وزير خارجية فرنسا لـ«الشرق الأوسط»: إيران تركب مئات إضافية من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم

لا مخرج سياسيا لموضوع اتهام البشير وأنا لا أستطيع شيئا * ساركوزي قال للأسد لا مساومة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

برنار كوشنير (أ. ب)
TT

في حديث مطول وشامل خص به «الشرق الأوسط» وأجري معه في مكتبه في وزارة الخارجية، قبل 48 ساعة من زيارته إلى السعودية واليمن، تناول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بإسهاب، أزمات الشرق الأوسط، الملتهب منها والكامن، وعبر بصراحة عن مواقف فرنسا إزاءها. وكوشنير الذي وصل الى الكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية) قبل أقل من عامين، غالبا ما يترك لغة الدبلوماسية ويتحدث بصراحة متناهية. وخلال أكثر من ساعة، جال على الملفات المعقدة مشددا على الصداقة التي تربطه بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وصداقة فرنسا للسعودية.

وتناول كوشنير الملف الإيراني كاشفا لـ«الشرق الأوسط» أن إيران مستمرة في تركيب مئات الطاردات المركزية الإضافية في موقع ناتانز المعروف. فيما يعمد الأميركيون لمراجعة سياستهم إزاء إيران بعد تأكيد رغبتهم بالحوار المباشر معها، قال كوشنير إنه «لا يمكن لأصدقائنا الأميركيين أن ينسوا الشروط المسبقة» التي وضعتها الدول الست للتفاوض مع إيران وأولها وقف تخصيب اليورانيوم. ورأى كوشنير، في موضوع غزة، أن إيهود أولمرت «غير قواعد اللعبة» بربطه التهدئة بإطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، مضيفا أن فرنسا، وإن كانت تدعو للعمل بالتوازي على الأمرين معا، إلا أنها لا تعتبر إطلاق شاليط شرطا لا بد منه لفتح المعابر. ونقل كوشنير عن الأميركيين رغبتهم بتوصل الفلسطينيين إلى التصالح في ما بينهم واستعدادهم المبدئي للعمل مع حكومة تترجم هذا الغرض. وفي الموضوع اللبناني، قال كوشنير إنه «لا يعرف» سبب تأخر السوريين في إرسال سفير لهم إلى بيروت. وجدد كوشنير تأكيد دعم باريس للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان مشددا على أن «لا مساومة» عليها بتاتا، وكاشفا أن الرئيس ساركوزي قال هذا الكلام شخصيا للرئيس السوري بشار الأسد. وأبدى الوزير الفرنسي «تشكيكا» بجدوى وجدية توقيع الحكومة السودانية وفصيل من الفصائل المقاتلة في دارفور على رسالة نوايا، مذكرا بأن أقل من 25 اتفاقا وقع قبل ذلك ولكن الحرب استمرت ومعها المآسي. وكشف كوشنير أن لا أكثرية في مجلس الأمن الدولي يمكن أن تمرر تفعيل المادة 16 من قانون المحكمة الجنائية الدولية تأجيل ملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب مجازر في دارفور. وشرح كوشنير معنى عودة فرنسا القريبة إلى القيادة العسكرية الموحدة للحلف الأطلسي مشددا على أنها متمسكة باستقلالية قرارها وشارحا «المنافع» التي ستجنيها من هذا الانضمام. وأخيرا، قال كوشنير إن بلاده قامت بما عليها لتعزيز قواتها في أفغانستان وبالتالي ليست جاهزة لإرسال مزيد من هذه القوات إلى هذا البلد. * تقومون بزيارة إلى اليمن والسعودية بعد أن كنتم في الخليج قبل أيام في إطار جولة الرئيس ساركوزي على أربع دول في المنطقة. ما هو إطار هذه الزيارة وهل ثمة غاية محددة لها؟

