة بالارتياح، فعام 2008 كان عاما جيدا لإيران، وبالتالي فإن الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية التي يحتفل بها الإيرانيون في فبراير (شباط) الجاري تأتي ومعها «علامات الانتصار» الإيراني. يقول شريعتمداري في حوار مع «الشرق الأوسط»: «عندما قامت الثورة كنا وحدنا. اليوم نحن لسنا وحدنا، معنا أصدقاء من كل مكان. الثورة الإيرانية لم تكن حية أكثر من اليوم، ولم يكن تصديرها أقوى. المقاومة تنتصر في كل مكان.. الحمد الله الحرب على حماس استمرت 22 يوما، والحرب على حزب الله استمرت 33 يوما. الحرب القادمة ستكون 11 يوما، والتي بعدها ستكون يوما واحدا»، يقول شريعتمداري ضاحكا مشيرا إلى «الصمود الباسل للمقاومة» أمام اسرائيل. وإذا كان مجلس الأمن القومي الإيراني مشغولا بتنفيذ استراتيجية إيران الدفاعية والتي وضعها المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي بجعل إيران القوة الأولى في المنطقة بحلول 2015، فإن شريعتمداري يشعر بأن بعض ثمار هذه الاستراتيجية بدأ يؤتي ثماره، إذ لا يمكن الحديث عن حل الأزمات في الشرق الأوسط، من العراق إلى أفغانستان، مرورا بالموضوع الفلسطيني من دون العروج على إيران. ولحسين شريعتمداري نوعان من الأعداء يخشى منهما على إيران، الأعداء الخارجيون مثل أميركا والغرب الذين يريدون إخضاع إيران، كما يرى. والأعداء الداخليون الذين يحملون نفس وجهات النظر مع الغرب. وهؤلاء يسميهم شريعتمداري «إصلاحيين على الطراز الغربي».

ويوضح شريعتمداري: لقد ضحينا كثيرا من أجل هذه الثورة، ضحينا كثيرا في إيران من أجل أن نتحرر من الطغيان الأميركي. اليوم أميركا لا تريد الحوار معنا من دون شروط، بل بشروطها وهي شروط تهدف إلى كسرنا. «الشرق الأوسط» تحدثت إلى شريعتمداري حول إيران بعد 30 عاما من الثورة. وهنا نص الحوار:

* كيف هي إيران بعد ثلاثين عاما من الثورة؟

- الثورة حية في إيران اليوم وبعد ثلاثين عاما على قيامها، أكثر مما كانت حية في أي وقت آخر خلال الثلاثين عاما الماضية. الثورة وأفكارها تصدر لبلاد إسلامية أخرى. بينما في العام الأول بعد الثورة كنا وحدنا، لم يكن معنا أو حولنا الكثير من الحلفاء والأصدقاء الذين يؤمنون معنا بنفس الأفكار. هذا الوضع مختلف الآن. نحن لسنا وحدنا، معنا دول كثيرة حول العالم، يمكن رؤية هذا في لبنان وفلسطين وتركيا وكل العالم الإسلامي، وحتى دول غير إسلامية تميل للثورة الإسلامية في إيران وتردد شعاراتها وأفكارها. في الجانب الآخر، بعد ثلاثين عاما من الثورة، نحن القوة الأولى في المنطقة عسكريا وتكنولوجيا، في مجالات العلوم والطب والتكنولوجيا النووية.

* لماذا تقول إن الثورة اليوم حية أكثر من أي وقت مضى؟

- لأنه برغم كل المؤامرات علينا لإضعافنا، فشل الذين يريدون القضاء على ثورتنا. الإيرانيون يعرفون أن أميركا تكن عداء شديدا لإيران، ويعرفون أن عداوة أميركا لم تتوقف طوال ثلاثين عاما. من عقوبات إلى خطط ومؤامرات لإضعافنا. واليوم ما زالت أميركا تقف نفس موقفها من برنامجنا النووي، كل هذا يثبت أن أميركا تريد أن توقف تقدم إيران. لكن هذا لن يحدث. انظروا إلى موقف أميركا من حزب الله وحماس، تواطؤ أميركا في الحرب عليهما لضرب المقاومة، لكن الحمد الله الحرب على حماس استمرت 22 يوما ثم اضطرت القوى الصهيونية إلى الانسحاب، أما الحرب على حزب الله فاستمرت 33 يوما وانتصرت المقاومة.. فهل بعد ذلك ستكون الحرب 11 يوما، ثم الحرب التالية يوما واحدا؟ (يضحك).. عندما تصمد المقاومة الاسلامية، فهذا دليل على أن الثورة حية وعلى أن خطط أميركا وإسرائيل تفشل. لهذا أقول إن الثورة في أقوى حالاتها وحية أكثر من أي وقت مضى. وتصديرها أقوى من أي وقت مضى.

