الأمم المتحدة تحث حكومة السودان والمتمردين على تنفيذ اتفاق الدوحة

وسط شكوك بأن يرضي الاتفاق أغلبية الحركات المسلحة في دارفور * معارك بين القوات الحكومية و«العدل والمساواة» في دارفور غداة اتفاق الدوحة

الرئيس السوداني عمر البشير يحمل طفلين يتيمين وذلك أثناء زيارته لأحد ملاجئ الأيتام في الخرطوم أمس (أ.ب)
TT

حثت الأمم المتحدة الحكومة السودانية وإحدى جماعات التمرد الرئيسية على تنفيذ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه من قبل الجانبين في العاصمة القطرية الدوحة لتسوية النزاع في إقليم دارفور المضطرب.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي باتفاق «حسن النوايا وبناء الثقة لتسوية المشكلة في دارفور» الذي تم التوقيع عليه في الدوحة برعاية الحكومة القطرية والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي جبرايل باسولي.

ووصف بان كي مون الاتفاق بأنه «خطوة بناءة» وناشد حكومة الخرطوم وحركة العدل والمساواة بالتحرك بسرعة نحو وقف الأعمال العدائية».

وقال إن الأمم المتحدة ستواصل دعم جهود السلام للتوصل إلى حل سياسي للصراع في دارفور. من جانبه قال رئيس المجلس السفير الياباني يوكيو تاكاسو للصحافيين إن هذا الاتفاق يشكل «خطوة في الاتجاه الصحيح» لإنهاء الصراع في دارفور.

وأضاف تاكاسو أن المجلس دعا إلى تحقيق تقدم في محادثات السلام إلا أنه لن يدعم المناقشات التي تجري في الوقت الذي تنخرط فيه الأطراف في القتال.

وقال عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان لدى الأمم المتحدة إن اتفاق الدوحة يمثل بداية عملية من شأنها وضع نهاية للقتال في غضون ثلاثة أشهر.

وانتهز عبد الحليم الفرصة لإدانة المحكمة الجنائية الدولية لعملها على إعداد حكم بحق الرئيس السوداني عمر البشير الذي تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور.

وقال إن «الشعب السوداني بأسره يقف وراء البشير» لإحلال السلام في دارفور.

وأشار تاكاسو إلى أن مسؤولا في الأمم المتحدة أطلع أعضاء المجلس على ملخص للوضع على الأرض في دارفور، وأضاف أنه تم اتخاذ «إجراءات احترازية» لحماية موظفي الأمم المتحدة من الأعمال الانتقامية في السودان في حال إدانة المحكمة الجنائية الدولية للبشير. وأضاف تاكاسو أن مسألة قرار المحكمة الجنائية الدولية باتت على «قدر كبير من الحساسية» داخل مجلس الأمن، الذي انقسم حول دعم الحكم، حيث تعارض الحكومات العربية والأفريقية الحكم من منطلق أنه سيعطل عملية السلام، التي تحتاج إلى تعاون البشير.

وقالت سوزان رايس السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، إن المجلس لابد أن يتعامل بنوع من الشدة لضمان إنهاء الصراع في دارفور، وأضافت أن عضواً واحداً، ليبيا على ما يبدو، عارض اتخاذ المجلس موقفاً بشأن قضية الجرائم في دارفور.

وقالت السفيرة الأميركية «لقد كانت خيبة أمل.. ألا يتمكن مجلس الأمن، بسبب عضو واحد، من التحدث بصوت واحد لإعلان إدانة صريحة، سواء لأعمال حركة العدل والمساواة أو الإفراط في القصف الجوي الذي تقوم به حكومة السودان، مما أدى إلى عجز المجلس عن التعبير في هذه اللحظة الحاسمة عن الدعم اللازم لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)».

ما زالت هناك شكوك خطيرة بشأن ما إذا كان الاتفاق بين الخرطوم وحركة العدل والمساواة سوف يتحول إلى اتفاق دائم يرضي حتى أغلبية متمردي الإقليم، حسب تقرير لـ«رويترز».

فقد فشلت اتفاقات أخرى من قبل. ويزخر تاريخ الصراع البالغ 6 أعوام بأكثر من هدنة وإجراءات لبناء الثقة ومبادرات للسلام منيت بالفشل.