ـ في الأسابيع الأخيرة، حصلت بيني وبين الأمير سعود الفيصل اتصالات عديدة بخصوص الوضع في غزة، وأمضينا معا يومين في نيويورك، لم تكن سهلة لا بالنسبة لي ولا بالنسبة للوزراء العرب (الذين كانوا موجودين فيها). وأتطلع إلى التحادث معه بشكل مطول حول ما آل إليه الوضع في غزة وحول المسائل الإقليمية التي تهم المنطقة كالملف النووي الإيراني وتهم بلدينا. كذلك أود التعرف إلى ما آلت إليه اتصالات المملكة السعودية مع دول المنطقة وملفاتها كما أود أن أسلمه رسالة من الرئيس ساركوزي إلى الملك عبد الله، وكذلك التباحث معه بخصوص الملف الأفغاني. وأريد أيضا أن أقول إن صداقة شخصية تربطني بالأمير سعود الذي أحترم خبرته ومعرفته العميقة بالمنطقة ومشاكلها. وهو يتمتع برؤية واقعية. وهذه أول زيارة لي للرياض خارج الزيارتين اللتين قمت بهما بمعية الرئيس ساركوزي. وقبل الوصول إلى الرياض، سأزور اليمن وأنا أعرف جيدا الرئيس علي عبد الله صالح.

* في مرحلة من المراحل، شعرنا أن ثمة افتراقا في وجهات النظر والتحليل بينكم وبين الرياض. ثم جاءت زيارة الرئيس ساركوزي الى السعودية. ما هو تقييمكم اليوم للعلاقات الفرنسية ـ السعودية؟

ـ لم يحصل أبدا خلاف بين فرنسا والمملكة العربية السعودية. نحن سعينا إلى إقناع المملكة بأن محاولتنا إقامة حوار مثمر مع سورية لم تكن موجهة أبدا وإطلاقا ضد السعودية. وأعتقد أن الرئيس ساركوزي توصل إلى ذلك. ولكن من جهتي، أنا مصرّ على زيارة المملكة للتأكيد على الأهمية الأساسية التي تمثلها السعودية بالنسبة إلينا. وبالمناسبة، أريد أن أعبر عن اهتمامنا بالانفتاح الذي أبدته المملكة للتغلب على الخلافات العربية «في قمة الكويت» وكذلك الزيارة التي قام بها الأمير مقرن بن عبد العزيز مؤخرا الى دمشق. نحن نعتبر أن أحد أوجه المشكلة يكمن في الخلافات العربية والاختلاف في الرؤية بين توجهين واحد معتدل وآخر متشدد. وهنا أشير الى أن السعودية وفرنسا دعمتا المبادرة والجهود المصرية للتوصل الى التهدئة والمصالحة الفلسطينية. وفي أي حال، أريد أن أؤكد مجددا وبقوة الصداقة التي تربط بين فرنسا والسعودية.

أما بالنسبة لليمن، فإنه بلد يتحلى بوضع استراتيجي مهم ولدينا فيه مصالح، فضلا عن أننا متمسكون باستقراره ومساعدته على تحقيق التنمية التي يحتاجها ونحن نعمل معه في ميدان مكافحة القرصنة البحرية في مياه عدن وقبالة الساحل الصومالي. ولقد سبق أن زارنا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أكثر من مرة وهذا نوع من رد الزيارة إليه.

* أحد المواضيع الأساسية التي تهم الدول الخليجية والشرق الأوسط بشكل عام هو الملف النووي الإيراني. يبدو أن هناك فرقا في المقاربة بينكم وبين واشنطن وحتى مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي كان في باريس مساء الأربعاء. ـ ما نقوله نحن هو أنه يتعين أن يكون البرنامج الإيراني محض سلمي وبالتالي ألا تكون له غاية عسكرية لأن هذا الأمر لن يكون أبدا مقبولا. ونحن نسأل الإيرانيين كما يسألهم البرادعي الذي تربطني به علاقة صداقة: لماذا لا يرد الإيرانيون على الأسئلة التي تطرحها عليهم الوكالة الدولية بشأن تفاصيل وماضي وحاضر برنامجهم النووي إذا لم يكن لديهم ما يخبئونه؟ لا أعتقد أن هناك فرقا بيننا وبين الأميركيين والوكالة الدولية إذ لا أحد يعرف ما إذا كان الإيرانيون يصنعون القنبلة النووية. ولكن الأمر المؤكد أن إيران تسعى لامتلاك التكنولوجيا والإمكانيات النووية لبلوغ «الحافة النووية».