* عندما تتكلم عن تصدير الثورة اليوم.. ما الذي تقصده؟

- الحدود الجغرافية لا يمكن أن تمنع نشر الأفكار. عندما ترى الدول الأخرى المحيطة بنا أو حول العالم أن إيران لديها استقلالها وحريتها وسيادتها، وأنه بعد ثلاثين عاما من الحرب والتخريب لم تتمكن أميركا من تدميرها، يلهم هذا الآخرين. إيران نموذج ملهم في السيادة والوقوف أمام الاستكبار والجبروت. السيد ياسر عرفات رحمه الله عندما ذهب إلى الأمم المتحدة وبيده غصن زيتون وبيده الاخرى سلاح مقاومة، وخطب أمام الأمم المتحدة حول حقوق الشعب الفلسطيني، قال سيناتور أميركي عندما رأى فرع الزيتون في يد وسلاح فارغ من الطلقات في اليد الأخرى: ماذا يمكن أن يحققا؟ بعد الثورة الإسلامية في إيران ومقاومة حزب الله والانتفاضة والمقاومة في فلسطين والآن موقف تركيا.. كل شيء يتغير، فالحدود الجغرافية لا تمنع نشر أفكار المقاومة. أشياء كثيرة تغيرت في المنطقة منذ نجاح الثورة الإسلامية قبل ثلاثين عاما.

* هناك من يقول إن الثورة ولدت وبداخلها الكثير من الخلافات بين الأجنحة العديدة التي قادتها. وأن هذه الخلافات ما زالت موجودة داخل إيران، وبالتالي ليست الثورة في أحسن حالاتها؟

- أنا لا أريد استخدام كلمة أجنحة. ولا أعتقد أن هناك اليوم خلافات بين الذين شاركوا في الثورة حول تأييد الثورة. خلال الثورة كانت هناك تيارات وعناصر موجودة. لكن عندما ننظر لا نجد أن الكل شاركوا بنفس الدرجة، بل هناك تيارات وأشخاص لم تفعل حقيقة أي شيء، هناك تيارات وأشخاص شاركت، ثم انفصلت عن الثورة ومسارها. إذا أردنا أن نقسم هؤلاء اليوم فسنجد أنهم ينقسمون إلى محافظين، وأنا أفضل تسميتهم مبدئيين، وهناك الإصلاحيون. وهذان التياران قد يختلفان في الكثير من القضايا، إلا أنهما لم يتصارعا أو يتنافسا خلال الثورة أو قبلها. لكن بعد الثورة تغيرت وجهات النظر في إدارة الدولة. ومن هنا حدث التباعد. لكن هؤلاء ليسوا ضد الثورة، فعندما نحتفل بذكرى الثورة، نحتفل معا وجنبا إلى جنب.

* تتحدث عن الإصلاحيين.. البعض يقول إن مستوى الحريات قبل الثورة كان أفضل مقارنة باليوم، وأن الإصلاحيين يتعرضون لضغوط؟

- هذا ليس صحيحا أبدا. الرد على هذا يكون بالوقائع. في عهد الشاه لم تكن هناك أي حريات سياسية أو فكرية، كانت السجون مليئة بالسياسيين. كانت هناك تباينات في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. بعد الثورة تغير كل هذا. هناك انتخابات بلدية وبرلمانية ورئاسية. هناك تحركات اجتماعية نشطة، الصحف تكتب ما تريد. الرد بالوقائع.

* هل خدم الرئيس الأميركي جورج بوش إيران طوال 8 سنوات من حكمه من دون أن يتعمد؟

- ردي سيكون باستعارة حديث للإمام زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنه وهو: «الحمد الله الذي جعل أعداءنا من الحمقى».

* البعض يتهم إيران بأنها تسبب توترات، فمثلا في الملف النووي يريد الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما حوارا، فيما تضع إيران شروطا لهذا الحوار مثل اعتذار مسبق عن جرائم بحق إيران؟

- لا أعتقد أن أوباما سيحدث أي تغيير. فحتى الآن ليس هناك أي تغيير حقيقي في السياسات. باراك أوباما يعبر عن وجهات النظر التي عبر عنها من قبله بوش. اوباما قريب جدا من منظمة «ايباك» اليهودية ولديه مساعدون موالون لإسرائيل. إذا كان يعني تغييرا فيجب أن نرى هذا في مواقفه. بعد الحرب الصهيونية على غزة تظاهر الناس في العالم كله تأييدا للفلسطيينين وخرج زعماء حول العالم ينددون بهجمات الصهاينة، لكن أوباما لم يقل أي شيء ضد إسرائيل والمذابح التي ارتكبتها. فكيف نكون راضين عنه؟ في اليوم الأول لانتخاب أوباما كتبنا في صحيفة «كيهان» عنوانا «صقر في ثياب حمامة». لابد من تغيير جوهري في طريقة التفكير والبنية الأميركية. اوباما مجرد تغيير فرعي. لإقامة أي علاقات بين أميركا وإيران لابد لواحد منا من ان يغير مبادئه وأفكاره. إيران لن تفعل هذا. يجب على أميركا أن تتغير وأن ترى العلاقات الدولية في ضوء مختلف. كما قال الإمام الخميني ليس في ضوء علاقات الاستكبار الدولي.

* هل تعتقد أن الرئيس محمود أحمدي نجاد سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

- لأحمدي نجاد إنجازات كثيرة، أهمها أنه أعاد الثورة إلى أيامها الأولى، ومبادئها الأولى. وأعتقد أنه سينتخب لولاية ثانية. الطريقة التي تعامل بها مع تهديدات الغرب لنا بسبب برنامجنا النووي أظهرت أنه كان على حق. مشكلة الغرب أنه يتعامل مع إيران من منطق القوة. لكن هذه اللغة فات أوانها. نحن أمام عالم لا يمكن فيه لقوى أن تفرض هيمنتها وإرادتها على باقي دول العالم، هناك عالم جديد يتشكل.