وحركة العدل والمساواة ليست جماعة التمرد الوحيدة في دارفور. ولا يمثل هذا الاتفاق شيئاً يذكر في حد ذاته دون دعم الحركات والميليشيات الأخرى في المنطقة. وحتى الآن تنهال الانتقادات من الجماعات الأخرى على محادثات الدوحة وتقول إنها محكوم عليها بالفشل دون مشاركتها.

وقال فؤاد حكمت من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات «بناء الثقة والتعبير عن حسن النوايا كلها تطورات إيجابية... لكن إذا لم تضم الأشخاص الآخرين المعنيين بدارفور قد يكون هذا سبباً جذرياً لمزيد من المشكلات إذا شعرت الجماعات والقبائل الأخرى بالاستياء لعدم إشراكها... يجب أن تتطور إلى عملية تشمل الجميع».

وقد انهار اتفاق للسلام في دارفور تم التفاوض عليه في مدينة أبوجا بنيجيريا عام 2006 حين لم توقعه إلا جماعة واحدة. ويشعر كثيرون أن اتفاق الدوحة سيواجه نفس المصير إذا ظلت حركة العدل والمساواة الموقّع الوحيد من المتمردين. وقال دبلوماسي غربي «الدوحة مثل أبوجا لكن مع الإسلاميين». وينظر إلى حركة العدل والمساواة على أنها حركة إسلامية.

وهناك خطوات كثيرة يجب اتخاذها قبل أن يمكن وصف اتفاق الثلاثاء مع حركة العدل والمساواة بأنه اتفاق كامل. وما زالت الأطراف بحاجة إلى التفاوض على وقف الاعتداءات وشروط المفاوضات المستقبلية بشأن مجموعة من القضايا السياسية الصعبة.

وشروط اتفاق يوم الثلاثاء مبهمة وتفتقر إلى مواعيد نهائية محددة والتزامات محددة وملموسة.

وألمحت حركة العدل والمساواة بالفعل إلى أن المفاوضات المستقبلية ستشهد ضغطاً من قبلها لإجراء إصلاحات ديمقراطية تتجاوز حدود دارفور إلى مناطق أخرى تعتبرها مهمشة. وقد تحجم الخرطوم عن إجراء إصلاح شامل كهذا للهياكل السياسية للبلاد.

ومن الواضح أن حركة العدل والمساواة وحكومة السودان لديهما أهداف قصيرة المدى من التوقيع على اتفاق الثلاثاء. وتريد الحركة إطلاق سراح سجنائها. وتريد الخرطوم إظهار أنها تفعل شيئاً إيجابياً تجنباً لقضية تلوح في الأفق تتعلق بارتكاب جرائم حرب ضد رئيسها في المحكمة الجنائية الدولية. وإذا نجحوا في تحقيق تلك الأهداف -أو إذا فشلت هذه الأهداف - قد تضعف رغبتهم في المضي قدما في تنفيذ الاتفاق.

على الجانب الإيجابي أثبت القطريون بالفعل أنفسهم كوسطاء بارعين يتمتعون بالوقت والصبر والموارد اللازمة للجمع بين الخصوم الذين استحال إجراء مصالحة بينهم من قبل.

ومن الملاحظات المتفائلة الأخرى أن الكثير من المطالب السياسية الشائكة لحركة العدل والمساواة تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ في مؤتمر برعاية الخرطوم حول الصراع في دارفور.

واقترح مؤتمر مبادرة أهل السودان الذي عقد العام الماضي وشاركت فيه بعض جماعات المعارضة تمثيلا أفضل لدارفور واحتمال دمج الولايات الثلاث للإقليم. وربما يتم إقناع حركات أخرى بالانضمام.

إلى ذلك شنت القوات السودانية هجوما بريا وجويا على مواقع لحركتين متمردتين في دارفور، إحداهما حركة العدل والمساواة.

وقال سليمان صندل القيادي في حركة العدل والمساواة لوكالة الصحافة السودانية «تعرضنا لهجوم» شنه الجيش مدعوما بميليشيا الجنجويد قرب الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور.

وأضاف أن الطائرات الحربية السودانية قصفت أيضا مواقع للحركة المتمردة في منطقة جبل مرة، مؤكدا أن هذه الهجمات أسفرت عن وقوع قتلى في صفوف الجيش والمتمردين على حد سواء.

بدوره أعلن مسؤول في جبهة تحرير السودان، التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، وقوع معارك بين الجيش وبين مقاتلي الجبهة في شرق جبل مرة. ولم يتسن تأكيد هذه المعلومات من البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أو من الجيش السوداني.