هنا أريد أن اشير الى أن الإيرانيين مستمرون في تركيب المئات الإضافية من الطاردات المركزية في موقع (ناتانز). كذلك أشير إلى ما أنجزوه مؤخرا من وضع قمر اصطناعي في مدار حول الأرض وتطويرهم لصاروخ من ثلاث طبقات مما يقوي قدراتهم العسكرية الى حد بعيد وهو ما يثير لدينا القلق. وفي لقاء متلفز مع وزير الخارجية منوشهر متقي والبرادعي وآخرين، تساءل متقي: أليس لنا الحق بالنووي السلمي؟ بالطبع لهم الحق في ذلك. لكن الدعاية الحكومية والهيمنة على الوسائل الإعلامية في إيران تجعل السلطة تلعب على هذا الوتر. نريد أن يعرف الشعب الإيراني أننا ندعم حصول إيران على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية ونريد أن نساعده على إنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق المفاعلات النووية عندما ينضب النفط الإيراني وقبل ذلك.

* هل الملف الإيراني معلق بانتظار أن ينتهي الأميركيون من مراجعة سياستهم إزاء إيران؟

ـ ليس محكوما علينا بالشلل بانتظار ما تقوله. نحن سعداء أن السياسة الأميركية تتغير إذ كانت سياستهم السابقة تجاه إيران بطيئة وسلبية. الرئيس أوباما قال قبل الانتخابات وبعدها إنه يريد حوارا مباشرا مع طهران. وتناولت هذا الموضوع مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي. عملية المراجعة الأميركية جارية. نحن لسنا مستعجلين ونحن بصدد تقييم الوضع. أما متى سيضع الأميركيون سياستهم الجديدة موضع التنفيذ فهذا شأن يخصهم.

* ولكن لماذا تستشعر فرنسا الحاجة لتذكير الأميركيين أن هناك قرارات لمجلس الأمن تخص الملف النووي الإيراني؟ هل لديكم مخاوف من أن «تنفرد» أميركا بالمفاوضات مع طهران بعيدا عما حصل حتى الآن؟

ـ بين الأصدقاء لدينا الحق بأن نقول كل شيء ونتصارح. ومن المفيد أن نذكر الأميركيين بأن مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، عملت بشكل جيد وأن مجلس الأمن أصدر أربعة قرارات بينها ثلاثة تتضمن عقوبات تجارية واقتصادية. هناك دول تطبق العقوبات مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى لن أسميها لا تطبقها لا بل تعمد إلى توقيع عقود مع طهران. وكنا في وقت من الأوقات نفكر بالحاجة الى قرار جديد وعقوبات جديدة. ولكن اليوم لا أعتقد أنه يتعين استصدار قرار جديد وعقوبات جديدة. الأميركيون قالوا إنهم يريدون حوارا مباشرا مع الإيرانيين وأنا سعيد بذلك.

* ألا تتخوفون من أن «يتناسى» الأميركيون الشروط المسبقة التي وضعتموها للتفاوض مع إيران على الملف النووي مثل وقف التخصيب والنشاطات الحساسة والإجابة على أسئلة الوكالة الدولية...؟

ـ لا يمكن لأصدقائنا الأميركيين أن ينسوا هذه الشروط المسبقة التي حددناها بثلاثة. وفي سياق آخر أود أن أقول إنني سعيد بالانفتاح وسعيد أن محمد خاتمي الرئيس السابق قدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية وهو يمثل الانفتاح قياسا للرئيس الحالي أحمدي نجاد. وآمل أن تولد من هذه الانتخابات فرصة لحوار حقيقي بين الإيرانيين وبيننا وبين الأميركيين. أعتقد أنه من المرغوب به أن تسمح الانتخابات للشعب الإيراني الذي لديه حضارة قديمة أن ينفتح على العالم الخارجي من غير قيود.

