اتفاق «نوايا حسنة» في الدوحة بين الخرطوم وحركة متمردة في دارفور.. لا يتضمن وقف النار

حركات تمرد أخرى اعتبرته «خاطئاً» ولا فائدة منه.. وتسوية لإنقاذ البشير من «الجنائية» وإطلاق شقيق إبراهيم

الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني يتوسط رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم ومندوب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي جبريل باسولي خلال مؤتمر صحافي في الدوحة أمس (إ.ب.أ)
TT

اتفقت الحكومة السودانية وفصيل رئيسي متمرد بإقليم دارفور أمس في العاصمة القطرية الدوحة، على الجلوس سوياً مجدداً، لإجراء محادثات سلام وإنجاز اتفاق لحل أزمة دارفور، في موعد أقصاه 3 أشهر. ووقع الجانبان اتفاق نوايا حسنة، وبناء الثقة، دون أن يتضمن وقفاً للنار.. أو العدائيات، لكنه أشار إلى تنازلات مهمة من الجانبين، منها تبادل الأسرى. وحث الوسيط القطري جماعات المتمردين الأخرى وتشاد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. لكن حركات التمرد الأخرى اعتبرت الاتفاق «خاطئاً» لاستبعادها منه، وأن لا فائدة تُرجى منه.. وأنه تسوية لإنقاذ الرئيس السوداني من ملاحقات المحكمة الجنائية في «لاهاي»، وإطلاق شقيق زعيم حركة العدل المحتجز في الخرطوم، وقالت إنه تكرار لتجربة اتفاقية أبوجا (نيجيريا) قبل ثلاث سنوات.

وشمل الاتفاق إجراءات لمساعدة وحماية اللاجئين في دارفور، وإيقاف العودة القسرية للنازحين إلى قراهم، على أن تتم جدولة تبادل إطلاق سراح الأسرى والمسجونين والمعتقلين. واتفق الجانبان على العودة إلى التفاوض خلال أسبوعين في الدوحة للوصول إلى اتفاق حول إعلان مبادئ ووقف إطلاق النار. وترك للوسيط الدولي المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي جبرايل باسولي، والراعي القطري، وضع أجندة التفاوض من خلال لقاءات ثنائية مع طرفي النزاع. وفي بادرة حسن نية، أعلن رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم إطلاق سراح (21) من الأسرى من جنود الجيش السوداني بطرف حركته، وطلب من الوسطاء والقيادة القطرية استلامهم، لإعادتهم إلى الخرطوم. ولم تعلن الخرطوم خطوة مماثلة. وقال مساعد الرئيس السوداني، رئيس الوفد الحكومي إلى مفاوضات الدوحة، الدكتور نافع علي نافع، في مؤتمر صحافي عقب توقيع الاتفاق إن الطرفين اتفقا على مواصلة التفاوض على أساس ورقة قدمها الوسطاء وتم التوقيع عليها في القضايا التي شملها الاتفاق. وتابع «ليس هناك شرط تم اشتراطه من أي طرف»، مشيراً إلى أن الاتفاق يؤكد تصميم الطرفين والوسطاء على تكملة مشوار السلام، ويوصد الأبواب أمام ما أسماه بالأجندات الخارجية من التدخل في الشأن السوداني. وقال إن «عملية إطلاق سراح الأسرى ستتابعه الوساطة الدولية والقطرية، وفق جدول زمني معلوم، وأشار إلى أن هناك خطوات أخرى في إجراء محادثات بشأن الاتفاق الإطاري ووقف إطلاق النار للوصول إلى اتفاق شامل خلال ثلاثة أشهر. وأضاف أن الاتفاقية لا تتعارض مع الاتفاقيات الأخرى سواء في أبوجا مع حركة تحرير السودان فصيل مني أركو مناوي أو اتفاق الشمال والجنوب في نيفاشا (كينيا) 2005.

من جانبه أعلن رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم في المؤتمر الصحافي ذاته أنه يفاوض من أجل مصالح الناس وليس لمصلحة شخصية أو لحركته أو منصب. وتابع «لن نتفاوض من أجل مسائل جزئية أو قضايا ذاتية وإنما من أجل مصلحة الشعب والتحول الديمقراطي المقيد بزمن محدد»، مشيراً إلى أن قضية الأسرى التزم الطرفان بها وأنه لا يقبل أي تأويل آخر، وأن الوسطاء سيقومون بما يلزم في هذا الشأن. وقدم شكره إلى الوسطاء والمجتمع الدولي ودول الجوار خاصة تشاد. وقال رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني للصحافيين إن الاتفاق مفتوح أمام جميع فصائل المتمردين الأخرى. وأضاف أنه ينبغي لتلك العملية أيضاً أن تتضمن اتفاقاً بين تشاد والسودان نظراً لأن ذلك سيساعد كثيراً في حل القضية. وتابع أن قطر وليبيا تأملان في أن تتمكنا في القريب العاجل من إنجاز شيء في هذا الصدد لأن ذلك سيسهل عملية السلام ويجعلها سلاماً بين السودانيين ومع جيران السودان.

ويأتي الاتفاق التمهيدي فيما ينتظر السودان قراراً من المحكمة الجنائية الدولية في غضون أسابيع بشأن ما إذا كانت ستصدر مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بسبب مزاعم بوقوفه وراء إبادة جماعية في دارفور. وقال مسؤول بالحكومة السودانية أول من أمس إن توجيه الاتهام للبشير قد يقوض محادثات الدوحة.

ويقبع نحو 50 عضواً مزعوماً بحركة العدل والمساواة في السجون بالخرطوم بعد الحكم عليهم بالإعدام بعد إدانتهم بتهم المشاركة في هجوم لم يسبق له مثيل شنته حركة العدل والمساواة على العاصمة السودانية في مايو (أيار). ومن بين هؤلاء عبد العزيز النور عشر الأخ غير الشقيق لزعيم الحركة. وقال عبد العزيز سام عضو فصيل تابع لجيش تحرير السودان، الذي وقّع اتفاق سلام فاشلاً مع حكومة الخرطوم في 2006، إن أي اتفاق سلام شامل في دارفور ينبغي أن يشمل كل الحركات الصغيرة والكبيرة وإن البيان الذي أصدره الطرفان لن يفعل شيئاً لتحقيق سلام شامل. وأضاف أن كلا من الطرفين يفعل ذلك لتحقيق أهدافه الخاصة حيث تريد حركة العدل والمساواة الإفراج عن المعتقلين من أفرادها بينما يريد حزب المؤتمر الوطني إظهار أنه يفعل شيئاً إيجابياً في دارفور لتفادي المحكمة الجنائية الدولية. وقال فصيل الوحدة في حركة جيش تحرير السودان إن الاتفاق لا معنى له مع حركة العدل والمساواة بوصفها الموقع الوحيد عليه ضمن باقي الحركات. وقال شريف حرير العضو البارز في فصيل الوحدة إن شعب دارفور دفع ثمناً باهظاً وهو يستحق ما هو أفضل مما جرى في الدوحة. وأضاف أن حركته لن تشارك في هذه المحادثات.

فيما رحب حاتم السر الناطق باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني بخطوة الدوحة، بحذر، وقال لـ «الشرق الأوسط» إن ما جرى في الدوحة أمس خطوة أذابت كتلة من الجليد حيال العملية السلمية في دارفور في مشوار طويل ينتظر الجميع.