* هل أصبحت التهدئة في غزة بين حماس وإسرائيل أملا بعيدا؟ ولماذا هذا الافتراق في المواقف بينكم وبين مصر، شريكتكم في الوساطة حول شروط التهدئة؟ القاهرة لا تريد ربطها بمصير الجندي شاليط فيما تصر الحكومة الإسرائيلية على ذلك بينما انتم تريدون «التوازي» بين فتح المعابر والإفراج عن شاليط؟

ـ أعتقد أنه سيتم التوصل الى التهدئة. كان يفترض أن تعلن الأحد الماضي لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت غير قواعد اللعبة بربط التهدئة بمصير شاليط.

ما أريد أن أقوله هو أننا نثق بالرئيس مبارك وندعم الوساطة المصرية. وهو موقف السعودية أيضا. وأنا أعتقد أنه يجب رفع الحصار عن غزة وبشكل دائم.

* أي أنكم لا تربطون هذا الأمر بأي شيء آخر؟

ـ بالنسبة إلينا، ليس هناك رابط بين فتح المعابر من جهة وبين إطلاق الجندي شاليط من جهة أخرى. هما أمران مختلفان ولكن يتعين العمل عليهما بالتوازي. ليست هناك من وجهة نظرنا مشروطية. إطلاق شاليط ليس شرطا لفتح المعابر. وأذكر أننا كنا أول من أدان الهجوم البري على غزة وقلنا ذلك بوضوح خصوصا انه جاء في وقت كان فيه الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني في مفاوضات. ما يجري حاليا أمر سلبي للغاية.

* ألن تشل نتائج الانتخابات الإسرائيلية العملية السلمية إذا ما كانت هناك عملية متبقية؟

ـ الرئيس ساركوزي يعتقد أن اليمين في إسرائيل هو الذي صنع السلام دوما. آمل أن يكون مصيبا في حكمه.

* هل يمكن للرئيس ساركوزي أن يؤثر على نتنياهو؟

ـ نعم. هما يعرفان بعضهما البعض منذ مدة طويلة. لفرنسا موقف مؤثر وكان لنا تأثير على أولمرت. وقناعتي أن صداقتنا لإسرائيل شرط أساسي لقدرتنا على الحديث الى العالم العربي.

* لكن إسرائيل «لا ترد لكم الجميل»؟

ـ هذا لا يهمني. ما يهمني هو السلام.

* أنتم تدعمون أبو مازن في سعيه لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية أو حكومة وفاق وطني، مما يعني وجود عناصر من حماس فيها أو تحظى بدعم حماس. هذا تعديل في موقفكم من حماس. أليس كذلك؟

ـ نحن قلنا إن حماس يمكن أن تكون محاورا طبيعيا منذ اللحظة التي تقبل فيها العملية السلمية. نحن لا نتحدث إلى حماس مباشرة ولكن بالواسطة، عبر القطريين أو السوريين أو النرويجيين. وسنتحدث اليها رسميا عند قبولها العملية السلمية. لقد طلبنا من بشار الأسد الضغط على خالد مشعل لتكون الهدنة مع إسرائيل فعلية وأصبحت بعدها فعلية. ونرى أن الرئيس السوري استجاب وكان تدخله إيجابيا.

* هل الأميركيون مستعدون لقبول التعامل مع حكومة وفاق أو وحدة وطنية تضم أطرافا من حماس؟ هل طرحت الموضوع مع نظيرتك كلينتون؟

ـ الأميركيون يشددون على الوحدة الفلسطينية ومن حيث المبدأ لا مانع لديهم من التعامل مع حكومة تعكس هذه الوحدة. ولكن من حيث التطبيق، يجب انتظار شكل هذه الحكومة وطريقة تشكيلها. أبو مازن، كما همنا، يريد حكومة وحدة وطنية فلسطينية. هذا هو تعبيره، قد تكون حكومة توافقية أو حكومة تقنية مقبولة من حماس.

* إذاً الأميركيون يقبلون حكومة كهذه؟

ـ كيف يمكنهم رفضها إذا ما حظيت بقبول مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ ولكن هل ستقبل إسرائيل التعامل مع هذه الحكومة؟ لا أعرف.

* إسرائيل أعلنت قبل أيام عن ضم أراض جديدة في الضفة لتوسيع مستوطناتها ـ نحن كنا أول من دعا الى وقف الاستيطان. وهذا الموقف كررته عشر مرات على الأقل في إسرائيل وقاله الرئيس ساركوزي أمام الكنيست الإسرائيلي. ليس هكذا يبنى السلام وهذا النوع من الأعمال يطيح بأبو مازن.

* هذا الكلام يمكن أن يكون له وقع أكبر لو ترافق مع تدابير عملية معينة ضد إسرائيل.

- ماذا تريدنا أن نفعل؟ نحن لا نسلم إسرائيل أسلحة.

* ولكن بإمكانكم الكثير عبر الاتحاد الأوروبي واتفاقية الشراكة مع إسرائيل.

- قمنا بتعليق مسار تعزيز العلاقات الأوروبية ـ الإسرائيلية (الذي أقر في ديسمبر الماضي). هو ينص على قمة سنوية مرة في العام. وسارعنا الى القول إننا مستعدون للشيء نفسه مع الدولة الفلسطينية التي لم تولد بعد.

* سلام فياض كتب لكم ليقول إن اللحظة غير مناسبة لتعزيز العلاقة مع إسرائيل و مكافأتها مجانا؟

- صحيح. ولكننا اعتبرنا أن اللحظة مناسبة ومؤشر لانفتاحنا على إسرائيل وللعمل من أجل مسار السلام. هذا المسار متوقف الآن ولا حكومة إسرائيلية وعندما سترى هذه الحكومة النور سننظر في ما يتعين القيام به.

* بين وقت وآخر، يصدر كلام عنكم بخصوص مؤتمر دولي للسلام فيما الروس يسعون لمؤتمر في موسكو. اختلطت علينا الأمور. هل يمكنكم توضيح ما أنتم عازمون عليه؟

ـ صحيح هناك اقتراح روسي وهناك اقتراح الرئيس ساركوزي الذي يقول إنه إذا كان علينا انتظار التوصل الى اتفاق من أجل عقد مؤتمر دولي، فإن هذا المؤتمر لن يعقد أبدا. ولكن بالمقابل، يمكن تصور أن يكون المؤتمر مرحلة أولى تفضي الى شيء آخر كمؤشر على الإرادة السياسية للوصول الى تسوية. أعتقد أنه يجب الضغط والعمل في هذا الاتجاه وإلا فإن مسار السلام في وضع سيئ. النموذج الذي يمكن أن نقتدي به هو مؤتمر مدريد للسلام. للأسف، لقد لحق تأخير بالأجندة كما تصورناها (التهدئة، مؤتمر المصالحة الفلسطينية، مؤتمر إعادة إعمار غزة). المؤتمر الذي ندعو اليه يمكن أن يعقد في باريس بعد الانتهاء من هذه المحطات الثلاث.

* لم نر بعد السفير السوري في لبنان. هل لديكم تفسير لهذا التأخير؟

ـ للأسف لم يصل بعد السفير السوري الى بيروت. لقد تأخروا في تعيينه. كان يفترض أن يعين الأسبوع الماضي ولكن ذلك لم يحصل.

* هل فهمتم لماذا التأخير؟

ـ كلا.

* لقد توافقتم مع دمشق على «خريطة طريق» و من ضمنها إرسال سفير سوري الى لبنان.

ـ لقد تحققت أمور منها إقامة العلاقات الدبلوماسية التي هي اعتراف بلبنان وتمت زيارة الرئيس سليمان الى دمشق واختير مبنى للسفارة السورية في بيروت. أنا آسف لكون دمشق لم ترسل سفيرها بعد. ونحن نقول للسوريين ذلك. وإذا كان التأخير لشهر أو شهرين، فليس أمرا مهما. أما إذا كان يعني عملية إعادة نظر بما تحقق فهذا بحث آخر وسيكون أمرا خطيرا.

* في الأول من مارس (آذار) المقبل، ستنطلق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي. وفي شهر يونيو (حزيران)، تجرى الانتخابات التشريعية. هل لديكم مخاوف معينة من هذين الاستحقاقين؟ هل هناك مخاطر ما تهدد لبنان لجهة زعزعة استقراره؟

ـ هناك مخاطر تحيق باللبنانيين باستمرار. ولكنهم نجحوا دائما في تجاوزها. نأمل في أن ينجحوا مرة أخرى. في ما يخص المحكمة ذات الطابع الدولي، نحن وفرنا لها الدعم وساهمنا في تمويلها منذ اللحظة الأولى. وبالنسبة إلينا، لا مساومة على المحكمة بتاتا. الرئيس ساركوزي قال ذلك للرئيس بشار الأسد. هذا موقفنا ونحن متمسكون به ولن نحيد عنه. ونحن ندعم مهمتها في محاكمة قتلة الرئيس الحريري ورفاقه. ونعتقد أنه يتعين على الجميع مساعدة المحكمة والتعاون معها. والموقف المبدئي لفرنسا هو دعم العدالة الدولية المتوازنة أي العدالة الدولية التي تقوم بعملها بعيدا عن ضغوط السياسيين. وفرنسا ساهمت في إطلاق كثير من المحاكم الدولية الخاصة. لا يعود للسياسيين أن يتدخلوا في عمل المحكمة الذي هو من مسؤولية القضاة والعدالة الدولية. نحن ساهمنا في التمويل كدول أخرى منها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية وغيرهما.

* هناك تخوف في لبنان من أن يفضي الإعلان عن نتائج الانتخابات الى «اهتزاز» ما للوضع. لماذا لا تدعون وتعملون مع الأطراف حتى تكون النتائج مقبولة مهما كانت؟

ـ يمكن أن نفعل ذلك. في الأسابيع الأخيرة كنت منشغلا بوضع غزة. وكان لدي تخوف، في وقت من الأوقات، من امتداد النزاع الى حرب بين إسرائيل وحزب الله وكنت على تواصل دائم مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة فيما كان الرئيس ساركوزي على تواصل مع الرئيس سليمان الذي سيأتي الى باريس الشهر القادم.

* هل ستعمدون الى إرسال مراقبين لمتابعة الانتخابات؟

- نحن مستعدون لذلك ولكن أعتقد أنه سيتم في إطار الاتحاد الأوروبي. ولكن ننتظر أن يتقدم لبنان بطلب رسمي في هذا الشأن. وما نريده أن يصل المراقبون باكرا الى لبنان وليس يوم الاقتراع.

* ثمة تطور مهم حصل بخصوص موضوع دارفور مؤخرا في الدوحة حيث تم توقيع رسالة نوايا بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي. ما هو تقييمكم لما حصل؟

- هل تعلم كم من «التطورات المهمة» التي حصلت حول هذا الملف؟ نأمل أن يكون هذا التطور أفضل من سابقيه. «إنشاء الله بالعربية». وما نأمله أن يتم الانتقال من إعلان النوايا إلى الأفعال. وقد قلت في مجلس الوزراء أن ثمة بارقة أمل في دارفور. إذن أنظر الى هذا التطور بإيجابية ولكن لننتظر النتائج. مسألة دارفور شهدت 25 حالة اتفاق كالتي حصلت في الدوحة. ولكن انظروا في أية حالة ما زال الوضع في دارفور.

* ينص اتفاق الدوحة على خطوة التوصل الى اتفاق إطار وعلى الدعوة لمؤتمر موسع لتحقيق السلام في دارفور.

ـ نعم، أعرف ذلك وأنا أتابع التفاصيل ولقد استقبلت هنا رئيس وزراء ووزير خارجية قطر (الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني). آمل أن تسير الأمور الى الأمام ولكنني بصراحة لست متأكدا من ذلك أبدا.

* ثمة بادرة عملية يمكن لفرنسا القيام بها وهي حث زعيم حركة تحرير السودان عبد الواحد نور الذي يقيم على الأراضي الفرنسية على توقيع اتفاق الدوحة. هل ستعملون على ذلك؟

ـ بدأنا اتصالات مع عبد الواحد نور ونحن نرغب في أن يصبح طرفا في الاتفاق. لم يوقع إلى حد الآن ولم يدع للتوقيع. لقد شهدت باريس اتصالات عديدة حول موضوع دارفور خلال وعلى هامش زيارات رسمية لبلدنا. ووفق ما أعلمه، فإن نور أعرب عن استعداده للاستمرار في المفاوضات من أجل السلام في دارفور.

* كثيرون يقولون داخل السودان وخارجه إنه لا يتعين الإطاحة بهذه الفرصة لإحلال السلام من خلال إصدار قضاة المحكمة الجنائية الدولية قرارا بتوقيف الرئيس عمر البشير. ما هو موقفكم؟

ـ العدالة الدولية حرة وأنا لا أستطيع شيئا في هذا المجال. مذكرة الاتهام نقلها المدعي العام لويس أوكامبو الى القضاة. لا يمكن في الوقت عينه أن نقول إننا مع دعم عدالة دولية مستقلة ثم نتدخل لوقف سير هذه العدالة. ثم أريد أن أقول إنه لا تتوافر داخل مجلس الأمن الأكثرية اللازمة لتفعيل المادة 16 من قانون إنشاء المحكمة الجنائية وذلك من أجل تجميد ملاحقة الرئيس السوداني لمدة عام. كان يفترض أن تصدر مذكرة قضاة المحكمة في فبراير (شباط) الجاري ثم قيل إنها ستتأخر إلى شهر مارس (آذار). لا أعلم متى ستصدر المذكرة. هناك فصل بين السياسة و القضاء.

* لكن الرئيس ساركوزي التقى الرئيس البشير في الدوحة قبل أشهر. لماذا؟

ـ صحيح لقد التقاه وكنت حاضرا.

* أليس هناك حل سياسي أو مخرج سياسي لهذا الموضوع؟

ـ كلا وكلا وكلا. الحل الوحيد: وقف المذابح والوصول إلى السلام والحال أن السلام لا يشق طريقه الى دارفور. هناك العديد من الحواجز التي يضعها السودانيون بوجهه وبوجه الأمم المتحدة.

* آسف للعودة الى هذا الموضوع: هل كلامكم يعني أن مسار المحكمة الجنائية الدولية يجب أن يستمر ولا مجال لوقفه أو تعليقه؟

ـ أكرر: العدالة الدولية مستقلة وأنا أقبل سلفا ما ستقرره المحكمة الجنائية ونحن من أشد مناصريها.

* لماذا الإصرار على العودة الكاملة الى القيادة الأطلسية الموحدة وما الذي ستوفره لكم هذه العودة وهو غير متوافر الآن؟

ـ أريد أن أؤكد أولا أن عودتنا الكاملة الى الحلف الأطلسي لن تؤثر بتاتا على استقلالنا الوطني وحرية قرارنا. نحن نريد المحافظة على هذا الاستقلال وبأي ثمن، وعودتنا الى الحلف لن تمس استقلالية قرارنا. وأضيف هنا أن القرارات داخل الحلف تؤخذ بالإجماع وحتى عندما يتم إقرار عملية ما، يمكننا أن نشارك فيها كما يمكننا ألا نشارك فيها. وأذكر هنا أن ألمانيا وهي عضو كامل العضوية في الحلف وجزء من هيئة «التخطيط الاستراتيجي» وعضو المكتب 39 «للتخطيط الاستراتيجي»، رفضت أن تجري الحرب الثانية على العراق في إطار الحلف فعارضت هذا التوجه وبالتالي لم تجر هذه الحرب في إطار الحلف. إذن، عودتنا الكاملة لن تمس استقلالنا الوطني لا من قريب ولا من بعيد. لسنا تابعين ولن نكون أبدا تابعين للولايات المتحدة الأميركية.